النظريات التى تناولت العلاقة بين اللغة والفكر :
أولاً : وجهة نظر بياجيه : (Piaget) " اللغة لا تساوى الفكر :
يرى بياجيه أن التقدم المعرفى يحدث قبل نمو اللغة ، فالنمو المعرفى (Cognitive development) يأتى أولاً ، وهذا ما يجعل النمو اللغوى فى المقال شيئاً ممكنا ، وهو يرى كذلك أن اللغة ليست شرطاً ضرورياً للنمو المعرفى ، ويؤكد بياجيه أن ظهور التمثيل الداخلى Internal representation والذى تعد اللغة احد أشكاله يزيد من قوة التفكير فى المدى Rang والسرعة Speed فالأطفال يمكن أن تكون لديهم أفكار عن الأشياء والموضوعات قبل أن يستطيعوا تسميتها ومن ثم فإن عدم امتلاك الطفل للغة لا يمنعه من التفكير .
وطبقاً لما ذهب إليه بياجيه فاللغة ليست السبب فى التقدم العقلى ولكنها وسيلة تستخدم فى التفكير الإجرائى (Operational Thinking ) ويرى أن اللغة انعكاس للمعرفة Cognition فالأطفال يجب أن يحققوا إنجازاً خاصاً بما يسمى دوام الموضوعات Object Permance أى أن الأشياء توجد حتى لو غابت عن مجال النظر .
لذلك يعارض بياجيه أن اللغة عامة ومسئولة عن الفكر ويشير بياجيه إلى أن اللغة ما هى إلا نوع واحد من أنواع الوظائف الرمزية التى تتضمن بالمثل أقدم أشكال اللعب الرمزى والتخيل الرمزى ، فالهدف الرئيسى الذى يسعى إليه بياجيه ومعضدوه ، هو أنه من المستحيل على الطفل أن يفهم تعبيراً لغوياً حتى يتمكن من الفكرة الكامنة وراءه .
ويجز بياجيه هذا بقوله اللغة والتفكير وصلات فى دائرة وراثية يعتمد كلاهما على الذكاء نفسه الذى يسبق اللغة تاريخياً ويستقل عنهما .
ويرى بياجيه أن اللغة تقوم بدور مهم وحيوى فى تطور الفكر ، إلا انه يرى من الخطأ المساواة بينهما ، لأن اللغة والفكر يستقلان عن بعضهما وكانت حجته فى ذلك أنه إذا كانت اللغة عبارة عن وسيلة تقليدية لتمثيل الأشياء والأحداث ، فإن الأطفال يجب أن تكون لديهم معرفة بمثل هذه الأشياء والأحداث وذلك قبل أن يصبحوا قادرين على تمثيلها لغوياً . ويرى بياجيه أن اللغة فى المراحل الأولى من الحياة لا تعتبر شرطاً ضرورياً ولا كافياً للتفكير ومع أنها قد تصبح ضرورية للتفكير وذلك فى مرحلتى العمليات العيانية والشكلية فإنها لا تزال غير كافية .
ويرى بياجيه من خلال دراسته عن اللغة والفكر عند الطفل أن هناك نوعين من الكلام يوجدان لدى الطفل هما :-
1- الكلام المركزى للذات Egocentric Speech
2- الكلام المكيف اجتماعياً Socialized Speech
وقد حدد بياجيه خصائص الكلام المركزى للذات وميز بينه وبين الكلام المكيف اجتماعياً على النحو التالى :
- فى الكلام المركزى للذات لا يهتم الطفل بأن يعرف إلى من يتحدث ولا يهتم بأن يصغى إليه السامع .
- فالطفل يتكلم لنفسه أو طلباً للسرور الناتج عن مشاركة الغير له وفى هذه الحالة يمكن أن يكون أى شخص يتصادف وجوده فى طريقة هو (الجمهور أو المستمع) الذى يوجه له الكلام .
- إن الطفل فى الكلام المركزى للذات لا يطلب من المستمع إلا اهتماماً ظاهرياً ، ولا يشعر بالحاجة للتأثير فى المستمع أو أخباره بشىء ، ولو أنه يخدع نفسه بأن المستمع يصغى إليه ويفهم ما يقول .
- الطفل المركزى الذات يتكلم كلاماً مركزياً حتى وهو وسط جماعة ، أما البالغ فهو يفكر فكراً مكيفاً اجتماعياً حتى وهو فى عزلة تامة ، ولكن الطفل يتكلم باستمرار لأنه يستطيع الكتمان والسرية والكلام فى الغالب مجرد شىء يصاحب نشاطه ويراعى فيه وجهة نظر الآخرين وهو يتكلم حتى لو كان بمفرده .
- أما الكلام المكيف : ففيه يتناول الطفل خواطره وأفكاره مع الغير إما بأن يخبره سامعه بشىء يهمه أو يؤثر فى سلوكه وأفعاله ، أو أن يبادله الرأى بالفعل عن طريق الحوار أو حتى عن طريق التعاون للوصول إلى هدف مشترك .
تطبيقات بياجيه فى اللغة والفكر :
كان المدرسون فى الماضى يقدمون الفكرة التى يريدون الأطفال تعلمها بلغة البالغين ،حينئذ يقول المدرس أمثلة أو مجموعة من التجارب كتوضيحات الفكرة .
ونصيحة بياجيه تأخذ فى الاعتبار أن السؤال يأتى سواء تعلم الطفل التراكيب أو قدم للطفل مع المواقف ، حيث يكون الطفل نشيطاً ويخلق التراكيب نفسه .
وأشار أن الهدف من التعليم هو خلق الإمكانيات للطفل والاختراع والاكتشاف .
وهكذا يجب أن توفر البرامج التعليمية للأطفال الفرص العديدة لفحص المواد أو المواقف لاكتشاف التراكيب ، ويجب أن يأخذوا الوقت لربط اللغة بالتركيب الذى اكتشفوه .
ثانياً : وجهة نظر فيجوتسكى : Vygotsky
يرى فيجوتسكى أن الفكر واللغة يبدآن على أنهما لونان من الأنشطة المنفصلة والمستقلة ، وعند سن الثانية من العمر يلتقى الفكر واللغة ويلتحمان ليعلنا بدء نوع جديد من السلوك عند هذه النقطة يصبح الفكر لفظياً والكلام عقلانياً .
ويرى فيجوتسكى أن للغة وظيفتين مستقلتين هما :
2- الاستخدام الداخلى لأفكار المرء :
وأدت حقيقة أن النظامين فى البشر يمكن إلى حد كبير ترجمة أى منهما الآخر ، إلى الأفكار التالية التى تؤدى بها بشأن أمكان قيام علاقات بين اللغة والفكر :
1- اللغة هامة ومحددة للفكر .
2- الفكر يسبق اللغة وهو هام لتطورها .
3- لكل من اللغة والفكر جذوره المستقلة .
وقد ميز فيجوتسكى بين التفكير والحديث الداخلى ويرى أن الحديث الداخلى هو الذى يوجد العلاقة بين التفكير والمعانى المتضمنة فى الحديث . هكذا فإن التفكير ينمو من معانى الكلمات حيث إنه من المعتقد أن الطفل يبدأ بالكلمات التى يدركها على أنها خصائص الأشياء وليس مجرد أنه هذه الكلمات ترتبط بتلك الأشياء بشكل تقليدى . ويرى فيجوتسكى أنه بمجرد أن يصبح معنى الكلمة مفهوماً فإنها تستدخل عن طريق الحديث الداخلى وتصبح بعد ذلك تفكيراً .
فبالنسبة لبياجيه نجد أن إذا كانت الأفعال هى التى تستدخل وتصبح بمثابة عمليات للتفكير ، فإن ما يستدخل بالنسبة لفيجوتسكى هى معانى الكلمات .
بالنسبة لفيجوتسكى تعتبر الكلمة الخالية من الفكر شيئاً ميتاً ، وفكرة لا تتضمن كلمات تظل خيالا
فعندما يدرك الطفل أن كل شىء له اسم ، فكل موضوع جديد يقوم للطفل كموقف للمشكلة ، ويحل الطفل المشكلة بتسمية الشىء ، وعندما لا يعرف الكلمة للشىء الجديد فإنه يطلبها من البالغين وسوف يكون معانى الكلمة المكتسبة بمثابة الجنين لكوين الفكر .
وتقوم الكلمات بدور حيوى ليس فقط فى تطور الفكر ولكن أيضاً فى النمو التاريخى للوعى ككل ، حيث إن الكلمة هى جوهر الوعى الإنسانى .فتراكيب الكلام التى يجيدها الطفل تصبح التراكيب الأساسية لتفكيره ، وتراكيب اللغة التى يستعملها الشخص تؤثر على الطريقة التى يستقبل بها الشخص بيئته .
وتبعاً لفيجوتسكى كل النشاطات المعرفية الأساسية تتشكل لخليط من التاريخ الاجتماعى . بمعنى أن المهارات المعرفية ونماذج التفكير لا تحدد فى البداية بعوامل داخلية ولكن تكون نتاجاً للنشاطات الممارسة فى المواقف الاجتماعية للثقافة حيث ينمو الفرد . ومن ثم فإن تاريخ المجتمع الذى نشأ فيه الطفل ، وتاريخ الطفل الشخصى كلاهما يمثل جانباً حرجاً وحاسماً للطريق إلى يفكر بها الفرد ، وفى التطور المعرفى تكون اللغة أداة حرجة لتحديد كيفية تعلم الطفل للتفكير . لأن النماذج السابقة للفكر نقلت إلى الطفل عن طريق الكلمات .
اللغة والفكر عند الطفل بالنسبة لفيجوتسكى :
1- يتفق فيجوتسكى مع بياجيه حول وجود قدر كبير من الكلام المركزى الذات لدى الأطفال فيما بين الخامسة والسادسة من العمر .
2- يتفق فيجوتسكى معه أن نسبة الكلام المركزى الذات تنخفض مع تقدم السن فيما بعد السادسة من العمر .
3- يقبل فيجوتسكى وصف بياجيه لوجهة النظر المعرفية للطفل ، ومحاولته لتفسير وجود الحديث المركزى الذات بالرجوع لمركزية الذات التى تميز التركيب العقلى للطفل الصغير .
4- يختلف فيجوتسكى مع بياجيه حول مصير الكلام المركزى الذات حيث يرى بياجيه أن هذا النوع من الكلام يختفى مع تطور الطفل ونموه ليحل محله الكلام المكيف اجتماعياً ظن ويوضح فيجوتسكى أن هذا النوع من الكلام المركزى الذات لا يختفى وإنما يتطور ويتحول إلى ما يطلق عليه الكلام الداخلى (أى الفكر) .
5- انتقد فيجوتسكى بياجيه لأنه ظل بعيداً عن إدراك أهم سمة للكلام المركزى الذات ، أى علاقته بالكلام الداخلى (الفكر) وبين أن تفسير بياجيه لهذا النوع من الكلام لم يكن مقنعاً تماماً كما كان ناقصاً .
6- لم تكن المشكلة الأساسية عند فيجوتسكى هى علاقة الكلام المركزى الذات بالكلام المكيف اجتماعياً وإنما كانت العلاقة بين الكلام المركزى الذات والكلام الداخلى ، وقد اعتبر الكلام المركزى الذات مرحلة سابقة وضرورية على الكلام الداخلى وتؤدى إليه .
7- يعتبر فيجوتسكى الكلام المركزى الذات هو حلقة الاتصال بين اللغة بكافة مظاهرها (الكلام المنطوق والمظهر الداخلى الدلالى الذى يجعل الكلمات تكتسب معنى) وبين الفكر أى الكلام الداخلى .
وبذلك يكون فيجوتسكى قد وصل بين الفكر واللغة وجعل الكلام المركزى الذات حلقة الوصل ، وهى حلقة تستمر ظاهرية حتى سن معينة ثم تأخذ صوراً أخرى .
لذلك كان فيجوتسكى على عكس ما اعتقد فيه بياجيه ، فيؤكد فيجوتسكى على دور اللغة فى التفكير وتشكيل الأفكار . ولقد وضح أن الحوار مع البالغين كعامل قوة فى تطور تفكير الأطفال وأكد على التفاعل اللفظى المبكر بين الأطفال والبالغين فى بيئتهم وتبعاً لهذه النظرية تلعب الكلمات دوراً رئيساً فى تطور الفكر ، كما يكتسب الأطفال الكلمات . فهم يكتسبون أدوات التفكير .
ولقد أبرز فيجوتسكى Vygotsky أهمية المجتمع فى تنمية المعرفة ونمو الجوانب المعرفية وأن التعلم الموجه الذى ينادى به يتطلب فهماً لما يستطيع أن يفعله الطفل وحده ، ولما يستطيع أن يعمله حين يتولاه بالرعاية معلم مستنير ، والفرق بين هذين المستويين من الأداء الوظيفى هو منطقة النمو القريبة (ZPD) (Zone of Proximal Development) .
ومنطقة النمو القريبة (ZPD) حسب مفهوم فيجوتسكى هى الحيز بين مستوى الطفل فى الأداء المستقل ومستواه فى الأداء عن طريق المساعدة فالقدرات التى يتم تطويرها توجد فى مستوى الأداء المستقل ، وهذه المهارات يمكن تعزيزها عن طريق المستويات المتنوعة للمساندة والتى توجد داخل (ZPD) فإن ما يفعله الطفل اليوم فقط بمساعدة الآخرين سوف يصبح غداً مستواه فى الأداء المستقل .
على سبيل المثال : إذا كان الطفل اليوم يستطيع فقط كتابة اسمه بمساعدة الآخرين فإن غداً يستطيع كتابة أى نص آخر بمفرده .
ثالثاً : وجهة نظر برونر فى اللغة والفكر :
يرى برونر أن اللغة هى أداة التفكير ويعتقد أن النظام اللغوى للطفل يحدد الأطر العامة لتفكيره . وأنه لكى يستخدم الطفل اللغة كأداة للتفكير يجب عليه أولاً أن يخضع عالم الخبرة لمبادئ التنظيم التى تعتبر إلى درجة ما متماثلة فى الشكل مع القواعد البنائية للتركيب النحوى . ويرى برونر أيضاً أن النشاط الرمزى يرتبط بأنواع معينة من المعرفة ، وأن النمو المعرفى يتكون من أساليب عدة لتمثيل العالم .
وهو بذلك يرى أن الإنسان خلال تطوره أنشأ نظماً وأساليب بهدف زيادة كفاءة أفعاله ، فابتكر الأدوات لتوسيع قدراته الحركية ، ووضع الأدوات لتحل محل بنية جسمه الضعيفة ، وأنشأ الميكروسكوب لتوسيع خبراته الحسية ، وأوجد الراديو لنقل الصوت عبر مسافات ، وفى قمة مهارات التصوير ، اكتشف الإنسان نظام الرموز " Symbol System " لكى ينقل من خلاله الخبرة الحسية الواقعية إلى الخبرة المتخيلة أو المتصورة فى غياب الأشياء ، وتتفق هذه التطورات مع مراحل نمو اللغة وهى المراحل التى صاغها (برونر) من خلال ما أسماه بأنماط أو مراحل التمثيل " Representation " ، أو التصور .
مراحل التصور لدى برونر هى :
1- مرحلة الحدوث الفعلى أو العملى (enactive stage) :
ويحدث النمو فى هذه المرحلة من خلال الفعل والحركة وترتبط بالنمط العلمى enactive ويتمثل فى التعلم من خلال العمل والتفاعل المباشر مع الأشياء وهو تعلم بلا كلمات فى جوهره ، كما يحدث بالنسبة للكثير من الأشياء التى يجب أن يتعلمها المرء رغم عدم توافر صور أو كلمات لها مثل تعلم المهارات الحركية ، فهو يعتمد فى جوهره على تعل الاستجابات وطرق التعود .
2- المرحلة الأيقونية من 3-6 سنوات أو الحدث التصورى Iconic Stage :
وتعتمد على التنظيم البصرى ، وعلى غيره من أنواع التنظيمات الحسية وعلى استخدام الصور التلخيصية للأشياء ، وحيث يتم التصوير خلال الوسائط الإدراكية ، وتحل الصورة الأيقونة محل الشىء الفعلى ، ويرى برونر أنها تتكون من عملية تصور مركبة تشتمل على أحداث عديدة وتشابهة . فاستدعاء صوت الجرس يتم من مزيج من أصوات الجرس التى سمعت بالماضى .
3- المرحلة الرمزية أو مرحلة التحول من الاستحضار التصويرى إلى الاستحضار الرمزى Symbolic Stage من 7 سنوات إلى نهاية العمر :
وفى هذه المرحلة الأخيرة يتحرر الطفل من عالم الأشياء الظاهرة أى من السياق الحالى ، ويصبح باستطاعته تجاوز المعلومات المعطاة والتى تعتبر ............... للخبرة يسهل من اكتساب المعرفة الناضجة ، كما أنه يعتمد على العمليات التربوية التى تقود على استخدام الألفاظ حيث إن هذا التمثيل الرمزى الذى يقوم على أساس لغوى هو الذى يحدد أشكال التفكير التى يسهلها أو يساعد على ظهورها .
فإذا كان الطفل يقوم فى المرحلة الأولى بتجميع الأحداث من خلال الاستقبال الصوتى للمدخلات الملفوظة ، وكانت المرحلة الثانية هى استقبال الملفوظات الصوتية وإدراكها بالتحديد والمطابقة مع الصور الذهنية أو السردية للوقائع المحيطة بالطفل لكى ينمو من خلالها إدراكه الدلالى وتعدد نماذجه الرابطة بين الحدث اللغوى والمرجعى من أجل التفسير الدلالى ، فإن المرحلة الثالثة تأتى تطويراً لذلك وترسيخاً لعملية الإدراك الذهنى المثالى الذى يصل إلى حد التجريد ذلك التجريد المميز للغة الإنسانية التى تتداول الفكر والمشاعر والخيال أيضاً .
تعليق على اللغة والفكر :
نقد ذهب " فيجوتسكى " و " بياجيه " و " برونر " إلى أن اللغة تقدم للفكر القوالب التى تصاغ فيها المعانى فاللغة وسيلة لإبراز الفكر من حيز الكتمان إلى حيز الظهور ، كما أنها عماد التفكير والتأمل ولولاها لتعذر على الإنسان أن يستخرج الحقائق عندما يسلط عليها أضواء فكره ، فالعلاقة بين اللغة والفكر وطيدة ، حيث تقدم اللغة للفكر تعاريف جاهزة وتصف خصائص الأشياء وتساعد الفرد فى عمله عن طريق تزويده بصيغ وتعبيرات مناسبة وتضع أمامه أساليب مدروسة .
وعليه لا يطلق على الكلام لغة بالمعنى العلمى إلا إذا أدى هذا الكلام وظيفة نفسية قائمة على التركيب والتحليل والتصور ، والتصور الذهنى ضرورى قبل أن تصدر اللغة أو يصدر الكلام ، كما أن معرفة اللغة ضرورة للسامع قبل أن يتم عملية التصور عنده .
وأوضحت (Harriette Herrera : 2001) أن توجد قائمة مبشرة بحيث يتم استخدامها فى تشجيع الربط بين اللغة والتفكير وهى :
1- أسئلة من نوع نعم / لا وهى أسهل أنواع الأسئلة .
2- أسئلة (أو) والتى تكون أكثر صعوبة ، لكون الأطفال يختارون من متعدد .
3- أسئلة الإجابات القصير والتى عادة ما تبدأ بـ : من ، أين ، متى ، ماذا .
4- أسئلة الفكر وعادة ما تبدأ بـ : كيف ، لماذا ، مع سؤال الأطفال أن يظهروا ويعبروا عن أفكارهم
5- أسئلة التذكر التسلسلى حيث يتم سؤال الأطفال ، تذكر عدد من الحقائق من القصة المقررة .
6- أسئلة الوصف حيث يكون على الأطفال الوصف شفوياً لما رأوه من أجل جعل الأطفال سأكثر إدراكاً لاستخدام الصفات والحال .
7- أسئلة لماذا وكيف ، بسؤال الأطفال أن يعبروا عن الأحداث الماضية مع إجراء الاستنتاجات .
8- استرجاع سلسلة من الأحداث بترتيب صحيح . إخبار الأحداث بنظام متسلسل يتضمن العديد من الفقرات أو أحدى القصص التى توضح كيف حاولت الشخصية حل المشكلة التى واجهتها .
9- تذكر القصة . إعادة تذكر القصة من خلال تعبير الطفل عنها مع استرجاع الشخصيات وتسلسل الأحداث من خلال استخدام المحادثات المرتبطة .
وبوصف اللغة نظاماً من الرموز لقواعد ونظم ، وأن الكلام المنطوق يمكن النظر إليه من أكثر من ناحية إذا إن له ناحية صوتية وناحية دلالية وناحية نحوية ، وأخرى صرفية .
وأن اكتساب اللغة لدى الطفل الإنسانى يبدأ بالأصوات ، ثم تبدأ هذه الأصوات فى التمايز لتصبح كلمات لها معنى ، ثم تركب هذه الكلمات لتصبح جملاً نحوية ذات معنى .
لذلك فسيتناول البحث اكتساب كل نظام من هذه الأنظمة على حدة لدى الطفل .
أنظمة اكتساب اللغة لدى طفل ما قبل المدرسة :
أولاً : اكتساب الأصوات :
إن الأصوات هى اللبنات التى تشكل اللغة ، أو المادة الخام التى تبنى منها الكلمات والعبارات ، فما اللغة إلا سلسلة من الأصوات المتتابعة أو المتجمعة فى وحدات أكبر ترتقى حتى تصل إلى المجموعة النفسية .
الصوت هو عملية حركية يقو بها الجهاز النطقى ، وتصحبها آثار سمعية معينة ، وهو يأتى من تحريك الهواء فيما بين مصدر إرسال الصوت وهو الجهاز النطقى ومركز استقباله وهو الأذن .
وتنقسم الأصوات الأولى التى يصدرها الطفل إلى نوعين رئيسيين متعاقبين فى تطورهما ، فيأتى النوع الأول فى مرحلة الصراخ ونطلق عليها (اسم أصوات ما قبل اللغة) ، ويبدأ النوع الثانى الظهور فى مرحلة المناغاة التى تشهد بدايات الأصوات اللغوية ، ثم تتضح ملامحه شيئاً فشيئاً فى مرحلة الثغثغة وأشباه الكلمات .
1- الصراخ وأصوات ما قبل اللغة Crying Stage :
وأول أصوات الطفل فهو عضوى بحث ولا علاقة مباشرة له باللغة كما نفهمها نحن ، وصراخ الطفل فى الأربعة أشهر الأولى من حياته ليس إلا تعبيراً عضوياً عن حاجاته الآنية . غير أن هذه العملية العضوية تلعب دوراً فسيولوجياً تمهيدياً وحيوياً فى تأهيل أجهزة النطق عند الطفل للتعامل مع اكتساب اللغة فى المراحل اللاحقة لمرحلة الصراخ .
ويرى بعض العلماء أن صرخة الطفل تعتبر أول بادرة يعبر الطفل من خلالها على قدرته على التصويت ، ويقول العالم Ostwald أن الصراخ الحاد الانفجارى هو أكثر أهمية بالنسبة للطفل لأنه يفيد فى نمو اللغة .
كما يرى بأن عملية البكاء والصراخ لدى الطفل لها قيمة اجتماعية وإشارة إلى أن الطفل محتاج إلى رعاية وعطف .
وتعد صرخات الطفل من النوع الضعيف والقصير ويصبح الشهيق فى الصراخ قصيراً ، وتزداد فترة الزفير .
وللصراخ أهمية كبرى فى تمرين الجهاز المختص بالكلام الذى لم ينضج بعد ، إلى جانب أن الصراخ يساعد الطفل على إشباع حاجاته الأساسية ورغباته كما يحدث عندما يؤدى الصراخ إلى التخلص من الجوع أو الألم أو الحصول على انتباه الآخرين .
2- المناغاة وبدايات الأصوات اللغوية Babbling Stage :
المناغاة هى النوع الثانى من الأصوات غير اللغوية التى يصدرها الطفل وغالباً ما تبدأ هذه المرحلة بحلول الشهر الخامس من عمر الطفل ، وقد تستمر إلى أن يتجاوز عمره العام أو حتى أكثر بقليل ، والمناغاة هى حلقة الوصل فى انتقال الطفل من الصراخ البيولوجى البحت إلى أول أصوات اللغة ، إذا إن الطفل ينتقى فى مناغاته من أصوات الصراخ أصواتاً يطورها ويرتقى بها ويضيف إليها ، وهو يفعل ذلك إما بغرض التعبير عن نفسه أو اللهو والتسلية والمناغاة كالصراخ ليست عاملاً شرطياً لاكتساب اللغة ، بل سلوك صوتى موروث يصدر عن كل الأطفال ولا يعتمد حدوثه على وجود دخل لغوى مسموع .
ويؤكد كثير من العلماء على حقيقة مهمة وهى أن الأصوات التى يصدرها الطفل عند بداية مرحلة المناغاة هذه لا ينطقها قاصداً ومقلداً لأصوات الآخرين ، وإنما تنتج هذه الأصوات بالصدفة البحتة من الحركة العشوائية لأعضاء جهاز الكلام ، أى أن أصوات المناغاة ليست أصواتاً مكتسبة متعلمة .
ونتيجة لذلك يرى العلماء أن إصدار الطفل لأصوات المناغاة لا يأتى تقليداً للأصوات التى يسمعها من حوله . ويتفق علماء لغة الطفل كذلك على اعتبار أصوات المناغاة شكلاً من أشكال نشاط اللعب Playful أو " حديث اللعب Playful speech وينظرون إليها بوصفها مجرد نشاط عضلى خالص يحقق للطفل سعادة ويجد المتعة فى إصدار هو ترديده . وكدليل على أن الطفل يجد متعة وسعادة فى المناغاة يلاحظ أنه يبتسم ويضحك على الأصوات التى يصدرها .
وقد لوحظ بأن الأصوات لدى الطفل فى مرحلة المناغاة تبدأ بحروف الحلق المرنة مثل أحرف (آ ، ع ، غ ، خ) ثم أحرف سقف الحلق ، ثم أحرف الشفاه مثل (م ، ب) ثم أحرف طرف اللسان مثل (ز ، ث ، ذ) ثم أحرف وسط اللسان مصل (ص ، ض ، .....) .
هذا وتدل أبحاث أيروين Irwin على أن نسبة الحروف المتحركة إلى الحروف الساكنة فى أصوات الطفل فى مرحلة المناغاة تبلغ من 4 : 1 فى البدء ثم تتطور فى منتصف السنة الأولى 2 : 1 ثم تبلغ فى نهاية هذه السنة 1 : 3 .
وتبدأ المناغاة غالباً بأصوات تتكون من مقطع واحد يتكرر مثل دا – دا – دا أو ما – ما – ما ثم مقطعين مثل داما – داما – داما ثم بأكبر من مقطعين مثل تارا – تارارا ، وهكذا ، وظهور هذه المقاطع من الأهمية بمكان ، فهى الإشارة الأولى إلى أن الطفل قد بدأ فى إدراك سمة شديدة الخصوصية والأهمية فى لغة الإنسان ألا وهى سمة مقطعية اللغة ، وذلك أن أصوات اللغة لا ترد بصورة عشوائية ، بل ينظمها نظام مقطعى صارم تأتى فيه الأصوات مرتبة فى مقاطع تركيبية محددة لا تخرج عنها تجميعات الأصوات النغمية .
وفى أواسط مرحلة المناغاة ، تبدأ نغمات الطفل فى التشابه مع نغمات اللغة كما ينطقها الكبار حوله ويظهر ذلك فى اكتساب الطفل نغم الألفاظ ، وإيقاع الجمل ، ونبرات الحديث ، دون اكتسابه محتوى لغوياً لفظياً حقيقاً لأى منها .
وتعد دلالة النغمات من أول ما يكتسبه الطفل فى اللغة ، فنلاحظ بجلاء فيما ينتجه من تنغيمات قدرته على التمييز بين أغراض الحديث المختلفة من إخبار أو استفهام أو أمر ، وعلى التفرقة بين الحالات الوجدانية مثل الغضب والرضى والاستحسان . ويرى المحدثون من العلماء أن اكتساب الطفل دلالة اللغة النغمية هو الخطوة الأولى لاكتسابه سمة العلامة الرمزية بين الصوت والمعنى اللغوى .
والمناغاة ترد فى أصواتها ، فالطفل يصدر فى مناغاته من الأصوات والملامح الصوتية الكثير ، وهو يبدأ فى تطوير أجهزة النطق والسمع لديه تمهيداً لبدء إنتاجه أصوات لغته وإتقانها ، وعادة ما يتضمن هذا التطوير تجارب تمهيدية ، يجريها الطفل لصقل مهاراته الصوتية وتذهب بعض الآراء فى تفسير ثراء أصوات المناغاة وتشابهها مذهباً بعيداً مؤداه أن الطفل يولد قادراً على إنتاج مختلف الأصوات . وأن تعلم لغة معينة أو اكتسابها لا يعدو أن يكون عملية تعرف الطفل من ناحية على الأصوات التى توجد فى لغته فيحتفظ بها وينمى قدرته على إنتاجها بكفاءة ، وتحديده من ناحية أخرى تلك الأصوات التى لا توجد فى لغته فيستبعدها ومن ثم يفقد تدريجياً قدرته على إصدارها .
وتتشابه الأصوات التى يصدرها الطفل فى مرحلة المناغاة على الرغم من اختلاف اللغات فى بيئات الأطفال فمثلاً يقوم الأطفال بإصدار أصوات الباء والميم والذال والزاى والشين واللام والراء .
3- ترتيب اكتساب الأصوات :
وهناك ملاحظات عامة على ترتيب اكتساب الطفل للأصوات ، من أبرزها وأكثرها عمومية اكتسابه أصوات الحركات قبل السواكن ، واكتسابه لأصوات الانفجارية قبل بقية الأصوات الساكنة ، عادة ما يكتسب الطفل لأصوات بالترتيب التالى :
الشفوية ثم اللهوية ، فالحلقية ، ثم الشجرية ، ويلى ذلك اكتساب الطفل لأصوات ما بين الأسنان ثم الأصوات المفخمة ، ويقول ، ويقول عالم اللغويات " رومان جاكوبسون " إن الطفل فى البداية يكتسب الأصوات الشائعة فى كل اللغات ثم يكتسب بعد ذلك الأصوات الأقل شيوعاً فى لغات العالم أو تلك الأصوات التى تختص بها لغته دون غيرها من اللغات .
4- الثغثغة وأشباه الكلمات :
وبانتهاء مرحلة المناغاة ، تبدأ فيما بين الشهرين التاسع والثانى عشر مرحلة الثغثغة التالية لها ، وهى مرحلة قد تستمر إلى أن يبلغ الطفل سن العامين أو العامين والنصف وبإيذان مرحلة الثغثغة يبدأ الطفل لأول مرة فى إنتاج أشباه كلمات تعكس الخصائص النغمية العامة للغة وتتضمن بعض أصواتها كما تظهر فى كلمات حقيقة يستخدمها الراشدون من حوله ، وأشباه الكلمات هذه من الأهمية بمكان .
فهى الإشارات الأولى إلى اكتساب الطفل أو تفعيله ، خاصية أساسية من أهم خصائص اللغة الإنسانية ، ألا وهى القدرة على إدراك الارتباط الرمزى العشوائى بين لفظ بعينه يوجد فى بيئة الطفل وخارج ذاته . وبين دلالة وسياق محددين . وحين يتحقق هذا الإدراك يأخذ الطفل أولى خطواته على طريق محاولة استخدام هذه الألفاظ للتعبير عن دلالات بعينها وتوظيفها فى سياقاتها الاجتماعية لمناسبة . ولذا نعتبر أشباه الكلمات هذه أولى كلمات الطفل رغم ما قد يشوب لفظها من تحريف نطق بعض أصواتها من عدم دقة .
ونلاحظ أن أشباه الكلمات التى ينطقها الطفل فى مرحلة الثغثغة تختلف عما ينطق به الراشدون اختلافات رئيسية عن الكلمات الأصلية ، سواء من حيث عدد المقاطع الصوتية بالكلمة أو التركيبات الصوتية المتتالية ، إن قدرة الطفل على فهم ما حوله من لغة تسبق قدرته على الإنتاج وتفوقها بكثير ، ولذلك فإن الطفل وهو مدفوع برغبته فى الاتصال بمن حوله ، يلجأ فى محاولته تعويض الفارق بين قدرته على الفهم بين قدرته على الفهم وقدرته على الإنتاج إلى تعويض هذا النقص مستخدماً استراتيجيات نذكر منها .
أ- تسهيل المقطع :
وفيه يقوم الطفل بحذف صوت أو أكثر لتسهيل نطق الكلمة مثل حذف بعض الأصوات الانفجارية مثل (تاد بدلاً من ستاد) وكذلك حذف الأصوات اللينة مثل (الراء – واللام) التى تأتى بعد أصوات انفجارية مثل (توح بدلاً من تروح) أو حذف الصوت الساكن الأخير من الكلمة مثل (تيفون بدلاً من تليفون) .
ب- الإبدال :
هو أحد أكثر الاستراتيجيات الصوتية انتشاراً فى المراحل الأولى لاكتساب اللغة وهو إبدال صوت بآخر ، والإبدال بطبيعة الحال وجه آخر للتسهيل ، ومن ذلك إبدال السين تاء فى (تكينه بدلاً من سكينة) وإبدال الشين سين مثل (ساى بدلاً من شاى) أو الحاء عين (وحوا بدلاً من ولعوا) وهكذا .
جـ- المشابهة والإدغام :
وتعنى تعديل ملمح صوتى أو أكثر من الملامح الصوتية لبعض أصوات الكلمة نتيجة لتأثير الأصوات المصاحبة لها ، ومن ذلك أن ينطق الطفل الصوت متأثراً بطريقة نطق الأصوات المصاحبة لذلك فى الكلمة مثل تحويل الحروف المهموسة لإلى مجهورة عندما يصحبها مثلاً أصوات مجهورة مثل (دين) بدلاً من (تين) أو زمكة بدلاً من (سمكة) .
وأشار أيضاً (إبراهيم أنيس : 1984 ، 218-219) إلى السر فيما قد يتعرض لنطق الطفل من نقص فى تقليد لغة أبوية ، وهذا النقص فى التقليد يخضع عادة لقواعد تبررها القوانين الصوتية وعلاقة الأصوات ببعضها .
1- فكثير من الأطفال يبدلون الكاف تاء لأن الصوتين يتحدان فى صفتى الهمس والشدة ، ولا فرق بينهما إلا فى المخرج ، فانتقال المخرج من أقصى الحنك إلى أدناه يبرر إبدال الكاف تاء ، لأن أقرب أصوات طرف اللسان إلى الكاف هى التاء ، فقد يقول الطفل المصرى " تلب فى " كلب " . والأطفال الذين يميلون إلى إبدال الكاف " تاء " يميلون أيضاً إلى قلب " الجيم " التى هى مجهورة " الكاف " إلى " دال " التى هى مجهورة " التاء " فيقولون فى " عجين " عدين " وفى " جدى " ددى " .
2- وصوت " الراء " صوت شاق عسير على معظم الأطفال ، فأحياناً نسمعه " واواً " مثل " ربع " قد يقولون " وبع " ، وأحياناً نسمعها منهم " غيناً " أو مهموس الغين وهو " الخاء " بابور " قد ينطقون بها " بابوغ " ، ولا شك أن الواو واللام أسهل من الراء ، لأنهما لا يحتاجان إلى جهد عضلى كبير ، هذا إلى أن العلاقة الصوتية بين كل من اللام والواو وبين الراء واضحة جلية لأن كلاً من اللام والواو من الأصوات المائعة Liquids التى تشبه أصوات اللين ، والواو كما سبق شرح طبيعتها الصوتية ليست فى الحقيقة إلا صوت لين انتقالياً ، فعلاقتها بالراء إذن لهوية ، ولكون الراء عند بعض الأطفال لهوية ، أمكن أيضاً أن يستعيضوا بها عن بعض الأصوات القريبة من اللهاة كالغين .
3- "الذال " أو نظيرها المهموس " الثاء " صوتان عسيران على الأطفال وعلى كثير من الكبار أيضاَ . فقد تطورت " الذال " من النطق العربى القديم إلى الدال أو الزاى فى لهجات الكلام الحديثة ، كما تطورت الثاء إلى التاء أو السين .
4- وكثير من الأطفال يقبلون الشين " سينا " فيقولون " شمس " بدلاً من " شمس " والسين " فاء .
5- الطفل أيضاً فى نطقه يتلمس أيسر الطرق ، ومالاً يكلفه جهداً عضلياً وهو لهذا لا يميل إلى توالى صوتين أحدهما مجراه الألف كالميم والنون والآخر مجراه الفم كباقى الأصوات . ولهذا يميل إلى جعل مجرى كلا الصوتين المتجاورين إما من الفهم فقط أو من الأنف فقط .
ثانياً : اكتساب الدلالة :
الدلالة هى معنى معين يوحى به سياق لغوى أو اجتماعى معين .
والكلمة لفظة ذات دلالة ، وطبيعة الدلالة فى اللغة البشرية تتمثل فى قدرة الرمز اللغوى على التعبير عن مدلوله سواء أكان حسياً أم عينياً أم مجرداً أو واقعياً أم محتملاً ، وهذا يعنى أن معانى الكلمات لا تكتسب إلا بعد أن يكون الطفل قد استطاع أن يكون صوراً ذهنية أو مفاهيم عن الأشياء والأحداث التى تشير إليها الكلمات وترتبط بها وتصبح الكلمات فى النهاية عبارة عن رموز تشير إلى مفاهيم وعلاقات بين المفاهيم وهو ما نقصده عن المعنى ، فالمعنى والمفهوم أو المحتوى الدلالى شىء واحد .
والسؤال الذى يمكن أن يطرحه الفرد هو كيف تتكون المعانى ؟
يشير (فيصل الزراد : 1990 ، 80) فى ذلك إلى أن الإنسان منذ طفولته يتعرض إلى مجموعة من المثيرات الداخلية والخارجية التى تولد لديه أحاسيس مختلفة يسعى الفرد إلى التعرف عليها وإدراكها حتى يستجيب إليها بالشكل المناسب ، وهذه العملية (الإحساس ، الإدراك) تعتمد ما لدى الفرد من خبرات وتجارب ، وطالما أن هناك مدركات ، فهناك فهم وبالتالى قرارات وأحكام . وهذه القرارات أو الأحكام تتكون من معان .
ففى اكتسب المعانى تبدأ اللغة أولاً بمرحلة تعميم لدى الطفل ، بحيث يمكن لهذه المعانى أن تطبق على أكبر قدر ممكن من الأشياء . وتدريجياً مع نمو الطفل يصبح المعنى والرمز يقومان مقام الشىء ، وعندما يقوم الرمز مكان الشىء ويعطى معنى معيناً عليه اسم المعنى العام ، أو المفهوم Concept والإنسان يستخدم (الرموز ، المعانى ، المفاهيم) من أجل تنظيم البيئة المحيطة بالأفراد ... وأول مرحلة لتكوين المعانى والرمز معرفة استخدامها باستخدام الأشياء التى ترمز إليها هذه المعانى ، ومع نمو الطفل ينمو تفكيره وتنمو مدركاته ويمكن القول أن الطفل يدرك معنى القلم عندما يعرف أن القلم شىء يستخدم للكتابة ، ومما يساعد الطفل على إدراك وظيفة القلم تعلمه اللفظ أو الكلمة التى تشير للقلم
فالطريقة الجيدة لتعلم الأطفال ماذا تعنى كلمة " كلب " هى الإشارة إلى الكلب ثم نقول " انظر إلى الكلب " ولقد وجد الباحثون أن الطفل يتعلم الكلمات من خلال الحدوث الحسى بين ما يسمعه وما يراه ، وعلى ذلك فإن أفضل طريقة لتعليم الطفل اسم شىء ما هو التأكد من رؤية الطفل للشىء فى نفس الوقت الذى ننطق فيه باسمه ، وبهذه الطريقة فإن كلمة " كلب " سوف تكون مصحوبة بتصور الطفل للكلب وعلى ذلك يكون تعلم الكلمات أسرع وأكثر دقة .
والطفل بعد أن يمر بعملية التعميم حيث نجده يطلق كلمة " كوكو " على كل طائر ، وكلمة " بابا " على كل رجل ينتقل إلى عملية التمييز فى المعانى حيث يبدأ بتمييز معانى الأشياء عن بعض ، والواقع أن عملية التعميم لا تفسر بأن أداة التعبير لدى الطفل تكون محصورة فى لفظ واحد ، ولكن عملية التعميم هى محاولة فى حد ذاتها للتميز بين الطيور وباقى الحيوانات ، وبين الرجال عن باقى الأشياء وسبب عملية التعميم هذه ترجع إلى القصور اللفظى وضعف المحصول اللغوى لدى الطفل ، وتدريجياً تنمو عملية التمييز لدى الطفل حيث يكتسب معنى العصفور ، الدجاجة ، البطة .
وترى " كلارك " أن الطفل يقيم مفاهيمه الدلالية على أساس إدراكه للملامح ، أى لصفات الشىء التى تتعلق بالحركة والوظيفية ، وأيضاً للصفات الشكلية مثل الشكل والحجم واللون فيدرك الطفل الملامح الأعم ، ثم الملامح الأخص . فقد يعمم كلمة كلب على كل حيوان ذى أربع قوائم إلى أن يتطور به الأمر ، فيعترف على كلمة ، بقرة ، .............. إلخ . حتى تصبح كلمات الطفل مطابقة للمعانى التى يستخدمها الكبار من الناحية الصوتية والدلالية والتركيب اللغوى .
ويوضح (عبد الكريم الخلايله ، عفاف اللبابيدى : 1990 ، 88) تكون الدلالات عند الطفل بطرق مختلفة وهى كالآتى :
1- الاشتراط : إن عمليتى التمييز والتعميم هما العمليتان الأساسيتان فى تكوين المفاهيم ، فالتعميم وضع عدد من الحالات المنفردة فى صنف واحد ، والتمييز التفريق بين الحالات المنفردة ضمن الصنف الواحد أو بين صنف وآخر .
2- تحليل المعلومات : يمتلك الفرد أجهزة إدراكية قادرة على استخلاص المعلومات وتصنيف البيانات كما يراها تشومسكى ، أما بياجيه فيرى أن هناك عمليتين أساسيتين فى تكوين المفاهيم هما التمثيل Assimilation والمواءمة Accommodation ويعنى الأول قدرة الإنسان على استخراج المعلومات من البيئة التى تشابه المعلومات التى سبق أن خزنها الإنسان ، ويعنى الثانى تعديل النظام فى الخزينة ليتلاءم مع المعلومات الجديدة . فالطفل مثلاً قد يتصور أن الشجرة تبكى والصخرة تتألم ولكنه عندما يدرك الطفل العالم بطريقة مختلفة يغير هذا النظام من التفكير .
3- التفاعل اللفظى : إذ يتعلم الطفل عن طريق التفاعل اللفظى عدداً كبيراً من الأمور ويستطيع تكوين دلالات دقيقة من خلال استعمال الألفاظ بهذه الطريقة .
وتوجد بعض الكلمات التى لا تظهر فى مفردات الطفل المبكرة ، وهذا لأن الطفل لا يسمع هذه الكلمات ولا يمتلك المفاهيم التى لها صلة بها ، ولا يوجد طفل يبدأ بتعلم كلمات مثل Many " كل " و Some ، حتى لو كان يسمعها ويمتلك المفاهيم الخاصة بهم ، وهذا يرجع إلى وجود التبعية المتعاقبة فى تعلم اللغة ، ولكى يفهم الطفل معانى هذه الكلمات فإنه يحتاج إلى معرفة الكلمات الشائعة التى تحيط بهذه الكلمات ، فالطفل يستطيع تعلم كلمة مثل " كلب " بواسطة السمع فقط ، ولكن كلمة Many تحتاج إلى سياق أكبر لتعلمها .
وأيضاً كلمات الطفل الأولى لا تكون روابط ولا حروف جر ولا أدوات التعريف ولا يمكن أن يكون فعل مثل يحلم ، ولا صفة مثل السابق فمعانى هذه الكلمات تكون غير متاحة . إن الطفل يتعلم هذه الكلمات من خلال المساندة اللغوية فقد يوجد شخص يخبر الطفل عن معنى الكلمة ، وبوضوح من خلال التعريفات والأمثلة . ولكن هذه الطريقة فى التعليم تطبق على عدد قليل من الكلمات فمثلاً لا يوجد شخص يتعلم معنى (آل) عن طريق التعريف لأنها لا يمكن تعريفها وبدلاً من ذلك فإن الطفل يتعلم معناها من خلال العبارة التالية : (الكلب الكبير) .
ولد اكتشف براون أن الأطفال قبل المدرسة يميلون إلى تفسير الفعل على أنه يشير إلى حركة وتفسير الاسم الذى يعد على أنه يشير إلى شىء ما فالمساندة اللغوية تكون أكثر فاعلية فى تعلم الأفعال عنها فى تعلم الأسماء .
فالفعل يكون أكثر تعقيداً فى اكتساب اللغة عند الأطفال من الأسماء وهناك فرض وضعه جليتمان " أن فى معظم الحالات تكون معانى الأفعال محددة من خلال السياق لموقف معين .
ويوجد هناك مصدران للمعلومات اللغوية هما السياق الذى له علاقة بالمعنى والسياق الذى له علاقة بالقواعد . إن السياق الخاص بالمعنى يقدم معنى كلمات مفردة . فعندما يسمع الطفل الجملة التالية " هل تريد شراء بعض الجمبرى للعشاء ؟ " فإنه قد يستنتج أن كلمة " جمبرى " تسير إلى نوع من الغذاء الذى نرغب فى أكله على العشاء أما السياق الخاص بالقواعد فإنه يقدم نوع الكلمة ، فالطفل قد يسمع الجملة التالية " أريدك " أن تنظف غرفتك " ثم بعد ذلك يستنتج أن كلمة ينظف تشير إلى فعل أو حدث .
ويوضح (إبراهيم يونس : 1991 ، 94-95) أن الطفل يصادف إزاء طائفة معينة من الألفاظ معينة من الألفاظ صعوبات جمة تعقد الأمر عليه وتزيد من عثراته فى اكتساب الدلالة ، وتلك هى :
1- الألفاظ ذات الدلالات المتقابلة أو المضادة مثل : " فوق ، " تحت ، " سخن " بارد " ، " عالى " ، واطى " ، يمين " ، شمال " . فيخلط بينها ويستعمل إحداهما مكان الأخرى زمنا غير قصير .
2- المشترك اللفظى وذلك كأن يدل اللفظ على أكثر من دلالة ، فمثلاً " الملف " قد يسمعه من أبيه الموظف ويسمع " ملفاً " آخر من الحوذى أمام بيته ، و " والكتاب " فى يد أخيه التلميذ " والكتاب " فى ليلة عرس لعمته أو خالته .
3- كلمات متشابهة الأصوات مثل الحنطور والطرطور ، الاقتراح ، والاقتراع ، الصورة والسورة .
4- كلمات تختلف دلالاتها باختلاف السياق ككلمة " صاحب " التى يسمعها الطفل فى عبارة مثل " صاحب البيت " أى المالك ويسمعها مرة أخرى تشير إلى صديقه فى مثل صاحبك "
ساحة النقاش