الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

الدرس الثامن

 الغزوات والسرايا

الأهداف الإجرائية للدرس:

-       تتعرف على بعض الغزوات والسرايا في السيرة النبوية.

-       تحدد متى  قامت غزوة بدر الكبرى .

-       تذكر نتائج معركة بدر الكبري.

-       تذكر أسباب إجلاء بنو قينقاع من المدينة :

-       تذكر أهم الدروس المستفادة من غزوة أحد عام (3هـ) :

-       تحدد كيف تم إجلاء بنو النضير سنة (4هـ) :

-       تذكر أهم أحداث غزوة الأحزاب أو الخندق (عام 5 هـ) :

-       تحدد بعض شروط صلح الحديبية عام (6هـ) :

-       تحلل بعض مكاتبات الرسول للملوك والأمراء .

-       تتحدث عن الدروس المستفادة من غزوة مؤتة .

تقديم:

­لم يلجأ الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى القتال طوال إقامته بمكة بل لجأ إلى إقناع المشركين بالحج والبرهان إلا أنهم لم يستجيبوا له وظلوا على طغيانهم حتى اضر المسلمون إلى الهجرة مرة إلى الحبشة ثم يثرب ومع هذا لم يتوقف طغيان المشركين ومحاربتهم للدعوة الإسلامية

لذلك إذن الله للمسلمين بالتصدى للمشركين للدفاع عن أنفسهم ولتأمين الدعوة الإسلامية وحتى لا يفتن أحد من المسلمين عن دينه ويرغم على التخلى عنه ، قال تعالى : ) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا( [الحج : 39 - 40] .

والغزوات هى الحروب التى قادها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بنفسه . أما السرية فهى طائفة مختارة من الجند لم يقودها الرسول (صلى الله عليه وسلم) وإنما أرسل عليها قائداً غيره وإن أطلق على موقعة مؤتة غزوة ولم يقودها الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكان هدف هذه السرايا الاستطلاع والمناورة .

فما كاد محمد يستقر بأصحابه فى المدينة حتى أخذ يبث سراياه من أجل اعتراض طريق القوافل التجارية لقريش والذى يمر بالقرب من المدينة ، وكان لابد لقريش أن تتصدى للمسلمين من أجل إعادة الأمن لطرقها التجارية .

كانت أولى الغزوات " غزوات ودان " فقد خرج الرسول عليه الصلاة والسلام فى ستين رجلاً معترضاً عير قريش ، ولم يكن حرب ، لأن العير كانت قد سبقته .

ثم " غزوة بواط " فقط خرج فيها (صلى الله عليه وسلم) فى مائتين من المهاجرين لاعتراض عير قريش ، ولم يلق كثيراً .

ثم " غزوة العشيرة " وفيها خرج الرسول بمائة وخمسين من المهاجرين لاعتراض عير عظيمة لقريش يرأسها " أبو سفيان " وكانت قاصدة إلى الشام ، ولم يحصل حرب كذلك لفوات العير .

ثم " غوة بدر الأولى " وتسمى " غزوة سفوان " أيضاً " خرج إليها الرسول عليه الصلاة والسلام فى طلب كرز بن جابر الفهرى ، لأنه أغار على سرح المدينة ، ولم يكن قتال لفرار كرز .

وفى تلك السنة أيضاً أرسل سرية برياسة عبد الله بن جحش لاعتراض عير قريش القادمة من الشام ، فأصابوها ورجعوا ظافرين على ما يرام ، وهى أول غنيمة فى الإسلام .

وكانت أول سرية عقدها الرسول فى السنة الأولى من الهجرة هى سرية حمزة بن عبد المطلب وكان قد أرسله فى ثلاثين رجلاً من المهاجرين يعترض عيراً لقريش جاءت من الشام على أن أهم سرية هى سرية عبد الله ابن جحش وقد وقعت فى رجب من السنة الثانية للهجرة حيث أرسل للرسول سرية عدتها ثمانية رجال يرأسها عبد الله بن جحش وأعطاه كتاباً مختوماً لا يفضه إلا بعد أن يسير يومين ثم ينظر فيه ، فسار عبد الله يومين ثم فتح الكتاب فإذا فيه (إذا نظرت كتابى هذا فامض حتى تنزل نخلة فترصد بها قريشاً وتعلم لنا أخبارهم) وإنما يخبرهم عليه السلام بمقصدهم وهم بالمدينة حذراً من شيوع الخبر فيدل عليهم أحد الأعداء من المنافقين أو اليهود فتترصد لهم قريش ولا يخفى أن عدد السرية قليل لا يمكنه المقاومة . ثم سار عبد الله رضى الله عنه ، وفى أثناء السير تخلف سعد بن أبى وقاص وعتبة ابن غزوان لأنهما أضلا بعيرهما الذى كانا يتعقبانه ، وسار الباقون حتى وصلوا نخلة فمرت بهم عير قرشية تريد مكة فيه عمرو بن الحضرمى وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل والحكم بن كيسان ، فأجمع المسلمون على أن يحملوا عليهم ويأخذوا ما معهم فحملوا عليهم فى أخر يوم من رجب فقتلوا عمرو بن الحضرمى وأسروا عثمان والحكم وهرب نوفل واستاقوا العير ، وهى أول غنيمة غنما المسلمون من أعدائهم قريش ثم رجعوا ولم يتمكن المشركون من اللحاق بهم . فلما قدموا المدينة وشاع أنهم قاتلوا فى الأشهر الحرم وعابتهم قريش واليهود بذلك عنفهم المسلمون وقال لهم عليه السلام : ما أمرتكم بقتال فى الأشهر الحرم فندموا ، فأنزل الله فى سورة البقرة : ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ ( [البقرة : 217] .

غزوة بدر الكبرى (2هـ) :

كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد علم بخروج قافلة تجارية عظيمة لقريش متجهة إلى الشام وكانت هذه القافلة تحمل أموالاً كثيرة لقريش حتى لم يبق بمكة قرشى أو قرشية إلا وشاركوا فى تلك القافلة وكان يرأسها أبو سفيان بن حرب ومعه بضعة وعشرون رجلاً فخرج الرسول لاعتراضها ومعه مائة وخمسون من المهاجرين وحمل لواء عمه حمزة ولم يزل سائراً حتى بلغ العشرين (قرية من ناحية ينبع) فوجد العير قد مضت فعاد (صلى الله عليه وسلم) إل المدينة ينظر عودتها وتعرف هذه الغزوة بغزوة العشيرة .

لم يطل العهد بتلك العير العظيمة التى خرج لها عليه السلام وهى متوجهة إلى الشام يدركها ولم يزل مترقباً رجوعها ، فلما سمع برجوعها ندب عليها أصحابه وقال : هذه عير قريش فأخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها فأجاب قوم وثقل آخرون لظنهم أن الرسول عليه السلام لم يرد حرباً فإنه لم يحفل بها قال : من كان ظهره حاضراً فليركب معنا . ولم ينتظر من كان ظهره غائباً . فخرج لثلاث ليال خلون من رمضان معه ثلثمائة وعشرة رجلاً : مائتان ونيف وأربعون من الأنصار ، والباقون من المهاجرين ، ومعهم فرسان وسبعون بعيراً يتعقبونها ، ولما علم أبو سفينا بخروج الرسول استأجر راكباً ليأتى ويخبرهم الخبر ، فلما علموا بذلك أدركتهم حميتهم وخافوا على تجارتهم فنفروا سراعاً ولم يتخلف عن أشرافهم أدركتهم حميتهم وخافوا على تجارتهم حميتهم وخافوا على تجارتهم فنفروا سراعاًَ ولم يتخلف من أشرافهم إلا أبو لهب بن عبد المطلب فإنه أرسل بدله العاص بن هشام ابن المغيرة وأراد أمية بتخلف أن يتخلف وكذلك عزم جماعة من الأشراف على القعود فعيب عليهم ذلك ، وبهذا أجمعت رجال قريش على الخروج فخرجوا على الصعب والذلول أمام القينات يغنين بهجاء المسلمين )وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ( [الأنفال : 48] وقد ضرب الله عمل الشيطان هذا مثلاً يعتبر به ذو الرأى من بعدهم فقال فى سورة الحشر : ) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ ( [الحشر : 16] . وهكذا كان عمله فى هذه الواقعة ) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ العِقَابِ( [الحشر : 16] وكان عدة من خرج من المشركين تسعمائة وخمسين رجلاً معهم مائة فرس وسبعمائة بعير . أما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلم يكن يعرف شيئاً مما فعله المشركون ولم يكن خروجه إلا للعير ، ثم أرسل اثنين يتجسسان الأخبار عن العير فجاءه الخير بمسير قريش لمنع عيرهم ، وجاءه مخبراه بأن العير ستصل بدراً غداً أو بعد غد ، فجمع عليه السلام كبراء الجيش وقال لهم : " أيها الناس إن الله قد وعدنى إحدى الطائفتين أنها لكم العير أو النفير " فتبين له عليه السلام أن بعضهم يريدون غير ذات الشوكة ، وهى العير ، ليستعينوا بما فيها من الأموال فقد قالوا : هلا ذكرت لنا القتال فنستعد ؟ وجاء مصداق ذلك قوله تعالى فى سورة الأنفال : )وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ([الأنفال : 7] .

ثم قام المقداد بن عمرو رضى الله عنه فقال : يا رسول الله أمض لما أمرك الله ، فو الله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى )فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ([المائدة : 24] .

ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكماً مقاتلون ؛ والله لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه . فدعا له بخير . ثم قال عليه السلام : أشيروا على " أيها الناس – وهو يريد الأنصار لأن بيعة العقبة ربما يفهم منها أنه لا تجب عليهم نصرته إلا ما دام بين أظهرهم ، فقال سعد ابن معاذ سيد الأوس : كأنك تريدنا يا رسول الله ؟ فقال : أجل ، فقال سعد : قد آمنا بك وصدقناك وأعطيناك عهودنا فامض لما أمرك الله فو الذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضه معك وما نكره أن تكون تلقى العدو بنا غداً إن لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله ، وأشرق وجه عليه السلام وسر بذلك أما أبا سفيان لما علم بخروج المسلمين له ترك الطريق المسلوكة وسار متبعاً ساحل البحر الأحمر فنجا وأرسل إلى قريش يعلمهم بذلك ويشير عليهم بالرجوع فقال أبو جهل : لا نرجع حتى نحضر بدراً فنقيم فيه ثلاثاً ننحر الجذور ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتسمع بنا العرب فلا يزالوا يهابوننا أبداً ، فقال ثم سار الجيش حتى وصلوا وادى بدر فنزلوا عدوته القصوى عن المدينة فى أرض سهلة لينة أما جيش المسلمين فإنه لما قارب بدراً أرسل عليه السلام على بن أبى طالب والزبير بن العوام ليعرفا الأخبار فصادفاً سقاة لقريش فسألها (صلى الله عليه وسلم) عن قريش قال : هم وراء هذا الكثيب فقال لهما : كم هم ؟ فقالا : لا ندرى : قال كم ينحرون كل يوم ؟ قالا يوماً تسعاً ويوماً عشراً ،  قال القوم ما بين التسعمائة والألف . ثم سألهما عمن فى النفير من أشراف قريش فذكرا له عدداً عظيماً ، فقال عليه السلام لأصحابه . هذه مكة قد إليكم فلذات كبدها .

ثم سار جيش المسلمين حتى نزل أدنى ماء من بدر فقال له الحباب بن المنذر الأنصارى ، وكان مشهوراً بجودة الرأى ، يا رسول الله أهذا منزل أنزله الله ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر أم هو الرأى والحرب والمكيدة ؟ فقال بل هو الرأى والحرب والمكيدة ، فقال يا رسول الله ليس لك هذه بمنزل فانهض بالناس حتى تأتى أدنى ماء من القوم فإنى أعرف غزارة مائه وكثرته فنزله ونغور ما عاداه من الآبار ثم نبنى عليه حوضاً فنملؤه ماء فنشرب ولا يشربون . فقال الرسول عليه السلام : لقد أشرت بالرأى. ونهض حتى أتى أدنى ماء من القوم ثم أمر بالآبار التى خلفهم فغورت لينقطع أمل المشركين فى الشرب من وراء المسلمين وبنى حوضاً على القليب الذى نزل عليه . ثم قال له سعد بن معاذ سيد الأوس : يا نبى الله لا ألا نبنى لك عريشاً تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله تعالى وظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك أقوام ، يا نبى الله ما نحن أشد لك حباً منهم ولا أطوع لك منهم رغبة فى الجهاد ونية ، ول ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك إنما ظنوا أنها العير ، يمنعك الله بهم ويناصحونك ويجاهدون معك ، فقال عليه الصلاة والسلام أو يقضى الله خيراً من ذلك . ثم بنى للرسول عريش فوق تل مشرف على ميدان الحرب . ولما اجتمعوا عدل عليه السلام صفوفهم . مناكبهم متلاصقة فصاروا كأنهم بنيان مرصوص ثم نظر لقريش فقال : (اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذى وعدتنى به) .

ثم ابتدأ القتال بالمبارزة فخرج من صفوف المشركين ثلاث نفر : عتبة ابن ربيعة بين أخيه شيبة وابنه الوليد فطلبوا أكفاءهم فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار فقالوا : لا حاجة لنا بكم إنما نريد أكفاءنا من بنى عمنا ، فأخرج لهم عليه السلام عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب للأول ، وحمزة بن عبد المطلب الثانى ، وعلى بن أبى طالب للثالث . أما حمزة وعلى فقتلا صاحبيهما وأما عبيدة فختلفا بضربتين كلاهما جرح صاحبه فحمل رفيقاً عبيدة على عتبة فأجهزا عليه وحمل عبيدة بين الصفوف جريحاً يسيل مخ ساقه وأضجعوه إلى جانب موقفه (صلى الله عليه وسلم) فأفرشه رسوله الله قدمه الشريفة فوضع خده عليها وبشره عليه السلام بالشهادة .

  واشتد القتال وحمى الوطيس وأيد الله المسلمين بالملائكة بشرى لهم ولتطمئن به قلوبهم فلم تكن إلا ساعة هزم الجمع وولوا الدبر وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون ، فقتل من المشركين نحو السبعين منهم من قريش وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة قتلوا مبارزة أول القتال ، وأبو البحترى بن هشام . والجراح والد أبى عبيدة قتله ابنه بعد أن ابتعد عنه فلم يزدجر ، وقتل أمية بن خلف وابنه وقد اشترك فى قتلهما جماعة من الأنصار مع بلال بن رباح وعمار بن ياسر ، وقد سعياً فى ذلك لما كان يفعله بهما أمية فى مكة . ومن القتلى حنظة بن أبى سفيان وأبو جل بن هشام جرحه ، فتيان صغيران من الأنصار لما كان يسمعانه من أنه كان شديد الإيذاء لرسول الله ، وأجهز عليه عبد الله بن مسعود . وقتل نوفل بن خويلد على بن أبى طالب ، وقتل عبيدة والعاص والد أحيحة سعيد ابن العاص بن أمية ، وقتل كثيرون غيرهم . أما الأسرى فكانوا سبعين أيضاً قتل منهم عليه السلام ، عقبة بن أبى معيط والنضر بن الحارث اللذين كانا بمكة من أشد المستهزئين . وكانت هذه الواقعة فى 17 رمضان وهو اليوم الذى ابتدأ فيه نزول القرآن .

وقد أمر عليه السلام فنقلوا من مصارعهم التى كان الرسول عليه السلام أخبر بها قبل حصول الموقعة إلى قليب بدر ، لأنه عليه السلام كان من سننه فى مغازية إذا مر بجيفة إنسان أمر بها فدفنت لا يسأل عنه مؤمناً أو كافراً .

 ثم أمر عليه السلام براحلته فشد عليها حتى قام على شفة القليب الذى رمى فيه المشركون فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم : يا فلان ابن فلان ! أيسركم إنك كنتم أطعتم الله ورسوله ؛ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ؟ فقال عمر : يا رسول الله : ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها !! فقال : والذى نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم .

فر المشركون من ساحة بدر فى صورة غير منظمة تبعثروا فى الوديان والشعاب ، واتجهوا صوب مكة مذعورين ، لا يدرون كيف يدخلونها خجلاً .

ولما تم الفتح للمسلمين أرسل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بشيرين إلى أهل المدينة ، ليجعل لهم البشرى ، أرسل عبد الله بن رواحة بشيراً إلى أهل العلية ، وأرسل زيد بن حارثة إلى أهلة السافلة .

وكان اليهود والمنافقون قد أرجفوا فى المدينة بإشاعة الدعاية الكاذبة بن حارثة راكباً القصواء ناقة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : لقد قتل محمد  وهذه ناقته نعرفها ، وهذا زيد لا يدرى ما يقول من العرب ، وجاء فلا .

فلما بلغ الرسولان أحاط بهما المسلمون ، وأخذوا يسمعونا منهم الخبر ، حتى تأكد لديهم فتح المسلمين ، فهمت البهجة والسرور ، واهتزت أرجاء المدينة تهليلاً وتكبيراُ ، وتقدم رؤوس المسلمين الذين كانوا بالمدينة إلى طريق بدر ؛ ليهنئوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بهذا الفتح المبين .

قال أسامة بن زيد : أتانا الخبر حين سوينا التراب على رقبة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) التى كانت عند عثمان بن عفن ، كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خلفنى عليها مع عثمان .

ثم قفل رسول الله راجعاً وهنا وقع خلاف بين بعض المسلمين فى قسمة الغنائم / فالشباب يقولون كنا ردءاً لكم فنشارككم . ولما كان هذا الاختلاف ما يدعو إلى الضعف ويزرع فى القلوب العداوة والبغضاء المؤدين إلى تشتت الشمل أنزل الله ، حسماً لهذا الخلاف ، أول سورة الأنفال : )يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ( فسطع على أفئدتهم نور القرآن فتآلفت بعد أن كادت تفترق أمر الغنائم لرسول الله يضعها كيف شاء – كما حكم القرآن – فقسمها عليه السلام على السواء الراجل مع الراجل ، والفارس مع الفارس وأدخل فى الإسهام بعض من لم يحضر لأمر ملف به .

ولما دخلوا المدينة استشار عليه السلام أصحابه فيما يفعل بالأسرى فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله قد كذبوك وقاتلوك وأخرجوك فأرى أن تمكننى من فلان ، لقريب له فأضرب عنقه ، وتمكن حمزة من أخيه العباس وعليا من أخيه عقيل . وهكذا حتى يعلم الناس أنه ليس فى قلوبنا مودة للمشركين . ما أرى أن تكون لك أسرى فاضرب أعنقاهم ، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم ، ووافقه على ذلك سعد بن معاذ وعبد الله بن رواحة ، وقال أبو بكر : يا رسول الله هؤلاء أهلك وقومك قد أعطاك الله الظفر والنصر عليهم أرى أن تستبقيهم وتأخذ الفداء منهم فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار ، وعسى أن يهديهم الله بك فيكونوا لك عضداً . فقلل (صلى الله عليه وسلم) إن الله ليلين قلوب أقوام حتى تكون ألين من اللبن وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال : )فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ( . وإن مثلك يا عمر مثل نوح قال : ) رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّاراً( .

وقبل الرسول (صلى الله عليه وسلم) الفداء ومن لم يكن معه فداء وهو يحسن القراءة والكتابة أعطوه عشرة من علماء المدينة يعلمهم وكان ذلك فداءه . وكان مقدار الفداء أربعة آلاف درهم .

ومن الأسرى عمرو بن أبى سفيان ولما طلب من أبيه فداؤه قال : والله لا يجمع محمد بين إبنى ومالى ، دعوه يمسكوه فى أيدهم ما بدا لهم ، فبينما أبو سفيان بمكة إذ وجد سعد بن النعمان الأنصارى معتمراً فعدا عليه فحبسه بابنه عمرو ، فمضى قوم سعد إلى رسول الله وأخبروه فأعطاهم عما ففكوا به سعداً . ومن الأسرى أبو العاص بين الربيع زوج زينب بنت الرسول وكان عليه السلام قد أثنى عليه خيراً فى مصاهرته ، فإنه لما استحكمت العداوة بين قريش ورسول الله بمكة طلبوا من أبى العاص أن يطلق زينب كما فعل ابنا أبى لهب بابنتى الرسول فامتنع وقال : والله لا أفارق صاحبتى ولما أسر أرسلت زينب فى فدائه قلادة لها كانت خلتها بها أمها خديجة ليلة عرسها فلما رأى عليه السلام تلك القلادة رق لها رقة شديدة وقال لأصحابه : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا لها قلادتها فافعلوا ، فرضى الأصحاب بذلك فأطلقه أمرها باللحاق بأبيها وكان الرسول أرسل لها من يأتى بها فاحتلموها . هذا ولما أسلم أبو العاص بن الربيع قبيل الفتح رد عليه امرأته بالنكاح الأول ...

ومن الأسرى أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير مر به أخوه فقال للذى أسره : شد يدك به ، فإن لأمه ذات متاع لعلها تفديه فقال له يا أخى هذه وصايتك بى ! ثم بعثت أمه بفدائه أربعة آلاف درهم . (ومن) الأسرى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان قد خرج لهذه الحرب مكرهاً ولما وقع فى الأسر طلب منه فداء نفسه وابن أخيه عقيل بن أبى طالب فقال : علام ندفع وقد استكرهنا على الخروج ؟ فقال عليه السلام : لقد كنت فى الظاهر علينا فأخذت منه فدية نفسه وابن أخيه ، ثم قال للرسول .

لقد تركتنى فقير قريش ما بقيت ، قال كيف وقد تركت لأم الفضل أموالاً ، وقلت لها : إن مت فقد تركت غنية . فقال العباس : والله ما أطلع على ذلك أحد . وهذا العمل غاية ما يفعل من العدل والمساواة فإنه عليه السلام لم يعف عمه مع علمه بأنه إنما خرج مكرهاً وقد أعفى غيره جماعة تحقق له فقرهم فهكذا العدل . ولا غرابة فذلك أدب قوله تعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ً( ، (ومن) الأسرى أبو عزة الجمحى الشاعر كان شديد الإيذاء لرسول الله بمكة فلما أسر قال : يا محمد إنى فقير وذو عيال وذو حاجة قد عرفتها ، فمن عليه فضلاً منه .

ولما تم الفداء أنزل الله فى شأنه : )مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ( .

نهى سبحانه عن اتخاذ الأسرى قبل الإثخان فى قتل الذين يصدون عن سبيل الله ويمنعون دين الله من الانتشار ، وعاب بعض المسلمين على إرادة عرض الدنيا وهو الفدية ، ولولا حكم سابق من الله ألا يعاقب مجتهداً على اجتهاده ما دام المقصد خيراً لكان العذاب ، ثم أباح لهم الأكل من تلك الفدية المبنى أخذها على النظر الصحيح . وهذا من أقوى الأدلة على صدق نبينا عليه السلام فيما جاء به ، لأنه لو كان من عنده ما كان يعاتب نفسه على عمل عمله بناء على رأى كثير من الصحابة .

إجلاء بنو قينقاع من المدينة :

أظهرت قبيلة بنو قينقاع اليهودية وكانت تسكن بالمدينة ما كان تخفيه من عداء للمسلمين عقب انتصارهم فى بدر فقام شعراؤها برثاء قتلى بدر وأخذوا يقللون من النصر الذى أحرزه المسلمون وأظهروا مكنون ضمائرهم وقد حدث أن قدمت امرأة من العرب إلى سوق اليهود من بنى قينقاع ومعها حليلة جلست إلى صائغ منهم بها ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها وهى تأبى ، فجاء يهودى من خلفها فى سر منها فأثبت طرف ثوبها بشوكة إلى ظهرها ، فلما قامت انكشفت سواتها ، فضحكوا بها فصاحت ؛ فوثب رجل من المسلمين على الصائغ ، وكان يهودياً فقتله وشدت اليهود على المسلم فقتلوه . فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود ، فوقع الشر بينهم وبين بنى قينقاع . وطلب محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى هؤلاء أن يكفوا عن أذى المسلمين وأن يحفظوا عهد الموادعة أو ينزل بهم ما نزل بقريش . فاستخفوا بوعيده وأجابوه : " لا يغرنك يا محمد أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة . إنا والله لئن حاربناك لتعلمين أن نحن الناس " . لم يبق بعد ذلك إلا مقاتلهم أو يتعرض المسلمون ويتعرض سلطانهم بالمدينة للتداعى ، ثم يصبحوا أحدوثة قريش وقد جعلوا قريشاَ بالأمس أحدوثة العرب.

وخرج المسلمون فحاصروا بنى قينقاع خمسة عشر يوماً متتابعة لا يخرج منهم أحد ولا يدخل عليهم بطعام أحد ، حتى لم يبق لهم إلا النزول على حكم محمد (صلى الله عليه وسلم) والتسليم بقضائه . وسلموا ، فقرر محمد (صلى الله عليه وسلم) ، بعد مشورة كبار المسلمين ، قتلهم جميعاً ، فقام إليه عبد الله بن أبى بن سلول ، وكان لليهود كما كان للمسلمين حليفاً ، فقال : يا محمد أحسن فى موالى فأبطأ عليه النبى فكرر الطلب ، فأعرض النبى عنه ؛ فأدخل يده فى جيب درع محمد ، فتغير محمد قال له : أرسلنى ؛ وغضب حتى رأوا لوجهه ظلاً ، ثم أعاج وأثر الغضب فى نبرات صوته : " أرسلنى ويحك " قال ابن أبى الأحمر والسود تحصدهم فى غداة واحدة ؛ إن والله امرؤ أخشى الدوائر . وكان عبد الله لا يزال ذا سلطان فى المشركين من الأوس والخزرج ، وإن كان هذا السلطان ضعف بقوة المسلمين . فرأى النبى فى إلحاحه ما جعله يعود إلى سكنته ، وخاصة بعد إذ جاء عبادة بن الصامت يحدثه بحديث ابن أبى ؛ ذلك رأى أن يسدى هذه اليد إلى عبد الله وإلى المشركين موالى يهود جميعاً حتى يصبحوا مدينين لإحسانه ورحمته ؛ على أن يجلو بنو قينقاع عن المدينة جزاء لهم على صنيعهم وقد حاول ابن أبى أن يتحدث مرة أخرى إلى محمد فى بقائهم ومقامهم ، لكن أحد المسلمين حال دون ابن أبى ولقاء محمد واشترا حتى شج عبد الله ، فقالت بنو قينقاع : والله لا نقيم ببلد تشج فيه يابن أبى ولا نستطيع عنك دفاعاً فرحلوا عن المدينة وساروا صوب الشمال حتى بلغوا أذرعات على حدود الشام .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 160 مشاهدة
نشرت فى 26 أكتوبر 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,662,161