1- التنوع والتعدد فى مقدمى التعليم العالى :
إذا كانت الزيادة الهائلة فى المشاركة والإنضمام للتعليم العالى تعد ظاهرة عالمية، إلا أنها قد أدت إلى تغيير كبير فى مفهوم الجامعة . وإذا كان أيضا التعليم العالى يتضمن وبوضوح الجامعات ، إلا أن الكثير من موفرى التعليم العالى الآن ليسوا فى مستوى الجامعة . الأمر الذى ترتب عليه إختلافات فى مستوى الدرجات العليا التى يقدمها التعليم العالى فى الوقت الحالى ، كما أدت إلى الحاجة إلى التقييم للعديد من الأنواع الجديدة من هذه المعاهد .
وقد أشار أحد الباحثين (Lomas,1999) للإختلافات التى توجد الآن فى قطاع التعليم العالى فى إحدى الدول وهى إنجلترا وتوصل إلى تصنيف 72 جامعة و112 كلية التى تقع تحت عدد من التصنيفات .
كما أن الوضع فى مصر لا يختلف كثيرا عن ذلك . حيث يوجد بها الآن 22جامعة ( 13 جامعة حكومية ، 9جامعات خاصة ) يتبعها حوالى 176 كلية بتخصصات مختلفة . (إحصاءات التعليم العالى بجمهورية مصر العربية،2005).
وتغطى هذه التعددية المعهدية نطاق واسع من موفرى التعليم العالى . حيث تحتل القمة الجامعات التى تمنح الدرجات العلمية الخاصة بها وتتضمن درجات الدكتوراه ، وتكون متخصصة بشكل مركز فى التعليم فى مستوى البكالريوس أو الليسانس ، وبالإضافة إلى ذلك البحوث . وفى النهاية الأخرى تكون تلك الكليات والمعاهد العلمية المتخصصة أساسا فى مستوى البكالريوس والدبلومات فقط ، وقليل جدا من البحوث .
ويقدم هذا التعدد والإختلاف فى موفرى التعليم العالى ، ومن وجهة نظر عامة المواطنين ، مدى متسع من الإختيارات ، كما يسمح لهم بأن ينضموا لهذا التعليم طالما قدراتهم وإهتماماتهم تسمح لهم بالإستفادة منه .
2- الدرو المتزايد للحكومة والصناعة :
أولا : دور الحكومة : طالما تحصل الجامعات على تمويل حكومى حتى لو كان قليل ، فإن الحكومة تتوقع أن يكون لها بعض درجات من التأثير على سياسات الجامعة . حيث لم يعد من المقبول توقع أن تمارس الجامعات عملها فى إستقلالية، فى حين تمول فى نفس الوقت من أموال دافعى الضرائب .
وقد تمثل ذلك التأثير فى ظهور متطلبات من جانب الحكومة لمخرجات قابلة للقياس مقابل الأموال التى إستثمرتها. الأمر الذى تطلب من الجامعات إعادة تقييم أداءها لوظائفها بناء على معايير جديدة .
الأمر الذى مثل علامة تحول هام . وخاصة عند الأخذ فى الإعتبار أن مثل هذه المعاهد تاريخيا كانت ترى نفسها بأنها ـ وفعلا كانت كذلك ـ تتجاوز ذلك بشكل كبير، وربما فى الحقيقة والواقع فهى فعلا تتجاوز بشكل كبير مثل هذا الإعتبار المقلل من شأنها .
وكانت الحكومات فى الدول المختلفة تتباين فى الطرق التى تطلب بها توفيق الجامعة لأداء وظائفها بشكل قابل للمحاسبة (Williams,1997).
فمثلا فى هولندا كانت الحكومة تمنح قطاع الجامعات الحرية فى وضع نموذج تقدير وتقييم رسمى لإنجازاتها ، يراعى فيه إرضاء إحتياجات الحكومة فى محاسبة الجامعة . وفى حالة تقاعس قطاع الجامعات عن ذلك ، أو عدم قدرته أو رغبته للبدء بمثل تلك العملية ، فإن الحكومة كانت تتولاها ، وتلجأ لتطبيق ، وإستخدام النموذج الخاص بها .
أما فى إنجلترا فإن متطلبات الحكومة جاءت من خلال ما تم إيجاده تحت مسمى منظمات مظلة الدعم الرسمى state – backed umbrella organization والتى تمنح مسئولية تسهيل التحسن المستمر خلال كل المعاهد التعليم العالى، ومن أمثلتها مجلس تمويل التعليم العالى Higher Education Funding Council
وقد سهلت مثل هذه الكيانات من إيجاد قوالب للمقارنة المعهدية ، من خلال القياس والمقارنة لكل من : المدخلات ، ومعايير أداء الوظائف ، والمخرجات الناتجة .
ثانيا : دور الصناعة : وبالإضافة لما سبق فهناك مظهر آخر للتدخل فى أداء الجامعة لوظائفها ، ويتمثل فى التأثير الذى يمارسه إتحاد منظمات الأعمال على أداء الحكومات فى أوقات مختلفة .
حيث ، وبناء على ما تتميز به إبتكارات الصناعة وتطورها من أهمية ، أصبح هناك مطلب هام من جانب جهات التوظف ، و موجها نحو معاهد التعليم العالى والجامعات بشأن تحقيق تعليم ملائم للخريجين ، لغرض تكوين هيكل كاف من العمالة فى تلك المنظمات .
وتزداد أهمية هذا العامل ، وبشكل خاص ، عندما يهدف وكلاء تطوير الصناعة الحكوميين إلى جذب المنظمات العالمية لكى تبدأ العمل لديهم. حيث تطلب العديد من تلك المنظمات توفر إمداد معد بشكل سابق من الأشخاص المتعلمين والمدربين، وذلك قبل أن تعتزم ممارسة أى نشاط فى هذا البلد .
مثل تلك المتطلبات ، وخاصة فى وقت عدم التوظف أو البطالة التى تسود العالم كله حاليا ، ينتج عنها ضغط حكومى على الجامعات و مباشر وتدخل فى كل من : التمويل ، وفى أداء الجامعات ومعاهد التعليم العالى لوظائفها .
وقد وصف بعض الباحثين (Elwood,1999)هذه الحركة بأنها التهديد الذى سوف يبتلع ويفترس المعاهد العلمية . وبناء عليه قام هؤلاء الباحثون بإعادة تعريف أهداف التعليم الجامعى ومكوناته فى بنود إحتياجات الصناعة .
وهكذا أصبح على الجامعات المعاصرة للتوافق مع ضغوط الحكومة والصناعة، أن تعمل جاهدة لمواجهة التهديد المصاحب للمنظمات متعددة الجنسيات . و التى بدأت تهدد بأنه إذا لم تقم الجامعات بتوفير المخرجات التعليمية المرغوبة ، عندئذ فإن هذه المنظمات سوف تنشئ معاهد خاصة بها ، منافسة للتعليم العالى فى تلك البلاد ، وذلك لتوفير إحتياجاتها المطلوبة من العاملين ( مثال شركات : موتورولا، ومستشارى أندرسون ، وغيرهم ممن أقاموا جامعاتهم الخاصة فى بعض البلدان).
3- المتطلبات لمحاسبة الجامعة عن أداءها لوظائفها ، ولتحقيق الجودة :
ترتب على عدة عوامل متنوعة ، بما فيها ما ذكر سابقا عن ملاحقة الحكومة لجعل وظائف الجامعة قابلة للقياس. وأيضا الإعتراف الداخلى لدى الجامعات بالحاجة إلى التقييم الذاتى لوظائفها . أن أصبح توفيق نموذج الجودة منتشر فى القطاع الجامعى فى السنوات الأخيرة (Yorke,1999) .
وقد تنوع ـ بشكل كبير ـ النموذج الفعلى الذى طبق ، وتراوح بين منشورات نموذج الأيزو ، إلى إدارة الجودة الشاملة ، وإعادة هندسة عمليات المنظمات .و ما ظهر حاليا وأطلق عليه نموذج تميز الأعمال Business Excellence Model
وإذا كانت التفاصيل تختلف فى هذه المداخل ، إلا أن الشائع بينها هو السعى نحو هياكل ، وأداءات ، تكون قائمة على الجودة .
وقد لاقى توفيق الجامعات لتلك النماذج للجودة ، إتجاهات إيجابية من جانب الحكومة والصناعات أيضا . و تنبع عقلانية ذلك من الآتى :
- القول بأن تطبيق الجامعات لمثل تلك النماذج يؤدى بها لأن تصبح أكثر شفافية ، وأكثر قابلية للقياس ، وأكثر وضوحا فى وضع وتنفيذ الأهداف .
- كما وأن إلتزام الجامعة بمثل هذا النموذج يكون جذابا لكل من هذين القطاعين ـ الحكومة والصناعة ـ حيث يعنى ضمنا أن كل المعاهد العلمية المشاركة تصبح بطريقة ما قابلة للتنافس، وتقدم وحدات قياس يمكن بها تحديد الكفاءة والفاعلية للمخرجات ، ثم تقيمها ، وإدارتها .
وقد تبع توفيق نماذج الجودة نفس الخطوات التى حددها رواد الجودة مثل " ديمنج 1986 " و"جوران 1989 " . ويبدأ التطبيق العملى لهذه الخطوات (Raynor,1998):
- بتعهد الجامعة بإستعراض كل من : الخطوط العامة الرئيسية لعملياتها الأساسية ، ولأداء وظائفها . ويتم فحص تلك الخطوط الرئيسية من خلال محاولات ربط الوظائف الداخلية ، مع المهمة المحددة أوالمعدلة للجامعة .
و عادة ما يتم تسهيل الإستعراض بواسطة الوثائق ، والمقاييس الخاصة بعمليات الأداء الحقيقى داخل الجامعة .
- الأمر الذى يؤدى إلى تحديد الإجراءات الزائدة ، أو الخاطئة التى لا تحقق معايير الجودة ،أوالتى لا تكون متوافقة مع مهمة الجامعة ورسالتها .
- هذا ويؤدى التحرى ، والإكتشاف للمشاكل إلى تطوير إجراءات جديدة ، تكون خالية من الأخطاء وقائمة على الجودة .
وهذه الخطوة من العملية تؤدى كخطوة تالية أو تابعة للتركيز على إحتياجات العميل . والتى يمكن بإستخدام توقعات العميل والمخرجات المرغوبة عمل قوالب تقدم فيها الخدمة .
- ثم يتم بعد ذلك إستعراض المعلومات التى جمعت ، وتتكامل فى إعادة توجه تنظيمى ، إستراتيجى ، منغرس فى الجودة ، ومستقر، ومركزا على التحسن المستمر .
هذا وطبعا تتضمن الممارسات لمعظم مبادرات الجودة : (1) التدعيم الكلى لقمة الإدارة لروح أو جوهر الجودة . كما يؤكد النموذج على (2) التضمين الكامل للموظفين فى العملية. ويتطلب التطبيق عادة (3) إعادة هيكله للعمل ، و(4) تأكيد متزايد على فرق العمل ، والتشجيع الفعال لإبداع العاملين ، والتفكير الخلاق والفاعلية ، و(5) تمكين العاملين للتحسن المستمر .
ساحة النقاش