تقريـــــر
إعـداد معلم اللغة العربية في الأزهر وخـارجـه المجلـس القومــي للتعليــم المجـالـس القوميـة المتخصصـة – الـقـاهــرة الدورة الثامنـة 1980 / 1981 م |
مقــدمــــــــة
سبق أن قام المجلس بدراسة عن تيسير تعليم اللغة العربية بمراحل التعليم العام وأصدر فيها العديد من التوصيات . وفي دورته الثامنة ركز على دراسة موضوع إعداد معلم اللغة العربية لأنه الركن الأساسي في تعليم اللغة العربية بهدف الارتفاع بمستوى إعداده في مختلف المعاهد والمدارس من ناحية ، وتزويد العالم الإسلامي والوطن العربي بالمختصين بالثقافة الدينية والعربية ولغة القرآن الكريم من ناحية أخرى وتتضمن الدراسة العناصر الآتية :-
أولاً : العوامل التي ساعدت على ضعف اللغة العربية :
اللغة العربية هي لغتنا القومية وهي وعاء ثقافتنا وأفكارنا ، وهى وسيلتنا للوقوف على معاني القرآن الكريم وفق أحكامه وهو الذي خاطب الله رسوله عليه الصلاة والسلام فيه بقوله "وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين" وأخبر الذين هيأهم لسماعه وتلاوته بقوله " إن جعلناه قرأناً عربياً لعلكم تعقلون " .
وهى أيضاً سبيلنا إلى التعرف على توجيه السنة النبوية وفهم معانيها للاهتداء بها امتثالاً لقوله تعالى " وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون " ، " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " ، ثم هي بعد دعامة من دعائم النهوض الحضاري في حاضرنا ومستقبلنا .
ومن هنا صار نقلها وتعلمها وتعليمها واجباً إسلامياً وقومياً لا يجوز التهاون في شأنه أو التفريط فيه .
واليوم تشيع الشكوى على ألسنة الكافة مما أصاب اللغة العربية ، فقد ألفت الأسماع تشويه اللفظ العربي بنية وإعراباً وهيئة وموقعاً ، وقد كانت اللكنة عند العلماء سقطة يبرأ منها كل غيور على قدره ، محب لنفسه السلامة من النقائص .
ونوجز الكلام على أسباب ضعف اللغة فيما يلي :
1- الحكم التركي وتعصب العناصر التركية التي تولت الحكم للغتهم ومحاكاة المحكومين لهم خوفاً منهم أو طلباً لدنياهم . كل ذلك مساعد على ضعف اللغة العربية وشيوع العامية حتى في المكاتبات الرسمية .
2- عدم استخدام اللغة العربية ، في التدريس في مراحل التعليم المختلفة وبخاصة في بعض الكليات وهو ما لا ينبغي السكوت عليه .
3- إهمال الخطباء والمتحدثين وأصحاب الشأن الذين يفدى بهم اللغة العربية السليمة ونزولهم لمخاطبة الجماهير في المحافل والنوادي باللغة العامية .
4- عدم تمسك وسائل الأعلام باللغة العربية الفصحى وإهمال كثير من العاملين فيها والقائمين عليها والمتحدثين عن طريقها لتقويم ألسنتهم وعدم تقديرهم لما يحرص عليه الناشئون من محاكاتهم .
ثانياً : الواقع الحالي لإعداد معلم اللغة العربية :-
يعد معلمو اللغة العربية في مصر حالياً في عدد من الكليات هي :-
كلية دار العلوم – كليات اللغة العربية بجامعة الأزهر – أقسام اللغة العربية بكليات الآداب – أقسام اللغة العربية بكليات التربية .
كلية دار العلـوم :
كانت منذ إنشائها من أهم الينابيع التي تزود معاهد التعليم في كل مراحله بمدرس اللغة العربية وكانت تقصر قبول طلابها على نوعين :
1) حملة الثانوية الأزهرية .
2) الذين أتموا دراستهم في تجهيزية دار العلوم .
وكان هؤلاء وأولئك مؤهلين تأهيلاً كاملاً لدراسة اللغة العربية ، إذ كانوا مزودين في مراحل تعليمهم السابقة بأسس قويمة تتمثل في حفظ القرآن الكريم والدراسات الدينية والعربية العميقة .
ثم ألحقت دار العلوم قي العهد الأخير بجامعة القاهرة لتصبح كلية من كلياتها فصارت تستقى كغيرها من كلياتها ، من الحاصلين على الثانوية العامة عن طريق مكتب التنسيق المعروف وكثر فيمن يحال إليها أصحاب المجاميع الهزيلة الذين يرضون بالدراسة فيها على كره منهم لأنهم لم يجدوا منفذا للجامعة . وفي أحيان كثيرة يحال إليها ضمن هؤلاء أعداد كثيرة من شعبتي العلوم والرياضيات ، وضعف مستواهم في دراسة اللغة العربية أمر لا يحتاج إلى بيان فكيف يصبح هؤلاء غداً مدرسين للغة العربية والقاعدة المعروفة أن فاقد الشي لا يعطيه .
أقسام اللغة العربية في كليات الآداب وكليات التربية في غير جامعة الأزهر :
أما أقسام اللغة العربية بكليات الآداب وكليات التربية في غير جامعة الأزهر فإن مستوى الطلاب فيها لا يفضل ما عليه الحال في كليات دار العلوم الآن ، لأن طلاب هذه الأقسام أيضاً يفدون إليها عن طريق مكتب التنسيق وعلى النحو الذي أشرنا إليه سابقاً .
كليات اللغة العربية والتربية والبنات بجامعة الأزهر :
وقد كان المأمول فيمن يلتحقون بهذه الكليات من الحاصلين على الشهادة الثانوية الأزهرية أن يكونوا أحسن حالاً في اللغة العربية وأكثر استعداداً لتلقي علومها ، وأقدر على إيصالها لغيرهم وطبعهم عليها كما كانت حال أمثالهم وإخوانهم في الأزمان الماضية ، نظراً إلى أنهم يحملون الثانوية الأزهرية التي تعدم على النسق الأزهري المعروف في تدريس مواده والتعمق فيها ، بالإضافة إلى حفظهم للقرآن الكريم وتعرفهم إلى أحاديث رسول الله j وجوامع كلمه . لكن ما تم في السنوات الأخيرة منذ صدور قانون الأزهر رقم 103 لسنة 1961 وما نتج عن تطبيقه من ازدواج المناهج في معاهد الأزهر ، وما كان من اختصار سنوات السلم التعليمي في كل من المرحلتين الإعدادية والثانوية بحذف عام دراسي من كل المرحلتين عما كانت عليه الحال يوم صدر القانون 103 لسنة 61 المشار إليه ، ثم كان في السنوات الأربع السابقة على عامنا هذا من قبول آلاف كثيرة بالمعاهد الثانوية الأزهرية عاماً بعد عام من التلاميذ الحاصلين على الإعدادية العامة ، الأمر الذي جرد طلاب المرحلة الثانوية الأزهرية من كل مميزاتهم المعروفة والذي أضاع حفظ القرآن الكريم في صلب معاهد الأزهر .
إن ما تم من هذا وذلك كانت أولى نتائجه زحف الألوف المؤلفة من هذه النوعية إلى جامعة الأزهر ، مما شكل عاملاً من أهم العوامل في ضعف مستوى الدارسين الذين يعدون لتعلم اللغة العربية والتمكن فيها لتعليمها لأبنائنا في مصر ولأبناء الشعوب العربية والإسلامية وهو بالتالي سبب في ضعف مستوى الكليات التي تتلقاهم .
ومما يزيد في مضاعفة المشكلة قبول الكليات الأزهرية لطلاب من شعبتي العلوم والرياضيات من الحاصلين على الثانوية الأزهرية .
ونضيف إلى ما تقدم أمرين لا بد من العناية بهما والتصرف الحاسم بالنسبة لهما حتى لا يستشري ضعف اللغة العربية وضعف القدرة على تدريسها .
أ- أن هؤلاء الخريجين من معاهدهم التي ذكرناها يوجهون عن طريق القوى العاملة إلى تدريس دون تأهيل تربوي ولا تدريب على طرائق التدريس .
ب-أن الأعداد الكبيرة التي تعار للتدريس في الأقطار الشقيقة من الوزارة أو من الأزهر يتم اختيارهم من أكفأ العناصر وأكثرهم خبرة .
وهذا يترك فراغاً كبيراً في ميادين التعليم . وإذ كنا مضطرين إلى اختيار هذا النوع باسم تمثيل مصرفي في الخارج فإنه ينبغي النظر في وضع نظام لا يحرم مدارسنا ومعاهدنا من ذوي الكفايات والخبرة ولا يجعل ذلك مستمراً سنين طويلة .
ثالثـاً : تصور عام لمناهج الدراسة التي تؤهل مدرس اللغة العربية :
لعله من الطبيعي – حينما نعد مدرساً : أي مدرس – أن نراعي أن يكون هذا الإعداد مشتملاً عل ثلاثة مجالات :
الأول : مجال الثقافة العامة – باعتبار أن هذا المعلم يتولى تنشئة جيل ، ويشتـرك في إعـداده
للوطن ، فإنه يجب أن يزود في مرحلة إعداده بالخبرات والفنون والقيم التي تساعده على
بلوغ غايته . وفي مجال اللغة العربية فإن ذلك له أهميته البالغة لأن اللغة هي الوعــاء
الذي يحوي معارف الأمة وفنونها من كل ناحية .
الثاني : مجال التخصص : ويتناول الناحية العلمية ، إذ أنه سينهض بتدريس مادة معينة .
ولا شك أن اختيار المقررات التي يكلفها مدرس اللغة العربية في فترة إعداده له التأثير الكبير في تنمية قدرته وإبراز تمكنه من مادته . ولسنا بحاجة إلى إعادة الحديث عن أهمية القرآن الكريم حفظاً وتلاوةً وفهماً ، فهو الذخيرة الغالية لمدرس اللغة العربية ، ولا يمكن تصور معلم لها دون أن يكون في جعبته هذه الذخيرة .
الثالث : مجال الإعداد المعني : ويقصد به الإعداد لمهنة التدريس بعامة ، وتدريس اللغة العربية
بخاصة .
ويقتضي ذلك تلقي مناهج تربوية نظرية وعملية تدريبية بالإضافة إلى استخدام الوسائل الحديثة ودراسة الصوتيات ، لأن الجانب الصوتي هو جانب الأداء الذي هو جوهر اللغة . وقد لغتنا إلى ذلك ما قرره أئمة هذه اللغة من وجوب تلقي القرآن الكريم مشافهة من أفواه الشيوخ تلبية لقوله تعالى : (( ورتل القرآن ترتيلا )) ومن هنا نشأ فن التجويد ووضعت قواعده وألزم به كل قارئ للقرآن الكريم .
التوصيـــــات
في ضوء ما تقدم ، فقد أصدر المجلس التوصيات الآتية :
أولاً : بالنسبة لإعداد المدرسين للمرحلة الابتدائية ( وإن كان النظام فيها يقوم على أساس مدرس الفصل لا مدرس المادة ) إلا أنه ينبغي إنشاء شعبة مستقلة بذاتها في دور المعلمين والمعلمات لدراسة اللغة العربية والدين معاً تبدأ من الصف الأول ويكون الالتحاق بها مشروطاً بالنجاح في امتحان القرآن الكريم ( لقدر حفظه بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية ) وبحصول من يلتحق بها على 60 % من مادة اللغة العربية في امتحان الشهادة الإعدادية وأن يتضمن منهج الدراسة ما يأتي :-
أ- حفظ طائفة كافية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالأحكام والأخلاق والآداب العامة .
ب-دراسة الأحكام الفقهية المناسبة لمدرس المرحلة الابتدائية .
ثانياً : بالنسبة لإعداد مدرسين الإعدادية والثانوية يوصي المجلس بما يأتي :-
أ- إعادة النظر في سياسة القبول بالكليات والأقسام التي تعد معلم اللغة العربية سواء أكانوا من حملة الثانوية العامة أو الثانوية الأزهرية وبشرط أن يجتازوا عند القبول الاختبارات الآتية :
1- اختبار شفوي في القرآن الكريم ، في القدر المقرر لكل نوع .
2- اختبار شفوي في القرآن والتعبير والنطق السليم .
3- اختبار شخصي للتأكد من اللياقة البدنية والنفسية لمهنة التدريس .
ب-أن يكون هناك حد أدنى في المناهج من علو اللغة ومعارفها يضعه المختصون في هذا الشأن وتلتزم به الكليات والمعاهد التي تخرج مدرس اللغة العربية ، ولا يجوز النزول عنه ، ولها أن تزيد فيه بما يحقق طابعها وشخصيتها .
ج- أن تكون مدارسة القرآن الكريم وتعهد حفظة بالقدر المقرر علي طلاب الثانوية الأزهرية والعامة ودراسة ما يمكن منه تفسيراً وتلاوةً – أساساً من أهم أسس الدراسة في هذه الكليات ، مع طائفة من صحاح الأحاديث النبوية الشريفة وإجادة حفظها ودراستها فهماً وأسلوباً ولغةً .
ثالثاً : بالنسبة إلى كل من يعد للقيام بمهمة تدريس اللغة العربية يوصى المجلس بالآتي :
أ- دراسة منهج تربوي نظري وعملي يؤهل لمهنة التدريس بحيث لا يتولى تدريسها إلا من حصل على شهادة بدراسة هذا المنهج التربوي ، سواء أتم ذلك قبل التخرج أو بعده .
ب-دراسة الحضارة الإسلامية والتعرف علي التاريخ الإسلامي والعربي .
ج- الاهتمام بالامتحانات الشفوية في أثناء العام الدراسي وفي نهايته .
د- تقرير حوافز ترغب الطلاب الممتازين في اللغة العربية على الالتحاق بالمعاهد والكليات التي تعد معلم اللغة العربية لجميع المراحل وتعينهم على العناية بالمادة والتفرغ لها .
هـ- التأكيد على أهمية البرامج التدريبية لمعلمي اللغة العربية العاملين في الخدمة للارتقاء بمستواهم ، ولتجديد معلوماتهم في تدريسها ومتابعة التطورات الحديثة في مجال اللغة وطرق تدريسها .
و- العمل على أن تكون اللغة العربية هي لغة التدريس في مختلف مراحل التعليم العام والتعليم الجامعي كلما أمكن .
ز- التأكيد على التوصيات التي سبق أن أصدرها المجلس بهذا الشأن .
ساحة النقاش