المفهوم الفلسفي لمدخل الاتصال اللغوي:
يمكن تعريف مدخل الاتصال اللغوي بأكثر من مسمى كما تشير إلى ذلك الأدبيات التربوية ، وأهم هذه المسميات ما يأتي :
المدخل الوظيفي ، المدخل المعرفي ، المدخل ذا المفهوم والوظيفة، وأخيراً المدخل الاتصالي، ويتميز هذا المدخل عن المداخل الأخرى التي سبقته بأنه يسعى إلى تحقيق كفاءة الاتصال، وأن الهدف الأساسي من تعليم اللغة في ضوء مدخل الاتصال اللغوي هو إكساب المتعلم مهارة الاتصال بالقدر نفسه في المهارة اللغوية ، وقد أكد ذلك كل من (إيفلين براد E, Berad 1991 (8) )، (فايزة السيد 1998)(57)، (فتحي يونس 1999)(62).
ويضيف الباحث إلى ذلك : أن تحقيق كفاءة الاتصال وكفاءة اللغة مرهون بكتاب جيد يضم بين دفتيه محتوى ثقافياً ولغوياً معبراً عن حاجات المتعلم وبيئته وثقافته، يستطيع التلميذ من خلاله ممارسة اللغة في مواقف وظيفية وحياتيه، وذلك في كل مراحل التعليم ولاسيما المرحلة الابتدائية.
ويؤكد الفكرة السابقة كل من ليتل وود (Littl Wood 1991 (14) )
و(على مدكور 1995)(51) بأن أهم سمات المدخل الاتصالي تركيزه على وظيفية اللغة، وممارستها من خلال فنون أربعة (الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة) في سياق لغوى سليم.
ويستخلص مما سبق : أن مدخل الاتصال اللغوي مدخل وظيفي يقوم على تعليم اللغة من خلال مواقف حياتية واقعية يستطيع التلميذ أن يمارس فيها اللغة من خلال فنون أربعة هى الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة في سياق لغوى سليم، فلا يكون تعلم الأساليب والقواعد هدفاً في حد ذاته ولكن لمعرفة كيف يستطيع التلميذ أن يمارس ذلك في حياته اليومية، وعلى سبيل المثال لا يتعرف تلميذ الصف الرابع الابتدائي أسلوب الاستفهام كهدف في حد ذاته ولكن ليتعلم به كيف يستطيع أن يسأل عن شيء ما في موقف اتصالي يخلو من الخطأ اللغوي.
هذا عن المفهوم الفلسفي لمدخل الاتصال اللغوي، فماذا عن الأسس التي يقوم عليها؟
الأسس الفلسفية التي يعتمد عليها مدخل الاتصال اللغوي:
مما لا شك فيه أن المدخل الاتصالي يعتمد على أسس ومبادئ فلسفية تميزه عن مداخل التدريس التي سبقته، وأهم هذه الأسس كما أشارت إليها البحوث والدراسات السابقة هي:
1- المتعلم مركز الاهتمام في العملية التعليمية :
ويعنى ذلك أن يكون المتعلم هو الهدف في العملية، فلكي يتعلم التلميذ اللغة، فلزاماً عليه أن يكون قد اكتسب من خبراته التعليمية المباشرة وغير المباشرة مهارات عقلية أساسية لفهم اللغة، والتعبير شفهياً وتحريرياً، ولكي يكتسب هذه المهارات، فلا بد من وجود حافز لديه، وهنا يظهر دور المعلم الجيد الذي يحفز التلميذ ويستثير ملكاته، وذلك من خلال الكتاب المدرسي، والأنشطة المصاحبة للعملية التعليمية.
2- ينبغي أن يرتبط تعلم اللغة بحاجات وأهداف المتعلمين :
لما كان لكل فرد فى المجتمع حاجاته الخاصة التى يسعى دائماً من أجل تحقيقها، فإن مجموع هذه الحاجات يمثل حاجات المجتمع ككل، وبالطبع تتأثر هذه الحاجات بالظروف السياسية والاجتماعية والثقافية التى تسود المجتمع، لذا فيرى أيضاً هذا المدخل ضرورة تنبيه خبراء المناهج والقائمين على العملية التعليمية بمراعاة حاجات المتعلمين وأهدافهم لكل مرحلة سنية بحيث يستطيع التلميذ أن يرى نفسه وبيئته من خلال كتابه المدرسى للغة العربية.
ولكي يتم التوصل إلى حاجات التلاميذ:
تشير (زينب محمود حلمى 1996)(31) إلى عدة طرق لتحليل الحاجات أهمها:
أ- طريقة ريتشير (Richter) :
نظم ريتشير (Richer) فى طريقته مصفوفة للحاجات اللغوية، وحاجات التعلم يمكن تلخيصها فى الشكل التالى:
موقف لغوى SA |
OL عملية لغوية |
حاجات لغويةBL |
BA حاجات تعليمية |
AL |
موقف تعليمى SA |
OA عملية تعليمية |
ويستخلص من الشكل السابق أن ريتشير (Richter) قد حدد الحاجات التي يجب إشباعها فى مواقف معينة تجاه متعلمين معينين بخصوص موضوعات معينة.
ب- طريقة الفريز (Alvarez) :
توصل الفريز (Alvarez) إلى مصفوفة من المهارات اللغوية التى يحتاجها الفرد فى حياته اليومية والعملية وهى :
· الفـهم الشفهى (الاستماع)
· التعبـير الشفهى(التحدث)
· الفهـم التحريرى(القراءة)
· التعبير التحريرى(الكتابة)
جـ- طريقة نيفيو وسول (Niveau & Seuil) :
وتوصل مجموعة من الباحثان إلى نظام قائم على ثلاثة محاور مهمة لتحليل حاجات المتعلم اللغوى وهى :
· مجالات الأنشطة اللغوية.
· الأفراد المتعلمون .
· المواقف التواصلية.
ويستخلص الباحث مما سبق أن الحاجات اللغوية للمتعلمين تضم ثلاث حقائق هى:
· ما يرغب المتعلم فى تعلمه.
· ما يتطلبه المجتمع من الناحية (العملية ، الاجتماعية، الثقافية).
· ما يجب تعلمه فى اللغة.
لذا ينبغى أن يكون محتوى الكتاب المدرسى للغة العربية ولا سيما فى المرحلة الابتدائية مترجماً لهذه الحقائق.
3- التأكيد على المعنى :
تشير الأدبيات التربوية إلى أن المداخل السابقة للمدخل الاتصالى كانت تعتنى بالتراكيب، والقواعد أكثر من عنايتها بالمعانى التى تحملها هذه التراكيب، وواقع الحال يشير إلى أن اهتمامات المعلم تختلف عن اهتمامات عالم اللغويات، فالمتعلم يهتم قبل كل شىء بالمعنى سواء حين يحاول التعبير أو حين يحاول فهم المعنى المتضمن فى الرسالة اللغوية التى تلقاها.
وإذا كانت المداخل السابقة قد اهتمت بإكساب المتعلم التراكيب، والقوالب اللغوية على أمل أن يستطيع هذا المتعلم تحميلها بالمعانى فيما بعد، فإن المدخل الاتصالى قد اهتم بإعادة ترتيب الأولويات، فقدم المعنى على الشكل، والجوهر على القالب.
ويعقب الباحث على ذلك : بأن تقديم المعاني على الشكل لا يعنى إهمالاً لقواعد اللغة ولاسيما في لغتنا العربية التي يعد النحو من أهم خصائصها، بل من أهم العوامل التى تساعد على توصيل المعنى صحيحاً، ولعل ما أورده عبد القاهر الجرجانى فى كتابه دلائل الإعجاز أكبر دليل على ذلك عندما قال : إذا أردت المعنى فتوخى النحو وإذا أردت النحو فتوخى المعنى؛ لذا فتعلم اللغة يعتمد على كفاءة الاتصال وكفاءة اللغة معاً، ولا سبيل للاستغناء عن أحدهما.
4- تقليل الاعتماد على التكرار الآتي :
ينفرد مدخل الاتصال اللغوى عن المداخل السابقة برفضه الشديد للتكرار الآلى والتعليم المكثف المعتمد على الشرطية- مبادئ المدرسة السلوكية- (مثير لغوى، استجابة لغوية) وهو ما يسمى بآليات اللغة.
وتؤكد ذلك كل من : (إيفلين براد E.Brade 1991 (8) )
و(منيرة الصعيدى 1994)(79)، (زينب حلمى 1996)(31) بقولهن : التكرار الآلى لعبارات وجمل جافة وبعيدة كل البعد عن واقع المتعلم تجعل درس اللغة مفتقداً لفعالية التواصل بين المتعلم وكتابة وأيضاً المتعلم ومعلمة، وذلك بخلاف تعليم اللغة فى ضوء مدخل الاتصال اللغوى الذى يعتمد على تعليم اللغة من خلال محتوى جيد، ومواقف حياتية واقعية يستطيع أن يراها المتعلم فى حياته اليومية.
ويستخلص مما سبق أن أهمية تدريس اللغة فى مواقف حياتية والتركيز على وظيفية اللغة هو نفسه ما نجد فحواه فى القرآن والسنة ثم تراثنا العربى.
5- معرفة وإتقان اللغة ضرورة مهمة لاستخدامها :
لما كان اهتمام المداخل السابقة بالتركيز على كفاءة اللغة آثر أنصار مدخل الاتصال اللغوى التركيز على كفاءة الاتصال، والتنحى جانباً عن كفاءة اللغة، وكان ذلك فى بادئ الأمر، وفيما بعد أيد أنصار هذا المدخل أنفسهم ضرورة الاهتمام بكفاءة الاتصال وكفاءة اللغة معاً؛ لأن اللغة نظام متكامل متفاعل لا ينفصل فيها المعنى عن النحو فهى تتكون من ثلاثة أنظمة : (نظام للأصوات يتكون منه نظام للأشكال "الكلمات") فيؤدى بدوره إلى نظام تركيبى أو نحوى مما يؤدى بدوره إلى تحقيق التواصل ببلوغ المعنى أو الدلالة.
6- التركيز على الأنشطة الإبداعية والتفاعلية يؤدى إلى تنمية وإتقان اللغة:
مما لا شك فيه أن الهدف النهائى للمتعلمين هو الاستخدام الأمثل للمهارات اللغوية التى يتعلمونها من أجل تحقيق التواصل مع الآخرين؛ وليتحقق هذا الهدف أكد كل من (رشدى طعيمة 1998)(27) ، و (فايزة السيد 1998)(57) ، على أن تعلم اللغة يستلزم أنشطة تفاعلية يمكن استخلاصها من الكتاب المدرسى للغة أو غيره مع وجود المناخ المناسب الذى يساعد على التفاعل داخل الفصل بين المعلم وكتابة وبين المتعلمين ومعلمهم، وبين المتعلمين أنفسهم مما يساعد على تحقق التواصل وإتقان المتعلمين للغة فى أقل وقت ممكن.
ويعقب الباحث على ما سبق: بأن أهمية الأنشطة تكمن فى أنها تعمل على تنمية الإبداع وأيضاً إثارة التفاعل داخل الفصل، هذا ويزيدها فعالية أن تكون ضمن محتوى الكتاب المدرسى للغة وأن تركز على المتعة والتسلية بحيث تكون متاحة للتلميذ أن يمارسها فى أى وقت وأى مكان.
7- التأكيد على وظيفية اللغة :
يؤكد مدخل الاتصال اللغوى على أن تعليم اللغة يتم من خلال استخدامها فى وظائفها الحقيقية فالمرء يستخدم اللغة؛ ليقدم نفسه أو يطلب شيئاً أو يعتذر عن شىء أو يقبل أو يرفض أو يبدى رأيه فى شىء ما…إلخ، ويؤكد ذلك ما أورده هاليداى (Halliday1978 (11) ) وأكده (رشدى طعيمة 1998 (27)) أن المرء يستخدم اللغة فى سبعة وظائف اتصالية هى:
أ- الوظيفة النفسية : ويقصد بها استخدام اللغة لتلبية حاجات الفرد وإشباع حاجاته الأساسية.
ب- الوظيفة التنظيمية: ويقصد بها استخدام اللغة من أجل إصدار أوامر أو توجيه سلوك.
جـ- الوظيفة الشخصية : ويقصد بها استخدام اللغة من أجل أن يعبر بها الفرد عن مشاعره وأفكاره.
د- الوظيفة الاستكشافية : ويقصد بها استخدام اللغة من أجل الاستفسار عن أسباب الظواهر والرغبة فى التعلم منها.
هـ- الوظيفة التخيلية : ويقصد بها التعبير عن تخيلات وتصورات الفرد، وإن لم تتطابق مع الواقع.
و- الوظيفة البيانية : ويقصد بها استخدام اللغة من أجل تمثيل الأفكار والمعلومات وتوصيلها للآخرين.
ويستخلص مما سبق أن تعليم اللغة فى ضوء مدخل الاتصال اللغوى يعتبر الوظائف اللغوية السابقة أهدافاً يسعى إلى تحقيقها، وبناء عليه فإنه لا يتم تعليم الاستفهام والأمر والنهى- على سبيل المثال فى الصف الرابع الابتدائى- كهدف فى حد ذاته ولكن من أجل الاستفسار عن شىء ما أو طلب معلومة أو النهى عن سلوك معين، وبالتالى تكون الممارسة الوظيفية للغة هى الأساس الذى يقود المتعلم إلى مستوى الإبداع اللغوى الذى يعد الهدف الأسمى لتعليم اللغة العربية فى ضوء مدخل الاتصال اللغوى.
8- التركيز على الفنون اللغوية الأربعة بشكل متوازن ومتكامل :
إذا كان ما أورده هاليدى ورشدى طعيمة فى النقطة السابقة يبرز مجالات أو وظائف اللغة بصفة عامة، فإن هناك مجالات أو وظائف خاصة للاتصال اللغوى -ولا سيما فى المرحلة الابتدائية- تتمثل فى فنون أربعة هى (الاستماع والكلام والقراءة والكتابة) والنحو والبلاغة عاملان مشتركان بين هذه الفنون.
ومن أهم الأسس التى يعتمد عليها مدخل الاتصال اللغوى تناول مهارات هذه الفنون بشكل متكامل بحيث يؤثر بعضها فى بعض وبشكل متوازن بحيث لا يطغى فن على الآخر، وذلك من خلال محتوى ثقافى جيد، وبناء على ذلك يكون الكتاب المدرسى الذى يجمع بين دفتيه المحتوى اللغوى والثقافى هو أهم عناصر المنهج فى تحقيق أهداف مدخل الاتصال اللغوى.
وبعد ، فقد تم عرض الجذور التاريخية لمدخل الاتصال اللغوى ومفهومه والأسس الفلسفية التى يعتمد عليها، وقد أطنب الباحث فى الحديث عن هذه الأسس الفلسفسة حتى يتسنى له الاسترشاد بها عند بناء المعيار الذى يتم فى ضوئه تقويم الكتاب المدرسى موضع البحث، ولما كان الكتاب المدرسى من أهم عناصر المنهج التى تسهم إلى حد كبير فى تحقيق أهدافه، فإن هناك ثمة سؤال يطرح نفسه على مائدة البحث مؤداه:
ما أهداف تعليم اللغة العربية فى الصف الرابع الابتدائى فى ضوء مدخل الاتصال اللغوى؟
ساحة النقاش