الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

إن من يمعن النظر في تراثنا العربي يجد أن تعليم اللغة في ضوء مدخل الاتصال اللغوي كان قريناً بنشأة اللغة وتداولها بين العرب، ثم المسلمين بعد ذلك، ويرى ذلك في القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حميد، فنجد في القرآن قوله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير".(الحجرات :13)
نجد في الآية الكريمة نوع من التفاعل يقتضى المشاركة والاتصال، والفهم والإفهام، ولن يتم التعارف والتفاهم من غير لغة.
وفى قوله تعالى :"وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه".( آل عمران: 187)
فإن الفعل (تبيننه) يقتضي الفهم والإفهام بمعنى أن هناك نوع من التفاعل وهذا هو جوهر الاتصال , كذلك لا يكون بيان من غير لغة، فلابد من استخدام اللغة في ذلك .
وكما توجد آيات تؤكد على مهارات الاتصال، توجد آيات تؤكد على الوظيفة والحياتية، وقيمة ذلك في تحقيق فعالية التواصل، ومن أمثلة ذلك ضرب الله تعالى الأمثال في بعض الآيات عندما يكون المعنى الأصلي أعلى من رؤية الإنسان أو لم يمر بخبرته أو يستحيل عليه فهمه، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى :"واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراَ" (الكهف :45)
فلما أراد الله تعالى أن يبين قيمة الدنيا لمن أحبوها وتناهت إليهم الرغبة فيها والرضا عنها، استشهد جل شأنه بمشهد حياتي يراه معظم الناس في حياتهم اليومية، وهو مشهد يبرز قدرة الله تعالى الذي يرسل الماء، فينبت الزرع ثم بقدرته- جل شأنه- يحيل هذا النبات إلى يابسٍ متكسرٍ تلقى به الريح في مكان بعيد.
هذا مجمل القول عن القرآن الكريم، أما السنة النبوية الشريفة، فقد وردت أحاديث عن النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم تؤكد على فعالية الاتصال اللغوي بإتقان مهاراته، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تضر الله امرأً سمع منا حديثاً فأداه عنا كما سمعه فإنه رب حامل فقه غير فقيه.." أخرجه (الترمذي، وابن ماجه، وابن حيان) إن من يمعن النظر في الحديث السابق يجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد على أهمية الاستماع الجيد فى تحقيق التواصل؛ لأن المستمع الجيد في نظره يتقن الرسالة اللغوية , ويستطيع أن يبينها للناس قولاً أو كتابة بشكل جيد وفى الوقت نفسه؛ يؤكد على أمانة النقل والقول.
ومن الأحاديث الشريفة التي تؤكد اقتناع النبي صلى الله عليه وسلم بأثر استخدام المواقف الحياتية والأمثلة الحية المستوحاه من البيئة في تحقيق فعالية التواصل والفهم والإفهام ما ورد في هذا الحديث عن راوية النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر". (رواه البخاري و مسلم )
فلما استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً حياً يراه أي إنسان في نفسه وفى حياته اليومية، سهل عليهم فهم ما كان يقصده، فبذلك يتحقق التواصل.
أما عن تراثنا العربي :
فيرى (عبد القاهر الجرجاني) أن تحقيق التواصل اللغوي بين مرسل ومستقبل لا يتم إلا إذا ألفينا الحديث منظوماً، ويقصد بالنظم هنا أن تعلق الكلمات بعضها ببعض، ويبنى بعضها على بعض.
ونلاحظ أن عبد القاهر الجرجاني في نظريته التي أسماها (بالنظم)، والتي نلمسها في فحوى رأيه السابق أنه علق تمام الاتصال وتحقيق المعنى على سلامة البنية اللغوية (النحو) فلا يصح أن يجعل (المرسل) الفاعل مفعولاً بإبدال علامة الإعراب أو حركتها فإن ذلك يحدث لبساً في ذهن المستقبل (المستمع أو القارئ).
ولقد ورد في (البيان والتبيين) تأكيد الجاحظ على أهمية اختيار الألفاظ المعبرة عن المعنى في الكلام والكتابة في تحقيق فعالية الاتصال اللغوي بين المرسل (المتحدث أو الكاتب) والمستقبل (المستمع أو القارئ) حيث قال :"ومتى شاكل- أبقاك الله- اللفظ معناه، وأعرب عن فحواه، وكان لتلك الحال وفقاً، ولذلك أقدر لفقاً، وخرج من سماجة الاستكراه، وسلم من فساد الكلف، كان قميناً بحسن الموقع وانتفاع المستمع، وأجدر أن يمنع جانبه من تناول الطاغين، ويحمى عرضه من اعتراض العيابين، ولا تزال القلوب به مغمورة مأهولة، ومتى كان اللفظ أيضاً كريماً في نفسه متحيزاً جنسه، وكان سليماً في الفضول بريئاً من التعقيد حبب إلى النفوس، واتصل بالأذهان، والتحم بالعقول وهشت إليه الأذهان والأسماع، وارتاحت له القلوب وخف على ألسن الرواة، شاع في الآفاق ذكره، وعظم في الناس خطره، وصار ذلك مادة للعالم الرئيس، ورياضة للمتعلم المريض، فإذا أراد المتكلم صلاح شأن العامة، ومصلحة حال الخاصة، وكان ضمن ممن يعم ولا يحصى وينصح، ولا يفشى وكان شغوفاً بأهل الجماعة شغفاً لأهل الاختلاف والفرقة، رجعت له الحظوظ من أقطارها، وسيقت إليه القلوب بأزمتها، وجمعت القلوب المختلفة الأهواء على محبته وجبلت على تصويت إرادته، ومن أعاده الله من معرفته مضيئاً، وأفرغ عليه من صيته ذنوباً، حنت إليه المعاني وسلس له نظام اللفظ، وكان قد أغنى المستمع من كد الكلف، وأراح قارئ الكتاب من علاج التفهم".
فأن الجاحظ يشترط تحقيق فعالية التواصل اللغوي بأن يلتزم المرسل (المتحدث أو الكاتب) باختيار الألفاظ المألوفة غير المجردة والتي تبعد عن التعقيد، ويجب أن يعبر بها عن معناها الحقيقي، ويبتعد عن المجاز المتكلف والصنعة اللفظية التي تصيب المعنى بالركاكة، فتحول دون وصول المعنى للمستقبل (المستمع أو القارئ).
وأخيراً يستخلص مما سبق أن تعليم اللغة في ضوء مدخل الاتصال اللغوي جذوره عربية، يجدها من يبحث عنها في تراثنا العربي، ولكن ماذا عن أصل ونشأة مدخل الاتصال اللغوي كمدخل تدريسي تم الأخذ به في تصميم مناهج وطرق تدريس اللغات المختلفة من قبل علماء المناهج وطرائق تدريس اللغات؟.
الجذور التاريخية للأخذ بالمدخل الاتصالي في تعليم اللغات :
سبق الأخذ بمدخل الاتصال اللغوي عدة مداخل أخرى في تدريس اللغات، أشارت إليها الأدبيات التربوية وأهمها:
المدخل التقليدي : ويركز على القواعد النحوية والصرفية للغة، حيث أن التمكن من هذه القواعد يساعد على ضبط الاستخدام اللغوي ، وخاصة القراءة والكتابة.
المدخل المباشر : ويعتمد على اللغة الشفوية المستخدمة في الحياة اليومية، ويهتم بالعلاقة بين اللغة والفكر، وبين الكلمات ودلالتها المستخدمة في الممارسة اليومية بشكل واقعي.
المدخل الإصلاحي : وهو من ثمار البنيوية ، ويستخدم لغة التواصل اليومي تحدثاً وكتابة حيث يقوم بالموازنة بين اللغة المكتوبة، واللغة الشفوية، ولغة التواصل اليومي.
المدخل القرائي : وهو امتداد للمدخل الإصلاحي والإطار البنيوي الذي يركز على الأداء دون النظر إلى إطاره الفكري.
المدخل السمعي الشفوي : ويهتم بعنصر الأداء اللغوي، حيث ينتمي إلى البنيوية أيضاً، ويهتم باللغة الشفوية الدارجة، وتقدمها على اللغة المكتوبة، فهو يهتم بالاستماع والتحدث؛ لأن – عند أنصاره- اللغة كلام منطوق ليس مكتوباً.
وهناك عدة مداخل اهتمت بالتكامل أهمها :
مدخل المفاهيم : ويعتمد على مصفوفة المفاهيم التي تتكون من خلال تصنيف المعارف في ضوء صفات مشتركة بينها فعلى سبيل المثال المرفوعات والمنصوبات في النحو العربي.
مدخل البيئة : ويعتمد على مشكلات البيئة كأساس للتكامل، ويربط بين ما يدرسه الطلاب والبيئة التي يعيشون فيها.
مدخل الفنون اللغوية المتكاملة : ويهتم بتعليم فنون اللغة متكاملة من حيث الاستماع والتحدث، والقراءة والكتابة والنحو عامل مشترك بين هذه الفنون في منظومة متكاملة.
وأخيراً ومن خلال تلك المداخل المتعددة، انبثق مدخل الاتصال اللغوي بعد أن أجمع معظم علماء المناهج طرائق تدرس اللغات المختلفة على أن هذا المدخل هو الذي وفق بين كل المداخل السابقة؛ لأنه أخذ من كل مدخل ما يميزه فهو يعتمد على الاستخدام الوظيفي للغة على أساس من التدرج، ويركز على تعليم اللغة من خلال مواقف حياتية اجتماعية، كما يهتم بفنون اللغة بشكل متكامل ومتوازن ويعتمد أيضًا على النظريات المعرفية في علم النفس، والقواعد التوليدية التحويلية ( لتشومسكي)، ولكن متى وأين نشأ؟
نشأة المدخل الاتصالي :
بعد أن أثبتت الدراسات والبحوث قصور المداخل والطرق التقليدية مثل المدخل السمعي الشفوي، والمدخل الشفوي السمعي عن تحقيق الأهداف المنشودة، ظهرت إرهاصات الأخذ بمدخل الاتصال اللغوي في تدريس اللغة الإنجليزية في بريطانيا، وذلك في أواخر الستينيات، وأوائل السبعينيات من هذا القرن.
وقد أكد ذلك كل من سميث مورو وزميله (Smith Moro 1980 (12) )،
(ايفلين براد E.Berad 1991 (8) ) بأنه تم الأخذ بمدخل الاتصال اللغوي في تعليم اللغة الإنجليزية في بريطانيا عام (1975)، وكان ذلك رد فعل لأوجه القصور والنقد التي وجهت للمداخل السابقة، التي اعتمد معظمها على نظرية البناء اللغوي كما تصورها (تشومسكى Chomsky)، والتي كانت تعتمد على صب اللغة في قوالب صماء.
هذا، وقد أشارت الأدبيات التربوية إلى عدة عوامل كان لها عظيم الأثر على سيادة مدخل الاتصال اللغوي في تعليم اللغات:
أثبتت نتائج الأبحاث العلمية آنذاك أن محتويات المناهج بعيدة كل البعد عن الحياة الواقعية ولم تفسر حاجات التلاميذ.
النقد الكبير الذي تعرضت له الأساليب الشفوية السماعية (MAO) وأيضاً الأساليب السماعية المرئية.
النقد الكبير الذى وجه (لتشومسكى) صاحب نظرية البناء اللغوى والتى كانت تقدم كفاءة اللغة على كفاءة الاتصال.
تغير واقع التعليم في أوربا، فضلاً عن زيادة التواصل والتداخل بين الدول الأوربية، مما أظهر الحاجة الماسة إلى تعليم الصغار والكبار اللغة في ضوء المدخل الاتصالي.
اهتمام المؤتمرات الدولية المسئولة عن اللغة بتطوير الكتب المدرسية من أجل تحقيق كفاءة الاتصال، وبالفعل تم بالجهود الدءوبة تشغيل الرابطة الدولية للغويات التي سعت جاهدة إلى تطوير المناهج.
ومن ناحية أخرى أسهم اللغوي الكبير (ويلكنز Wilkins 1972 (4) ) في تدعيم الأخذ بمدخل الاتصال اللغوي في تعليم اللغة الإنجليزية، وذلك عندما أعد وثيقة أثبت فيها أن أهم وظائف اللغة على الإطلاق هي الوظيفة الاتصالية، ثم أردفها بكتاب أسماه (المقررات القومية) عرض من خلاله محتوى لغوياً في ضوء مدخل الاتصال اللغوي وأوصى بالأخذ به في تعليم النشء اللغة.
و مما سبق نلاحظ أن بداية الأخذ بمدخل الاتصال اللغوي كان في انجلترا في بداية السبعينيات من هذا القرن، وأن هذا المدخل كان رد فعل للقصور الذي وجه لأنصار البنيوية الذين ركزوا في تعليم اللغة على القوالب والصيغ اللغوية، بصرف النظر عن تحقيق فعالية الاتصال بين المرسل والمستقبل، وقد كان لكل من المجلس الأوربي وكريستوف، ويلكنز، وجونسون اليد العليا في تدعيم الأخذ بمدخل الاتصال اللغوي في تعليم اللغة.
هذا عن النشأة التاريخية للأخذ بمدخل الاتصال اللغوي في تعليم اللغات في القرن الحالي، فماذا عن المفهوم الفلسفي لمدخل الاتصال اللغوي ؟
المفهوم الفلسفي لمدخل الاتصال اللغوي:
يمكن تعريف مدخل الاتصال اللغوي بأكثر من مسمى كما تشير إلى ذلك الأدبيات التربوية ، وأهم هذه المسميات ما يأتي :
المدخل الوظيفي ، المدخل المعرفي ، المدخل ذا المفهوم والوظيفة، وأخيراً المدخل الاتصالي، ويتميز هذا المدخل عن المداخل الأخرى التي سبقته بأنه يسعى إلى تحقيق كفاءة الاتصال، وأن الهدف الأساسي من تعليم اللغة في ضوء مدخل الاتصال اللغوي هو إكساب المتعلم مهارة الاتصال بالقدر نفسه في المهارة .
و تحقيق كفاءة الاتصال وكفاءة اللغة مرهون بكتاب جيد يضم بين دفتيه محتوى ثقافياً ولغوياً معبراً عن حاجات المتعلم وبيئته وثقافته، يستطيع التلميذ من خلاله ممارسة اللغة في مواقف وظيفية وحياتيه، وذلك في كل مراحل التعليم ولاسيما المرحلة الابتدائية.
كما أن من أهم سمات المدخل الاتصالي تركيزه على وظيفية اللغة، وممارستها من خلال فنون أربعة (الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة) في سياق لغوى سليم.
ويستخلص مما سبق : أن مدخل الاتصال اللغوي مدخل وظيفي يقوم على تعليم اللغة من خلال مواقف حياتية واقعية يستطيع التلميذ أن يمارس فيها اللغة من خلال فنون أربعة هي الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة في سياق لغوى سليم، فلا يكون تعلم الأساليب والقواعد هدفاً في حد ذاته ولكن لمعرفة كيف يستطيع التلميذ أن يمارس ذلك في حياته اليومية، وعلى سبيل المثال لا يتعرف تلميذ الصف الرابع الابتدائي أسلوب الاستفهام كهدف في حد ذاته ولكن ليتعلم به كيف يستطيع أن يسأل عن شيء ما في موقف اتصالي يخلو من الخطأ اللغوي.
هذا عن المفهوم الفلسفي لمدخل الاتصال اللغوي، فماذا عن الأسس التي يقوم عليها؟
الأسس الفلسفية التي يعتمد عليها مدخل الاتصال اللغوي:
مما لا شك فيه أن المدخل الاتصالي يعتمد على أسس ومبادئ فلسفية تميزه عن مداخل التدريس التي سبقته، وأهم هذه الأسس كما أشارت إليها البحوث والدراسات السابقة هي:
المتعلم مركز الاهتمام في العملية التعليمية :
ويعنى ذلك أن يكون المتعلم هو الهدف في العملية، فلكي يتعلم التلميذ اللغة، فلزاماً عليه أن يكون قد اكتسب من خبراته التعليمية المباشرة وغير المباشرة مهارات عقلية أساسية لفهم اللغة، والتعبير شفهياً وتحريرياً، ولكي يكتسب هذه المهارات، فلا بد من وجود حافز لديه، وهنا يظهر دور المعلم الجيد الذي يحفز التلميذ ويستثير ملكاته، وذلك من خلال الكتاب المدرسي، والأنشطة المصاحبة للعملية التعليمية.
ينبغي أن يرتبط تعلم اللغة بحاجات وأهداف المتعلمين :
لما كان لكل فرد فى المجتمع حاجاته الخاصة التى يسعى دائماً من أجل تحقيقها، فإن مجموع هذه الحاجات يمثل حاجات المجتمع ككل، وبالطبع تتأثر هذه الحاجات بالظروف السياسية والاجتماعية والثقافية التى تسود المجتمع، لذا فيرى أيضاً هذا المدخل ضرورة تنبيه خبراء المناهج والقائمين على العملية التعليمية بمراعاة حاجات المتعلمين وأهدافهم لكل مرحلة سنية بحيث يستطيع التلميذ أن يرى نفسه وبيئته من خلال كتابه المدرسى للغة العربية.
ولكي يتم التوصل إلى حاجات التلاميذ فهناك عدة طرق لتحليل الحاجات أهمها:
أ- طريقة ريتشير (Richter) :
نظم ريتشير (Richer) فى طريقته مصفوفة للحاجات اللغوية، وحاجات التعلم يمكن تلخيصها فى الشكل التالى:

ويستخلص من الشكل السابق أن ريتشير (Richter) قد حدد الحاجات التي يجب إشباعها فى مواقف معينة تجاه متعلمين معينين بخصوص موضوعات معينة.
ب- طريقة الفريز (Alvarez) :
توصل الفريز (Alvarez) إلى مصفوفة من المهارات اللغوية التى يحتاجها الفرد فى حياته اليومية والعملية وهى :
الفـهم الشفهى (الاستماع)
التعبـير الشفهى(التحدث)
الفهـم التحريرى(القراءة)
التعبير التحريرى(الكتابة)
جـ- طريقة نيفيو وسول (Niveau & Seuil) :
وتوصل مجموعة من الباحثان إلى نظام قائم على ثلاثة محاور مهمة لتحليل حاجات المتعلم اللغوي وهى :
مجالات الأنشطة اللغوية.
الأفراد المتعلمون .
المواقف التواصلية.
و مما سبق يتضح أن الحاجات اللغوية للمتعلمين تضم ثلاث حقائق هي:
• ما يرغب المتعلم في تعلمه.
• ما يتطلبه المجتمع من الناحية (العملية ، الاجتماعية، الثقافية).
• ما يجب تعلمه في اللغة.
لذا ينبغى أن يكون محتوى الكتاب المدرسي للغة العربية ولا سيما في المرحلة الابتدائية مترجماً لهذه الحقائق.
التأكيد على المعنى :
تشير الأدبيات التربوية إلى أن المداخل السابقة للمدخل الاتصالي كانت تعتني بالتراكيب، والقواعد أكثر من عنايتها بالمعاني التى تحملها هذه التراكيب، وواقع الحال يشير إلى أن اهتمامات المعلم تختلف عن اهتمامات عالم اللغويات، فالمتعلم يهتم قبل كل شيء بالمعنى سواء حين يحاول التعبير أو حين يحاول فهم المعنى المتضمن فى الرسالة اللغوية التى تلقاها.
وإذا كانت المداخل السابقة قد اهتمت بإكساب المتعلم التراكيب، والقوالب اللغوية على أمل أن يستطيع هذا المتعلم تحميلها بالمعاني فيما بعد، فإن المدخل الاتصالي قد اهتم بإعادة ترتيب الأولويات، فقدم المعنى على الشكل، والجوهر على القالب.
ويعقب الباحث على ذلك : بأن تقديم المعاني على الشكل لا يعنى إهمالاً لقواعد اللغة ولاسيما في لغتنا العربية التي يعد النحو من أهم خصائصها، بل من أهم العوامل التى تساعد على توصيل المعنى صحيحاً، ولعل ما أورده عبد القاهر الجرجاني فى كتابه دلائل الإعجاز أكبر دليل على ذلك عندما قال : إذا أردت المعنى فتوخى النحو وإذا أردت النحو فتوخي المعنى؛ لذا فتعلم اللغة يعتمد على كفاءة الاتصال وكفاءة اللغة معاً، ولا سبيل للاستغناء عن أحدهما.
تقليل الاعتماد على التكرار الآتي :
ينفرد مدخل الاتصال اللغوى عن المداخل السابقة برفضه الشديد للتكرار الآلى والتعليم المكثف المعتمد على الشرطية- مبادئ المدرسة السلوكية- (مثير لغوى، استجابة لغوية) وهو ما يسمى بآليات اللغة.
و التكرار الآلي لعبارات وجمل جافة وبعيدة كل البعد عن واقع المتعلم تجعل درس اللغة مفتقداً لفعالية التواصل بين المتعلم وكتابة وأيضاً المتعلم ومعلمة، وذلك بخلاف تعليم اللغة فى ضوء مدخل الاتصال اللغوي الذي يعتمد على تعليم اللغة من خلال محتوى جيد، ومواقف حياتية واقعية يستطيع أن يراها المتعلم في حياته اليومية.
معرفة وإتقان اللغة ضرورة مهمة لاستخدامها :
لما كان اهتمام المداخل السابقة بالتركيز على كفاءة اللغة آثر أنصار مدخل الاتصال اللغوي التركيز على كفاءة الاتصال، والتنحي جانباً عن كفاءة اللغة، وكان ذلك فى بادئ الأمر، وفيما بعد أيد أنصار هذا المدخل أنفسهم ضرورة الاهتمام بكفاءة الاتصال وكفاءة اللغة معاً؛ لأن اللغة نظام متكامل متفاعل لا ينفصل فيها المعنى عن النحو فهي تتكون من ثلاثة أنظمة : (نظام للأصوات يتكون منه نظام للأشكال "الكلمات") فيؤدى بدوره إلى نظام تركيبي أو نحوى مما يؤدى بدوره إلى تحقيق التواصل ببلوغ المعنى أو الدلالة.
التركيز على الأنشطة الإبداعية والتفاعلية يؤدى إلى تنمية وإتقان اللغة:
مما لا شك فيه أن الهدف النهائي للمتعلمين هو الاستخدام الأمثل للمهارات اللغوية التى يتعلمونها من أجل تحقيق التواصل مع الآخرين؛ وليتحقق هذا الهدف يستلزم تعلم اللغة أنشطة تفاعلية يمكن استخلاصها من الكتاب المدرسي للغة أو غيره مع وجود المناخ المناسب الذي يساعد على التفاعل داخل الفصل بين المعلم وكتابة وبين المتعلمين ومعلمهم، وبين المتعلمين أنفسهم مما يساعد على تحقق التواصل وإتقان المتعلمين للغة فى أقل وقت ممكن.
ويعقب الباحث على ما سبق: بأن أهمية الأنشطة تكمن فى أنها تعمل على تنمية الإبداع وأيضاً إثارة التفاعل داخل الفصل، هذا ويزيدها فعالية أن تكون ضمن محتوى الكتاب المدرسي للغة وأن تركز على المتعة والتسلية بحيث تكون متاحة للتلميذ أن يمارسها في أي وقت وأي مكان.
التأكيد على وظيفية اللغة :
يؤكد مدخل الاتصال اللغوي على أن تعليم اللغة يتم من خلال استخدامها فى وظائفها الحقيقية فالمرء يستخدم اللغة؛ ليقدم نفسه أو يطلب شيئاً أو يعتذر عن شيء أو يقبل أو يرفض أو يبدى رأيه في شيء ما…إلخ، فالمرء يستخدم اللغة في سبعة وظائف اتصالية هي:
الوظيفة النفسية : ويقصد بها استخدام اللغة لتلبية حاجات الفرد وإشباع حاجاته الأساسية.
الوظيفة التنظيمية: ويقصد بها استخدام اللغة من أجل إصدار أوامر أو توجيه سلوك.
الوظيفة الشخصية : ويقصد بها استخدام اللغة من أجل أن يعبر بها الفرد عن مشاعره وأفكاره.
الوظيفة الاستكشافية : ويقصد بها استخدام اللغة من أجل الاستفسار عن أسباب الظواهر والرغبة فى التعلم منها.
الوظيفة التخيلية : ويقصد بها التعبير عن تخيلات وتصورات الفرد، وإن لم تتطابق مع الواقع.
الوظيفة البيانية : ويقصد بها استخدام اللغة من أجل تمثيل الأفكار والمعلومات وتوصيلها للآخرين.
ويستخلص مما سبق أن تعليم اللغة في ضوء مدخل الاتصال اللغوي يعتبر الوظائف اللغوية السابقة أهدافاً يسعى إلى تحقيقها، وبناء عليه فإنه لا يتم تعليم الاستفهام والأمر والنهى كهدف في حد ذاته ولكن من أجل الاستفسار عن شيء ما أو طلب معلومة أو النهى عن سلوك معين، وبالتالي تكون الممارسة الوظيفية للغة هى الأساس الذي يقود المتعلم إلى مستوى الإبداع اللغوي الذي يعد الهدف الأسمى لتعليم اللغة العربية في ضوء مدخل الاتصال اللغوي.
التركيز على الفنون اللغوية الأربعة بشكل متوازن ومتكامل :
هناك مجالات أو وظائف خاصة للاتصال اللغوي - تتمثل في فنون أربعة هي (الاستماع والكلام والقراءة والكتابة) والنحو والبلاغة عاملان مشتركان بين هذه الفنون.
ومن أهم الأسس التى يعتمد عليها مدخل الاتصال اللغوي تناول مهارات هذه الفنون بشكل متكامل بحيث يؤثر بعضها في بعض وبشكل متوازن بحيث لا يطغى فن على الآخر، وذلك من خلال محتوى ثقافي جيد، وبناء على ذلك يكون الكتاب المدرسي الذي يجمع بين دفتيه المحتوى اللغوي والثقافي هو أهم عناصر المنهج في تحقيق أهداف مدخل الاتصال اللغوي.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 767 مشاهدة
نشرت فى 20 إبريل 2012 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,653,459