الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

يعرف ابن خلدون اللغة بأنها :"ملكة اللسان للعبارة عن المعانى ،وهى فى كل أمة بحسب اصطلاحاتهم "ويتفق معه حول هذا التعريف ابن جنى والذى يرى أن اللغة هى :"أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم".ويذهب علماء الغرب فى تعريفهم للغة نفس المذهب حيث يعرفها "جون كارول "بأنها : "ذلك النظام المتشكل من الأصوات اللفظية والتى تستخدم فى الاتصال المتبادل بين جماعة من الناس  والتى يمكنها أن تصف بشكل عام الأشياء والأحداث والعمليات فى البيئة الإنسانية ".

بينما تعرف اللغة من قبل علمائها العرب المحدثين  بأنها : "نظام عرض مكون من رموز وعلاقات يستغلها الناس فى الاتصال بعضهم البعض وفى التعبير عن أفكارهم". (إبراهيم أنيس 1970 :11)

 

ومما سبق يمكن تعريف اللغة بأنها : "الأصوات التى يحدثها جهاز النطق الإنسانى والتى تدركها الأذن فتؤدى دلالات اصطلاحية معينة فى المجتمع المعين  وهى بهذا الاعتبار لها جانب اجتماعى وآخر نفسى .ومن المعروف أن اللغة تتكون من كلمات أو مجموعة من الكلمات هى فى مجموعها محل اتفاق أعضاء المجموعة اللغوية باعتبارها قيما رمزية تستحضر فى ذهنهم أفكارا معينة .

وتعد اللغة العربية من أهم مقومات مجتمعنا العربى ، وهى من أهم وسائل الاتصال بين أفراد الأمة وبيئتهم ، كما أنها الأساس الذى نعتمد عليه فى عملية تربية أطفالنا داخل المؤسسات التعليمية ، وعليها يعتمد كل نشاط تعليمى داخل المدرسة وخارجها .

واللغة العربية أداة التواصل والتخاطب بين الناطقين بها ، ووسيلة تربط الفرد بالجماعة ، وتربط كلا منهما بالحياة ، وتلقى من قبل أبنائها والقائمين على أمرها اهتماماً كبيراً ، وقد تمثل هذا الاهتمام فى الحرص الشديد للمحافظة عليها ، ومقاومة كل لحن يطرأ عليها ، وبذل الجهد فى ضوء أسس لها تضبطها وتحميها.

( سامى عبد الله وآخرون 1998 : 144)

ويتم التواصل اللغوى بأربعة أشكال ، تمثل فنون اللغة ، وهى الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة ، والعلاقة بين فنى الاستقبال (الاستمتاع والقراءة ) علاقة وثيقة تتمثل فى أن كل منهما يتطلب فهم الرسالة المستقبلة ، منطوقة كانت أم مكتوبة ، ويعتمد على المعالجة اللغوية الفكرية لمضمونها ، وتتحقق هذه المعالجة فى إلحاق المعانى لكلمات الرسالة ورموزها ، وإعادة بناء معناها فى ضوء خبرة المتلقى وقدرته اللغوية .

إن اكتساب فنون اللغة عملية تتمثل مراحلها فى الخبرات الحسية التى يتعرض لها الطفل ، والتى يستقبلها من خلال سمعه وبصره.( مصطفى فهيم1994 :80)

وكل ما يحدث للاستماع والقراءة ، يرتبط بوظائف الحاسة التى يتطلبها كل فن منهما ، فإذا افترضنا أن الرمز المستقبل وصل إلى المخ عن طريق الأذن (استماعاً) أو عن طريق العين (قراءة) ، فإن معالجة الرمز بعد ذلك تعد واحدة فى المخ من حيث العمليات العقلية .

وهناك شبه إجماع على أن النجاح فى القراءة يتوقف على النضج الجسمى والعقلى والانفعالى والاجتماعى للطفل ، كما يتوقف على تكييف تعلم القراءة تكييفا يلائم حاجاتهم ، وتستغرق مرحلة الاستعداد للقراءة عادة فترة ما قبل المدرسة والسنة الأولى وذلك لتوفير الخبرات والمرانة الكافية . (مصطفى رسلان 2005 :165)

إن مرحلة الاستعداد للقراءة هي الدعامة الأساسية لإكساب الطفل مهارات القراءة ، وهي المؤشر الدال على مستوى الطفل المعرفي في المراحل التالية ، من حيث القوة والضعف أو التقدم والإخفاق ، وتستغرق هذه المرحلة عادة سنوات ما قبل المدرسة والسنة الأولى الابتدائية وأول السنة الثانية الابتدائية .

والغرض من التعليم في هذه المرحلة ، توفير الخبرات والمران الكافي التي تنمي عند الأطفال الاستعداد للقراءة حيث إن تعليم الطفل القراءة قبل أن يكون مستعدا لها جسميا وعقليا وانفعاليا ولغويا يؤدي إلى أثر سلبي على ما تعلمه ، أو قد لا يكون له عائد على الإطلاق .

ويلاحظ أن الطفل الذي يوجه إلى الإعداد للتهيئة للقراءة سيكون ذلك أفضل عائد على نفسيته ، وعلى عملية التعلم ذاتها ، كذلك نجد أن رفض الأطفال للقراءة وكراهيتهم لها يرجع إلى إكراههم عليها قبل أن يستعدوا لها ، أى قبل أن يبلغوا النضج المناسب الذى يؤهلهم لذلك.

ولا يعد من مصلحة الطفل إدخاله مباشرة على الرموز اللفظية والتعامل معها ؛ بل لابد من وجود برنامج مبدئي تمهيدي يعطى للطفل فترة من التهيؤ واستعداد للدخول للكلمة المقروءة ، تتنوع فيه الخبرة التي تعرض على الأطفال من ألعاب وصور وكتب وأفلام .

( فتحى يونس2001  )

   إن القراءة تقع فى قلبِ كل عمل نقوم به، لأنها أساس كل تقدم بشرى فى الماضى والحاضر، وترتبط ارتباطا مباشرا بالكتابة والكتب والمكتبات ،أى أن القراءة هى الوجه الآخر للتواصل الكتابى، وقد اتضح هذا جليا فى جمع القرآن بين القراءة، والقلم،والتعلم والتعليم،فقال عز من قائل:] اقرَأ بٍاسمـ ٍ رَبٍكَ الَّذٍى خَلَقَ]1 [خَلَقَ الإِنَسـاـنَ  مِن عَلَقٍٍٍ َ]2 [اقرَأ وَرَبُّكَ الأَكرَمَُ]3[ الَّذِى عَلَّمـ َ بِالقَلَمِـ]4 [ِ عَلَّمـ َ الإِنَسـَاـنَ مَا لَمـ  َيعلَمـ ]5 [ِ. (سورة العلق :الآيات من 1 إلى5)

ويعد  مفهوم القراءة من المفاهيم التى حظيت بقدر كبير من الاهتمام والدراسة ، وقد قدم الباحثون لهذا المفهوم عدداً كبيراً من التعريفات والتطورات المختلفة التى وقعت منذ الدراسة العملية، وحتى اليوم قد تطور مفهوم القراءة من مفهوم بسيط يسير، على أن القراءة عملية ديناميكية بسيطة، إلى مفهوم معقد، على أنها نشاط عقلى يستلزم تدخل شخصية الإنسان بكل جوانبها .

وقد مر هذا المفهوم بمراحل تاريخية حتى وصل إلى ما هو عليه الآن؛ ففى العقد الأول من هذا القرن وقف هذا المفهوم عند حد التعرف على الحروف والكلمات والنطق بها ، دون الاهتمام بفهم المعنى، وقد واكبت هذا المعنى الطريقة التركيبية ، وأثرت على مفهوم القراءة والأبحاث التى أجريت عليها فى ذلك الوقت .

وفى العقد الثانى من هذا القرن تطور هذا المفهوم ليشمل فهم المقروء، وقد قامت البحوث حول فهم المقروء بناء على البحوث التى قام بها ثورنديك، حول أخطاء التلاميذ الكبار فى قراءة الفقرات، كما شمل التطور فى هذا العقد ( الثانى) عمليات نقد المقروء، التى قامت على البحوث التى أجراها " جودو أوزبل " ، وقد أفادت هذه البحوث فى انتقاء المادة المقروءة، وإبداء الرأى فيها .

وانتقل مفهوم القراءة فى العقد الثالث، من مجرد التعرف والفهم والنقد إلى أنها عملية متميزة، بل هى نشاط فكرى متكامل، وظهر هذا المفهوم نتيجة ظهور العديد من المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، مما أدى إلى محاولة الإفادة من المادة المقروءة فى حل المشكلات، وبناء على ذلك أصبحت القراءة عملية عقلية معرفية، يتعرف فيها الفرد على رموز وينطقها ثم يفهمها وينقدها ويستخدمها فى حل ما يواجهه من مشكلات .

وفى العقد الخامس من هذا القرن ظهر مفهوم آخر للقراءة، وهو القراءة للاستمتاع، وكان ذلك استجابة لظروف اجتماعية وسياسية معينة، وخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ حيث أصبح لدى الناس وقت فراغ كثير، يستخدمونه فى الترقية عن أنفسهم بعد أن ذاقوا ويلات الحرب.  (مصطفى رسلان 2001، 120)

واستمر مفهوم القراءة فى التطـور حتى أصبحـت تعـرف اليوم بأنها نشاط فكرى، وأسلوب لحل المشكلات ، يلجأ إليها الفرد كلما واجهته مشكلـة؛ فيقوم بجمع الاستجابات التى تتطلبها حل هذه المشكلة من عمل وانفعال وتفكير(القراءة الابتكارية).

 (عبد المنعم سيد 25:1998 )

وبهذا أصبح مفهوم القراءة يتضمن خمسة أبعاد هى التعرف، والنطق، والفهم، والنقد، وحل المشكلات، والاستمتاع بالمقروء .

وقد ساهم فى التطور السالف الذكر العديد من العوامل، منها البحوث والدراسات، والانفجار المعرفى والرغبة المتزايدة فى ممارسة الحرية والعدالة الاجتماعية، وغيرها من العوامل .

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 915 مشاهدة
نشرت فى 1 يونيو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,643,529