تعد اللغة من أبرز الظواهر والسمات الإنسانية، ومن أوضح خصائص الجنس البشري تمييزا له، وتأكيدا لحقيقة تسنمه ذروة مرتقى الكائنات الحية. وهي الرحم الذي يبني الفكر والثقافة لدى الإنسان، فهي تمده بالرموز، وتحدد له المعنى، وتمكنه من أداء الأحكام، ومن تخريج الأفكار وتكوين المقدمات واستخراج النتائج. ولكي تكون اللغة كذلك يجب أن تكون لغة نامية، منطقية، حساسة، تقدم الفكر وتنميه، غنية بما نستطيع أن نعبر عنه من المعاني والأفكار، وأن تكون كذلك دقيقة تفرق بين ألوان من المعاني المتداخلة والمتقاربة.
واللغة واحدة من آيات الله في خلقه مصداقاً لقوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ" سورة(الروم:آية 22).
ويعد إكساب المتعلم القدرة التي تمكنه من الاتصال اللغوي الواضح السليم أحد أهم الأسباب الرئيسة لتعلم اللغة؛ سواء أكان هذا الاتصال شفوياً أم كتابياً، ويمكن أن يتحقق هذا الهدف من خلال فنونها الأربعة:الاستماع – التحدث – القراءة – الكتابة؛باعتبارها أركان الاتصال اللغوي،واللغة العربية كل متكامل يتأثر كل فن من فنونها بالفنون الأخرى(على مدكور،1991: 9 ).
وتأسيساً على ما سبق يعد التعبير– بنوعيه– أحد الأطراف المهمة في عملية الاتصال الإنساني، فما دام هناك مستمع لابد وأن يوجد متحدث يعبر عن أفكاره ومشاعره، وما دام هناك قارئ ؛ فلابد أن يكون هناك كاتب، ومن ثم يمثل التعبير جانب الإرسال في عملية الاتصال اللغوي.
ويعد التعبير من أهم أنماط النشاط اللغوي وأكثرها انتشاراً، ومن دونه لا تقوم بين جماعات المجتمع صلات فعالة مثمرة، وهو جزء حيوي في حياة الناس اليومية، وهو أيضاً أداة من أدوات التعليم والتعلم. وقد اتفق اللغويون والتربويون عمومًا على أن اكتساب القدرة على التعبير الواضح الجميل هو الحصيلة النهائية لتعليم اللغة العربية، أي أنه الهدف النهائي الشامل لتعليم اللغة، فكل فنون اللغة ومهاراتها تصب في التعبير " فنحن عندما نعلم التلميذ مهارات الاستماع الجيد، فإننا نقصد بذلك إمداده بالأفكار والثروة اللفظية التي تعينه على تفكيره وتعبيره، وعندما ندرّس له الأدب فإننا نمده بالأفكار الجميلة والأساليب الخلابة التي تجعل تعبيره مثيرًا وجذابًا وموحيًا، وعندما نعلمه النحو فإننا نقصد إلى أن تكون عبارته محكمة المعنى والمبنى"( علي مدكور، 1997، 269 ).
وبالرغم من أهمية التعبير وما ناله من اهتمام بعض الباحثين؛ من حيث تحديد مهاراته المختلفة لدى المتعلمين، والعمل على تنميتها؛ إلا أنه يلاحظ أن هناك ضعفا واضحا لديهم في المراحل الدراسية كافة، في تملكهم لهذه المهارات ؛ فإذا تحدث أحدهم بلغة سليمة ظهرت علامات الإعياء على لغته، وقد يتوقف فجأة قبل أن يفرغ مما يريد أن يقوله، بل أحيانا ما يلجأ إلى العامية ليتم ما عجز عن إتمامه بها، كما لا تخلو كتاباتهم من الأخطاء النحوية والإملائية، فهم يعانون من قلة الثروة اللغوية والفكرية، ولا يملكون القدرة على ترتيب أفكارهم والربط بينها، هذا مع اضطراب أسلوبهم. وقد أرجعت العديد من الدراسات هذا الضعف إلـى مجموعة من العوامل، جاء من أهمها معلم اللغة العربية؛ حيث يقصر موضوعاته على الشكل التقليدي، كما أن طرائق التدريس التي يتبعها تهمل إكساب التلاميذ مهاراتها المختلفة، وكذلك يقيد تلاميذه بأفكار محددة للموضوع وعناصره، كما أنه يكرر الموضوعات نفسها في كل صف دراسي مع نفس الطلاب مما يشعرهم بالملل(على مدكور،1985: 3)،( بدرية الملا، وفاطمة المطاوعة،1997: 34)،(ماهر شعبان، 2008). كما تدور الطريقة التي يستخدمها المعلم في تدريس التعبير في دائرة مغلقة – محورها اختيار الموضوع ثم التحدث فيه ثم الكتابة عنه، وأن تدريس التعبير في الواقع يركز على المنتج، ويعمد إليه مباشرة ويتجاهل عمليات التعبير وتعليمها للمتعلمين أو تنمية وعيهم بها؛ مما أدى إلى ضعف مستوى الطلاب في مهارات التعبير المهارات و العمليات على حد سواء(فايزة السيد 2002: 232).
وتؤكد دراسة سلوى عزازي(2004)على سيادة المدخل التقليدي المتبع في المدارس الآن عند تدريس التعبير، والذي يقوم على تحديد الموضوع من قبل المعلم، ثم كتابته على السبورة، وكتابة الأفكار أسفله، سواء كانت الأفكار محددة من قبل المعلم أم من قبل المتعلم، ومناقشتهم فيها شفويا، ومطالبتهم بكتابتها في المنزل، ثم تصحيح الموضوع من قبل المعلم، بوضع علامات لا يفهم التلميذ منها شيئا، وأشارت أيضا إلى وجوب الإفادة من الاتجاهات الحديثة عند تدريس مهاراته( سلوى عزازي2004: 12).
كما تشير دراسات أخرى إلي أن موضوعات التعبير التي تقدمها المدرسة وبالطريقة التي تعالج بها غير قادرة على تخريج كاتب جيد ، فموضوعات التعبير التي تقدم لأبنائنا ليس فيها ما يزيد على الموضوعات التي تدور حول المناسبات الدينية والقومية والأحداث الطارئة، وأن هذه الموضوعات تتكرر من عام لعام ومع نفس الطلاب ولمدة سنوات التعليم ؛ مما يجعلهم يحسوا بالملل من الكتابة عنها(رشدي طعيمة، 2004: 97)،(محمود عبد الكريم،2005: 8).
وتشير دراسة مجاهد محمد(2007) إلي وجود ضعف في مهارات التعبير لدى الطلاب، فهم غالبا ما يحصلون علي درجات منخفضة فيه، وبالتالي، يتكون لديهم اتجاه سلبي نحو الكتابة، ودعت إلى تبنى المعلمين لطرق تدريس حديثة تنمي مهارات الطالب في التعبير وتكسبه اتجاهات إيجابية نحوه(مجاهد محمد 2007: 5).
وتؤكد فايزة السيد(2009) أن الطريقة التقليدية والتي تؤكد على المنتج دون عناية بعملياته تعد من أكثر الطرق شيوعا في تدريس التعبير، وأن من أبرز إجراءات التدريس في ضوئها ما يلي :
- فرض موضوع من اختيار المعلم، أو موضوعين(قليلاً ما يحدث).
- يكتب المعلم الموضوع على السبورة، ثم يكتب عناصره .
- يناقش التلاميذ في الموضوع .
- يطلب من التلاميذ كتابة الموضوع في المنزل وإحضار الدفاتر لاحقاً ثم يجمع المعلم الدفاتر ويصححها مركزاً على بعض الأخطاء الهجائية أو النحوية(فايزة السيد،2009: 65).
وتضيف قائلة: وقد يعتمد في الدرجة التي يعطيها للموضوع على معايير ذاتية مثل حسن الخط وطول الموضوع تعليق لفظي مثل (نظر)، وهو في ضوء هذه الطريقة يعد المعلم هو أنشط الأفراد في حجرة الصف، فهو صاحب المعرفة، وهو القارئ والجمهور، وهو المناقش وجامع المعلومات. ودور الطلاب استقبالي اعتمادي مقيد بما يقوله المعلم ويحدده، ومن ثم يأتي المنتج في صورة موضوعات متشابهة في الشكل والمضمون حتى في الأخطاء. وأن هذا المدخل أدى إلى ضعف المتعلمين في مهارات التعبير والوعي بعملياته، وجاءت الموضوعات التي يكتبها المتعلمون ضعيفة في مهارات الشكل حيث جاءت في صورة جدار بلا تفاصيل وخلت من نظام الفقرات، وعلامات الترقيم وكذلك ضعيفة في مهارات المضمون من حيث الفكر واللغة والأسلوب(فايزة السيد،2009: 66).
كما تشير التقارير الوصفية لجهات رسمية تعليمية إلى الضعف الشديد للتلاميذ في مهارات التعبير؛ فالغالبية العظمى منهم لا يكتبون شيئا له قيمة: فالأفكار تفتقد الوضوح والترتيب، وبناء الموضوع يفتقر إلى التنظيم، ويعيبه الجمل ناقصة التركيب، والمفردات غلب عليها التأثر الشديد باللهجة العامية مما يدل على فقر شديد في الثروة اللغوية للطلاب (وزارة التربية والتعليم 1999)،وتتفق هذه التقارير معا على ضرورة بذل الجهد الكافي للتصدي لهذه المشكلة .
كما يعد تدنى مستويات الأداء في التعبير ظاهرة عالمية؛ ففي تقرير للجنة التقييم الوطني التقدم التربوي The National Assessment of Educational Progress (NAEP) 2003 عن نتائج قياس مهارات الكتابة في الصفوف الرابع والثامن والثاني عشر في مستويات ثلاثة من الطلاقة: الأساس والماهر والمتقدم جاءت النتائج لتشير إلى أن (22%) في مستوى الأساس، في حين أن (26% )في المستوى الماهر، بينما عدد قليل من العينة لا يمثل نسبة في المستوى المتقدم. و في توضيح لهذه النسب لم يصل (15%)من طلاب الصفين الرابع والثامن إلى مستوى الأساس، وكذلك (26%) من طلاب الصف الثاني عشر، وجاء(58%) من طلاب الصف الرابع، (54%) من طلاب الصف الثامن، (51%) من طلاب الصف الثاني عشر في مستوى الأساسي. وعلى مستوى آخر لم تقابل نسب (72%) من طـلاب الصف الرابع، (69%) من طلاب الصف الثامن، (77%) من طلاب الصف الثاني عشر مستوى البراعة في الكتابة الذي وضعته اللجنة، أي أن أعداداً كبيرة من المتعلمين بحاجة إلى تدخلات للمساعدة.(Graham & Perin, 2007: 7-8)
وتزداد حدة المشكلة بوجود أعداد كبيرة من المتعلمين في المستويات التعليمية المختلفة غير قادرة على التعبير في المستويات الأساسية لمتطلبات مواصلة أو الأعمال، خاصة وأن سياقات الكتابة في التعليم ما بعد الثانوي تتغير تغيراً جذرياً شاملاً السياق والغرض والكم. كما أن افتقار مهارات القراءة والكتابة يؤدى إلى تباين واضح بين مستويات المتعلمين فى المرحلة التعليمية الواحدة، وتشير نتائج الدراسات إلى ضرورة استخدام تقنيات تعليم الكتابة لكل المتعلمين وليس لمن يعانون صعوبات في الكتابة ؛ لأن كل الطلاب يحتاجون إلى أن يكونوا مهرة فى الكتابة كما أوضحت تقارير اللجنة الدولية للكتابةNational Commission on Writing 2003 أن تعليم التعبير يجب أن يعاد النظر فيه بالشكل الذي لا يجعله منصباً حول تعقب أخطاء التهجي والنحو والإملاء وتصويبها من خلال موضوعات مألوفة وأفكار محددة وتدريبات تمتزج فيها مهارات التحدث والكتابة بما يعكس فهماً مغلوطاً لمهارتهما، كما يجب أن تتطور أدوار المعلم ليكون مدرباً وقارئاً وميسراً ومهيئاً لأجواء قوامها التشجيع والحفز والتدريب على أدوات الكتابة الجيدة، ليؤدي الطالب وفقاً لأفضل ما لديه(Damshk, 2003 :5-6).
ويثير رشدي طعيمة (1998) قضية الحاجة إلى ضرورة وضع منهج لتعليم التعبير تتحدد فيه الأهداف، والمهارات، والمجالات، وفنيات التدريس، ومهاراته، والأنشطة المدرسية والحياتية للممارسة، ووسائل التقويم والتطوير؛ حيث يرى أن تعليم التعبير يفتقد لمنهج تعليم المهارة، كما أن الوقت المخصص غير كاف، ويغيب عنه وجود المداخل والفنيات وأساليب التي تحقق أهدافه، كما أن الأنشطة المدرسية لا تتيح فرصا للممارسة الجيدة(رشدي طعيمة، 1998: 98 – 99).
وحدود ظاهرة الضعف في التعبير لا تقتصر على المدرسة العربية فقط، بل تتعداها لتصل إلى دول العالم الغربية، فقد كشف البحث الذي أجرى في الولايات المتحدة الأمريكية أن التعبير مازال يتم في المدارس الأمريكية بصورة عشوائية ودون تخطيط يذكر(على سامي 2007: 84).
ساحة النقاش