بينما رحب العديد من الكتاب الأكاديميين ، والباحثين (Doherty,1993;Tang,1998) بتطبيق نموذج الجودة بقطاع الجامعة . إلا أن البعض منهم (Dooly andFlor,1998) كان لديه تخوف من بعض المشاكل . هذه المشاكل قد تنبع من أربعة مجالات أساسية هى :التأثير على ما يتميز به أداء الوظائف الجامعة من طبيعة خاصة . وتفرديه دور الأكاديميين فى القطاع الجامعى ، نقص الوضوح بشأن المنتج من التعليم العالى ، والتضارب بشأن تحديد العميل لقطاع الجامعة وبالتالى تحديد تأثيراته . وسوف يتم التعامل مع هذه القضايا بالترتيب كالتالى :
1- التأثير على الطبيعة الخاصة لأداء الوظائف الجامعية :
من المحتمل أن يترتب على تطبيق الخطوات المتضمنة فى إنجاز الجودة ، مثل إيجاد قواعد بيانات هائلة عن المعلومات الأساسية ، والتى فى حد ذاتها ـ وبناء على التعريف المقدم عنها ـ التأثير على الطبيعة الخاصة لأداء الوظائف الجامعية، وذلك من خلال النقطتين التاليتين :
الأولى : بناء على أهداف نموذج الجودة فى تحديد وإستئصال السلوك الزائد ، والإعتماد على أن هناك طرق سليمة ، وطرق غير سليمة للأداء فى المنظمات ذات التوجه نحو الجودة . يتم تأييد تطبيق مقاييس موضوعية ، وصارمة نسبيا للسلوك التنظيمى.
وبمرور الوقت تتجه معظم هذه المعلومات عن السلوك والأداء لأن تكون محفوظة مركزيا، وتتحول إلى مجموعة من المبادئ والقواعد الجامدة و المحددة، وبشكل صارم ، لكيفية تقديم الأنشطة ، مع تطبيقها بشكل عام (Owlia,1996))
وبالنسبة للجامعة فقد تمثلت تلك النظم فى جداول المواعيد ، والرقابة المالية ، وتوزيع محاضرات التدريس ، وتحديد المواضيع التى يتم تدريسها ، وإجراءات التوصيف والتقييم ، وخلافه (Koch and Fisher,1998).
الثانية : نظرا لأن الخبراء التقليدين لتسهيل إجراءات هذا النظام للجودة لا يتواجدوا فى معظم الجامعات . من هنا ظهرت طبقة جديدة من مديرى النظم والمديرين التنفيذيين ، وإحتلوا مكانا فى البيئة الجامعية .
وقد جاء مستوى التطور، والحرفية لهذه الطبقة من مديرى النظم الغير أكاديمي كنتيجة مباشرة لإحتياج ، وطلب الأكاديميين لمن يقوم بتدعيمهم عند مواجهتهم بإنفجار فى الأساليب الإدارية الكثيرة ، والعديدة المرتبطة بتطبيقات الجودة .
وقد عرف أحد الباحثين (Neave,1988) هذا التعزيز للطبقات الإدارية المصاحب للجودة ،على أنها المخرجات المباشرة لمتطلبات الحكومة لقابلية أداء الوظائف الجامعية للمحاسبة .
وإذا كان تطور وزيادة مثل هذه الطبقة من الأفراد الإداريين الموجودون داخل الجامعة لتسهيل وظائف الجودة ـ ليست فى حد ذاتها تصطدم بشكل مباشر بالسيادة الأكاديمية ـ إلا أنها قد تؤدى إلى زيادة عدد جماعة المستفيدين المتضمنين فى مهمة الجامعة ، وربما تقلل من مفهوم الجامعة كإتحاد من الدارسين .
وهذا وقد يترتب على ما يعنيه ذلك ، إعادة التعريف للرقابة داخل الجامعة ، مع الزيادة فى أهمية مديرى النظم ، كأحد جماعة المستفيدين المحورين ، إلى تولد صراع محتمل وتبديد للجهود .
كما ينظر العديد من الأكاديميين إلى هذا الإنفجار فى جماعة المستفيدين ، على أنه تهديد مباشر لحريتهم المدركة وسيادتهم . الأمر الذى قد ينتج عنه فى مواقف معينة نتائج عكسية على العملية التعليمية (Beavis,1999).
2- الدور الفردى للأكاديمى مقابل ما تدعو إليه الجودة من التوجه نحو الفريق :
إقترح أحد الباحثين Roff ,1998)) أن عدم الثبات الذى إتسم به تطبيق الجودة فى القطاع الأكاديمى ، إنما ينبع من الحقيقة بأن النموذج الأصلى لإدارة الجودة الشاملة يدعوا إلى التضامن الوثيق بين مجموعة من المشاركين ، يعملوا معا فى فرق مدارة ذاتيا .
وإذا كان يستشف من التعريف المقدم عن دور معظم أعضاء هيئات التدريس الجامعية بأنه يكون ـ وبشكل إستثنائى ـ دور فردى (Roff,1998).
حيث الأكاديمى ـ ومع الأخذ فى الإعتبار عدم توفر لدى معظمهم معرفة أو دراية بالدور الإدارى من منظوره التقليدى ـ يقوم ، وبشكل فردى ، بالتدريس لمجموعات من الطلبة . كما وإنه يكون مسئول عن : تعليم موضوع معين لوحدة فردية ( قد تكون فصل دراسى ، أو مجموعة محددة من الطلبة ) . والإشراف على أنشطة بحثية لفرد ( فى بعض الأحيان تكون لمجموعة صغيرة من الأفراد )، وأيضا مسئول عن الفرد المنوط به أداء الأعمال الإدارية المصاحبة لدوره الأكاديمى ( سكرتير القسم ) .
وهكذا يظهر بوضوح أن هيكلة الأقسام لمعظم الجامعات تفند العديد من الأساسيات والدعامات الجوهرية لنموذج الجودة (Bolton,1995) . مما ترتب عليه إستحالة ذلك صياغة مؤشرات أداء متماسكة ، وقائمة على الجودة مستحيلا فى أغلب الأحيان. وخاصة عند الأخذ فى الإعتبار المدى المعقد من المهام الفردية التى يؤديها عضو هيئة التدريس .
ويعد هذا أحد المجالات التى يختلف فيها تطبيق الجودة فى المنظمات الصناعية ـ و بشكل كبير ـ عن ذلك الذى فى الجامعة .
3- المنتج من التعليم العالى :
لجأت العديد من الكتابات التى استعرضت تأثير مبادرات الجودة على القطاع الجامعى إلى إعتبار المنتج النهائى للجامعة هو تعليم الطلبة . كما عوملت الأنشطة البحثية و المخرجات البحثية على أنها منتج مستقل .
وقد أعتبر العديد من الأكاديميين (Gordon,1995) أن نظم الجودة التى تهدف لزيادة جودة تعليم الطلبة قد تؤثر سلبيا ، وبشكل فعلى ، على جودة الأنشطة البحثية .
إذا كان تعليم الطلبة سيؤخذ على أنه المنتج الأساسى للجامعة ، فإنه يجب أن يتم الإعتراف بأن القياس لهذا المخرج سيكون مصحوبا بالصعوبات . والتساؤل عما إذا كان ذلك القياس سيعكس الدرجات والتقييمات المعطاة للطلبة ؟
يمكن الإجابة بالتأكيد على السؤال ، وإذا كان ذلك يعكس جزء فقط من العملية . حيث أن التقييمات التى تعطى للطلبة بناء على موضوعات فردية ، أو وحدات دراسية ، ليست بالضرورة تعكس كل عملية تعلم الطلبة . بل هى لا تتعدى وحدة قياس غير كاملة للمخرجات .
فإذا كانت الجامعة ، كما أشار أحد الباحثين (Yorke,1999) تعد الطلبة لمجتمع التعلم . عندئذ فإنها يجب أن تدفع المهارات والكفاءات التى يكتسبونها ، بحيث تتعدى مجرد إستجابات تم التدرب عليها ، أو معلومات جامدة .
من هنا تتمثل المشكلة فى أن وحدات القياس المصاحبة لنماذج الجودة ، والقائمة على تعلم الطلبة ، لا تحيط بالأهداف العميقة والمتسعة لمجتمع التعلم . بل تتجه للتركيز على مخرجات التعليم الأكثر قابلية للتحديد ، مثل تلك الخاصة بمجموعات التعلم الصغيرة ، أو الوحدات الدراسية .
مما يعنى أيضا التركيز فقط وبشكل زائد على المخرجات التعليمية التى يمكن ببساطة قياسها ، مثل مدى توفر ، أو عدم توفر معارف ، ومهارات معينة لدى الطلبة . مع تجاهل المخرجات التعليمية الأكثر شمولية ، مثل التطوير الشخصى ، والقدرة على العمل بإلتحام فى الفريق ، والقدرة على التركيب والربط بين المواقف ، وغيره ، مما قد يكون صعبا فى القياس .
وقد ذهب العديد من الباحثين (Lomas,1999) إلى أبعد من ذلك ، وتنبئوا بأن التطبيقات العملية لمصفوفة الجودة ربما قد تقود بشكل فعلى لتحديد معايير دنيا ، وإلى حد ما تصبح هذه المعايير هى التى يتم الإلزام بها .الأمر الذى قد يؤدى إلى الإتجاه نحو سيادة المعايير المنخفضة ، والإعتماد بشكل شامل عليها .
وبالرغم من أن مثل تلك المعايير قد تناسب بعض المعاهد العلمية ، إلا أنها لا تعكس المهمة المحددة والمدركة للعديد منها ، وقد لا تشجع أو تقوى روح الإبتكار والإبداع الذى تطمح إليه العديد من الجامعات .
4- تأثيرات العميل على موفرى الخدمة التعليمية :
من الأشياء التى أثارت بلبلة فى مدى نجاح مبادرات الجودة فى القطاع الجامعى هو مفهوم العميل . فكما ذكر سابقا فإنه فى المنظمات التصنيعية يعد تحديد العميل، وإحتياجاته هى القوى المحركة خلف تغيرات الجودة.
وإذا كان تحديد العميل فى المنظمات الصناعية يعد عملية واضحة . إلا أنه فى قطاع الجامعة لا يكون بمثل هذا الوضوح (Bolton,1995) .
وإذا كان الطلبة ، بدون شك ، هم المتلقى المباشر لتدريس الجامعة ، إلا أن علاقة الطلبة بالجامعة تكون أكثر تعقيدا من تلك الخاصة بمتلقى السلع التصنيعية . وإذا كان من الممكن وصف الطالب بأنه شريك مشترك ، وبشكل جوهرى ، فى عملية تعلم تضامنية ، وذلك على الرغم من أنه لا يؤثر فى مكونات التعليم الذى يتلقاه .
إلا أنه ومع تطور مفهوم الطالب العميل ، وحصوله على مصادقة . فهناك دلائل على أن وجهات نظر الطلبة حصلت على تأثير متنامى فى تطوير البرامج الدراسية ، وطرق تقديمها، وتقييم التعلم .
وإذا كانت الجامعات مازالت متوانية عن رفع الطلبة لموقع حيوى وقوى ،على أنهم العميل الأساسى (Robertson,2000) ، إلا أنه ومع الزيادة فى التنوع بكل من : المعاهد التى تقدم التعليم العالى، والبرامج المقدمة داخلها . فإن جامعات قليلة فقط قد التى ستبقى رافضة لإعادة وضع برامجها ، بغرض جذب أكبر عدد من طلبات الإلتحاق .
وهكذا ومع الأخذ فى الإعتبار أن الطلبة يعدوا مكونات إقتصادية أساسية فى ميزانية أى جامعة ، فإن المحاولات التى تتبعها حاليا بعض الجامعات ومعظمها مستقبلا لملاحقة ، وجذب نسبة أكبر من الطلبة ممن يكونوا على مستوى عالى من الجودة ، قد تدفع تلك الجامعات لتسويق نفسها للطلبة ، وإغرائهم للإلتحاق بها وذلك من خلال تقديم لهم ما يعتقد أنهم يحتاجونه .
الأمر الذى قد يؤدى بهذا المدخل للمنفعة المهنية إلى التصارع ، وبشكل كبير مع الأهداف التقليدية للجامعة .
جهات توظف خريجى الجامعات يمكن وصفها أيضا بأنها العملاء الأولين للجامعات. وإذا كان الطلبة يرغبوا بالتعليم الذى يعدهم لجهات التوظف ويجعلهم أكثر جاذبية لها . عندئذ تصبح جهات التوظف هى التى تؤثر فى تحديد المخرجات للممارسات التعليمية .
مما يعد مرة أخرى تحول هام فى القيمة التقليدية للجامعة ، إلى مجرد معاهد للإعداد المهنى .
أيضا قد يؤدى إنخفاض ما تلتزم به الحكومة من تمويل للجامعات ، إلى أن تلجأ العديد من الجامعات للبحث ، وبنشاط عن تمويل من القطاع الخاص ، سواء كانوا أفراد ، أو مؤسسات ـ كما هو الوضع فى أغلب الدول الآن ـ وإذا حدث وأن كانت جهات التمويل الخاص هذه هى نفسها جهات توظف الخريجين . يكون من الحتمى فى هذه الحالة أن يتم داخل الجامعات الإعلاء من شأن ، وأهمية المفهوم المهنى للتعليم الجامعى .
وهكذا تشير هذه المشاكل الخاصة بتعريف وتحديد العميل للجامعة إلى توترات وضغوط على الجامعات ، من أجل تعديل الطرق المتبعة فيها ، وإعادة صياغة فائدتها لكل من للحكومة ، وللطلبة ، وللجهات التوظف المحتملة لخريجيها .
كما يتناول الأمر أيضا العملية البحثية . حيث مع إستمرار التخفيض فى الدعم الحكومى لتمويل البحوث الجامعية . قد تلجأ الجامعات أيضا لجذب هذا التمويل من المؤسسات الخاصة والمصانع . مما يشير إلى إحتمالات كبيرة بظهور مشاكل أخلاقية صعبة أمام الجامعات المعاصرة تتعلق بطبيعة ، ومصداقية هذه البحوث .
ساحة النقاش