الدرس الاول
جغرافية شبه الجزيرة العربية :
الاهداف الإجرائية للدرس:
- تتعرف جغرافية شبه الجزيرة العربية :
- تحدد نشأة مكة وتطورها :
- تذكر تنظيمات قريش السياسية :
- تحدد التنظيمات الدينية :
- تعرف الرفادة
- توضح مفهوم الحجاية
نشأة مكة وتطورها
تقع شبه الجزيرة العربية فى الجنوب الغربى من قارة آسيا والجزيرة العربية على شكل مستطيل غير متوازى الأضلاع يحدها من الغرب البحر الأحمر ومن الجنوب المحط الهندى والخليج العربى (الفارسى) من الشرق أما من الشمال فيحدها بادية الشام وهى ليست جزيرة لأن الماء لا يحيط بها إلا من ثلاث جوانب فقط وإنما أطلق عليها العرب هذه التسمية تجاوزاً والأصح أنها شبه جزيرة كما يقول كثير من المؤلفين المعاصرين .
وطوله شبه الجزيرة العربية يزيد عن ألف كيلو متر وعرضها يبلغ نحو ألف كيلو متر ، وتحتل شبه الجزيرة العربية موقعاً هاماً إذ أنها تربط بين قارات ثلاث : آسيا ، وأفريقيا ، وأوروبا . ويمكن تقسيم الجزيرة العربية إلى : قلب الجزيرة ، ودوائرها :
أولاً : قلب الجزيرة : يتكون من سلاسل جبلية مرتفعة وأمطارها قليلة مما أدى إلى قلة سكانها وسكان هذه المناطق رحل يتلقون بحثاً عن الأمطار أو منابع المياه فإذا وجدوها استقروا حلوها يرعون الإبل والغنم حتى يجف العشب وينضب الماء فينتقلون إلى مكان آخر وهؤلاء يعيشون فى مساكن وإنما فى خيام ولا يركبون الخيل وإنما يركبون الجمال وهى تعد بالنسبة لهم (سفينة الصحراء) يرعون الغنم ويشربون لبنها ويأكلونها ويستعملون جلودها كملابس فى البرد ويصنعون من أصوافها خيامهم وملابسهم وهؤلاء يسمون (بدو) ويسمى قلب الجزيرة العربية (البادية) وهؤلاء لم يعملوا بالزراعة أو الصناعة فهاتان من حرف الاستقرار وسكان البادية لا يستقرون .
وينقسم قلب الجزيرة إلى قسمين أحدهما فى الشمال ويطلق عليه نجد والثانى فى الجنوب ويطلق عليه الربع الخالى ومع قلة السكان فى القلب إلا أن نسبتهم فى نجد أكثر من نسبتهم فى الربع الخالى الذى يكاد يخلو تقريباً من السكان . فالأرض فى نجد تختلف عن الأرض فى الربع الخالى ، ففى الجنوب رمال متحركة تقتل المسافرين وتبتلع مياه الأمطار إن نزلت عليها أما أرض نجد فهى صخرية يمكن أن تحتفظ بمياه الأمطار ولهذا فهى أكثر عمراناً من الربع الخالى .
ثانياً : دائر الجزيرة العربية : فهو أكثر عمراناً فالأمطار تسقط بشكل منتظم تقريباً مما لسكانه الاستقرار والعمل بالزراعة فقامت ممالك ومدن على الساحل وهى الحجاز – اليمن – حضر موت – مهرة – عمان – البحرين .
(الحرار) وفى شبه الجزيرة العربية حرار كثيرة ، وهى أرض ذات حجارة سود نخرة ، واحداتها حرة ، وقد تكونت من فعل البراكين ، ويشاهد منها نوعان : نوع يتألف من فجوات البراكين نفسها ، ونوع يتألف من حممها التى كانت تقذفها ، فتسيل على جوانب الفتحة ، ثم تبرد ، وتتفتت بفعل التقلبات الجوية ، فتكون ركاماً من الأحجار البركانية التى تغطى الأرض بطبقات ، قد تكون رقيقة ، وقد تكون سميكة .
وقد اشتهر كثير من مناطق الحرار بالخصب ، والنماء ، وبكثرة المياه ، ولاسيما حرار المدينة التى استغلت استغلالاً جيداً ، ومنها خبير حيث كانت واحة عظيمة ، وتضم قرى كانت تشتهر بأنواع المزروعات من قديم الزمان وليس فى بلاد العرب نهر واحد بالمعنى المعروف من الأنهار ، وإنما هى جداول غير صالحة للملاحة ، وهى إما قصيرة سريعة الجريان ، شديدة الانحدار ، وإما ضحلة تجف فى بعض المواسم ، وبها كثيرة من العيون العذبة وحول هذه العيون الواحات ، والوديان .
أما فى شمال الجزيرة العربية فقد تكونت مملكتان هما مملكتا الحيرة والغساسنة وهما يمثلان الحد الفاصل بين الجزيرة العربية وإمبراطورية الفرس وإمبراطورية الروم .
نتبين من العرض السابق أن موقع شبه الجزيرة العربية وترامى أطرافها قد جعلها حصينة وعصمها من الغزو الاستعمارى أو الغزو الدينى كما عصمها أيضاً هذا الجدب الشديد الذى صرف عنها أعين المستعمرين فلا يوجد بها نهر واحد وليست لأمطارها فصول معروفة يمك الاعتماد عليها وفيما عدا اليمن الواقعة جنوب الجزيرة العربية والتى تتميز بخصب أرضها وكثرة نزول المطر فيها ، فسائر بلاد العرب جبال ونجود وأودية غير ذات زرع ومثل هذه البيئة لا تيسر الاستقرار ولا تجلب الحضارة .
الحجاز :
يعتبر الحجاز من أهم من مناطق شبه الجزيرة العربية لأهميته الدينية والاقتصادية فهو يعتبر شريان رئيسى من شرايين التجارة العالمية ويربط بين بلاد الشام واليمن مما أدى إلى قيام مدن تجارية على هذا الطريق ومدن الحجاز الهامة هى مكة والمدينة والطائف ويمتد الحجاز على طول ساحل البحر الأحمر وجدة وينبع ثغران رئيسيان تنزل بهما طوائف الحجاج فى كل عام ويحد الحجاز شرقاً بولاية نجد وجنوباً بعسير أحد أعمال اليمن .
أما من الناحية الدينية فإن أقدس مدينتين تقعان فيه ، وهما مكة والمدينة المنورة .
نشأة مكة وتطورها :
تقع مكة فى منتصف الطريق المعد للقوافل بين اليمن والشام والمحاذى لساحل البحر الأحمر وتقوم مكة فى وادى منسبط من أدوية جبال السراة تحيط به الجبال الجرداء من كل جانب وتكاد تحجبه إلا من ثلاثة منافذ يصله أحدها بطريق اليمن والثانى بطريق قريب من البحر الأحمر عند ميناء جدة ويصله الثالث بالطريق المؤدى إلى فلسطين .
ومكة مدينة قديمة إلا أنه من العسير معرفة تاريخ قيامها وأكثر الظن أنه يرجع إلى ألوف من السنين . والثابت أن واديها اتخذ من قبل أن تبنى محلاً لراحل رجل القوافل القادمة من الشمال والجنوب فكانوا يضربون فيها خيامهم سواء القادمون من ناحية اليمن قاصدين فلسطين أو العكس وأمطار مكة قليلة قد تنحبس عنها لسنوات عديدة وقد تزداد فتصبح سيلاً يجرف ما يعترضه ويلحق الأذى بالناس وهى لا تفيدهم فى أرضهم شيئاً ولوقعها فى واد ارتفعت درجة حرارتها فى الصيف ارتفاعاً يضايق من لم يعتده .
وقد أطلق مسميات عديدة على مكة ، فسميت (بكة) ، قال تعالى : ) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ( [آل عمران : 96] ، وعرفت أيضاً بأم القرى والبلد الأمين والبلد الحرام .
ومن الراجح أن إسماعيل (u) هو أول من اتخذها مقاماً وسكناً له بعد أن كانت محلاً للقوافل التجارية . وتذكر لنا المصادر أن إبراهيم (u) ذهب بزوجته هاجر وابنهما إسماعيل حتى وصل إلى الوادى الذى تقوم به مكة ثم تركها بعد أن ترك لها الطعام والشراب واتخذت هاجر عريشاً أوت إليه مع ابنها فلما نفذ الماء والزاد أخذت هاجر تهرول بحثاً لتجد عين الماء قد انفجرت تحت قدم ابنها فقامت بحبس الماء عن السيل حتى لا يضيع فى الرمال . وكان تفجير بئر زمزم سبباً فى إتيان بعض القبائل إلى مكة والاستقرار بها .
وكانت قبيلة جرهم أول القبائل التى سكنت مكة بعد أن تفجرت زمزم ثم شب إسماعيل (u) وتزوج فتاة جرهمية أنجبت له اثنى عشر ولداً ثم أمر الله إبراهيم (u) ببناء الكعبة فقام مع ابنه إسماعيل (u) ببناء الكعبة المشرفة ورفعا قواعدها ، قال تعالى : )وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ( [البقرة : 127] .
والكعبة هى بيت الله وهى بناء مربع تقريباً بنى فى أوسع منطقة فى الوادى ويبلغ ارتفاعه خمسة عشر متراً وطول جدار الشمال والجنوبى عشرة أمتار تقريباً وطول جداره الشرقى والغربى اثنا عشر متراً تقريباً وفى الجدار الشرقى يقع باب الكعبة . فلما فرغ من بناء البيت أمره الله أن يؤذن فى الناس بالحج قال تعالى : )وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ( [الحج : 27] .
ويشهد القرآن أن البيت الحرام وجد قبل إبراهيم (u) ، قال تعالى : ) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ( [آل عمران : 96] .
وقد اتفق العرب على تحريم القتال فى الأشهر الحرم وهى الشهور التى يفد فيها العرب إلى مكة حاجين أو معتمرين أو يقفلون منها إلى بلادهم ، وهذه الشهور هى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم (أشهر الحج) وشهر رجب للعمرة ، وبذلك يتهيئ لم فريضة الحج فى أمن ويسر .
وبجانب الأشهر الحرم اتفق العرب على تحريم القتال عند حرم مكة دائماً وقرروا أن من دخل الحرم كان آمناً وعندما وقعت الحرب بين قريش وكنانة وقيس عيلان على حدود الحرم سميت حرب الفجار لأنها مست حرمة البيت ولذلك عقدت قريش بعد الصلح حلف الفضول الذى تحالفوا فيه على إلا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أو من غيرهم إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عنه مظلمته .
وقد تولت جرهم أمر مكة والبيت الحرام فترة من الزمن إلا أنها بغت واستبدت بالأمر وزاد ثراء جرهم فانغمسوا فى الملاذ ونسوا واجباتهم الدينية وأهملوا العناية ببئر زمزم والبيت الحرام حتى نضبت ماء البئر ففكرت قبيلة خزاعة – وكانت قد وفدت إلى مكة – أن تستولى على السلطة من جرهم ووقع الصدام بينهما وانتصرت خزاعة ورحلت جرهم عن مكة إلا أنها قبل رحليها قامت بضم بئر زمزم حتى لا تستفيد منه خزاعة وتولت خزاعة أمر مكة والبيت الحرام ، وعمل زعيم خزاعة على إعادة تنشيط الحج إلى الكعبة بعد أن قل بسبب بغى جرهم واعتدائها على قوافل الحجاج والتجار الذين كانوا يفدون إلى مكة وكان عمرو بن لحى يقيم موائد الطعام فى موسم الحج ويجلب الماء من الآبار خارج مكة وبذلك نال منزلة عالية بين قومه وعمر ابن لحى هو الذى غير دين إبراهيم (u) وبدله بعبادة الأوثان . ظلت خزاعة تلى أمر مكة والبيت الحرام حتى ظهر قصى بن كلاب الذى أراد أن يجعل إمارة مكة فى قبيلة قريش فحارب خزاعة وانتصر وأحل قومه القريشيين محلها وصار ملكاً على قومه وهو بخدمة البيت الحرام .
وقد نهضت مكة على يد قبيلة قريش فى منتصف القرن الخامس الميلادى وتمتعت بمركز مرموق قبيل ظهور الإسلام بفضل ما أظهرته قبيلة قريش من قدرة على التنظيم السياسى وإقامة حكم متطور عن بقية المدن والقبائل الأخرى .
تنظيمات قريش السياسية :
دار الندوة : أنشأ هذه الدار قصى بن كلاب وكانت ملاصقة للبيت الحرام وجعل بابها إلى المسجد وفيها يجتمع كبار قريش تحت رئاسة قصى ابن كلاب للتداول فى شئونهم ولم يكن يدخلها من قريش إلا من بلغ الأربعين من عمره وكانت قريش تعقد فيها لواءها إذا خرجت للحرب ومنها كانت ترحل قوافلها التجارية وفى فنائها تحط هذه القوافل حمولتها إذا رجعت من رحلتها التجارية ولم تكن تنكح امرأة ولا يزوج رجل إلا فى هذه الدار وكان من عاداتهم ألا يتم أمراً إلا باتفاقهم فكانت دار الندوة دار مشورة قريش وبذلك ضمنت اجتماع الكلمة وفض المشاكل بالحسنى .
مجلس الملأ : وكان يدير شئون مكة مجلس أطلق عليه مجلس الملأ يتكون من زعماء الأسر ورؤساء الأحياء وأصحاب الرأى والمشورة للبت فيما يعرض عليهم من مشكلات وبذلك تجنب مكة كما كان يقع فى القبائل والمدن الأخرى من حروب عشائرية بسبب النزاع وحقن الدماء بين العشائر المختلفة .
التنظيمات الدينية :
وجدت عدة وظائف تتعلق بالبيت الحرام وهى :
السقاية : وتأتى أهميتها من أن مكة بلد شحيحة المياه وأن الحاج إليها يلقى عنتاً شديداً إذا لم يتيسر له الماء خصوصاً فى موسم الحج حيث يكثر الوافدون إليها وقد زادت مشكلة المياه فى مكة بعد أن طمت قبيلة جرهم بئر زمزم وعندما تولى قصى أمر مكة اهتم بسقاية الحجيج وكان يتم ذلك عن طريق أحواض وضعت بفناء الكعبة ومنى وعرفات وكانوا يحلونها بشىء من التمر والزبيب فيشرب منها الناس إذا وردوا مكة وعلى الرغم من اهتمام قصى بسقاية الحجيج إلا أنه لم يفكر فى إعادة بئر زمزم حتى كانت أيام عبد المطلب بن هاشم الذى آلت إليه هذه الوظيفة المهمة وأصبح يجد مشقة كبيرة فى توفير المياه لعدد المتزايد من الحجاج فقد رأى عبد المطلب فى المنام من دله على مكانها فأعاد حفرها ومن ثم أصبحت عملية إمداد الحجاج بالماء أقل مشقة وكانت لوظيفة السقاية فضل كبير وشرف عظيم .
حفر بئر زمزم :
بينما عبد المطلب نائم فى حجر الكعبة إذ أتاه هاتف يأمره بحفر زمزم ، يقول عبد المطلب : " إنى لنائم فى الحجر إذا أتانى آت فقال : احفر طيبة ، قلت : وما طيبة ؟ ثم ذهب عنى ، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعى فنمت فيه ، فجاءنى فقال : احفر المضنونة ، فقلت : وما المضنونة ؟ ثم ذهب عنى ، فلم كان الغد رجعت إلى مضجعى فنمت فيه ، فجائنى فقال : احفر زمزم ، قلت : وما زمزم ؟ قال : لا تترف أبداً ولا تذم ، تسقى الحجيج الأعظم (أى أن ماءها لا ينتهى أبداً) ولما بين له شأنها ودله على موضعها وعرف أنه قد صدق ، أصبح بمعوله ومعه ابنه الحارث ، ليس له يومئذ ولد غيره ، فحفر فيها .
فلما بدا لعبد المطلب الحجارة التى تغطى البئر كبر ، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته ، فقاموا إليه فقالوا : عبد المطلب ، إنها بئر أبينا إسماعيل ، وإن لنا فيها حقاً ، فأشركنا معك فيها . قال ما أنا فاعل ، إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم ، فقالوا له : فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى تخاصمك فيها . قال : فاجعلوا بينى وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه ، قالوا : كاهنة بنى سعد هذيم ، قال : قال نعم ، وكانت على حدود الشام ، فركب عبد المطلب ومعه جماعة من بنى عبد مناف ، وركب من كل قبيلة من قريش جماعة ، والأرض إذ ذاك صحراء لا نهاية لا ، فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك الصحراء بين الحجاز والشام فنى ماء عبد المطلب وأصحابه ، فظنوا حتى أيقنوا بالهلاك ، فاستسقوا من معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا : إنا بمفازة (أى صحراء) ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم ، فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم ، وما يتخوف على نفسه وأصحابه قال : ماذا ترون ؟ قالوا : ما رأيا إلا تبع لرأيك ، فمرنا بما شئت . قال : فإنى أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة ؛ فكلما مات رجل دفعه أصحابه فى حفرته ثم واره حتى يكون آخركم رجلاً واحداً ، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة القافلة جميعاً . قالوا : نعم ما أمرت به . فقام كل واحد منهم بحفر حفرته ، قعدوا ينتظرون الموت عطشاً .
ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه : والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت ، لا نضرب فى الأرض (أى لا نسير لطلب الرزق) ولا نبتغى لأنفسنا لعجز ، فعسى الله أن يرزقا ماء ببعض البلاد ، ارتحلوا ، حتى إذا فرغوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون ، تقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها ، فلما قامت به انفجرت من تحت خفها عين من ماء عذب ، فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه ، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه وملأوا أقيتهم . ثم دعا القبائل من قريش فقال : هلم إلى الماء فقد سقانا الله ، فاشربوا واستقوا ، فجاءوا وشربوا واستقوا ثم قالوا : قد والله قضى لك علينا يا عبد المطلب ، والله لا نخاصمك فى زمزم أبداً ، إن الذى سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذى سقاك زمزم ، فارجع إلى سقايتك راشداً !
ورجع ورجعوا معه ، ولم يصلوا إلى الكاهنة ، وخلوا بينه وبين زمزم . وعندئذ نذر عبد المطلب : لئن ولد له عشرة نفر ، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه (أى حتى يكبروا ويحموه) لينحرن أحدهم لله عند الكعبة .
الرفادة : وهى تقديم الطعام لغير القادرين من الحجاج ويروى أن قصياً فرض على قريش أن يقدم كل منهم شيئاً إليه ليضع طعاماً للفقراء من الحجيج وقال قصى فى ذلك يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل بيته وإن الحاج ضيف الله وزوار بيته هم أحق الضيف بالكرامة فاجعلوا لهم شراباً وطعاماً حتى يصدروا عنكم ففعلوا .
الحجاية : (السدانة) : وهى خدمة الكعبة وتولى مفاتيحها وحراستها وهكذا صار لقريش مكانة بين سائر العرب بسبب رعايتها للبيت الحرام .
كما أصبحت مكة على يد قريش مركزاً تجارياً ممتازاً فى قلب الجزيرة العربية وتمتعت قريش بمركز ممتاز بين العرب لاتساع متاجرها فكان تجارها يخرجون من مكة بتجارتهم فى قوافل عظيمة بلغت إحداها ألفاً وخمسمائة بعير ولا عجب فقد كانت مكة أهم المراكز التجارية باعتبارها حلقة الاتصال بين اليمن والحبشة جنوباً وفارس وبيزنطة شمالاً وقد نمت التجارة فى مكة قبيل الإسلام إلى درجة عالية من التقدم يدل على ذلك ما عقدته قريش من معاهدات تجارية كما امتازت رحلاتها التجارية بتمتعها بالمن لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته ، وكان لهم منزلة فى نفوس العرب ، فلا يعرضون لهم ، ولا لتجارتهم بسوء ، وقد تمنن الله عليهم بذلك فى القرآن الكريم ، قال تعالى : ) أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ( [العنكبوت : 67] .
وكانت لها رحلتن شهيرتان إحداهما فى الشتاء إلى اليمن والأخرى فى الصيف إلى الشام.
وكانت وسيلة نقل التجارة هى القوافل التى تتكون من الإبل التى تعتبر سفن الصحراء ، لما لها من قوة ، وجلد ، وصبر على العطش ، وتحمل الأسفار البعيدة .
وكان يزاول التجارة بعض الأشراف كهاشم ، وأبى طالب ، وأبى لهب والعباس ، وأبى سفيان بن حرب ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله وغيرهم منهم من كان يتجر فى ماله ، ومنهم من كان يعمل لغيره بالأجر أو المضاربة ، كما حدث من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى اتجاره فى مال خديجة رضى الله عنها ، ومن الأشراف من كان يتجر له مواليه ومماليكه .
وقد تحدث القرآن الكريم عن هذه النهضة التجارية لأهل مكة فى قوله تعالى : )لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيِلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ( [قريش : 1-4] .
وكانت عير قريش تحمل من صنعاء ومن موانى عمان واليمن والطيب والبخور والمرّ والصموغ العطرة والأخشاب الزكية والعاج والأبنوس وجلود الفهود واللبان والذهب والمجوهرات والأرقاء والعاج والمنسوجات الحريرية والمعادن والأسلحة والتوابل ، وبعض هذه الأشياء من منتجات اليمن وبعضها مما يرد إلى الموانى من إندونيسيا والصين والهند أو من إفريقية عبر باب المندب ، وكانت العير تحمل هذه البضائع إلى أسواق الشام ، إذا كان الطيب والبخور من أهم ما تُعنى به المعابد والكنائس والقصور الواقعة فى بلاد حوض البحر المتوسط وفى الهلال الخصيب ، وذلك كانت تُلاقى رواجاً كبيراً ، وكانت هذه الإبل تعود من مصر والشام حاملة القمح وزيت الزيتون والحبوب والمنسوجات .
وكان بنو عبد مناف الأربعة يتوجهون إلى الجهات الرئيسية الأربعة التى كانت تتجه لها تجارة قريش ، فكان هاشم يتجه للشام ، وعبد شمس إلى الحبشة ، والمطلب إلى اليمن ، ونوفل إلى فراس ، وكان تجار قريش يختلفون إلى هذه البلاد فى ذمة هؤلاء الإخوة الأربعة لا يتعرض لهم أحد بسوء .
وازدهرت أسواقها التجارية وكان أشهرها سوق عكاظ ولا شك ، أن مركز قريش الدينى بسبب إشرافها على الكعبة جعل كثيراً من القبائل العربية تخطب ودها وتسعى للتقرب منها ولذلك نجحت قريش فى إقامة علاقات حسنة مع كل القبائل عن طريق المحالفات والمعاهدات سواء فى البادية والمدن وبذلك أمنت قريش عادية القبائل البدوية كما أمنت خصومات المدن الحجازية بذلك احترام عام فى كافة أنحاء شبه الجزيرة العربية .
عام الفيل :
لا شك أن مكانة مكة الدينية بفضل وجود بيت الله الحرام بها قد دفعت الأحباش إلى غزو الحجاز ومحاولة هدم الكعبة فقد قام أبرهة الحبى وبنى كنيسة باليمن سماها " القليس " وزينها بالرخام والخشب المذهب وكانت مرتفعة البناء ونصب فيها صلبان من الذهب والفضة ودعا الناس إلى الحج إليها حتى يصرفهم عن الحج إلى الكعبة فغضب رجل من بنى كنانة وأقسم ليعبثن بهذه الكنيسة . وقدم اليمن ودخل الكنيسة كأنه متعبد حتى إذا أظلم الليل وخلا المكان قام يعبث بأثاث الكنيسة ويلطخ جدرانها بالقاذورات ، ولما علم أبرهة فى الصباح بما أصاب كنيسته وعرف أن عربياً كان يبيت بها وأنه المتهم بالعبث بالبناء المقدس ، حلف ليهدمن الكعبة ، وسار فى جيش كبير من الأحباش سير أمامه الفيلة ، حتى حط رحاله بالقرب من مكة .
كان سيد مكة فى هذا الوقت عبد المطلب بن هاشم جد الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، وقد أخذ أبرهة إبلاً يملكها عبد المطلب كانت ترعى عند المكان الذى نزل فيه أبرهة وأرسل إليه يطلبه ، فلما جاء عبد المطلب قال له أبرهة : إن لم أجئ لحربكم بل جئت لأهدم هذا البيت ، فإن تعرضتم لى حاربتكم وإلا فلا حاجة لى فى دمائكم . قال عبد المطلب : لا قوة لنا فى التعرض لك ، والذى أطلبه منك أن ترد على إبلى التى أخذتها . قال أبرهة : كنت هبتك حين رأيتك ثم زهدت فيك حين كلمتنى ، أتكلمنى فى شأن الإبل وتترك البيت الذى هو دينك ودين آبائك ؟
قال عبد المطلب : أما الإبل فهى لى وأما البيت فله رب يحميه .
وطاف بالبيت منشداً والناس يرددون :
يارب لا أرجو لهم سواكا يارب فامنع منهم حماكا
إن عبد البيت من عاداكا
ويحكى لقرآن الكريم نهاية أصحاب الفيل فى الآية الكريمة : ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ( [الفيل : 1-5] .
وكانت حادثة الفيل كبيرة الأهمية عند العرب فأخذوا يؤرخون بها أحداثهم ، وفى عام الفيل ولد محمد (صلى الله عليه وسلم) .
2- يثرب :
كانت يثرب من بين مدن الحجاز المتحضرة . وهى تقع إلى الشمال من مكة فى واحدة خصيبة التربة غزيرة الماء . وقد اشتهرت بأكثر من اسم عند ظهور الإسلام ثم غلب عليها اسم " المدينة " .
ويروى أن " العمالقة " كانوا أول من سكن يثرب ، وهم من قبائل العربية البائدة التى انقرضت قبل الإسلام ، مثلهم فى ذلك مثل عاد وثمود . وكانت بعض القبائل اليهودية قد تغلبت على العمالقة ، ولم تظهر الهجرة اليهودية بشك واضح إلا فى القرنين الأول والثانى الميلاديين ، وذلك على أثر الحرب التى شنها الرومان ضد اليهود ببلاد الشام . والتى انتهت بطردهم منها وتشتيتهم فى أنحاء متفرقة ، فهاجرت منهم بعض القبائل مثل : بنو قينقاع ، وبنو النضير ، وبنو قريظة إلى شمال جزيرة العرب وأقاموا بيثرب ، وظل هؤلاء مقيمين بها إلى أن نزح إليهم من بلاد اليمن قبيلتا الأوس والخزرج العربيتين ، وعاش الجميع أول الأمر فى سلام غير أن اليهود لهم يلبوا أن تحرشوا بالعرب فى يثرب ، رغبة منهم فى الانفراد بخيرات هذا البلد العربى ، واستغلوا كثرتهم وقوتهم فى الإضرار بالعرب والإساءة إليهم ، مما حمل الأوس والخزرج على الاستعانة بأقربائهم الغساسنة على اليهود . وكان لبنى غسان وقتذاك مملكة قوية فى جنوبى بلاد الشام ، فأمدوا لهم يد العون ضد اليهود ، مما مكن العرب فى يثرب وجعل لهم السيادة فيها . على أن الصراع لم يلبث أن وقع بين الأوس والخزرج وكان النصر فى أغلب الأحيان محالفاً للخزرج ، حتى اضطرت الأوس أن تسعى لمحالفة قريش حتى تكون عوناً لها على الخزرج ، لكن قريشاً أبت أن تزج بنفسها فى هذا الصراع ، حرصاً منها على مصالحها التجارية ، وبخاصة وأن يثرب تقع على طريق قوافلها إلى بلاد الشام وقد استغل اليهود هذه الفرصة وأعادوا الأوس فى حروبها ضد الخزرج تلك الحرب المشهورة فى التاريخ بيوم " بعاث " وهو اليوم الذى هزمت فيه الخزرج هزيمة كبيرة ، وحاول اليهود إبادة جميع رجال الخزرج ، لولا أن فطن بعض عقلاء الأوس إلى ذلك وبادروا بإيقاف القتال .
وهكذا لم يتمتع سكان يثرب باستقرار كما حدث لقريش فى مكة ، مما جعل الظروف فى يثرب أكثر ملاءمة من حيث سرعة الاستجابة إلى الإسلام وشدة الذود عن الدعوة الإسلامية وحمايتها . ذلك أن حياة السكان فى يثرب كانت تعتمد أساساً على الزعامة وتملك الأراضى الخصبة وموارد الماء ، وأن الضمان الوحيد للحفاظ على الملكية أو التوسع فيها كان اللجوء إلى العنف ، وساء من جانب الأفراد أو الجماعات وهذا أمر طبيعى فى مجتمع ليس به حكومة عامة تقوم على حماية الحقوق ومما زاد من هذا العنف فى يثرب ، اختلاف عناصر السكان فيها بين عرب ويهود وانقسام كل منها إلى عدد من القبائل .
وقد رأيت أن النزاع حدث أولاً بين العرب واليهود ، ولما انتهى أمره بغلبة العرب ، نسب الصراع بين القبيلتين العربيتين واتسع نطاقه حتى اضطربت الحياة فى يثرب اضطراباً شديداً ، مما حمل عقلاء يثرب وزعماؤها على التفكير فى إيجاد حل لمشاكلها وتحقيق الأمن لأهلها ، وقد اتجهوا فى البداية إلى إقامة حكومة عامة فى يثرب برئاسة أحد زعماء الخزرج ، ولكن العصبية القبلية الشديدة حالت دون تحقيق هذه الفكرة . ولما ظهر النبى (صلى الله عليه وسلم) بدعوته الجديدة رأى فيه أهل يثرب أملهم المنشود . وبخاصة وأنه محايد ولا ينتسب لأى طرف منهم فبايعوه ودعوه للإقامة بين ظهرانيهم وكانت هجرته إلى يثرب بداية التغيير العميق للأحوال تلك المدنية .
وكان عرب يثرب أقل حرصاً على التمسك بعقيدتهم الوثنية ، لأن عبادة الأوثان لم تعد عليهم بأى فائدة مادية أو أدبية مثلماً كان الحال بالنسبة لقريش فى مكة . كما كان لوجود أديان سماوية بهذه المدينة كاليهودية أثر كبير فى أضعاف الوثنية فى نفوس العرب النازلين بها ، مما جعلهم يتخلون عنها حين دعاهم النبى (صلى الله عليه وسلم) إلى الإسلام .
الطائف :
اسمها القديم " وج " نسبة إلى أحد العمالقة الذين سكنوها منذ القدم وعندما نزلت بها قبيلة ثقيف وأصبحت فى سعة من العيش تطلعت أنظار من حولهم من العرب إليهم وطمعوا فى ممتلكاتهم . لذلك رأت قبيلة ثقيف أن تبنى سوراً يكون حصناً لهم وأطلقوا عليهم " الطائف " لإحاطة بهم ولذلك عرفت هذه المدينة منذ ذلك الحين باسم " الطائف " .
وتقع الطائف على ظهر جبل غزوان من جبال السراة شرق مكة وتبعد عنها بنحو خمسة وسبعين ميلاً . ولما كانت الطائف تقع على مرتفع من الأرض فهى تمتاز بمناخها المعتدل ولهذا كانت مصيفاً لأهل مكة يتوافدون عليها فى فصل الصيف عندما تشتد حرارة مكة فراراً من وهج الشمس وطلباً لطيب هوائها ومياهها الجارية وبساتينها المثمرة ذات الفواكه المتنوعة ، ولهذا وصفت الطائف بأنها بقعة من الشام انتقلت إلى الحجاز أما عن أهمية الطائف من الناحية الاقتصادية فقد تمتعت المدية بمقومات عديدة ساعدت على قيام الزراعة على نطاق واسع حيث توافرت مياهها وكانت الحنطة أهم محصول يزرع فى مدينة الطائف وذلك لاعتماد الحجاز عليه وبخاص مكة . كذلك اشتهرت الطائف بالفواكه حيث يكثر بها النخيل والأعناب والرمان والخوخ وغيرها من الفواكه التى تتميز بالجودة .
ويتمتع تمر الطائف بشهرة كبيرة . وكان جزء كبير من هذه الفواكه ينقل إلى مكة . كذلك كثرت زراعة العنب بالطائف وكان لعمرو بن العاص بوهط – إحدى قرى الطائف – ألف ألف شجرة على ألف ألف خشبة .
وبالإضافة للنشاط الزراعى بالطائف اشتغل أهلها بالصيد وتربية النحل وكان الصيد يتم فى الغابات المجاورة للطائف حيث يأتيها جماعات من الصيادين من مكة كلاب الصيد لصيد الحيوانات بها . أما عن تربية النحل بالطائف فكان الهدف منها الحصول على العسل الذى كان يمثل أحد مصادر الثروة بالنسبة للطائف واشتهر عسل الطائف بجودته ونقائه حتى كان يهادى به فى مكة ، كما استخدم العسل فى العلاج ، قال تعالى : ) يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ( [النحل : 69] .
وقد زاد موقع الطائف من أهميتها كمركز تجارى ، فكان يمر بها طريق القوافل الممتد من جنوب بلاد العرب إلى شمالها ومن العراق إلى اليمن . وتنوعت التجارة بالطائف فكانوا يتاجرون فى الحنطة والعسل والزبيب والجلود وكانت القوافل تخرج إلى مكة حاملة هذه البضائع كل يوم . فقد كان الزبيب يوضع فى السقاية للحجيج .
لا شك أن أهالى الطائف قد استفادوا من الزراعة والتجارة فزادت ثرواتهم وارتبطوا بأهل مكة بعلاقات تجارية فضلاً عن امتلاك أثرياء قريش لبساتين بالطائف ، فيذكر أنه كان للعباس بن عبد المطلب أرض بالطائف مزروعة بالكروم ، كما قام أثرياء قريش بإقراض أهل الطائف ما يحتاجون إليه من مال .
وصارت الطائف تقرن بمكة فيقال المكتين والقريتين ، وقد وردت هذه التسمية فى قوله تعالى : )وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ( [الزخرف : 31] .
أما من الناحية الدينية فقد عظمت ثقي " اللات " وهى صخرة مربعة كانت موضوعة ببيت يسترونه بالثياب وكانوا يهدون إليه الهدى ويطوفون حوله ويعظمونه مثلما يعظم أهل مكة الكعبة ، ولم يقتصر تعظيم اللات على قبيلة ثقيف وحدها فقد كانت قريش أيضاً تعظمها . تولى سدانتها بنو عتاب ابن مالك من قبيلة ثقيف .
وكانت قبيلة ثقيف التى تعيش بالطائف تنقسم إلى طبقتين عرفت الأولى ببنى مالك والثانية بالأحلاف ، وقد قامت بينهما حروب أهمها يوم الطائف الذى انتصر فيه الأحلاف مما حمل بنى مالك على السعى لدى بعض القبائل طلباً للمعاونة والدعم فخشى الأحلاف وذهب زعيمهم إلى الأوس بيثرب يطلب مؤازرتهم . لكن الأوس نصحوه بمهادنة بنى مالك وعلى الرغم من ذلك فقد أمدوه بالسلاح والمؤن .
وإلى جانب قبيلة ثقيف سكن بالطائف قوم من حمير ومن قريش وأيضاً من هوازن والأوس والخزرج وإلى جانب العرب نزل بالطائف بعض جماعات من اليهود من أجل التجارة .
ساحة النقاش