العلاج السمعي-الشفهي:
لم يحدث من قبل في تاريخ تعليم الأطفال المصابين بالإعاقة السمعية أن امتلك الأطفال مثل هذه القدرة على السمع. ولذلك يجب على المختصين العاملين مع الأطفال ذوي الإعاقة السمعية أن يعيدوا تقييم طرق تدريس اللغة والنطق على ضوء التقنية الحديثة. ويقدم هذا المقال عرضاً لفلسفة وطرق التدريس الخاصة بالعلاج السمعي-الشفهي. ونظراً لأن هذا النوع من العلاج يركز على مقدار السمع المتبقي لدى الطفل، فإنه يعتبر نقطة مثالية للتدخل المبكر. ويركز هذا النوع من العلاج على العناصر التالية: التشخيص المبكر، استخدام أفضل طرق التأهيل السمعي (أجهزة السمع، زراعة قوقعة الأذن..)، ومساعدة الآباء في توفير بيئة مناسبة للاستماع. ويتوقع من خلال هذا العلاج أن يطور الطفل المصاب بالإعاقة السمعية القدرة على التحدث بالإضافة إلى دمجه في المدارس مع الأطفال ذوي السمع المعتاد. وبغض النظر عن مستوى الإعاقة السمعية (شديدة، أو خفيفة، أو متوسطة) فإنه يمكن للأطفال المصابين بالإعاقة السمعية أن يتحولوا إلى أشخاص ثقيلي السمع (بدلاً من صم) بحيث يندمجوا في المجتمع بالاعتماد على حاسة السمع المتبقية لديهم.
ومع وجود التقنية الحديثة، كأجهزة السمع القوية، أو القوقعة المزروعة في الأذن الداخلية، أصبح الأشخاص المصابون بالإعاقة السمعية أكثر قدرة على الاستفادة من كمية السمع المتبقية لديهم. ولذلك فإنه يجب أن يكون لدى غالبية الأطفال المصابين بالإعاقة السمعية فرصة لتعلم الإنصات. فاللغة المنطوقة هي عبارة عن حدث صوتي يتم تطويره من خلال استخدام حاسة السمع، ولذلك يجب على المختصين العاملين في مجال تأهيل الأطفال المصابين بالإعاقة السمعية أن يعملوا بالتركيز على تعليم الأطفال الإنصات، ليتم الانتفاع من كمية السمع المتبقية لأقصى حد ممكن. وباستخدام حاسة السمع المتبقية لديهم، يتعلم الأطفال اللغة المنطوقة بطريقة طبيعية وفعالة.
ويتم بناء اللغة والإدراك العقلي معاً باستخدام القدرات العقلية من أجل نمو اللغة. ويتم تدريس المهارات اللغوية والعقلية بإتباع الترتيب الطبيعي لنمو هذه المهارات.
وقدرة الأطفال على تعلم اللغة تفوق قدرة الكبار على تدريسها. ولذلك فإن تعلم اللغة يجب أن يكون جزءاً رئيساً من الأنشطة اليومية ولا يفضل أن يقوم الوالد أو الوالدة بتحضيرها مسبقاً. ولكن بالنسبة للأطفال الذين يعانون من فقدان كبير لحاسة السمع، فإنه من الضروري وجود أهداف معدة بشكل جيد ومبنية بشكل جيد ليتم استخدامها أثناء اللعب الطبيعي. ويعتبر المنزل مكاناً مثالياً لتعلم اللغة. وكلما كانت طريقة التعليم طبيعية، كلما كانت اللغة طبيعية كذلك. وفي السنوات الأولى من نمو الطفل، فإنه يمكن استخدام التعليم الرسمي وغير الرسمي (العفوي)، ولا يعني التعليم العفوي عدم وجود بنية أثناء التدريس. ويقوم العلاج السمعي-الشفهي بإتباع وجهة النظر التي تقول بأنه يجب تعلم اللغة باستخدام مبادئ "اللغة الكلية Whole Language" (إحدى نظريات تعلم اللغة لدى الأطفال، والتي تؤمن بأن اللغة يجب أن تتعلم بشكل كلي، أي ليس باستخدام كلمات معينة أو أحرف يتعلمها الطفل، وإنما من خلال اللغة ككل، وتركز بالتالي على استخدام قصص الأطفال مثلاً لتشجيع النمو اللغوي)ومن أهم توجيهاتها:
• يجب إتباع النمو الطبيعي والمعتاد للطفل.
• يجب إدراك أن اللغة جزء من ذلك النمو الكلي.
• يجب إدراك أن اللغة إنما وجدت أساساً كأداة للتواصل.
• يجب إدراك أن أفضل وسيلة لتعلم اللغة إنما تتم من خلال التواصل.
• التركيز على مساعدة الأطفال على البحث بشكل حثيث عن المعنى من خلال الحوار.
• التركيز على مساعدة الأطفال على تعلم اللغة المنطوقة من خلال تشجيعهم على استخدامها.
• جعل اللغة المنطوقة جزءاَ من كل الأنشطة التي يقوم بها الطفل.
• بناء القراءة والكتابة على أساس اللغة المنطوقة وليس العكس.
• تشجيع اللغة من خلال جميع الأنشطة اليومية.
• لا يجب أن تعرض اللغة في أشكال محدودة وغير طبيعية.
والأطفال مهيئون بشكل طبيعي ومن خلال تركيبتهم البيولوجية على استكشاف وفهم العالم المحيط بهم، ويمكن للكبار أن يسهلوا من هذه المهمة بتزويد الأطفال بالطرق التي تسمح لهم بالنظر إلى أنشطة الحياة اليومية نظرة واعية تسمح لهم بفهمها، وبتجنب أي انحراف عنها. وأنشطة الحياة اليومية وخاصة في الفترات الأولى من عمر الطفل تقع تحت المواضيع التالية: أنشطة البقاء والحياة ( مثل الطعام، الجو الدافئ، الذهاب إلى المرحاض)، والتجهيز لحياة الكبار المستقبلية (تمثيل الأنشطة التي يقوم بها الكبار تجهيزاً للقيام بها فيما بعد). وهذه التمارين المتكررة واليومية تقدم السياق الواضح الذين يتم تطوير المهارات الاجتماعية، والشخصية، ومهارات التواصل على أساسه.
وعادة ما تغطي جلسات العلاج السمعي-الشفهي النواحي الأربع التالية: السمع، اللغة، الكلام، والإدراك وقد تستمر من ساعة إلى ساعة ونصف. حيث يجب على أحد الوالدين أو كلاهما أو من يقوم بالرعاية أن يشاركوا دائما في هذه الجلسات.
وخلال جلسة العلاج السمعي-الشفهي النموذجية، يقوم الأخصائي بتقديم وعرض أمثلة للوالدين والطفل حول كيفية تطبيق بعض الأنشطة التي تقوم بتعزيز أهداف معينة، مع شرح الطرق المتعددة التي يمكن من خلالها تنفيذ هذه الأنشطة في المنزل. ثم يقوم الأخصائي مباشرة بجعل الوالدة تقوم بتنفيذ مهمة معينة حتى تحصل على خبرة عملية قبل تعزيز الأهداف في المنزل.
ولذلك فإن عيادة العلاج السمعي-الشفهي تحتوي على لعب وأشياء كثيرة مما يمكن وجودها في منزل عادي، بالإضافة إلى لعب مصغرة وأشياء شبيهة بمواد حقيقية. حيث تساعد هذه اللعب الوالدين في سهولة نقل الأنشطة إلى المنزل. كما يتم تقديم اقتراحات عديدة من أجل زيادة فرص استثارة اللغة داخل المنزل. حيث يوضح الأخصائي للوالدين كيف أن الأطفال يتعلمون بطريقة أسهل وأسرع حينما يتم إشراكهم في أنشطة مرحة ومفيدة مع شخص قريب منهم. كما يتم تشجيع مشاركة باقي أفراد العائلة، والأصدقاء، والجد والجدة في بعض جلسات العلاج. كما أن زيارة بيت الطفل، أو حضانته أو روضته وتقديم دعوات للمدرسين بحضور ومراقبة جلسات العلاج، تؤدي إلى تسهيل نقل أهداف العلاج وتعزيز فرصة تعميمها في بيئات أخرى.
ومن الضروري بالنسبة للوالدين والطفل أن يشعروا بتحقيق بعض النجاح. فكلما زاد مستوى الإعاقة السمعية، كلما زادت حاجة الأخصائي إلى تزويد الوالدين بتركيبة معينة من الأهداف ليتم دمجها ضمن الأنشطة والألعاب التي يقوم بها الطفل. كما أن إرشاد الوالدين حول كيفية وضع أهداف أسبوعية ومعرفة المراحل القادية يساعدهم على تطوير مهارات طفلهم الآنية عن طريق القيام بأنشطة تكون ضمن مستوى معقول من الصعوبة.
ويتم تخطيط جلسات العلاج على أساس المجالات الأربعة المذكورة آنفاً وهي: السمع، اللغة، الكلام، والإدراك، مع استخدام عدة أنشطة تشمل أكثر من مجال واحد في الوقت نفسه.
والاستخدام غير الدقيق لمصطلح العلاج السمعي الشفهي من قبل بعض الأخصائيين، قد يوقعهم في الأخطاء التالية:
• حين يخفق الأخصائيون في علاج الطفل بمشاركة تامة من الوالدين.
• حينما يغطون أفواههم عند التحدث إلى الأطفال ذوي الإعاقة السمعية من غير التأكد مما إذا كان الطفل قادراً على التقاط العناصر الهامة من الحدث الصوتي.
• عدم قيامهم بالنظر في إمكانية تحويل الطفل إلى أخصائي آخر للحصول على تقييم لإمكانية وضع قوقعة صناعية (بموافقة الوالدين) حينما لا يستطيع الطفل التقاط كل مكونات أصوات الكلام.
• حينما لا يستطيعون فهم كيفية اختيار أجهزة السمع، أو لا يستطيعون من خلال قراءة مقياس درجة السمع audiogram الُمساعد (أي نتيجة السمع بعد وضع أجهزة السمع) تحديد فيما إذا كانت هناك مستويات معقولة من تكبير الصوت.
• التركيز بشكل كبير على المفردات المكونة من كلمة واحدة والتي تأتي رداً على الاستخدام المتكرر لبعض الأسئلة (ما هذا؟ ما هذا اللون؟) بدلاً من تشجيع استخدام الأشكال اللغوية المتصلة وذات المعنى والتي تتعلق باهتمامات الطفل.
• حينما يفضلون استخدام التمارين الرسمية العقيمة (مثل: ضع الدائرة الصفراء الصغيرة فوق المربع الأخضر الكبير) لتطوير الذاكرة السمعية-الشفهية متعددة العناصر، بينما كان بالإمكان استخدام تمارين غير رسمية طبيعية وبصورة غير مملة (مثلاً: ضع الحذاء الأحمر الكبير على قدم الرضيع؟).
• حينما يعتقدون أن حذف وتشويه بعض الأصوات أثناء الحديث وفي اللغة المنطوقة، الناجم عن مشكلات في الإدراك الحسي المتعلقة بالإعاقة السمعية، إنما هي عمليات فونولوجية (متعلقة بنظام الأصوات) يمكن معالجتها بشكل أفضل باستخدام الإجراءات التي تستخدم مع الأطفال ذوي السمع المعتاد.
• حينما يعتقدون أن تقنيات علاج النطق التقليدي فعالة مع هؤلاء الأطفال.
• حينما يخفقون في تنفيذ التقييم المنتظم والمستمر والموضوعي لتحديد مدى فاعلية جهودهم.
• حينما يخفقون في استخدام التقييم الموضوعي لضمان استخدام التدخل الشفهي الفعال، ويخفقون في تحويل الطفل إلى برنامج بديل.
• حينما يدعون أخطاء النطق تستمر وتصبح كالعادة بينما كان يمكن تجنب ذلك باستخدام طرق تعتمد على تغيير كيفية عرض الأصوات باستخدام أحاسيس مختلفة، بحجة "أن هذه الطرق ليست سمعية-شفهية".
ساحة النقاش