نظريات اللغة :
1- النظرية السلوكية (سكنر) .
2- النظرية الفطرية (تشومسكى) .
3- النظرية المعرفية (بياجيه) .
أولاً : النظرية السلوكية : Behaviorist Theory
تفترض النظريات السلوكية عامة أنه ينبغى أن نولى الاهتمام بالسلوكيات القابلة للملاحظة والقياس . ولا يركزون اهتمامهم على الأبنية اللغوية ، والمشكلة الأساسية فى هذه المنظور هى أنه نظراً لأن الأنشطة العقلية لا يمكن أن ترى ، فإنها لا يمكن أن تعرف وتقاس . فيرى السلوكيون أن الطفل يكون سلبياً خلال عملية تعلم اللغة فالطفل يبدأ الحياة بجعبة لغوية خاوية ثم يصبح الطفل مستخدما للغة فى بيئته . لذلك يتفق السلوكيين جميعاً فى أن البيئة هى العامل الحرج والأكثر أهمية فى عملية الاكتساب ، ويؤكدون على الاختلافات التى تحدث بواسطة البيئات الواسعة الاختلاف للأطفال أثناء فترة اكتساب اللغة .
ورائد هذا المذهب هو " سكنر " والذى ركز على جوهر المذهب السلوكى اللغة ، حيث أ، اللغة سلوك ومثلها مثل الأنماط الأخرى للسلوك الإنسانى فإنها تعلم عن طريق عملية تكوين العادة .
والعادة تحتوى على تلك المكونات الأساسية :
1- الطفل يقلد الأصوات والأنماط التى يسمعها حوله .
2- الناس تتعرف وتدرك محاولات الطفل من حيث تشابهها مع كلام البالغ وتدعم وتكافئ الأصوات عن طريق الاستحسان أو أى رد فعل محبوب آخر .
3- يحصل على مكافآت أكثر يكرر الطفل الأصوات والأنماط ، ومن هنا تصبح عادة .
4- بهذه الطريقة يشكل سلوك الطفل الشفهى حتى تتطابق العادات مع نماذج الشخص البالغ .
وبإطار العمل النظرى هذا فإن تعبيرات الطفل لا ترى على أنها نظام معالجة بالطريقة الصحيحة بل ترى على أنها نسخة خطأ لكلام البالغ ، فالأخطاء هى ببساطة نتيجة التعلم غير التام ، عملية تكون العادة لم تكتمل بعد بشكل صحيح .
ويرى " سكنر " أنه حتى يتم تحليل السلوك اللغوى تحليلاً دقيقاً يجب أن تدرس كل العوامل المؤثرة فى ذلك السلوك من خلال أدوارها كمؤثرات واستجابات كل كلام منطوق – فى الغالب – يتبعه استجابة لفظية وغير لفظية ، فالسلوك اللغوى عند " سكنر " لا يمكن أن يدرس إلا فى ضوء البيئة المحيطة بمستعملها ، أى بمراقبة العوامل الخارجية ، ومن هذه العوامل الخارجية عامل الشيوع أو التكرار ، الذى يؤدى إلى كثرة استعمال لفظ بعينه فى بيئة الطفل . فالطفل من وجهة نظر السلوكيين يقلد السلوك اللفظى فى بيئته إلى حد بعيد . وهم يعطون التقليد أو التكرار أهمية عالية فى تعلم اللغات ويترتب على هذا أن الكلمات والتراكيب التى تحظى بالشيوع فى بيئة الطفل تلعب دوراً مؤثراً فى التطور اللغوى لذلك الطفل .
ويضاف للشيوع بعد التعزيز لأنه يساهم فى الوصول بالطفل إلى مستوى الاحتراف ، لذا يتمتع التعزيز الذى يبديه الوالدان بدور فعال فى العملية التعليمية لدى الطفل . فعندما يقدم الطفل سلوكاً لغوياً مفهوما فى البيئة المحيطة ويقوم الولدان بالتعزيز لذلك السلوك ، يؤدى هذا إلى تشجيع السلوك اللغوى المنتظم ، الموافق لقواعد السلوك المنطوق .
ولقد آمن السلوكيون وعلى رأسهم سكنر بأن اللغة إنما تكتسب كلها بالتعالم ، ومن جهة النظر هذه فإن معظم ما يتعلمه الطفل إنما يأتى من التقليد . ومن نمذجة ما يسمع من الكبار . ونظراً لتعزيزهم ما يصدر عن الطفل من ألفاظ وكلمات فالسلوك اللغوى لا يختلف عن أى سلوك آخر ، ويتعلمه الطفل بالطريقة ذاتها أى نتيجة التقليد والتعزيز الذى يتلقاه الطفل على قيامه بسلوك ما .
ويرى " سكنر " أن اللغة عبارة عن مهارة ينمو وجودها لدى الفرد عن طريق المحاولة والخطأ ، ويتم تدعيمها عن طريق المكافأة وتنطفئ إذا لم تقدم المكافأة ، وفى حالة استخدام اللغة فإن المكافأة قد تكون أحد احتمالات عديدة ، مثل التأييد الاجتماعى أو التقبل من الوالدين الآخرين للطفل ، عندما يقدم منطوقات معينة خصوصاً فى المراحل المبكرة من الارتقاء ، وقامت هذه المدرسة بتفسير السلوك اللغوى تفسيراً آلياً اعتماداً على مصطلحات المثير والاستجابة المشتملة فى عملية الكلام .
ولأن المدرسة السلوكية ترى أن اكتساب اللغة يتم بطرق مشابهة لتعلم الاستجابات غير اللغوية عن طريق المحاكاة (Imitation) الترابط والاقتران (Association) الاشتراط (Conditioning) التكرار (Repetition) التدعيم أو التعزيز (reinforcement) يتضح ذلك جلياً فى رأى سكنر فى تعلم اللغة ، حيث أوضح أن معنى اللفظ يحدث من خلال الاقتران التكرارى بين مثيرين كفيل بحدوث الاستجابة اللغوية بمعنى أن اللفظ ينشأ من عملية اقتران بين اللفظ والمثير الشىء الدال على هذا اللفظ ، وهذا يعنى أن المثيرات اللفظية (أصوات كلامية) تقترن مع مثيرات شيئية اقتراناً منتظماً متكرراً .
مثال ذلك :
حينما تقول الأم لطفلها كلمة (كرسى) مرات عديدة فى اللحظة التى يتطلع فيها إلى الشىء المثير (كرسى) أو تقول كلمة قطة فى حضور القطة أمام عينى الطفل وتكرر ذلك عدة مرات أيضاً . وفى تلك الحالات يحدث اقتران منتظم ومتكرر بين مثيرين أحدهما عبارة عن مثير لفظى ، والآخر عبارة عن مثير شيئى .
هكذا تتصل معانى الأشياء والأحداث سواء أكانت بسيطة أم مركبة بخبرات الطفل السابقة حيث تبدأ عملية تكوين المعانى بالمحسوسات إذ يقبض الطفل على الأشياء ويلمسها أثناء سماعه اللفظ الخاص بها فيتكون المعنى . وإذا كان اللفظ جديداً بالنسبة للطفل ، أى لم يسبق له أن مر به فإنه فى هذه الحالة يعتبر لفظاً بلا معنى بالنسبة إليه ولذلك نقول فى لغتنا اليومية . إن الطفل يمكنه قراءة الكلمة دون أن يفهمها .
وبذلك فالقراءة عند المدرسة السلوكية هى مجموعة من العادات الحسية الرمزية ، والخطأ فى القراءة عند السلوكية هو خطأ فى العادة الشائعة .
فمن الواجب إذن أن تسير العملية التعليمية خطوة خطوة من اللغة التى يتكلم بها الطفل ، والتى قد تعلمها بالفعل من بيئته التى يعيش فيها ، إلى اللغة العربية الفصحى ، وذلك عن طريق الأناشيد والقصص والقراءة حتى تؤدى الغرض المرجو منها .
وقد أوضح الباحثون فى دراسة حديثة فى جامعة شيكاغو أن البيئة اللغوية التى يتعامل معها الطفل تؤثر بطريقة كبيرة على الفروق الضرورية فى اكتساب قواعد اللغة .
- وفى هذا البحث حددت اختلافات جوهرية فى قدرة الأطفال على الكلام والفهم فى سن 3 ، 4 سنوات ، وهذه الاختلافات تعتمد على حديث الآباء والمعلمين للأطفال .
- فهناك اختلافات وفروق فردية واضحة بين الأطفال فى نسبة استخدامهم للجمل متعددة الفقرات وكذلك فى الفهم وهذا ما توصلت إليه " جابلين هوتنلوكر " فى بحثها مدخلات اللغة وقواعد اللغة عند الطفل " مع فريق بحثها .
- وبالرغم من أن الفريق اكتشف أن درجة التعقيد فى لغة الطفل ترتبط بدرجة التعقيد فى لغة الآباء ، فإن هذه الملاحظة لم تحدد ما هو الأهم التربية أم الطبيعة ، لأن الطفل قد يعكس صفات وراثية عن آبائه وللإجابة عن هذه السؤال فإن الباحثين قاموا بدراسة حديث المعلم على تطور اللغة عند الأطفال فر مرحلة ما قبل المدرسة .
- إن دراسة تأثير الآباء تمت عن طريق التسجيلات الصوتية للحوار بين الطفل وأبويه . وفى هذه الدراسة قام الباحثون بملاحظة ما يقرب من 305 طفل فى 40 فصلا دراسياً فى 17 مؤسسة تعليمية للأطفال فى سن ما قبل المدرسة ، وكان حوالى ثلث الأسر تعتبر أسراً ثرية ، والثلث الثانى أسر متوسطة ، والثلث الأخير أسر فقيرة .
- ولقد قام الباحثون أيضاً بدراسة لغة الطفل فى بداية العام الدراسى ونهايته ولا حظوا أداء المعلمين وقاموا بتسجيل حواراتهم فى منتصف العام الدراسى . وفى الاختبارات طلب من الأطفال أن يعلقوا على الصور .
- ولقد اكتشفت " هوتنلوكر " ومساعدوها أن الأطفال الذين تعرضوا للجمل المعقدة بطريقة منتظمة فى الفصل تتطور قدرتهم على استخدام وفهم اللغة الأكثر تعقيداً .
- ولقد أظهرت الأبحاث أن نسبة الجمل المتعددة الفقرات تصل إلى 11-32% من مجموع الجمل التى يستخدمها المعلم .
- وأن أداء الطفل فى الفصل الذى يستخدم فيه المعلم جملاً معقدة ينمو ضعف نمو أداء الطفل فى الفصل الأقل ثراء فى اللغة .
- وهذا يعنى أن الأطفال من الأسر الفقيرة والذين يكون مستواهم اللغوى ضعيفاً فى بداية العام ، قد ينمون بطريقة مساوية من الأسر الثرية وذلك إذا استخدم المعلم جملاً معقدة فى حديثه مع الأطفال
وبذلك آمنت المدرسة السلوكية بـ :
1- أن اللغة مجموعة من العادات يتعلمها الأطفال بالتقليد والتكرار .
2- أن اللغة نظام منطوق قبل أن يكون مكتوباً .
3- أن البيئة تلعب دوراً أساسياً فى نمو اللغة .
4- إن اكتساب اللغة يتم بطرق مشابهة لتعلم الاستجابات غير اللغوية عن طريق المحاكاة ، الترابط ، الاشتراط ، التكرار ، والتدعيم .
5- أن اللغة سلوك ، والسلوك يمكن تعلمه باستثارة الأطفال لهذا السلوك .
تعليق على نظرية سكنر :
تلعب البيئة دوراً مهماً فى تشجيع الطفل على الحديث .... فهى المانحة الأولى (للخبرات والمهارات والمعلومات) وهذه البيئة هى التى تهيئ الطفل (لغوياً) للدخول للمدرسة والتعامل مع أقرانه فإذا كانت لغته موازية لما لديهم من رصيد كان سهلاً عليه التعامل معهم ، أما إذا كان رصيده اللغوى فقيراً عنهم فإنه يشعر بأنه أقل منهم ، الأمر الذى يجعله (خجولاً) أو (منطوياً) غير منطلق فى التعبير عن مشاعره وأفكاره .... ومن هنا كان على الأهل الحرص على تطوير لغة الطفل وعدم تعليمة كلمات (مبتورة الحروف) ، وعلى الآباء أن يتحدثوا مع أطفالهم بوضوح ، وهدوء ، وبعبارات سهلة تتناسب والمستوى العقلى لأطفالهم .
ثانياً : النظرية الفطرية لتشومسكى : Nativistic Theory of Chomsky
اللغة عبارة عن نظام يتمثل فى النظام الصوتى والنظام النحوى والنظام الصرفى والنظام الدلالى . ومع ذلك يبقى سؤال مهم يحتاج إلى إجابة دقيقة وهو كيف يتفوه الطفل بجمل من الواضح أنه لم يسمعها من قبل ؟
كيف نتصور مثلاً أن طفلاً فى الثالثة أو الرابعة من عمره وهى المرحلة التى تكتمل فيها قدرة الطفل اللغوية يتمثل أو يقوم بدور النحوى أو اللغوى الذى يدرك أصول اللغة إدراكاً عقلياً نتيجة التعليم . إن الطفل فى هذه السن ينطق بسيل من الجمل المبينة بناءاً نحوياً محكماً وهو يذهب إلى المدرسة وقد أتقن كلام بل أنه يستعمل اللغة استعمالاً تلقائياً دون جهد بعمليات قياس سابق على لاحق .
وفى هذا الصدد ينطلق تشومسكى من أن الطفل يولد ولديه استعداد فطرى لاكتساب وتطوير اللغة ، وأن الإنسان بحال من الأحوال مبنى مسبقاً تجاه تنمية اللغة ، لذلك فإن الطفل عندما يتعرض للغة فإن مبادئ بناء اللغة تبدأ بشكل تلقائى فى العمل .
وبناء على ما يذهب إليه تشومسكى فإن كل إنسان يتعلم اللغة ، لأن كل إنسان يمتلك قدرة فطرية تسمح له بتعلم اللغة ، وهذه القدرة عامة بطبيعتها ، بمعنى أنها تنطبق على جميع البشر فى كل زمان ومكان ، وهذه القدرة فطرية داخلية غير مكتسبة تميز الإنسان عن الحيوان ، وهذه الآلية الداخلية يطلق عليها اسم جهاز اكتساب اللغة (LAD) (Language Acquisition device) .
إذن فالفكرة الأساسية التى توجه المنهج التوليدى هى سمة الإنتاجية فى اللغة ، التى بمقتضاها يستطيع المتكلم أن يؤلف ويفهم جملاً جديدة غير متناهية لم يسبق له أن سمعها من قبل ، وهى السمة التى تميز الإنسان من الحيوانات ، فإذا كان الأطفال قادرين على استخدام جمل جديدة يعدها الكبار سليمة فى صوغها Well Formed فذلك يعنى أن هناك شيئاً آخر يتجاوز مجرد محاكاة الجمل التى سمعوها من الكبار ، وهو أنهم يولدن بقدرة لغوية تمكنهم من ذلك .
ويرى تشومسكى أيضاً أن هناك مبادئ مشتركة أو كلية Universal فى كل لغات الإنسانية حتى إنه ليرى أن هذه المبادئ يمكن أن تحدد "بيولوجيا" بمعنى أنها تمثل جزءاً مما نسميه الطبيعة البشرية .
لذلك يعتقد تشومسكى أن نمو اللغة حالة مبدئية من النضج ، وأن العامل البيئى الوحيد الضرورى للطفل كى يتعلم اللغة هو أن يتعرض لبعض اللغة وبعبارة أخرى إن المعرفة بقواعد اللغة ، أى قواعد كيفي تجميع الكلمات فى جمل وعبارات ذات معنى ، أى التركيب Syntax هى عملية بيولوجية الأساس .
ويلفت تشومسكى الاهتمام إلى الأطفال على وجه الخصوص . فإنهم فى سن الخامس مثلاً ، يستطيعون أن ينطقوا كل يوم مئات من الجمل لم ينطقوها من قبل ، ويستطيعون أن يفهموا ما يقال لهم من كلام لم يسبق لهم أن سمعوه ومعنى ذلك أن هناك أصولاً عميقة فى التركيب الإنسانى تجعله يتميز بهذه القدرة .
فاللغة التى يتعلمها الطفل هى التى تستثير عمل هذه الآلية رغم أن الطفل لا يدرك كنهها . ولهذه الآلية القدرة على تفحص البنى اللغوية التى يستخدمها الطفل ، ومقارنتها بذلك البنى التى يتعرض لها (أى يسمعها) . وعندما يجد الطفل أن البنى اللغوية التى يستخدمها لا تتفق مع تلك التى يتعرض لا ، فإنه يقوم بتعديل بناة اللغوية على ضوء ذلك . وتستمر هذه العملية بضع سنوات إلى أن تتشابه أبنية اللغة التى يستخدمها الطفل مع تلك التى يستخدمها البالغون . ولهذه الفرضية ما يبررها فى تعلم الأطفال اللغة ، ويدل أصحاب هذه النظرية على صحة ما يذهبون إليه بالعودة إلى الأخطاء اللغوية التى يرتكبها الأطفال ، فهم يرون أن هذه الأخطاء ليست فى حقيقتها أخطاء ، بل محاولات من الطفل لاستخدام البنى والقواعد اللغوية التى يتعلمها ، وتطبيعها على اكتساب المزيد من جوانب اللغة . فالطفل قد يجمع كلمة مكتبة على مكاتب مثلاً ، وهى ليست دليلاً على أن الطفل قد ارتكب خطأ ، بل إنها الدليل على أنه يتعلم اللغة ، وأن آليته اللغوية كما يجب أن تعمل بكل همة ونشاط .
ويستبعد تشومسكى أيضاً دور الأسرة حتى فى تصحيح لغة الطفل ويرى أن دورها يقف عندما يسميه الدور التوسعى expansion حيث نرى البالغين يقومون عادة بترديد الجمل التى يتفوه بها الطفل ، ولكن مع إدخال بعض التغيرات عليها بحيث يقربونها من الجمل التى تعادلها فى لغتهم . ومن ثم تتجه لغة الطفل شيئاً فشيئاً إلى الاندماج فى لغة الكبار ومن خلال ذلك يكتشف الطفل دون أن تقوم الأسرة بتصحيح كلامه بطريقة مباشرة ، يكتشف النظم الخاصة بلغة الكبار على مستوياتها المختلفة وعلى ذلك يكون دور الأسرة هو تسهيل عملية اكتساب اللغة ، وذلك من خلال عرض نماذج لها دون تلقين منهم أو تقليد من الطفل .
ولقد قدم تشومسكى أساهماً خلاقاً فى تفسير اللغة ، سماه (القواعد التحويلية) للغة ويتلخص هذا الإسهام فى أن الجمل اللغوية لها مستويان من البني والتركيب وهما :
البناء العميق : (Deep Structure)
ويمثل البناء العميق المعنى أو الفكرة التى تمكن وراء الكلمات فى الجملة أما الجانب أو المستوى الآخر للفهم والذى يأخذ فترة ليتم تعلمه هو :
البناء السطحى : (Surface Structure)
والذى يمثل الجملة التى نراها تسير من كلمة لأخرى خلال الصفحة لذا تسمى نظرية تشومسكى بنظرية القواعد التحويلية .
أى أن البناء العميق الذى هو نتاج قواعد تركيب العبارات يحتوى على كافة العلاقات النحوية الكامنة اللازمة لفهم الجملة , هو بدوره يجب أن يكون هو المدخلات إلى عنصر الدلالة أو المعنى ، وبالمقارنة بهذا فإن البناء السطحى لكونه نتاج القواعد التحويلية ، يحتوى فقط على المعلومات الصحيحة عن الترتيب النهائى للكلمات فى الجملة الذى نحتاجه للنطق الفعلى للجملة وهو بالتبعية يكون المدخلات للعنصر الصوتى الذى يحتوى على قواعد لإصدار الأصوات الفعلية للكلمات .
لذلك آمن تشومسكى بأن التشابه فى اللغات يحدث فى مستوى التركيب العميق فى كل اللغات ، بينما يحدث الاختلاف بين اللغات فى المستوى السطحى وآمن تشومسكى أيضاً بأن الأطفال لديهم مجموعة من والقواعد الداخلية التى تسمح لهم بالتنقل من المستوى العميق إلى المستوى السطحى والعكس صحيح .
وللتدليل على نظرية تشومسكى :
فلقد قام " توماسللو وبركس " بتعريض أطفال من عمر 3-4 سنوات إلى فعل جديد يستخدم للإشارة إلى حالة متعدية للفعل فوجدوا أن الأطفال يستخدمون هذا الفعل كفعل لازم . ويقوم الأطفال أيضاً باستخدام الفعل الذى سمعوه فى إطار جملة مبنية للمجهول فى إطار جملة مبنية للمعلوم .
فتجارب استخدام الأفعال الجديدة على الأطفال فى عمر 3-4 سنوات أظهرت أن الطفل يميل إلى تمثيل الأفعال الجديدة إلى طبقات نظرية للقواعد .
فالطريقة الرئيسة لدراسة طبيعة المعرفة اللغوية للأطفال تتضمن تعليمهم عبارات لغوية جديدة ورؤية ماذا يفعلون بها ؟ والفكرة هنا هى لو أن الطفل استخدم هذه العبارات الجديدة فى طرق مبتكرة ، فإننا قد نستنتج أن الطفل قد قام بتمثيل وتشبيه هذه العبارات إلى نوع من الطبقات اللغوية النظرية . ولكن لو استخدمها الطفل بطرق تشبه طرق البالغين فإننا نستنتج أنه لا يوجد لديه نظام نظرى للتعامل مع العناصر الجديدة وأن الطفل يتعلم العبارات اللغوية عن طريق التقليد والمحاكاة .
وبذلك انتهى تشومسكى إلى عدة حقائق أساسية عن اللغة هى :
1- إن اللغة معقدة ، وهى مهارة مميزة ، تتطور تلقائياً داخل الطفل دونما جهد واع وتكون بنفس الكيفية داخل كل فرد .
2- إن الطفل يطور هذه القواعد المعقدة بسرعة وبدون تعليمات رسمية وينمو ليعطى ترجمات متماسكة لبناءات الجمل والتى لم يمتلكها من قبل .
3- إن الطفل لا يقوم بإنتاج اللغة فقط كما يسمعها ، ولكن يقوم بإعادة بناء قواعد هذه اللغة .
4- أن كل جملة يتحدثها الفرد تكون عبارة عن تجمع جديد تماماً من الكلمات تظهر للمرة الأولى . وهو بذلك يرى أن الكلمات لا تحفظ عن ظهر قلب ، واللغة لا يمكن أن تقلد ببساطة ثم توصف .
5- إن الأطفال يستخدمون اللغة على وجه خاطئ مثل استخدامهم للجمع الخاطئ .
وبذلك فالنظرية الفطرية تعنى باللغة كظاهرة متطورة مميزة للإنسان وأن اللغة سمة عالمية للإنسان ، وأن القواعد فيها حقيقة ذهنية وأن الإنسان كائن مؤهل وراثياً لاكتساب اللغة وأن اللغة الحية هى التى نستطيع التفكير بها . وبذلك فالقراءة عند النظرية الفطرية عملية ذهنية والخطأ فى القراءة يقاس بدرجة تباينه عن المعنى فهو مفارقة معنوية .
وبذلك يرى البحث تطبيقاُ لنظرية " Chomsky " فى تعليم اللغة للطفل التركيز على الإسهام الإيجابى للطفل فى تعلمه للغة ، فيجب أن تنظر التربية المعاصرة إلى جعل دور الطفل دوراً إيجابياً فى تعلم اللغة باعتباره محور العملية التعليمية ، فالطفل لم يعد متلق للغة وإنما هو الذى ينشئ هذه اللغة دون أن يكون للتلقين دور كبير فى عمليتى التعليم والتعلم .
ثالثاً : النظرية المعرفية لبياجيه فى اكتساب اللغة : Cognitive Theory of Piaget
يرى بياجيه أن نمو اللغة مماثل للنمو المعرفى فى طريقة بنائه أى أن الطفل يتعلم الكلمات لكى يعبر عما تعلمه من التنقيب الفعال فى البيئة .
وهذه النظرية لبياجيه (Piaget) تقوم على أساس التفريق بين الأداء والكفاءة ، ويعرض فيها بياجيه فكرة تشومسكى فى وجود نماذج موروثة تساعد على تعلم اللغة ، كما أنها فى نفس الوقت لا تتفق مع نظرية التعلم ، فى أن اللغة تكتسب عن طريق التقليد والتدعيم لكلمات وجمل معينة ينطق بها الطفل فى مواقف معينة .
فاكتساب اللغة فى رأى بياجيه ليس عملية إشراطية بقدر ما هو وظيفة إبداعية . حقاً إن اكتساب التسمية المبكرة للأشياء والأفعال قد تكون نتيجة للتقليد والتدعيم . ولكن بياجيه يفرق ما بين الكفاءة والأداء . فالأداء فى صورة التركيبات التى لم تستقر بعد فى حصيلة الطفل اللغوية . وقبل أن تكون قد وقعت نهائياً تحت سيطرته التامة . يمكن أن تنشأ نتيجة للتفكير . إلا أن الكفاءة لا تكتسب إلا بناء على تنظيمات داخلية تبدأ أولية ثم يعاد تنظيمها بناء على تفاعل الطفل مع البيئة الخارجية . شأن اللغة فى ذلك شأن أى سلوك آخر يكتسبه الطفل تبعاً لنظرية بياجيه المعرفية . ولكن عندما يتحدث بياجيه عن تنظيمات داخلية فإنه لا يعنى فى الوقت نفسه ما يقصده تشومسكى من وجود نماذج للتركيب اللغوى أو القواعد اللغوية ، بقدر ما يعنى وجود استعداد للتعامل مع الرموز اللغوية ، التى تعبر عن مفاهيم تنشأ من خلال تفاعل الطفل مع البيئة منذ المرحلة الأولى وهى المرحة الحسية الحركية .
ومن خلال العرض السابق لنظريات اللغة ينبغى إبراز العلاقة التفاعلية بين اللغة والفكر :
اللغة والفكر :
إن العلاقة بين اللغة والفكر بالنسبة للتربويين تعتبر ذات أهمية كبرى ، وخاصة أنه من المعتقد أن القصور اللغوى يمكن أ، يسبب فشلاً تعليمياً أ, تربوياً ، ومن الصعب تجسيد ذلك لأنه من الصعب تعريف القصور اللغوى وتحديده ، كما أن بعض الأطفال يعتبرون عاجزين عن الإفصاح عن آرائهم أو مشاعرهم وهؤلاء لا يستخدمون اللغة لكى يتصلوا بالآخرين بسهولة ويسر ومع ذلك فإن هذا لا يعنى أنهم لا يستطيعون القيام بذلك ، أو أن تفكيرهم بالضرورة قد ضعف .
وتتمثل الاحتمالات التى يمكن أن نضعها لذلك فى أى موقف فى النقاط التالية :
1- إن الطفل قد تكون لديه معان ذاتية داخلية للتعبير عنها ولكنه لا يعرف كيف يعبر عنها ، وربما يرجع ذلك إلى عدم وجود السند المناسب من والديه فى المراحل الأولى أو المبكرة للمحادثة .
2- إن الطفل قد يكون لديه معان للتعبير عنها ويعرف كيف يعبر عنها لكنه لا يختار أن يقوم بذلك عندما يواجه بمدرس غريب أو زملاء دراسة غرباء .
3- إن الطفل قد لا يكون لديه معنى واضح أو قد يشعر بالبلبلة نتيجة تداخل المعانى لديه ، وقد تنعكس هذه الحالة من خلال مخرج (Out put) لغوى يتداخل مع غيره فى المعنى .
4- إن المشاكل اللغوية التى قد يتعرض لها الطفل أو يصادفها قد تعوق تفكيره . إلى الحد الذى يعكس معه قصوره اللغوى .
ساحة النقاش