مفهوم الاتصال اللغوي:
ورد مدلول كلمة الاتصال في المعجم الوسيط في مادة وصل "يصل فلان وصولاً"… ووصل للشيء عليه وصولاً، " واتصل به اتصالاً"، بمعنى بلغة وانتهى إليه.
إن المدلول اللفظي لكلمة اتصال يدل على أن أصلها في اللغة العربية (وصل)، فيقال وصل فلان للشيء بمعنى بلغة وانتهى إليه، ومنه وصل الخبر.
هذا عن مدلول اللفظ وأصله في اللغة العربية كما ورد فى المعاجم العربية وتصوره اللغويون العرب، فماذا عن المدلول اللفظي، لكلمة اتصال كما تصورته اللغة الانجليزية؟
ذكر اندرو ويلكنسون( Andrew Wilkinson 1975) إن الأصل في كلمة اتصال بالإنجليزية تشتق من الألفة Communis، فنحن عندما نصل نحاول أن نخلق ألفة، أو جواً من الاتفاق مع شخص ما، أي أننا نحاول أن نشرك معلومات وأفكار واتجاهات الآخرين مع معلوماتنا، وأفكارنا، واتجاهاتنا، أي أن الاتصال يجعل المرسل والمستقبل على موجه واحدة في مواجهة رسالة معينة.
ويستخلص مما سبق أن المدلول اللفظي لمفهوم الاتصال ذو دلالة واحدة في اللغتين العربية، والإنجليزية، وإن كان هناك ثمة اختلاف فيرجع لطبيعة وخصائص كل لغة، حيث إن اللغة العربية أكثر ثراء في دلالتها وبنيتها الصرفية، ولا أود أن أطيل فى الحديث عن التعبير الدلالي، والثراء اللغوي للغة الضاد، وقد كفاني فيه ما أوردته كتب فقه اللغة.
أما عن المدلول الاصطلاحي لكلمة (اتصال)، فهو عملية تفاعلية ديناميكية دائمة الحركة تخضع لمؤثرات متغيرة أهمها التكامل والتفاعل في ظل الإمكانات، وهى لا تسير باتجاه واحد، بل هي عملية دائرية فهناك تبادل في الأدوار فالمرسل مستقبل، والمستقبل المرسل.
وبعبارة أخرى، فإنه يعني تلك العملية المصطنعة بين طرفين من أجل تحقيق مصلحة مشتركة.
ويستخلص مما سبق أن الاتصال عملية هادفة، لا يمكن أن تتم بين طرفين إلا إذا حدث تفاعل بينها، يؤدى في النهاية إلى مشاركتهما في خبرة أو مهارة أو مفهوم أو عمل أو سلوك معين أو فكرة أو معلومة، وباختصار فإن الاتصال هدفه التأثير عن قصد للحصول على استجابة معينة من شخص معين أو مجموعة من الأشخاص.
هذا عن مفهوم الاتصال بشكل عام، ولكن ينبغي أن ينظر للاتصال من خلال الميدان الذي يستخدم فيه ذلك؛ لأن الاتصال تتعدد تعريفاته بحسب تعدد أشكاله واتجاهاته واختلاف منظور علمائه.
ومما سبق يتضح أن الاتصال اللغوي هو عملية نقل المعاني بين المرسل إلى المستقبل باستعمال اللغة، فعندما يتصل الإنسان بغيره اتصالا لغويا بغية التعبير عن الذات ونقل الأفكار والمشاعر إما أن يكون متحدثا وإما أن يكون مستمتعا وإما أن يكون كاتبا وإما أن يكون قارئا. وفى كل الحالات يمر الإنسان بعمليات عقلية معقدة مضمونها ومادتها اللغة بما فيها من أسماء وأفعال وحروف. فالإنسان يفكر باللغة ويعبر باللغة.
ثانيا: عناصر أو جوانب الاتصال:
أن أي اتصال لغوى يحتوى على جوانب أساسية لا يمكن للاتصال اللغوي أن يتم بدونها وهى:
الرسالة: أن تكون لغتها مناسبة خالية من الصعوبات يفهمها المستقبل ويعيها دون لبس أو غموض كما ينبغي أن تقدم أو تنقل فى الوقت المناسب حتى تؤدى مغزاها.
المرسل: ينبغي أن يكون متمكنا من اللغة التي يستخدمها فاهما للرسالة واعيا للمستقبل، يؤدى الرسالة في طبيعة وإخلاص، يراعى حالة المستقبل من حيث الرغبة والحاجات والقدرة على استيعاب الرسالة.
المستقيل: وهو الملتقى للرسالة وهو المستمع أو القارئ.
ثالثا: أنوع الاتصال اللغوي:
قد يبدو للبعض أن الاتصال عن طريق الألفاظ هو الطريق الوحيد له، ولكن هناك طرائق كثيرة له غير الطريقة اللفظية، فالإنسان البدائي مثلاً كان يمارس الاتصال عن طريق الإيماءات، وإيقاد النيران فوق قمم الجبال ودق الطبول، والتلويح بالأيدي، وغيرها، وكذلك التمثيل الصامت الذي بهدف توصيل المعنى عن طريق الحركة.
وقد أكدت الدراسات والأدبيات التربوية على أن للاتصال أشكالاً مختلفة، أهمها:
• الاتصال الذاتي: ويكون بين الفرد وذاته، كالتفكير مثلاً.
• الاتصال الشخصي: ويكون بين فرد وآخر، وهذا الشكل من الاتصال يتحقق في الجماعات الأولية التي تتمثل في الأسرة، وجماعات النشاط الحر وهى جماعات بسيطة، ينشأ بين أعضائها علاقات شخصية، ويجرى فيها الاتصال على نمط أساسه المواجهة والاحتكاك المباشر وجهاً لوجه.
• الاتصال الجمعي: ويكون من مصدر واحد إلى الآخرين.
• الاتصال الثقافي والتعليمي: ويكون أوسع نطاقاً، وأكثر اعتماده على اللغة، وتستخدم اللغة فيه في عدة مستويات في مواقف التعبير اللغوي داخل هذا الشكل وهى:
- المستوى التذوقي: ويستخدم فى التعبير اللغوي في الأدب والشعر.
- المستوى العلمي: ويستخدم في العلوم.
- المستوى الاجتماعي: ويستخدم في مواقف الحياة اليومية العادية، ويستفاد من هذا المستوى في الإعلام التربوي.
وإذا لم تفهم الرسالة أو الفكرة المراد إرسالها والتعبير عنها عن طريق النظام اللغوي (الكلمات والتراكيب من قبل المستمع أو القارئ ) فهذا يعنى أن الاتصال اللغوي لم يتم وأن الهدف الأساسي من الاتصال اللغوي لم يتحقق.
وقد لا تتطابق الأفكار التي تكون في ذهن المستمع أو القارئ مع الأفكار التي تكون في ذهن المتكلم أو الكاتب لكن يظل هناك بعض التشابه بينها والسبب في ذلك هو اختلاف خبرات وذكاء ودقة استعمال الكلمات والجمل لدى كل منهم.
ونجاح الاتصال اللغوي بين المرسل والمستقبل يتوقف إلى حد بعيد على الاستخدام الناجح للرموز اللغوية ( الكلمات، العبارات، الجمل ) والخلل في استخدام هذه الرموز اللغوية يؤدى إلى فشل الاتصال اللغوي أو انحرافه عن الهدف منه.
فالمعاني لا تنتقل من المتكلم إلى المستمع أو من الكاتب إلى القارئ وإنما الذي يحدث في عملية الاتصال أن المتكلم أو الكاتب بمد السامع أو القارئ بجملة من الرموز يساعده عن طريقها على استحضار المعاني. فالمتكلم أو الكاتب بمد السامع أو القارئ بمجموعة من الرموز ليترجمها إلى معانيها في إطار خبراته وثقافته وعلى هذا فالمستمع أو القارئ ليس مجرد مستقبل سلبي وإنما هو شخص ناشط إيجابي يتلقى الرموز ويترجمها إلى مدلولات ومعاني قد تتفق أو تختلف عن مدلولات ومعاني المتكلم والكاتب وجدير بالذكر أن تمام التطابق أم تمام الاختلاف بمعنى كمال الاتصال أو انقطاعه أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا ما دامت الرموز اللغوية المستخدمة واحدة فلا بد من حدوث شيء من التفاهم.
و ينبغي التركيز في تعليم اللغة العربية على فنون الاتصال اللغوي أربعة وهى: الكلام أو التحدث، الاستماع، الكتابة، القراءة، فى صورة وظيفية تحقق أهداف اللغة.
ساحة النقاش