أهمية الاستماع:
أعطى الله سبحانه وتعالي لحاسة السمع أهمية كبيرة في كتابه العزيز؛ حيث إن القرآن الكريم يركز على "حاسة السمع" ويجعلها الأولى بين قوى الإدراك والفهم التي أودعها الله في الإنسان؛ حيث قدم السمع على البصر في أكثر من سبعة وعشرين موقعا، ومن ذلك: "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا" (الإسراء، آية 36). "إن الله كان سميعا بصيراً" سورة (النساء، آية: 58). "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" سورة(الشورى، آية: 11). و"والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلك تشكرون" سورة (النحل، آية: 87).
يتضح من خلال الآيات السابقة أن حاسة السمع، أدق وأرهف من حاسة البصر.
"وهذا الأمر يؤكده علماء التشريح الآن؛ فمثلا يمتاز جهاز السمع على جهاز البصر، بإدراك المجردات، كالموسيقى، والتداخلات؛ مثل حلول عدة نغمات داخل بعضها، كما أن الأم تستطيع أن تميز صوت بكاء طفلها من بين عدة أصوات.
ويقول قدماء العرب في فضل الاستماع وأهميته: "تعلم حسن الاستماع قبل أن تتعلم حسن الكلام فإنك إلى أن تسمع وتعي أحوج منك إلى أن تتكلم".
فعن طريق الاستماع انتقل التراث الثقافي والحضاري عبر الأجيال. فلولا عملية الرواية والاستماع والحفظ هذه لضاعت من التراث الإنساني حضارات ولاندثرت أمم بثقافتها.
ففي تلك العصور كان المتكلم هو مصدر الثـقة والصدق وكان المستمع يفترض الصدق والنزاهة في المتكلم الذي كان يتحلى بهذه الصفات في معظم الأحيان.
وأوضح البعض أهمية حاسة السمع وتقديمها على البصر "حيث إن السمع حاسة تستغل ليلا ونهارا، وفي الظلام والنور، في حين أن المرئيات لا يمكن إدراكها إلا في النور، كما أن الإنسان يمكنه أن يدرك الأصوات من مسافة قد لا تصل إليها الرؤية؛ حيث تحول موانع؛ من جبال ووديان، وأن الإنسان يستطيع أن يدرك عن طريق المقاطع الصوتية، أفكارا أرقى وأسمى مما قد يدركه بالنظر؛ من حيث اختلاف درجة الصوت، وتعدده، وشدته، وتنوعه.
كما أن للاستماع دوراً مهماً ورئيسياً في تعليم فاقدي البصر، فعن طريق الاستماع للعلوم المختلفة أصبحوا قادرين على التعلم مثلهم مثل الأسوياء، وازدهروا في منابر علمية كثيرة ونذكر على سبيل المثال وليس الحصر عميد الأدب العربي طه حسين الذي تبوأ أعلى المناصب عن طريق الاستماع الجيد وإتقان مهاراته المختلفة وتفوق على من لديهم حاسة الإبصار في عصره.
ومع التقدم التكنولوجي في العصر الحاضر واختراع التلفاز والمذياع والأنظمة الحديثة لمخاطبة الجماهير ومتلقي العلوم الحديثة بدا الاهتمام بالاستماع ومهاراته للاستفادة من تلقى المعلومات عن طريق حسن الإنصات والإصغاء إلى المتحدثين من علماء ومتخصصين في شتى العلوم حيث أصبح في المحافل الدولية والمؤتمرات العلمية المتحدث واحد أمام قاعدة عريضة من المستمعين.
ويتأكد دور الاستماع في عصرنا الحديث في عمليات الاتصال على نحو متزايد، بعد أن أهمل ولفترة طويلة، فنحن نعيش في عصر استخدام البرقيات المنقولة، والتليفزيون، وتسجيل الأحاديث، والراديو، والتليفون، ورفاهية الإنسان أصبحت تعتمد على الاستخدام الكفء للغة الشفوية، في المحافل الدولية، ومنظماتها، ومؤسساتها السياسية والعسكرية.
والاستماع أداة رئيسة في الحفاظ على المنطوق، وجودة أدائه، وصحة التلفظ به، فلقد حفظ الصحابة القرآن الكريم لأنهم سمعوه، ثم نقلوه لمن بعده كما سمعوه، فمن أراد بعدهم أن يحفظ القرآن سليما كما أنزل على الرسول (صلى الله عليه وسلم) أخذه عن غيره تلقيا، ثم حفظا، وهكذا تواتر القرآن الكريم بالشكل الذي نزل به.
والاستماع مهارة تعليمية كذلك؛ فعن طريقة يكتسب الطفل لغته؛ فالطفل يولد وهو مزود بالقدرة على التعبير، إلا أنه لا يستطيع القيام بهذه الوظيفة، إلا بعد أن تصل الأجهزة الداخلية الخاصة بالكلام إلي درجة معينة من النضج.
وللاستماع دوره الذي لا ينكر في تعليم من حرموا نعمة البصر؛ فقد كانت الطريقة الوحيدة لتعليمهم هي الاستماع عن طريق الأذن، قبل اختراع الأدوات الحديثة، وهذه الطريقة هي التي يتبعها المكفوفون في التعليم؛ حيث تعودهم التركيز والانتباه".
والطفل يكتسب لغته عن طريق السمع؛ حيث يتعلم الكلام من أبويه، والمحيطين به، عن طريق السمع، فالاستماع من الأمور الأساسية لظهور الكلام عند الطفل؛ فهو يسمع ويحاكى ما يصل إليه عن طريق السمع؛ فالاستماع – حينئذ- تتمثل أهميته في المحاكاة.
فالإنسان العادي يستغرق في الاستماع ثلاثة أمثال ما يستغرقه في القراءة. كما وجد أن الفرد يستغرق 70% من ساعات يقظته فى نشاطه اللفظي ويوزع هذا النشاط بالنسبة المئوية التالية 11% من النشاط اللفظي كتابة، 15% قراءة، 30% حديثاً، و 40% استماعاً. فمن الواضح أن 70% من وقت الكبار يذهب في عمليات اتصال لغوى تبلغ مهارات الاستماع 40% وأثبت البحث العلمي أن معظم الناس يستوعبون 30% من استماعهم كما أثبت أن معظمنا يتذكر أقل من 25% مما يصل إلى أذنيه.
فعندما يطول الحديث ترى كثيراً من الناس ينصرفون عنه وحين يطلب منهم إبداء الرأي في الموضوع الذين استمعوا إليه تجدهم غير قادرين على إبداء الرأي لأنهم لم يستمعوا جيداً ولم يعرفوا كيف يستمعون، مما يدل على أن الاستماع الجيد أساس لإبداء الرأي الموضوعي الصحيح.
ومن سمات هذا العصر أن الكلام والاستماع أهم وسائل الاتصال، لهذا كان من الضروري تدريب الطفل حتى يصبح مستمعاً جيداً يعرف آداب الاستماع ويمارس أنماط الاستماع المختلفة بمستويات تناسب إدراكه ونموه اللغوي واللفظي.
وأن ندرب أطفالنا وتلاميذنا على تنمية هذه المهارة بكفاءة، وفعالية سواء في حياتنا الاجتماعية أو المدرسية.
ورغم الدور الهام الذي يقوم به الاستماع كمهارة استقبال، وكجانب لغوى له أهميته في عملية التواصل اللغوي- ألا أننا نلاحظ أنه يعد أكثر فنون اللغة إهمالا في مدارسنا؛ فمعاهدنا ومدارسنا لا تهتم إلا بتعليم القراءة والكتابة والتعبير الشفهي والتحريري.
"فهناك اعتقاد راسخ بأن الاستماع ينمو لدى الإنسان بطريقة تلقائية، ما دام له أذنان؛ فهو كالمشي والكلام، وهذا القياس خطأ؛ فالطفل في حاجة إلي من يعلمه الكلام رغم أن له فما، وبحاجة إلي من يدربه على المشي رغم أن له أذنين.
كما أن هناك بعض الاعتقادات التي ترى "أن الاستماع يتم بطريقة آلية استجابة لواقع الحياة، ولا يتم بطريقة موجهة، فيمكن ممارسته خارج المدرسة؛ حيث إن الناس يقضون معظم أوقاتهم مستمعين، ولا حاجة لهم بتعليم الاستماع، بخلاف القراءة والكتابة، وهذا الاعتقاد يعنى أن الجهد التعليمي تجاه تحسين القراءة والكتابة يكون أكثر فائدة من أي جهد يوجه نحو تحسن الاستماع.
فالاستماع- إذن- مهارة قابلة للتعليم والتدريب، وبالتالي للنمو والتطور والتعليم.
وتبرز أهمية الاستماع في كونه وسيلة فعالة، ومؤثرة في تعليم الإنسان بصفة عـامة، والطفل الذي هو موضوع الدراسة بصفة خاصة، فالإنسان منذ ولادته، وحتى نهاية حياته يبدأ مستمعاً، فمتعلماً، وليس العكس.
لذا فقد هيأ الله سبحانه وتعالي الإنسان لهذه العملية فخلق له حاسة السمع التي تعد أحدى الوسائل الأساسية والمهمة في اتصاله بالعالم المحيط به، سواء أكان جنيناً أو كائناً يعيش في عالمه الخارجي.
وقد دلت بعض الآيات القرآنية على ذلك، ومن هذه الآيات قوله الله تعالي قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (الملك 23) وقوله تعالي وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ سورة(النحل 78).
ففي مرحلة التعرف على الأشياء يربط الطفل ما يسمعه بما يراه ؛ فيسمى الأشياء بمسمياتها، وتبد شخصيته في النمو، وسلوكه في التطور الطبيعي فكرياً، واجتماعياً، وحركياً، وتتطور قدرته في التعرف، والتمييز في مرحلة النطق والكلام مع عمره العقلي، ويتفاعل مع المجتمع ؛ وبهذا يمكن اعتبار تمييز الأصوات البداية الحقيقية لنمو الطفل، وحاسة السمع أهم حواس الإنسان التي تمكنه من التعامل والتفاعل مع المجتمع الذي حوله.
وهذا يعنى أن التعليم يبدأ من خلال الاستماع أولاً لكل من حوله من مخلوقات وكائنات، ثم تتكون بعد ذلك عملية الفهم التي تتضمن الإدراك الذي يوصله فيما بعد لعملية التمييز التي يستطيع من خلالها تصنيف الأشياء المسموعة من أصوات، وحركات، ونبرات، وصيحات، وهمسات. .. الخ إلي مجموعات تختلف كل منها عن بعضها البعض، ولذا فقد كانت الآيات القرآنية المتعلقة بتوجيه الأنبياء، وإرشادهم، وتعليمهم، يوحى بها من الله سبحانه وتعالي إليهم عن طريق الاستماع لما يتلى عليهم، ولما يوحى لهم به، والدليل على ذلك عندما كلم الله سبحانه وتعالي موسى عليه السلام في (سورة طه) ليعلمه التوراة، وليرشده إلي المبادئ القويمة التي يبلغها لقومه. فقد كانت الكلمات الأساسية في هذا التعليم تبدأ بـ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى (سورة طه )
ويتضح تدريب المتعلم على الاستماع الجيد فيما تحدثه هذه العملية من نتائج على المستقبل ( المتعلم ) للرسالة، وكيفية توصيلها كما استمع إليها، وكما فهمها، وكذلك في العمليات العقلية التي تمت بداخل المخ حتى ترجمت هذه الرسالة المستقبلة إلي حروف، وكلمات وجمل، وتعبيرات لغوية لا دلالة، ولها معنى متفق مع مضمون الرسالة المستقبلة. وقد أشارت بعض الدراسات التربوية، وآراء بعض التربويين المهتمين بمجال تربية الطفل إلي أهمية تعليم الطفل الاستماع الجيد في جميع المراحل الدراسية ؛ لما له من أثر في تعليم الطالب الفنون اللغوية الأخرى مثل (القراءة والكتابة والتحدث).
ويجب تضمين برامج تنمية اللغة مهارات الاستماع، والتي يمكن تصنفها في ثلاثة جوانب هي:
1- جانب حسحركي: وهو ما يتعلق بطريقة الجلوس،وتركيز الانتباه واتخاذ الأوضاع المناسبة للإنصات الجيد، واحتدام الصمت الواجب، وعدم مقاطعة المحدث أو الانشغال عنه.
2- بعض التقنيات لتنمية مهارات الاستماع: من خلال شرائط الكاسيت والتسجيل والألعاب الصوتية.
3- جانب معرفي: ويتضمن الإدراك السمعي ؛ وذلك من خلال تعزيز مهارات الذاكرة السمعية – التمييز السمعي – التخليل السمعي.
وتبرز أهمية تعليم الاستماع من خلال إتاحة الفرصة للمتعلم للتخيل، والتفكير بصورة حرة دون التقيد بالرسوم أو الصور التي تحملها الصحافة أو التلفاز؛ التي قد تشكل عائقاً على انطلاقه ذهن الطفل، فصياغة الأفكار من خلال الأصوات تتيح للطفل أن يرسم بعقله الصور اعتماداً على المضمون المسموع.
ويستطيع المتعلم أن يستخلص قاعدة لغوية معينة من النماذج التي يسمعها، ثم يطبق هذه القاعدة، وبعد ذلك يعدلها إلي أن تطابق القاعدة التي يستعملها الكبار.
ومن خلال ما سبق يتضح أن الاستماع الجيد أساس التعلم الجيد، ويمكن أن يتم ذلك في مرحلة الطفولة المبكرة، من خلال عدد من الأنشطة الموجهة التي تقدم للطفل في هذه المرحلة، والتي تكون ملائمة لمراحل نموه العقلي والمعرفي، وتتمثل هذه الأنشطة في: القصص – الأناشيد – الموضوعات الشائقة لطفل هذه المرحلة – الألعاب اللغوية – الأنشطة السمعية واللغوية التي تكشف عن قدرات الطفل.
ويمكن تلخيص أهمية الاستماع للطفل فيما يلي:
• تنمية اللغة الشفوية والمهارات المتعلقة بها من قدرة على التعبير، وصياغة الجمل الصحيحة – والنطق الصحيح – ترتيب الأفكار وتنظيمها.
• تنمية قدرة الطفل على تمييز الأصوات، والحروف، والكلمات تمييزاً صحيحاً.
• إثراء حصيلة المتعلم اللغوية بالعديد من الألفاظ، والأساليب، والعبارات الجديدة.
• مساعدة المتعلم على تنظيم أفكاره بصورة مرتبة ومتسلسلة.
• مساعدة المتعلم على التخيل.
• تنمية التفكير الناقد لدى المتعلم من خلال ما يسمعه من آراء، وأفكار متفقة، أو مختلفة حول موضوع معين.
• تنمية الذاكرة السمعية لدى الطفل، وتدريبه على الاحتفاظ بالمعلومات لمدة أطول.
• زيادة مدة الانتباه لدى المتعلم من خلال التدرج في استماعه للموضوعات،أو الأناشيد، أو القصص.
وهذا يعنى أن تعلم الاستماع لطفل هذه المرحلة يحتاج إلي وقت وجهد ؛ حتى يتدرب على كيفية الاستماع الجيد، وكيفية صياغة الأفكار، وإدراك المقصد منها، ثم التعبير عنها حتى يصبح متحدثاً جيداً فعالاً، وهذا الأمر يحتاج من المهتمين بمجال تربية الطفل الاهتمام بتربية هذه العادة لديه منذ طفولته.
وأشارت دراسات كثيرة في أوربا وأمريكا إمكانية تفوق تلميذ المرحلة الابتدائية في الدراسة وفقاً لتفوقه في مهارات الاستماع وعندما يتعرف التلميذ على نمطه الاستماع فإنه يستطيع أن يطور نفسه في الاستماع وفى فنون اللغة بل وفى عملية التعليم والتعلم وفى تحصيله الدراسي أيضاً.
ساحة النقاش