الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

الانترنت وتنمية مهارات البحث العلمي:

تعاقبت الأحداث في السنوات الخمسين الماضية بصورة مذهلة في مجال الحاسب الآلي وتطبيقاته، حيث ظهر الحاسب الحالي ثم دعمت إمكاناته، وبحلول عقد الثمانينيات من القرن العشرين أصبح الحاسب الشخصي يحتل مكان الصدارة في الصناعات المدنية، وشهدت الأعوام التالية تطورات بدأت مع زيادة قدرات الأجهزة وربطها مع بعضها بعضا لتكون شبكة تستطيع فيها الأجهزة أن تتبادل البرامج والبيانات والمعلومات، وساعدت وسائل الاتصالات على زيادة رقعة الشبكة الصغيرة  بين مجموعة من الأجهزة  ليصبح الاتصال بين شبكات عدة  واقعا ملموسا في شبكة واسعة تسمى الإنترنت ( Inter net  ) التي شكلت مصدرا أساسيا للمعلومات للباحثين عامة والأكاديميين منهم خاصة، حيث شكل استخدامها بداية عصر معرفي جديد فتح مجالا واسعا أمام الدول النامية  لضرورة الاندماج في مسيرة ثورة التقنيات في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومن بينها الدول العربية.

ويتميز العالم المعاصر بقدرته الفائقة على إنتاج، واستخدام، وتخزين المعلومات ومد خيوط التواصل والتفاعل المعرفي بين البشر محليا وعالميا، مما جعل المعرفة ومن ورائها العقل البشري أحد أهم القطاعات الحساسة التي تستأثر باهتمام الدول في الاستثمار، باعتبارها عوامل قوة وتفوق في العصر الراهن وعُدة الحضور الفاعل في المستقبل.

 وقد جاءت الانترنت لتُشكل أحد أهم اختراعات القرن العشرين التي حولت العالم إلى مكتبة بلا جدران وقرية بلا أسوار وأمدت سكان هذه القرية بثقافة دون حواجز! وينمو الاستخدام العالمي للشبكة العنكبوتية بشكل لافت، ويزحف النشر الإلكتروني ليستولي يوما بعد يوم على مساحات جديدة كان بالأمس القريب يسيطر عليها عالم المكتوب إلى الحد الذي جعل الورق يتقادم بشكل متسارع ويدفع الكثير من الباحثين إلى التنبؤ بأن أطفالنا سيشهدون عالما خال من الورق.

 ومع كل هذه القفزات الحاصلة في التحول من عصر إلى آخر، ما يزال الاستغلال العربي لهذه الطفرة والاستفادة من خدماتها المعلوماتية الهائلة بطيئا وربما مقتصرا على بعض الجوانب الترفيهية، دون استغلال هذا الفضاء المعلوماتي في تنمية الرصيد المعرفي والثقافي للمتعاملين مع الشبكة العنكبوتية، خاصة إذا تعلق الأمر بمجال البحث العلمي الذي يعد عصب التطور وأس الرقي في كل المجتمعات، لاسيما في عصر المعلومات.

وتواجه مسألة الولوج في المعلوماتية من المنظور العربي، مجموعة من التحديات أمام النظم المعلوماتية العربية التي تمثل نطاقا إقليميا فرعيا يتفاعل  مع الأنظمة المعلوماتية الإقليمية ويتعرض لتأثيرات عديدة من خلال ثورة المعلوماتية، بدءا من التكنولوجيا المستخدمة مرورا بالمضمون، وانتهاء بالأهداف التي تسعى البلدان العربية إلى تحقيقها من خلال المعلوماتية.

 ومادام العلم والبحث العلمي هما الرهان الذي تُرابط مختلف الدول قصد الإمساك به و التحكم فيه، لأنه مصدر القوة والتفوق في معترك الحياة الراهنة، فالانترنت ومنذ ظهورها بدأ الحديث عن صيغة جديدة للتعليم تتجاوز مقاعد الدراسة، وتجعل الباحث والطالب على اتصال دائم ومستمر بالباحثين وبنوك المعطيات ومصادر المعلومات، مما يجعله أكثر قدرة من ذي قبل على التوسع في عمليات البحث والإنجاز والتواصل العلمي على الصعيد الكوني.

والانترنت لغة: لفظ يترجم كلمةInternet الإنجليزية التي تعتبر إدغاما لكلمتيInterconnected Networks أي الشبكات المترابطة. أما من الناحية الاصطلاحية فيمكن توصيف الانترنت بشكل مبسط على أنها مجموعة من الحاسبات مرتبطة في هيئة شبكة أو شبكات، تلك الشبكات لها القدرة على الاتصال بشبكات أكبر، بحيث يكون هذا الاتصال يسري وفق بروتوكول ضبط التراسل الذي يُتيح استخدام خدمات الشبكة على نطاق عالمي. 1

ومنذ عقدين أو أكثر من الزمن، كان تخيل الإنترنت يعد ضربا من الخيال، لكنها اليوم تمثل عماد المجتمع المعلوماتي الجديد ومعجزته التي يُبشر بها حيث فتحت هذه الأداة الجديدة العالم على أبوابه ودكت كل التحصينات والأسوار فخيمت بانتشارها السريع على العالم الأثيري لينصاع العالم لها ويستسلم لجموحها( مرتضي، عياشي: 2000)

فسيولة المعلومات وجموحها على كل أساليب الرقابة وتأبيها على مختلف الحواجز، جعل من الصعب التكهن بمآلات الكرة الأرضية في الآفاق المنظورة، مما دفع الباحث سيتلر  ( Saettler)إلى القول: أنه ليس من السهل التنبؤ بمستقبل استخدام التقنية في مجالات الحياة ولكن التنبؤ السهل الذي ينبغي أن يُبنى عليه المستقبل هو أن الأشياء التي تحصل عادة تكون أكبر مما تم توقعه.

ففي أواخر الستينيات من القرن الماضي فكر الأمريكيون في إنشاء شبكة تُؤمن التواصل في حالة نشوب حرب نووية وقد أطلق على هذه الشبكة في البداية تسمية( ARPAnet)، لتُستبدل في مطلع الثمانينات بأخرى تفوقها سرعة تدعىNSFNET ويقصد بهاnationale science foundation ومع مرور الزمن وتنامي عدد مستعملي الانترنت من قبل الأوساط المدنية تم فصل القسم العسكري منها ومنذ ذلك التاريخ وزوار الشبكة في تزايد مستمر إلى يوم الناس هذا.

ويشير التقرير الذي أعده خبراء المجلس القومي للثقافة والإعلام إلى أن نسبة المحتوى العربي على الانترنت مازالت لا تتجاوز 0. 01 % ‏ ‏من إجمالي محتوى الشبكة كاشفا عن أن عدد المواقع العربية على شبكة الانترنت وصل ‏ ‏إلى 14 ألف موقع مقابل 35 ألف موقع لإسرائيل.  فمعدلات الانخراط العربي ما تزال بعيدة عن المؤشرات العالمية، حيث نجد 1. 6%‏ من المستخدمين العرب للانترنت مقابل 79%‏ في الولايات المتحدة( وحيد، قدورة، 2005: 46).

ذلك أن الشبكة الالكترونية العربية تتنوع بين مواقع إسلامية وأخرى ثقافية، في ‏ ‏الوقت الذي تخلو فيه من موقع سياسي عربي يمكن أن يعبر عن قضية سياسية موحدة في ‏ ‏العالم العربي باستثناء مواقع الصحف العربية.

بيد أن العديد من المعوقات تبطئ انتشار الإنترنت، من أهمها: بطء نمو البنية التحتية وارتفاع كلفة استخدامها- الإنترنت- في بعض البلدان العربية التي تتعدى القدرات المالية لغالبية السكان والمستخدمين فيها.  مما يدلل على أننا بحاجة إلى مزيد من الجهد لإحداث ثورة معلوماتية تنهض بواقعنا، لتجعلنا نتفاعل بكفاءة مع تحديات الراهن.

ونجد أن اللغة العربية تحتل هامشا ضئيلا ضمن ركام هائل من الصفحات على الشبكة، حيث أن مما مجموعه 8 مليارات صفحة تقريبا تحتل اللغة الإنجليزية ما نسبتة82 %، في حين تحتل باقي اللغات نسبة18%، مما يعكس واقع اللاتكافؤ والاختلال المعلوماتي الذي سيؤثر حتما على الثقافات المستضعفة إلكترونيا ويُعرّض أهلها إلى موجات عاتية من متاهات اللاإنتماء وصراع الهوية. إذ تشير الأرقام إلى أن حصة الإنتاج الفكري باللغة العربية المتاح عبر الانترنت لايتجاوز0. 3% من المعلومات المنشورة على الواب( وحيد، قدورة، 2005: 49)

 يحدث هذا التراخي العربي عن الانخراط في العالم الرقمي في زمن بات فيه عالم الإنترنت يشكل عالم المعرفة في العصر الراهن، حيث لم يعد فقط مصدرا ومخزنا للمعلومات أو إدارتها وتنظيمها واسترجاعها وقت الحاجة، بل أصبح في معظم الأحيان هو المولد والمنتج للمعرفة والموزع لها والمعلم والإعلامي والمربي، بل التاجر والمروج والمقرر والمبلور للرأي والمؤسس لبعض القيم قي كثير من جوانبه( محمد، رحومة، 2005: 40).

والمتتبع لسيرورة التطور الحاصل في حقل الاتصال يلمس أنه ما إن تظهر تقنية اتصالية أو معلوماتية جديدة، حتى تتهافت الكتابات حولها بين مشيد بها ومحذر منها، مرغب فيها ومنفر منها ولم يسلم عصر الانترنت على غرار العصور التي سبقته من تعدد الخطابات وتباينها ويتزعم الخطاب المتوجس من آثار عصر الانترنت الباحث بول فيرليو*Paul Virilio الذي يركز على انعكاساتها السلبية على القيم الإنسانية والعلاقات الاجتماعية مفندا الطرح الذي يقول بعلاقة تلازمية بين التطور التقني والرقي الإنساني والاجتماعي. كما يعد الباحث "دومينيك فولتون Dominic Wolton من المصنفين ضمن التيار الناقد، لكن بنبرة معتدلة وغير حادة، كما هو الشأن بالنسبة لسابقه.

وفي مقابل هذا التيار الناقد لتغلغل المد التكنولوجي في النسيج الاجتماعي، يبرز تيار آخر مبشر بمحاسن الانترنت، بالنظر للآثار الايجابية التي سوف تنعكس على الحياة الاجتماعية  وتتعدد ألوان هذا الطيف من اقتصاديين وسياسيين وباحثين، منهم بيل جيتسBill Gates، وأل قورAl gore ونيكولا نقربونتيNicholas Negroponte، حيث يراهن هذا الفريق على الانترنت كعلامة من علامات هذا العصر وآلية تحرر الإنسان من قوالب التفكير القديمة، حيث تلج به في العصر الافتراضي. 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 146 مشاهدة
نشرت فى 17 مايو 2013 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,660,347