نظرة في إعداد معلم اللغة العربية
تنبع أهمية إعداد المعلم لمهنة التعليم من موقعه في العملية التعليمية فهو الذي يقوم بالعبء الأكبر في تحقيق أهدافها ، كما أن مخرجات التعليم تتأثر إلى حد كبير بنوعية المعلم وتكوينه وتدريبه . فهو عنصر أساسي في أي موقف تعليمي ومن أهم مدخلات العملية التربوية . ومن هنا كان إعداده الجيد على جانب كبير من الأهمية في إرساء دعائم تطوير النظام التعليمي ومحتواه .
بالنظر إلى اللغة العربية وأهميتها وعلاقتها بالمواد الدراسية الأخرى ندرك أن قضية إعداد معلم اللغة العربية من القضايا المهمة التي تؤثر تأثيراً مباشراً على مستوى تعليم اللغة العربية التي تحتاج إلى معلم متمكن من مهاراتها حتى يعلم التلاميذ اللغة المرتبطة بالفكر ويدربهم على الأساليب اللغوية السليمة، ويزودهم بقدر صالح من الثروة اللفظية والأسلوبية والفكرية حتى يزيد فهمهم للمواد الأخرى ، فالتقدم في الدراسة اللغوية من أقوى المرتكزات للتقدم في سائر المواد الدراسية الأخرى كما أثبتت ذلك العديد من الدراسات .
يتفق معظم المربين على ضرورة أن يكون إعداد المعلم مرتبطاً بما ينبغي عليه عمله بعد تخرجه وما تتطلبه مهنته من كفاءات ومهارات واتجاهات ومعلومات، أي لابد أن يرتبط إعداد المعلم بالأدوار التي سيوكل إليه تنفيذها في مهنته التدريسية المستقبلية ، وإذا ضعف الطابع الوظيفي لبرامج إعداد المعلم حيث فقد التكامل في محتواها أو ركز على المعرفة المجردة دون خبرات الميدان فإن دور محتوى البرنامج سيقتصر على كونه مادة مطلوبة لأداء الامتحان دون أن يمتد لها تأثير يحملها؟؟؟ إلى قاعات التدريس ومواقف التعلم، لذا نجد أن كثيراً من الدراسات والبحوث التي تناولت إصلاح مؤسسات إعداد المعلم وتطويرها تنادي بأن أي اتجاهات حديثة أو برامج تطويرية في تلك المؤسسات ينبغي أن تدور حول تمكين المعلم من أن يكتسب المهارات التي تمكنه من تخطيط وتوفير الخبرات الموجهة في الموقف التعليمي بالمدرسة .
وتعود تلك النظرة إلى التطور الكبير الذي يشهده تعليم اللغات وتعلمها ، فبعد أن كان ينظر إلى اللغة على أنها مجموعة من الحقائق والأحكام يلقنها المدرسون لناشئتهم ، وما على الناشئة إلا أن يستظهروها ، أضحى النظر إليها على أنها مجموعة من المهارات وأن المعرفة وحدها لا تؤدي إلى اكتساب هذه المهارات ، إذ لابد من الممارسة اللغوية القائمة على الفهم وإدراك العلاقات وتكرار هذه الممارسة ، على أن يكون ثمة توجيه لأداء المعلم وتعزيز له، وقدوة حسنة أمامه كي تكون المحاكاة دقيقة في أثناء التدريب والمران .
والمهارة اللغوية تعني مستوى معين من الأداء اللغوي يتطلب فترة من التدريب المقصود والممارسة المنظمة ولها جانب معرفي وآخر أدائي يصل من خلالها المتعلم إلى السرعة والدقة في إنتاج اللغة وتذوقها ، وتقاس من خلال الاختبارات وتنمى بطرق مقصودة من خلال محتوى محدد .
ولعل نظرة متأنية إلى واقع التعليم وإلى القصور اللغوي لدى المتعلمين في مراحل التعليم ،تجعلنا ندرك أن خير علاج هو أن نبدأ بتحديد مهارات اللغة العربية ونعمل على تنميتها، ويتطلب ذلك تحديداً دقيقاً ومفصلاً للأدوار التي ينبغي أن يقوم بها المعلم ،ووضع معايير لقياس مدى تمكنه من الأداء ، بحيث يستطيع المعلم تقويم عمله على أساسها .
واللغة العربية متعددة في فروعها ومتنوعة في مهارتها ، ومعرفة المعلم لمهارات كل فرع من فروع اللغة العربية ضروري لنجاحه في أداء عمله ، فإذا نظرنا إلى القواعد النحوية مثلاً فإن إلمام المعلم بمهاراتها من قدرة على ضبط الكلمات ، وبيان موقعها من الأسلوب ، واقتداره على صياغة الجمل ، وتعليل وموازنة واستنباط القواعد من خلال الأمثلة المختلفة ، وممارسة التطبيق عليها ، والممارسة اللغوية الصحيحة في إطارها يساعده على أن يعالجها مع تلاميذه قراءة وكتابة وفهماً ومناقشةً ، ويصبح تعليم اللغة بالنسبة لهذا المعلم متعة في تدريسها وفي تناولها ، وهذا يجعل طلابه يقبلون عليه ويتفهمون مادته ، ويكتسبون مهاراتها بسهولة .
كذلك فإن إلمام المعلم بمهارات الأدب والدراسات الأدبية المتضمنة بالمقررات التي سيقوم بتدريسها من فهم للظواهر الأدبية المختلفة ، وفنون الأدب المتعددة من شعر ونثر وقصة ومقال ، وما يتخلل ذلك من تحليل للنصوص وتفسير لأغراضها ، والعناية بما تصوره هذه النصوص من ألوان الحياة السياسية والاجتماعية والعقلية ، وإظهار النواحي البارزة كقوة العاطفة أو روعة الخيال ، أو جمال التعبير أو الموسيقى الشعرية ، كل هذه المهارات وغيرها تجعل المعلم قادراً على تدريس هذا الفرع من اللغة باقتدار لطلابه ، وينمي فيهم حب الأدب ودراسته .
ذلك فإن تمكن المعلم من مهارات التذوق الأدبي باعتباره الهدف الأسمى من دراسة وتعلم اللغة ، ومشاركة الشاعر أحاسيسه ومشاعره التي يصورها في قصيدته لنقل تجربته الشعرية ، أو فهم وإدراك الرمز في القصيدة ، وإدراك التناسب بين الكلمة ومدلولها النفسي في القصيدة ، والوحدة العضوية ، وغيرها من المهارات اللازمة للتذوق الأدبي للغة بفروعها المختلفة .
ومعرفة المعلم للمهارات اللغوية بالنسبة للقواعد البلاغية والنقدية وإدراك تفصيلاتها وأغراضها وأنواعها من كنايات واستعارات وكذلك ألوان المحسنات البديعية من جناس وطباق وسجع وغيرها ، وأحكام النقد ومدارسه ومعاييره ، كل ذلك يجعل المعلم قادراً على الأداء اللغوي أمام تلاميذه بمهارة وإتقان .
أما عن مهارات القراءة بنوعيها من تعرف الرموز اللغوية وتفهم لمعانيها الضمنية والحكم على أسلوب قائلها وتحليل أفكارها واستنباط مراميها وجودة النطق ووضوحه وإخراجه من مخارجه الأصلية ، وحسن الأداء والتعبير عن المعنى بصورة توضحه وتقربه إلى السامعين ، وتساعدهم على الفهم .
كل ذلك يجعل من الضروري أن يتقن معلم اللغة العربية المهارات التي سيقوم بإكسابها لتلاميذه ، وأن يتمكن منها ويقدر عليها ، فهي تساعده على التعامل بسهولة ودقة مع فروع اللغة والتمكن من اكتساب المزيد من المهارات اللغوية وأن يؤدي دوره في إكساب وتنمية تلك المهارات لدى تلاميذه .
لذا كان من الضروري أن تعمل كليات التربية أثناء إعدادها لمعلم اللغة العربية على إكسابه المهارات اللغوية بصفة عامة والمهارات اللغوية المدرسية خاصة ، إلى جانب تدريبه على طرق إكسابها وتنميتها لدى طلابه حتى يتخرج من الكلية قادراً على القيام بدوره بنجاح .
هذا ومن الدراسات التربوية في تعليم اللغة العربية والتي تصدت لهذا الموضوع أطروحة دكتوراه لصاحبة هذه السطور ، تم إجازتها في كلية التربية بالرياض وتدور حول المهارات اللغوية المدرسية اللازمة لمعلمة اللغة العربية وبناء برنامج قائم على التعلم الفردي لتنميتها ، وقد خرجت الدراسة بقائمة للمهارات تضمنت ( 65 مهارة في القواعد النحوية ، 41 مهارة في النصوص الأدبية ، 34 مهارة في القراءة ، 34 مهارة في قواعد الإملاء ) كما خرجت ببرنامج قائم على التعلم الذاتي لأربع مجمعات تعليمية ، يمكن أن يدرسها المتعلم بصورة فردية ، وقد تم تجريب البرنامج على عينة من طالبات كلية التربية ( الفرقة الثالثة ) وخرجت النتائج إيجابية لصالح المجموعة التي درست البرنامج ذاتياً ، حيث ارتفع عندها نسبة التمكن من المهارات اللغوية السابقة كما أثبت ذلك اختبار أعدته الدراسة خصيصاً لهذا الغرض .
اتجاه تطوير اعداد المعلم وتدريبه :
تطوير المعلم أحد المحاور التي تضمنها مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم والجميع يدرك أن تطوير أي نظام تعليمي يجب أن يشمل تطوير جميع عناصره ومقوماته، ولعل من أهم هذه العناصر، عنصر المعلم الذي يعتبر قلبه النابض، فبدونه لا جدوى من تطوير العناصر المادية الأخرى من مبانٍ و تجهيزات ومقررات دراسية وما إلى ذلك. ولعل هذا ما تنبهت له حكومتنا الرشيدة عندما جعلت لتطوير هذا العنصر مخصصا ماليا كبيرا ، ولقي عناية خاصة من أجل إعداده وتدريبه وتطويره وتنمية كافة مهاراته المختلفة. وبالرغم من الجهود المبذولة والمحاولات لإصلاح وتطوير إعداد المعلم وتدريبه وتنميته مهنياً وأكاديمياً وثقافياً. إلا أن هذه المحاولات وهذه الجهود لا زالت دون المستوى المطلوب أسوة بما هو موجود في دول العالم المتقدم ومشروع خادم الحرمين الشريفين جاء بمخصص كبير من أجل إعداد المعلم و تطويره والارتقاء بمستوى إعداده وأداءه وسيؤتي هذا المشروع ثماره ويحقق أهدافه المرجوة بتظافر جهود جميع القائمين عليه والجهات ذات الصلة به ومن هنا يجب على المعلم تهيئة نفسه للتطور وعليه أن يبدأ بنفسه , ويوفر لها قدراً من المرتكزات المهمة ويحرص على التنمية المهنية لذاته وتقبل البرامج التدريبة والحرص على الاستفادة منها وتطبيقها وممارستها في الميدان التربوي حتى يكون أقدر على الإفادة أو التأثير في طلابه , وأن لا يحجم عن استخدام التكنولوجيا المتقدمة وشبكة المعلومات والبرامج الإذاعية المسموعة والمرئية الاهتمام بتعدد مصادر المعرفة, فالكتاب لم يعد المصدر الوحيد للمعرفة.و أن يتوجه نحو تنمية المهارات الخاصة بالتفكير الناقد والابتكاري وحل المشكلات . والأخذ بمفهوم الجودة الشاملة وتحسين مدخلات التعلم وعملياته.
والمقصود " بإعداد المعلم " ، تربيته، أي توجيه سلوك من يرغبون في أن يعدوا أنفسهم لممارسة مهنة التعليم أو الذين يمارسونها فعلا بما يجعلهم يسهمون دائما في عمليتي التعليم والتعلم بأقصى ما تمكنهم به استعداداتهم وقدراتهم.
. والواقع إن تطوير إعداد المعلم يعتبر من أكثر ميادين التربية دعوة للإصلاح باعتباره حجر الزاوية في العملية التعليمية والتدريسية وأنه إذا صلح المعلم صلح التعليم (مرسي، 1996م).
|
وقد خلص بشارة في كتابه " تكوين المعلم العربي والثورة العلمية " في منتصف الثمانينات من القرن الماضي الميلادي إلى أن أهم ما يميز واقع برامج إعداد المعلم العربي ما يلي:
1. تعجز برامج التكوين الحالية عن تزويد الطالب ـ المعلم بمهارة التعلم الذاتي، الأمر الذي يجعله غير قادر على متابعة التغيرات التي تطرأعلى محتويات المنهج نتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي في العصر الحديث (عصر العولمة).
2. لا يحظى الجانب العملي التطبيقي في برامج الإعداد بالقدر الكافي من الاهتمام، بل يغلب عليه الطابع الشكلي في الإشراف والتنظيم، بينما تبالغ هذه البرامج في أهمية الدراسات النظرية ذات السمة غير الوظيفية مما أدى إلى معاناة حقيقية لدى خريج تلك المؤسسات من شعور بالفجوة بين ما مر به من خبرات خلال إعداده وما يواجهه في حياته العملية، ولا شك أن هذا ينعكس سلباً على أداء المعلم.
3. التكامل بين الجوانب الثلاثة لبرامج إعداد المعلم ( الأكاديمي، الثقافي والمهني) موجود كفكرة، بينما هو غائب في الممارسة العملية، فالتنسيق ضعيف للغاية بين القائمين على تعليم الجانب التخصصي والثقافي، وضعيف كذلك بين كل من الجانبين التخصصي والثقافي وبين الجانب المهني، مما ينعكس بدوره على عملية الإعداد بحيث يبدو البرنامج وكأنه مجموعة من المواد المنفصلة التي لا رابط بينها. ويصبح الأمر بالنسبة للطالب مجرد دراسة كل مادة بصورة مستقلة لأداء الاختبار فيها، بل غالباً ما يخفى على الطالب دواعي ومبررات دراسة الموضوعات التي تعلمها.
4. إن تقويم نمو الطلاب يتم بصورة متخلفة رغم أن مؤسسات إعداد المعلمين تهتم بالقياس والتقويم التربوي كمقررات دراسية في إطار الإعداد المهني، إلا أن هذه المؤسسات نفسها تستخدم الأساليب القديمة في تقويم طلابها، وكثيراً ما يتم التركيز على تقويم الجانب التحصيلي فقط. (بشارة، 1406هـ)
بعض الدراسات في تطوير إعداد المعلم وتدريبه :
إعداد المعلم في الفكر التربوي الإسلامي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يحتل العظماء مكانة مرموقة في مجتمعاتهم لما يبذلونه من عطاء و تضحية من اجل رفعة أوطانهم و تقدمه، فلم تقتصر قائمة العظماء و المبجلين على الحكام و الأدباء المشهورين، بل احتوت على فئات عديدة، و من هذه الفئات " المعلم " الذي كاد أن يبجل في جميع الثقافات.
فالمعلم يلعب دورا كبيرا في بناء الحضارات كأحد العوامل المؤثرة في العملية التربوية، إذ يتفاعل معه المتعلم و يكتسب عن طريق هذا التفاعل الخبرات و المعارف و الاتجاهات والقيم.
و لقد شغـلت قضية إعداد المعلم و تدريبه مساحـة كبيـرة من الاهتمام من قبل أهل التربية و ذلك انطلاقـا من دوره الهام و الحيوي في تنفيذ السياسـات التعليمية في جميـع الفلسفات و على وجه الخصوص في الفكر التربوي الإسلامي، ففي هذه الورقة البحثية سيتضح الفرق بين هذه الفلسفات من حيث كونه كاهنا أم راهبا أم ساحرا أم فيلسوفا أم كما في الفكر الإسلامي بانيا للحضارة و هاديا للبشر و منيرا للطريق.
و لأن قيمة الإيمان تتحدد إلى حد كبير بقيمة العمل الذي يقوم به، و لما كان المعلم له قيمة عظيمة في التراث الفقهي و التربوي، احتل المعلم موقعا متقدما من حيث التقدير و التبجيل، مما جعل قضية تكوينه تتأثر باهتمام علماء التربية و الفقهاء.
فالمعـلم ليس خازن للعلم يغترف منه التلاميذ المعارف و المعلومات، و لكنه نموذج و قدوة. ولأن المعلم أمين على ما يحمل من علم كان لا بد له من صياغة و أن يحافـظ على كرامته و وقاره، و لا يبتذل نفسه رخيصة، فذلك من شأنه أن يحفظ هيبته مكانته بين الناس
و من الشعر فيما يروي عن القاضي عبد العزيز الجرجاني: (9)
و لم أبتذل في خدمة العلم مهجتي لأخدم من لاقيـت لكن لأخدما
أأشقى به غرسا و أجنيه ذلــة إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما
و لو كان أهل العلم صانوه صانهم و لو عظموه في النفوس لعظما
و لكـن أهانوه فهـان و دنسـوا محياه بالأطمـاع حتـي تجهما
لذا كان للعالم المسلم بدر الدين بن جماعة (13) رأيه السديد في أن المعلم هو العامل الأساسي في نجاح العملية التعليمية و أنه من أهم عناصر التعليم، حيث يرى أن التعليم لا يتغير بغير المعلم و أن عناصر التعليم تفقد أهميتها إذا لم يتوفر المعلم الصالح الذي ينفث فيها من روحه فتصبح ذات أثر و قيمة و يستشهد على أهمية المعلم في حدوث تعلم جيد بقوله:
" قيل لأبي حنيفة رحمه الله:في المسجد حلقة ينظرون في الفقه" فقال: ألهم رأس ؟
قالوا: لا ، قال: لا يفقه هؤلاء أبدا.
و من هنا كان اهتمام هذا البحث في النظر إلى اهتمام الإسلام في إعداد المعلم و علاقته بالتغيرات الحديثة، و مدي تأثير هذه التغيرات على بنيته و انعكاسها على تنمية عقول المتعلمين و خلقهم و مهاراتهم و إكسابهم المعارف و الآداب المختلفة.
مشكلة الدراسة:
في ضوء ما سبق يمكن أن تتحدد مشكلة الدراسة من خلال التساؤلات التالية:
1. ما دواعي الحاجة لصيغة جديدة للمعلم في الفكر التربوي الإسلامي؟
2. ما مقومات الصيغة الملائمة لإعداد المعلم في الفكر التربوي الإسلامي؟
3. ما أهم الحاجات التكوينية اللازمة لإعداد المعلم في الفكر التربوي الإسلامي.
أهداف الدراسة:
تهدف الدراسة إلى:
1. بيان دواعي الحاجة إلى معلم ينهج الفكر التربوي الإسلامي
2. الكشف عن مقومات الصيغة الملائمة لإعداد المعلم في الفكر التربوي الإسلامي.
3. تحديد الحاجات التكوينية الأزمة لإعداد المعلم في الفكر التربوي الإسلامي.
أهمية الدراسة:
تكتسب الدراسة أهميتها من خلال:
1. بيان موقع المعلم الهام في العملية التربوية.
2. تقديم صيغة متوازنة لتكوين المعلم الإسلامي العربي.
3. توضيح جوانب الضعف في تكوين المعلم بين الشخصية و المهنة.
منهج الدراسة:
يستخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي الذي يقوم على التسلسل المنطقي للأفكار، و ذلك من خلال الوقوف على كفايات المعلم في الفكر التربوي الإسلامي و إعداده للمهنة و تحسين أدائه التربوي ثم التركيز على بعض المقترحات لتحسين أدائه في ظل الفكر التربوي الإسلامي.
مصطلحات الدراسة:
· المعلم الرسالي: هو ذلك المعلم الذي يحمل الفكر الإسلامي كرسالة يريد أن يؤديها.
· الحاجات التكوينية للمعلم: هي المتطلبات التي يجب أن يراعيها المعلم المسلم في بناء شخصيته و ذلك لملائمة التغيرات الحادثة.
· الاتجاهات الحديثة في نظم تربية المعلم: تعني الخبرات التي تتفق مع منهج الله و التي يمكن تطبيقها في نظام اعداد المعلم ، أو طبقت بهدف تحقيق أهدافه بصورة أفضل.
· الثقافة الإسلامية: هي دراسة القوانين الوضعية في ضوء الشريعة الاسلامية.
الدراسات السابقة :
1. أجري (عسقول،1998 ) دراسة هدفت إلى ابراز ملامح برنامج إعداد المعلم في كلية التربية بغزة و قدمت الدراسة نموذجا لإعداد المعلم ، و أوصت بوضع فلسفة خاصة بإعداده و ذلك وفقا لمعايير أكاديمية و مهنية و نفسية و جسمية. (15)
2. أجري (أبو دف، أبريل) دراسة هدفت إلى بلورة صيغة جديدة لتكوين المعلم العربي على أعتاب القرن الحادي و العشرين في ضوء الواقع الثقافي و الإجتماعي، و قدمت الدراسة نموذجا لبرنامج لتكوين المعلم العربي ، حيث راعت فيه توافر التكامل و التوازن بين الجوانب الثلاثة ( الأكاديمي ، المهني و الثقافي ).(5)
3. أجرى (الحريقي، 1994 ) دراسة هدفت إلى التعرف على مدي فاعلية الإعداد التربوي في الموقف المهني لعينة من المعلمين و المعلمات قبل التخرج حيث استخدم الباحث المنهج التجريبي لإجراء التجربة و أوصى الباحث بضرورة الإهتمام بالجانب المهني التربوي للمعلمين و المعلمات، و ذلك لمواكبة التطورات العلمية التكنولوجية. و يأمل الباحث بإعادة تقييم برنامج الإعداد التربوي لطلاب و طالبات كلية التربية في جامعة الملك فيصل. (8)
4. أجرى (البزاز،1989) دراسة هدفت إلى ايجاد اتجاهات حديثة لإعداد المعلم بعدما تطرق إلى واقع المعلم في الدول العربية عامة و الخليجية خاصة في إعداده و أساليب تكوينه. و من هذا المنطلق اقترح الباحث إيجاد عدد من المقترحات و التوصيات تتناول فيها المعلم و تربيته ،مثل المنهج و تحقيق عنصر التوازن فيه، طريقة التدريس و الاتجاه نحو الاستفادة منها، و التطبيقات العملية في ممارسة مهنة التدريس.
كما تحدث الباحث عن دور سياسة القبول و التشريعات التربوية و بنية مؤسسات إعداد المعلم. (4)
أولا: الحاجة لوجود معلم ينهج الفكر التربوي و الإسلامي.
إن الناظر في حال مجتمعاتنا الإسلامية و العربية يلمح بوضوح أنواعا من الخلل قد انتظمت كافة مناحي الحياة و شرائح الأمة، فالخلل واضح و القصور فاضح سواء كان على الأداء السياسي، أم على الأداء الاجتماعي و كذلك على الاقتصادي و التعليمي، حيث تدني مستوي التعليم و الذي يرجع إلى ضعف القائمين على التعليم بشكل عام والمعلم بشكل خاص.
فدور المعلم خطير حيث أنه حلقة الوصل بين المتعلم و الكتاب ، و يجب أن يكون قدوة ، مربي ، مدرب ، موجه مرشدا، فالتعليم واحد من مؤسسات مجتمعاتنا التي أصابها الخلل نتيجة الأفكار التي يحملها المعلمون.
و أيضا من الأسباب التي أدت إلى وجود أزمة في العملية التعليمية حسب رأي (الأغا،1992) عدم تأهب المعلمين للتدريس و غياب الإعداد المسبق ، فدخولهم الفصل في هذه الحالة يفقدهم السيطرة على الطلاب و على المادة الدراسية .
كما أن عدم كفاءة بعض المعلمين للتدريس في المستوى الذي وضعوا فيه و عدم اجتهادهم لإثبات أنفسهم في هذا المستوى و قصور النمو الأكاديمي للمعلم الذي يخضع للعشوائية و الذاتية، بالإضافة إلى قلة الإطلاع و لا سيما في الموضوعات التربوية و عدم امتلاك المعلمين المهارات الأساسية كالتمهيد و استخدام الوسائل و الأسئلة و التعزيز و إدارة الفصل و التلخيص ، كلها تجمعت و ساعدت على ضعف العملية التعليمية لذا كان لا بد من بيان منزلة المعلم في الفكر التربوي الإسلامي (3)
فالمعلم في الفكر التربوي الإسلامي يتسم بعدة صفات منها:
· النية الخالصة في أداء واجبه ، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلي الله عليه و سلم قال: " لا تعلم و العلم لتباهوا به العلماء ، و لا لتماروا به السفهاء و لا تخيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار" أي أن لا يقصد المعلم دنياه فحسب بل و الآخرة أيضا ، قال تعالي : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم" البقرة:198 و يضع التعليم كرسالة لا مجرد وظيفة .
· يحمل هم أمة ، فالمعلم الرسالي يتفاعل مع قضايا أمته
· أن يكون المعلم المسلم قدوة لغيره لما له من تأثير على غيره
· أن يكون عطاء لا ينتظر الثناء ، قال تعالى: " قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" يوسف:55
· أن يراعي الفروق الفردية و تخصصه، حيث لا نجد ذلك في باقي الفلسفات و الثقافات الأخرى، و هناك الكثير من سمات المعلم المسلم الذي يحمل الفكر التربوي الإسلامي حيث نلاحظ اهتمام الإسلام المتوازن الشامل الكامل في شتى جوانب شخصيته و التي أدت إلى الحاجة لمعلم ينهج الفكر الإسلامي، و يقوم بإحياء هذه الأمة و التي سبق و أن أوضحت أهمية مهنة التعليم في بناء الحضارات و الثقافات و مواجهة التحديات التي تتكالب على العرب المسلمين و ضربهم في عقر دارهم وما نلاحظه من سياسات تغيير المناهج و ضرب المعلم في شتى بقاع المسلمين لإخراج جيل غير واع بما يدور حوله و إنتاج شعوب تابعة مستهلكة لا تعرف لماذا نحيا بل كيف تأكل.
و يدلل ابن جماعة في كتابه تذكرة السامع و المتكلم (14) على أن تحقيق أهداف التعليم منوطة بحسن اختيار المعلم بقوله " و اذا سبرت أحوال السلف و الخلف لم تجد النفع يحصل غالبا و الفلاح يدرك طالبا إلا إذا كان للشيخ( المعلم) من التقوى نصيب وافر ، و على شفتيه و نصحه دليل ظاهر"
لذا فليس كل أحد يصلح للتعليم، إنما يصلح من تأهب له و أعد إعدادا طيبا فالإنسان لا ينتصب للتدريس إلا إذا كان أهلا لذلك ، يقول الرسول صلى الله عليه و سلم: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور"
و تعتبر هذه دعوة صريحة لاختيار أفضل المعلمين للتعليم و بخاصة الذين تتوفر إليهم غزارة المادة العلمية و حسن إلمامه بها و سيطرته على مختلف مهاراتها ،و توافر حد من الثقافة العامة لديه لكي يعينه على توجيه المتعلمين و رعاية مصالحهم، كما يعينه على ارشادهم إلى مصادر المعرفة المختلفة ثم معرفته الكاملة بخصائص المتعلمين و صفاتهم
كما أن من دواعي ضرورة إيجاد معلم ينهج الفكر التربوي الإسلامي التحديات التي تواجهها المجتمعات الإسلامية.
إن العصر الذي نعيشه ملئ بالتحديات، فكل يوم يظهر على مسرح الحياة معطيات جديدة تحتاج إلى خبرات جديدة و فكر جديد و أساليب جديدة و مهارات جديدة و آليات للتعامل معها بنجاح، أي أنها تحتاج إلى إنسان مبتكر و مبدع، بصيرته نافذة، قادرة على التكيف مع البيئة وفق القيم و الأخلاق و الأهداف المرغوبة.
و هذا كله يحتاج إلى تربية لمعلم في ظل انتهاج تربية متقدمة لتستنفر جميع طاقاتها البشرية و المادية إلى أقصى ما يكون، ألا و هي التربية الإسلامية.
بعض التحديات التي تواجه المعلم في ظل تربية إسلامية: (11)
· التحديات التي تتعلق بواقع تربية المعلم.
و من هذه التحديات التي عمد الغرب على نشرها في المجتمع الإسلامي هو إعدام الهوية الإسلامية و ذلك بسرقة الحضارة و تدميرها عند المسلمين، و أهم مظاهر سرقة الحضارة تجريد الأمة من لغتها حتى أصبح المعلم لا يجيد التحدث باللغة العربية لغة القرآن و كنتيجة لذلك أصبح ولاة الأمور في العملية التعليمية ليس أهلا لها فاعتري برامج التعليم الضعف و القصور مما أدى إلى ضعف إعداد المعلم، وعدم تلبية حاجات الطلاب المعلمين. و بالتالي عمل ذلك على عدم تنمية القدرة على التفكير السليم و التعبير و عدم بناء الطلاب المعلمين في النواحي الشخصية و الاجتماعية
· تحديات تتعلق باختيار المعلم.
إن اختيار المعلم يضع الأساس لاعداده ممارسة مهنته، فإن اختير على الوجه الحسن و روعي متطلبات مهنته في هذا الاختيار،يؤدي ذلك إلى إيجاد معلم قوي مفكر و ناقد ، و لكن ما نراه الآن من عدم اقبال الطلاب المتفوقون على دخول كليات التربية (مهنة التعليم) إنما يرجع إلى عدة أسباب، منها
1. احتقار المجتمع لمهنة التعليم و عدم تقديرها لها.
2. القيود التي تضعها السلطات المسؤولة على كاهل المعلم.
3. تدني رواتب الموظفين في قطاع التعليم.
4. كثرة الأعباء الملقاة على المعلم ..... و غيرها
لذلك عزف الطلاب المتفوقون عن دخول كليات اعداد المعلمين مما أدى ذلك إلى تدني مستويات القبول في تلك الكليات و عدم التقيد بمعايير للقبول و نتج عن ذلك ضعف الطلاب المعلمين. و الطلع على أدبيات اختيار المعلمين في الاسلام، فلا بد من توفر شروط في المعلم و أولها الالتزام بالاخلاق الاسلامية و ثانيها اتقان مهارة التعبير باللغة العربية الفصحى و ثالثها اتساع ثقافته الاسلامية خاصة و العلمية عامة. هذا بالضافة إلى الرغبة في العمل بمهنة التعليم و الثبات الانفعالي و الثقافة التكنولوجية .
· تحديات تتعلق بتزايد حملات الغزو الثقافي
و لكي يسيطر المعلم على هذا التحدي يجب أن يعمل على اكتساب مهارة:
- مساعدة المتعلمين على التمسك بالعقيدة الاسلامية و العمل على تربيتهم تربية اسلامية
- مساعدة المتعلمين على إدراك أن الدين الحنيف يستوعب جميع نواع العلوم التقنية و مختلف عوامل الحضارة طالما لا تتعارض مع القيم الإنسانية الفاضلة.
- ترسيخ مجموعة من المعايير عند المتعلم لمقاومة البرامج المختلقة و تقييمها في وسائل الاعلام. لذلك فإن التحديات التربوية التي تواجه العاملين في حقل التربية خاصة في العالم الاسلامي و العربي كثيرة و صعبة و تحتاج إلى صبر و مثابرة ، و يتحمل المعلم العبئ الأكبر في هذا كله ، فلا عودة لمهابة المسلمين و لا جمعا لشملهم و لا تحقيقا لتقدمهم إلا بالعودة إلى التربية الإسلامية التي تعمل على تحكيم شرع الله و تحقيق التكامل بين المسلمين.
ثانيا :كفايات المعلم في الفكر التربوي الإسلامي:
و تنقسم كفايات المعلم إلى كفايات علمية و مهنية و أخلاقية و جسدية. (9)
1. الكفايات العلمية :
و يقصد بها إلمام المعلم بتخصصه العلمي و مادته التدريسية، فاهما لمعانيه، ليس مدعيا لذلك بل متحققا من ذلك، فإذا تم له الإلمام بمادته حيث محتواها من تفاصيل و فروع، مستوعبا لها متفهما لأمورها، يمكنه ممارسة مهنة التعليم.و يشير ابن جماعة لضرورة تنمية الكفاءة العلمية أثناء الخدمة، فينصح المعلم " بدوام الحرص على الازدياد بملازمية الجهد و الاجتهاد و لاشتغال قراءة و إقراء و مطالعة و تعليقا و حفظا و بحثا و لا يضيع شيئا من أوقات عمره في غير ما هو بصدده من العلم إلا بقدر الضرورة ".و لم يكتف المفكرون بذلك يل طالبوا المعلم ان يكون ذا ثقافة واسعة في غير تخصصه ايضا و ربما كانت هذه شائعة في العصور الإسلامية الأولى حيث كانت الموسوعية سمة العلماء و المفكرين ، فينصح ابن جماعة بالمعلم لأن يكون مبدعا في فن من الفنون ليخرج من عداوة الجهل.
و أن يكون غزير المادة العلمية ، يعرف ما يعلمه أتم معرفة و أعمقها و على المعلم ألا ينقطع عن التعليم و أن يداوم على البحث و الدراسة و تحصيل المعرفة " دوام الحرص على الازدياد بملازمة الجد و الاجتهاد و الاشتغال قراءة و إقراء و مطالعة و تعليقا و حفظا و تصنيفا و بحثا و لا يضيع شيئا من أوقات عمره في غير ما هو بصدده من العلم إلا بقدر الضرورة" (14)
و يستدل ابن جماعة بقول سعد بن جبير (( لا يزال الرجل عالما ما تعلم ، فإذا ترك التعليم و استغنى ، و اكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون ))
يقول بعض العرب في إنشادهم:
و ليس العمى طول السؤال و إنما .................. تمام العمى طول السكوت على الجهل
فالمعلم إذا شاء أن ينجح في تعليمه فلا مفر له على أن يقبل على الاستزادة من العلم بمادته و تخصصه و لتكن همته في طلب العلم عالية و عليه أن يبادر أوقات عمره إلى التحصيل و لا يغتر بخدع التسويف و التأمل.
2. الكفاءة المهنية:
و يقصد بها مهارات التدريس التي يجب توافرها في المعلم لكي يستطيع أن يؤدي عمله على أكمل وجه لتحقيق أهدافه التربوية. و من هذه المهارات
(أ) استثارة الدافعية عند التلاميذ و وجودها عنده، فالمفكرون التربويون ينصحون المعلم بأن يثير دافعية المتعلم و أن يرغيه في العلم في أكثر الأوقات بذكر ما أعد الله للعلماء من منازل الكرامات و أنهم ورثة الأنبياء و على منابر من نور يغبطهم الأنبياء و الشهداء، و يحبذ الزرنوجي أن تكون الدافعية نابعة من المتعلم بنفسه" فينبغي للمتعلم أن يبعث نفسه على التحصيل " و يقول : "و كفى بلذة العلم و الفقه و الفهم داعيا و باعثا للعاقل على تحصيل العلم" ( 16)
(ب)مراعاة الفروق المهنية: فلا ينبغي للمعلم أن يشرك الطالب عالي التحصيل مع متدني التحصيل و ذلك لاختلاف قدرة كل منهما، ففي ذلك عدم إنصاف
و يؤكد الغزالي بقوله بضرورة " ضرورة مخاطبتهم على قدر عقولهم".
(ج) طريقة التدريس: حيث أشار المفكرون لأهمية طريقة التدريس للمعلم بأن لا ينقلهم من علم إلى علم حتى يحكموه فإن ازدحام الكلام في القلب مشغلة للفهم.
و يؤكد ابن جماعة على المعلم أن يقرب المعنى للتلاميذ و يحتسب إعادة الشرح و تكراره و يبدأ بتصوير المسائل و توضيحها بالأمثلة، و ما ورد في مجامع العرب بأن العلم هو ( ما حوته الصدور لا ما طوته السطور) مع عدم الحفظ الصم دون وعي و إجادة.
فقل لمن يدعي في العلم فلسفة ....................... حفظت شيئا و غابت عنك أشياء
و من طرق التعليم التي استخدمها المعلمون المسلمون أمثال ابن سينا هو التعليم التعاوني فيقول " إن الصبي عن الصبي
ساحة النقاش