الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

مما لا شك فيه أن اللغة لها وظائف عديدة، تتضاعف هذه الوظائف مع تعقد الحياة وتعدد قنوات الاتصال، وأهم هذه الوظائف على الإطلاق هي الوظيفة الاتصالية، حيث لا سبيل أمام الفرد للتواصل وقضاء معظم حاجاته إلا بالتواصل والتفاهم مع الآخرين، ولا بد للتفاهم من لغة، ويؤكد ذلك اللغويون والتربويون قديماً وحديثاً .
فاللغة لها قيمة عظمى في التعبير عن الحاجات والمشاعر ، وعند استخدامها كأداة للتواصل، "فلكي يعيش الفرد مع الجماعة لابد من الاتصال بأفرادها، ومن الطبيعي أن تكون لغته هي الأداة في هذا الاتصال، وعن طريق إحدى مهاراتها (الاستماع أو التحدث أو القراءة أو الكتابة) يستطيع أن يخرج من حدود الجماعة الصغيرة ويتصل بالمجتمع ليحقق مطالبه، ويطلع على ما يجرى فيه من أحداث، وتطورات، ويكتسب خبرات واسعة، ومعلومات أكثر" .
وتتضاعف أهمية اللغة كأداة للتواصل بالنسبة للمجتمع والإنسانية ككل وليست مهمة للفرد فحسب، ؛ فهي أداة الاندماج الحقيقية بين أفراد المجتمع ، وهى الرباط الوثيق الذي ضمن للتطور الإنساني التاريخي البقاء عبر السنين، والجانب المعنوي الذي حفظ الحضارة لكل الأمم والشعوب.
فاللغة أصل، وجذر لكل ما يمكن أن نتصوره عن عوامل تكوين المجتمع، كالتاريخ المشترك، والدين المشترك، والأدب والفكر، والإحساس والإدارة، والعمل المشترك فلا يمكن تصور تاريخ بلا لغة، ولا دين بلا لغة، فاللغة منهج اتصال يتمثل فى فنون أربع هى (الاستماع، والتحدث، والقراءة، والكتابة) والنحو والبلاغة عاملان مشتركان بين هذه الفنون.
و أساس هذه النظرة هو الاهتمام بوظيفة اللغة، ودورها في حياة البشر، وقد ترتب على هذه النظرة الاهتمام بعملية التواصل نفسها وبجوانبها المكونة لها، (الرسالة، والوسيلة، والمرسل والمستقبل) والنية أو العزم على تبليغ الرسالة، وما ينبغي أن يكون عليه كل جانب من هذه الجوانب، كما ترتب على تلك النظرة أيضاً الاهتمام باستخدام اللغة وممارسة أنشطتها بدلاً من التركيز على حفظ قواعدها، فالمهم هو إتاحة الفرصة للطلاب لاستخدام اللغة وظيفياً، وهنا يأتي دور الكتاب المدرسي لتعليم للغة العربية- ولاسيما لغير الناطقين بها- لخلق الظروف والمواقف الحياتية من خلال محتوى ثقافي معين يكون صالحاً لأن يمتزج بمحتوى لغوى مناسب يتم من خلاله ممارسة فنون اللغة وإتقان مهاراتها.
وأخيراً إذا كان قد استخلص من خلال الحديث عن اللغة وأهميتها أن أهم وظائف اللغة على الإطلاق هي الوظيفة الاتصالية؛ فإن ذلك لا يعنى أن اللغة هي أداة الاتصال الوحيدة، أو أن الاتصال لا يتم إلا من خلال استخدام اللغة، ذلك لأن مفهوم الاتصال أشمل وأوسع من ذلك بكثير وذلك ما سيتم التعرف عليه من خلال الصفحات القادمة.
مفهوم الاتصال :
الاتصال كلمة ذكرت في المعجم الوسيط ضمن مادة وصل "يصل فلان وصولاً"… ووصل الشيء عليه وصولاً، " واتصل به اتصالاً"، بمعنى بلغه وانتهى إليه ، فالمدلول اللفظي لكلمة اتصال يدل على أن أصلها فى اللغة العربية (وصل)، فيقال وصل فلان الشيء بمعنى بلغة وانتهى إليه، ومنه وصل الخبر".
هذا عن مدلول اللفظ وأصله في اللغة العربية كما ورد في المعاجم العربية وتصوره اللغويون العرب. أما في اللغة الانجليزية فإن الأصل في كلمة اتصال تشتق من الإلفة (Communis) (اندرو ويلكنسون (Andrew Wilkinson 1975 ، فنحن عندما نصل نحاول أن نخلق ألفة، أو جواً من الاتفاق مع شخص ما، أي أننا نحاول أن نشرك معلومات وأفكار واتجاهات الآخرين مع معلوماتنا، وأفكارنا، واتجاهاتنا، أي أن الاتصال يجعل المرسل والمستقبل على موجة واحدة في مواجهة رسالة معينة.
وخلاصة القول أن المدلول اللفظي لمفهوم الاتصال ذو دلالة واحدة في اللغتين العربية، والإنجليزية، وإن كان هناك بعض الاختلافات فيرجع لطبيعة وخصائص كل لغة، حيث أن اللغة العربية أكثر ثراءً فى دلالتها وبنيتها الصرفية، ولا أود أن أطيل في الحديث عن التعبير الدلالي، والثراء اللغوي للغة الضاد، حيث أن مكان هذا الكلام مفصلا وموسعا في كتب فقه اللغة.
أما عن المدلول الاصطلاحي لهذه الكلمة ، فهو "تلك العملية المصطنعة بين طرفين من أجل تحقيق مصلحة مشتركة" ،فهو عملية تفاعلية ديناميكية دائمة الحركة تخضع لمؤثرات متغيرة أهمها التكامل والتفاعل في ظل الإمكانات، وهى لا تسير باتجاه واحد، بل هي عملية دائرية فهناك تبادل في الأدوار فالمرسل مستقبل، والمستقبل المرسل" .
ويمكن القول من خلال عرض ما سبق أن الاتصال عملية هادفة ، لا يمكن أن تتم بين طرفين إلا إذا حدث تفاعل بينها، يؤدى فى النهاية إلى مشاركتهما فى خبرة أو مهارة أو مفهوم أو عمل أو سلوك معين أو فكرة أو معلومة، وباختصار فإن الاتصال هدفه التأثير عن قصد للحصول على استجابة معينة من شخص معين أو مجموعة من الأشخاص.
هذا عن مفهوم الاتصال بشكل عام، ولكن ينبغي أن ينظر للاتصال من خلال الميدان الذي يستخدم فيه ذلك؛ لأن الاتصال تتعدد تعريفاته بحسب تعدد أشكاله واتجاهاته , ومن المناسب جدا أن نعرض لأنواع الاتصال وأشكاله.
أنواع الاتصال وأشكاله :
إن الاتصال اللفظي ليس هو الاتصال الوحيد - كما يبدو للبعض - ، ولكن هناك طرق كثيرة للاتصال غير الطريقة اللفظية، فهناك طريقة الإيماءات التي يستخدمها الإنسان البدائي للتعبير عن حاجاته مثلا يعتبر ذلك نوع من الاتصال ، كذلك التلويح بالأيدي ، وإيقاد النيران فوق قمم الجبال ودق الطبول ، وغيرها، وكذلك التمثيل الصامت الذي يهدف إلى توصيل المعنى عن طريق الحركة.
و للاتصال أشكال مختلفة، أهمها:
الاتصال الذاتي : ويكون بين الفرد وبين ذاته ، كالتفكير مثلاً .
الاتصال الشخصي : ويكون بين فرد وآخر، وهذا الشكل من الاتصال يتحقق في الجماعات الأولية التي تتمثل في الأسرة، وجماعات النشاط الحر وهى جماعات بسيطة، ينشأ بين أعضائها علاقات شخصية ، ويجرى فيها الاتصال على نمط أساسه المواجهة والاحتكاك المباشر وجهاً لوجه.
الاتصال الجمعي : ويكون من مصدر واحد إلى الآخرين .
الاتصال الثقافي والتعليمي: ويكون أوسع نطاقاً، وأكثر اعتماده على اللغة، وتستخدم اللغة فيه في عدة مستويات في مواقف التعبير اللغوي داخل هذا الشكل وهى:
المستوى التذوقـي : ويستخدم في التعبير اللغوي في الأدب والشعر.
المستوى العلمــــــي : ويستخدم فى العلوم.
المستوى الاجتماعي : ويستخدم في مواقف الحياة اليومية العادية، ويستفاد من هذا المستوى في الإعلام التربوي.
وجدير بالذكر أن الاتصال أياً كان نوعه، لا يتم إلا إذا توافرت عناصره وهى: المرسل، والمستقبل، والرسالة، والمحيط الذي يتم فيه، ووسيلة صالحة لتوصيل الرسالة التى تهدفها عملية الاتصال.
وكما سبق الذكر أن هناك وسائل متعددة لتوصيل الرسالة، ولكن أهمها وأشيعها على الإطلاق هي اللغة، لذا يعد الاتصال اللغوي أهم أنواع الاتصال وأشهرها ومن أجله سعى العلماء لدراسة اللغة وتحليلها إذن هناك سؤال يطرح نفسه وهو : ماذا يقصد بالاتصال اللغوي؟
إن الاتصال اللغوي عملية حركية تبادلية تهدف إلى نقل وتبادل مجموعة من المعاني بين المرسل والمستقبل في صورة رسالة لغوية.
فالاتصال اللغوي نوع من التفاهم عن طريق التفاعل بين طرفين (مرسل ومستقبل) من خلال تبادل اللغة بينهما شفوياً أو كتابياً؛ لأن الاتصال اللغوي لا يتعدى أن يكون بين متكلم ومستمع، أو بين كاتب وقارئ ، وعلى هذا الأساس فإن للغة فنوناً أربعة تشترك فيها البلاغة والنحو وهذه الفنون أو المهارات هي :
(1) الاستماع (2) الكلام (3) القراءة (4) الكتابة
وفي هذا العصر عصر الانفجار المعرفي تتضاعف أهمية الاتصال اللغوي يوماً بعد يوم، فنحن نعيش في عصر من ابرز سماته انه عصر المعلومات والاتصالات كالشبكة العنكبوتية والاتصالات بكافة أنواعها ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تتحقق فعالية الاتصال اللغوي؟
لكي تتحقق فعالية الاتصال اللغوي ينبغي أن يكون كل فرد حفيا متمكناً من لغته قادراً على الفهم والإفهام، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى زيادة الاهتمام بالاتصال اللغوي، والاهتمام بتعليم اللغة في ضوء مدخل الاتصال اللغوي ولاسيما لغير الناطقين باللغة العربية.
ويؤكد ذلك ما أوردته الأدبيات التربوية من أن الهدف الأساسي لتعليم اللغة العربية هو إكساب المتعلم القدرة على الاتصال اللغوي ، سواء أكان هذا الاتصال شفوياً أم كتابياً، وكل محاولة لتدريس اللغة العربية يجب أن تؤدى إلى تحقيق هذا الهدف.
وجدير بالذكر أن تعليم اللغة العربية في ضوء مدخل الاتصال اللغوي هدف قديم نجد ذلك القرآن الكريم، و كذلك في السنة النبوية سنة خير المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كما نجد ذلك في تراثنا اللغوي والأدبي , وذلك ما سيتم التعرف عليه في الفصل القادم عند الحديث عن تعليم اللغة في ضوء مدخل الاتصال اللغوي.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 789 مشاهدة
نشرت فى 20 إبريل 2012 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,614,753