الدرس الثاني
الممالك العربية
الاهداف الإجرائية للدرس:
- يتعرف على بعض الممالك التي قامت في أطراف جزيرة العرب قبيل ظهور الإسلام.
- تذكر بعض ممالك اليمن القديمة .
- تتعرف على الممالك التى قامت فى أطراف جزيرة العرب قبيل ظهور الإسلام :
- تحدد الأهمية الحضارية للمناذرة والغساسنة .
ممالك اليمن :
قامت عدة دول باليمن أهمها دولة معين وسبأ وحمير .
1- دولة معين (1300 – 650 ق.م) :
قامت هذه الدولة شرق صنعاء فى منطقة تعرف بالجوف وهى أرض سهيلة تقع بين نجران وحضر موت وتشير النقوش المعينية إلى أن عاصمة معين كانت مدينة " قرن " (مكانة معين الحالية) ، ويفهم من هذه النقوش أيضاً أن الحكم فى دولة معين كان ملكياً وراثياً ، ينتقل من الأب إلى الابن وقد يشترك الاثنان معاً .
كذلك يستدل من النقوش المعينية أن هذه الدولة كانت على جانب عظيم من القوة والثروة ، وأن نفوذ المعينين امتد بفضل نشاطهم التجارى إلى شمال جزيرة العرب .
على أن دولة معين بدأت فى الانحلال حين ضعف ملوكها ، وقد ازداد نفوذ جيرانهم السبئيين الذين تمكنوا فى النهاية من إخضاع معين لسلطانهم .
2- دولة سبأ (950 – 115 ق.م) :
السبئيون فى الأصل قبائل من البدو وفدت من الشمال وسكنت اليمن إلى جوار المعينيين ، واختلطوا بهم واقتبسوا لغتهم وديانتهم ، وفى الوقت الذى بدأت فيه قوة السبئيين تزداد ويكثر عددهم كانت دولة معين قد ضعف شأنها إلى درجة أن السبئيين تمكنوا من إقامة دولة لهم عاصرت أواخر عهد الدولة المعينية ، حتى إذا جاء منتصف القرن السابع قبل الميلاد سقطت وورث ملكها السبئيون .
وقد مرت دولة سبأ بمرحلتين ، انتهت الأولى حوالى سنة 650 ق.م . وحاكم الدولة فى هذه المرحلة ذو صفة دينية ، لأنه كان يسمى " مكرب سبأ " أى المقرب من الآلهة .
وقد تقلب بهذا اللقب نحو سبعة عشر حاكماً . وكانت قلعة " صرواح " (غرب مأرب) مقراً للحاكم فى هذه المرحلة الأولى . أما المرحلة الثانية التى تمتد من (650 – 115 ق.م) فنجد أن الحكام تجردوا من صفتهم الدينية وأصبح الواحد منهم يحمل لقب " ملك سبأ " ويعرف من هؤلاء الملوك عشرة ، وكانت حاضرة الدولة فى عهدهم مدينة مأرب التى تقع على بعد خمسة وخمسين ميلاً شمال صنعاء .
تمتعت دولة سأ بثروة عظيمة ، بسبب عنايتها بالزراعة والتجارة . ومن دلائل عنايتها بالزراعة ما أقامته من منشآت وخاصة الخزانات التى منها سد مأرب ، وهو يقع فى واد بين جبلين . وقد أقيم بقصد حجز مياه السيل المنحدرة إلى هذا الوادى . للانتفاع بها فى رى الأراضى الزراعية على جانبى السد ، وبذلك تسير لأهالى مأرب رى أراضيهم رياً منتظماً .
قال تعالى : ) لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الكَفُورَ( [سبأ : 15-17] .
كما دل القرآن الكريم أيضاً على أنه هناك قرى متصلة ، ما بين اليمن إلى بلاد الحجاز ، إلى بلاد الشام ، وأن قوافل التجارة والمسافرين كانوا يخرجون من اليمن إلى بلاد الشام ، فلا يعدمون ظلاً ولا ماء ، ولا طعاماً ، قال عز شأنه : )وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القُرَى الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ( [سبأ : 18-19] .
بدأت دولة سبأ فى الضعف والانهيار منذ القرن الثانى قبل الميلاد بسبب المنافسة التجارية من جانب البطالمة فى مصر ، فقد أعاد هؤلاء حفر قناة سيزوستريس التى تربط النيل بالبحر الأحمر ، مما ساعد على ازدياد النشاط البحرى وأدت إلى ضعف التجارة السبئية القائمة على القوافل البرية . على أن زوال هذه الدولة يرجع بصفة أساسية إلى تصدع سد مأرب بسبب إهمال ترميمه من جانب الملوك الذين حكموها فى الفترة الأخيرة من عهدها وحين غمرت الذين حكموها فى الفترة الأخيرة من عدها وحين غمرت المياه المزارع والبلاد المحيط بهذا السد اضطر كثير من الناس إلى أن يهاجروا من اليمن ، فهاجرت خزاعة إلى مكة ، والأوس والخزرج إلى يثرب وبنو لخم إلى أرض الحيرة ، وبنو غسان إلى جنوبى بلاد الشام .
وكان أعظم ملوك سبأ " بلقيس " وقد قص القرآن الكريم قصتها مع سيدنا سليمان (u) ، وقصته مع الهدهد حينما غاب ، ثم أتى له بخبرها ، ومما قصه الله – تبارك وتعالى – يتبين لنا أنها وقومها كانوا يعبدون الشمس من دون الله ، وما كانت تتمتع به مملكتها من أسباب القوة والرخاء وما كان لها من مجلس شورى ، وما كانت تتصف به من عقل ورزانة ، وما بلغ فن المعمار فى عهدها ، ويف كان عرشها على درجة من الفخامة ، والأبهة ، اقرأ إن شئت قوله تعالى : )وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لاَ أَرَى الهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الغَائِبِينَ لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ( [النمل : 20-23] .
إلى قوله تعالى : ) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا العِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ( [النمل : 41-44] .
دولة حمير (115 ق.م – 525م) :
اتخذ الحميريون من " ريدان " مقراً لحكمهم ، وعرفت هذه المدينة فيما بعد باسم " ظفار " وهى تقع جنوبى بلاد اليمن على مقربة من المحيط الهندى . وحين تغلب الحميريون على السبئيين حوالى سنة 115 ق.م ، اتخذ كبيرهم لقب " ملك سبأ وذو ريدان " .
لم تلبث دولة حمير أن وقعت فى دائرة التنافس بين الدولتين الفارسية والرومانية . فقد حاول الروم بسط سيادتهم عن طريق نشر المسيحية فى بعض البلاد ومنها الحبشة ، كما عملوا على إدخال هذه الديانة فى بلاد اليمن ، وبخاصة فى نجران ، التى شهدت أكبر تجمع مسيحى ببلاد اليمن قبل الإسلام . وكان الروم يهدفون من وراء ذلك أن يكون لهم نفوذ سياسى واقتصادى فى تلك البلاد ، وأخذوا بالفعل يسيرون تجارتهم بين الخليج العربى والبحر الأحمر مارين ببلاد اليمن ، الأمر الذى أغضب اليمنيين ودفعهم إلى مضايقة الروم بالوقوف فى وجه تجارتهم .
أما الفرس فقد لجئوا إلى تشجيع انتشار اليهودية ببلاد اليمن نكاية عن الدولة الرومانية وقد اشتد ساعد اليهودية فى هذه البلاد إلى حد أن الدولة الحميرية فى أوائل القرن السادس الميلادى كان على رأسها يهودى هو يوسف ذو نواس .
كان من الطبيعى أن يحدث الصراع بين أتباع اليهودية والمسيحية فى بلاد اليمن ، وبدأ هذا الصراع باضطهاد يوسف ذو نواس للنصارى واتهامهم بالتواطؤ مع الأحباش ، فقام بهجوم عنيف على نجران بصفة خاصة وخير أهلها من المسيحيين بين أن يتركوا دينهم أو يحرقهم . فلما تمسكوا بنصرانيتهم قضى عليهم فى الخنادق التى أعدت لإحراقهم ، وقيل إنه ، وأتباعه ، هم المرادون بقوله تعالى : ) قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ( [البروج : 4-8] .
ولما بلغ قيصر الروم ما حل بأهل نجران كتب إلى نجاشى (ملك الحبشة) يحرضه على غزو بلاد اليمن لنصرة المسيحيين ، فأجاب طلبه وسير جيشاً من الحبشة من فتح بلاد اليمن سنة 252م . وانتهى الأمر بهزيمة ذى نواس .
كان أبرهة نائباً لقائد الجيش الذى فتح اليمن ولكنه لم يلبث أن تخلص منه وانفرد بالقيادة وحده ، وقد بذل أبرهة جهده لتثبيت دعائم الحكم الحبشى فى بلاد اليمن ، كما سعى إلى تحويل النشاط التجارى إليها بدلاً من مكة ولتحقيق ذلك لجأ إلى بناء كنيسة كبيرة فى صنعاء ، وعنى كثيراً بتزيينها وتجميلها على أمل أن تجتذب العرب وتصرفهم عن الكعبة . ولما لم يتحقق له ذلك زحف إلى الحجاز على رأس جيش يضم بعض الفياة وأراد أن يهدم الكعبة ، لكنه منى بالفشل الذريع . وعاد أبرهة مقهوراً إلى اليمن حيث توفى بعد عودته بقليل .
كان فشل حملة أبرهة على الحجاز من العوامل التى أضعفت مركز الأحباش وشجعت اليمنيين على مقاومتهم والتخلص من حكمهم . وقد ظهر من بينهم بطل يمنى يدعى سيف بن ذى يزن الحميرى تزعم هذه المقاومة ، وتوجه إلى كسرى الفرس يطلب المؤازرة ، فأمده بقوة عاونته على طرد الأحباش من اليمن سنة 575م ، على أن الفرس يتدخلون بعد ذلك فى حكم اليمن ، فعينوا حاكماً من قبلهم يجمع الضرائب لحسابهم ، ثم والياً فارسياً يشارك فى الحكم بجانب الملك الحميرى وأخيراً تملك الفرس بلاد اليمن ، لكن سيطرتهم على البلاد لم تدم طويلاً ، فقد استقلت عنهم حين اعتنق بآذان آخر ولاة الفرس الإسلام ودخل فى طاعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) .
الممالك التى قامت فى أطراف جزيرة العرب قبيل ظهور الإسلام :
أهم هذه الممالك اثنتان : مملكة الحيرة ، ومملكة الغساسنة .
1- مملكة الحيرة :
تقع الحيرة إلى الغرب من نهر الفرات على بعد ثلاثة أميال جنوب الكوفة وقد توافد إلى هذه المنطقة الخصبة قبائل عربية من أصل يمنى منذ القرن الثالث الميلادى ، وأطلق على المكان الذى نزلوا فيه اسم " الحيرة " ومعناها المخيم أو المعسكر . ولما دأب عرب الحيرة على غزو أطراف أملاك فارس من حين لآخر ، وعجز الفرس عن طردهم استقر رأيهم على أن يعملوا على ترضيتهم وينتفعوا بهم وأغراضهم السياسية والحربية ضد الدولة الرومانية الشرقية من ناحية وضد البدو من عرب شبه الجزيرة العربية الذين يغيرون على أملاك الفرس من ناحية أخرى ، فأسسوا إمارة الحيرة سنة 240م وعينوا عربياً من بنى لخم أميراً عليها ، وظلت أسرته تتقلد زمام الحكم بالحيرة حتى دخلت فى حوزة الدولة العربية الإسلامية أثناء خلافة أبى بكر الصديق (t) .
وقد ساعدت إمارة الحيرة دولة الفرس فى حروبها التى أعلنتها ضد الروم فى القرن السادس الميلادى ، فقد تمكن أحد ملوكها ، وهو المنذر الملقب بابن ماء السماء من إلحاق الهزيمة بقوات الإمبراطور الرومانى جستنيان الذى كان مشغولاً وقتذاك عن الدولة الفارسية وأعوانها بمد نفوذه على الجزاء الغربية من الإمبراطورية الرومانية ، فاضطر إلى عقد الصلح سنة 532م . وكان من شروطه أن يدفع الروم مبلغاً من المال لأنو شروان كسرى فارس والمنذر الثالث ملك الحيرة ، ولهذا السبب حظى المنذر بمكانة ممتازة فى البلاط الفارسى ، وخاطبه كسرى بقلب " ملك العرب " تفخيماً له .
ومن أشهر ملوك الحيرة : عمرو بن عدى ، والمنذر بن ماء السماء ، والنعمان ، وقد غضب كسرى على النعمان لأنه أنف أن يزوج أحداً من بناته وأخواته من كسرى ، وأولاده ، فتوعده كسرى وطلبه ، ولكن النعمان هرب ، فظفر به وألقاه فى السجن حتى مات .
وفى أواخر القرن السادس الميلادى قلت حاجة الفرس إلى ملوك الحيرة بسبب امتداد النفوذ الفارسى إلى اليمن ومنطقة الخليج العربى من ناحية ، وتوقف الحرب مؤقتاً مع الروم م ناحية أخرى وحينئذ تنكروا لملوك الحيرة وعمدوا إلى القضاء على استقلالهم ، فتدخلوا فى شئونهم الداخلية وعينوا حكاماً من الفرس على الحيرة ضماناً لتوطيد سلطانهم بها . غير أن اللخميين ما لبثوا أنا استعادوا سلطانهم على الحيرة حتى فتحها خلد بن الوليد .
2- مملكة الغساسنة :
يرجع أصل الغساسنة إلى قبيلة الأزد اليمنية وقد هاجروا من اليمن على أثر انهيار سد مأرب إلى جنوب بلاد الشام ، وأقاموا هناك حول بئر اسمه غسان فنسبوا إليه . وكانت الزعامة فى هذه المنطقة لقبيلة عربية أخرى ، ولكن الغساسنة تمكنوا بمضى الزمن من التغلب عليها والانفراد بالنفوذ . وفد تم ذلك على الأرجح أواخر القرن الخامس الميلادى .
كانت بلاد الشام وقتذاك خاضعة حكم الدولة الرومانية الشرقية التى أطلق عليها اسم الدولة البيزنية نسبة إلى عاصمتها " بيزنطية " (القسطنطينية) وقد رأى أباطرتها أن يستفيدوا من الغساسنة مثلما يستفيد الفرس من اللخميين فى الحيرة فاتفقوا على منح الغساسنة مبلغاً من المال سنوياً للبدو الذين يهاجمون أملاك البيزنطيين فى الشام من جهة أخرى . وقد بسط الإمبراطور جستنيان (527 – 565م) سلطة الحارث بن جبلة الغسانى على جميع القبائل العربية فى بلاد الشام .
قضى الحارث بن جبلة أكثر أيام ملكه يقاتل فى سبيل بيزنطة ويعمل على خدمة مصالحها . ومن أجل ذلك اشتبك مع المنذر الثالث أمير الحيرة فى أكثر من معركة تبادلاً فيها الهزيمة والنصر ، وقد انتهت الحرب التى طال أمدها بين هذين الأميرين بوقعة أدت إلى دخول قنسرين (قرب حمص) فى حوزة الحارث بن جبلة .
توفى الحارث سنة 569م ، وبدأت دولة الغساسنة بعد وفاته فى الضعف والانهيار فعلى الرغم من أن المنذر بن الحارث قد غزا الحيرة وانتصر على أهلها سنة 580م ، إلا أن الروم تنكروا له واتهموه بالخيانة وعدم الولاء ودبروا مؤامرة للتخلص منه ، فألقوا القبض عليه واقتادوه أسيراً إلى القسطنطينية . ثم نفوه إلى صقلية حيث توفى هناك ثم اتبعت الحكومة البيزنطية هذا العمل بقطع الإتاوة التى كانت تعطيها سنوياً لدولة الغساسنة .
ترتب على موقف البيزنطيين نحو خلفاء الحارث الغسانى أن بدأت الفوضى تدب فى أرجاء دولة الغساسنة ، وتفرقت كلمة القبائل العربية ببلاد الشام . وأخذت كل منها تختار رئيساً لها ، ثم ازداد ضعف الغساسنة فى أعقاب تعرضهم لهجوم الفرس على بلاد الشام سنة 713م على أن البيزنطيين ما لبثوا أن استردوا بلاد الشام من الفرس ، وظهر من الغسانيين جبلة بن الأيهم ، وهو آخر أمراء البيت الغسانى .
ومن أشهرهم : الحارث بن جبلة ، والمنذر بن جبلة ، وجبلة بن الأيهم ، وفى عهده فتح المسلمون بلاد الشام ، (وجبلة) هو صاحب القصة الشهيرة مع سيدنا عمر بن الخطاب (t) ، وبسببها تنصر بعد أن أسلم ، ثم لحق ببلاد الروم .
وهكذا نرى أن مملكتى الحيرة والغساسنة العربيتين قد انهارتا بسبب سياستهما الخرقاء فى معاداة بعضهما لخدمة مصالح دولتى الفرس والروم ، فاشتبكوا فى حرب طاحنة لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، سقط على أثرها كثير من أبطالهما صرعى ، وأخذ الضعف يدب فى كيانهما .
الأهمية الحضارية للمناذرة والغساسنة :
كان ملوك الحيرة وغسان بوصفهم من سلالة يمنية يحتفظون فى مظاهرهم وحضارتهم بعناصر يمنية ، وأبرز مثال لذلك القصران العظيمان اللذان بناهما ملوك الحيرة محاكين بهما قصور اليمن ، وهذا القصران هما " الخورنق والسدير " ، على أن أهم دور لعبته المملكتان هو أنهما كانتا جسراُ عبرت عليه ألوانٌ من حضارة الفرس والروم إلى الجزيرة العربية ، وأهم هذه الألوان الحضارية هى الأديان ، وضروب من المعارف العامة ، والقراءة والكتابة ، والفنون الحربية وغيرها .
ساحة النقاش