إن النهوض بعملية التقويم بصفة مستمرة يساعد على معرفة مدى نمو مهارات القراءة الناقدة لدى الطلاب ، والوقوف على جوانب القوة ومواقع الضعف والقصور فيها. ويتطلب هذا التقويم اتخاذ إجراءات ، واستخدام أدوات تقويم متنوعة . ومن ضمن العوامل التى قد تعوق نمو مهارات القراءة الناقدة ، نقص الإجراءات و الأدوات المستخدمة فى تقويم أداء الطلاب فى تلك المهارات ؛ فالاختبارات التى يغلب استخدامها فى المدارس قلما تشمل بنوداً تطلب من الطلاب التعرف على رأى المؤلف ، أو الكشف عن المعـانى الضمنية فى المقروء ، أو تفسير اللغة المجازية ، أو التعميم المستند إلى الحقائق المعروضة ." كما أنها لا تطلب من الطلاب التعرف على ما لم يذكر فى النص من الحقائق الأساسية ، أو البيانات ذات العلاقة أو الكشف عن مدى التضارب بين المعلومات ، والتشابهات غير الملائمة ، ونوعية الأساليب المستخدمة فى الإقناع , إن هذه القسمات مفقودة تماما فى اختبار القـراءة التى تجرى فى المدارس . غير أن الأفراد يواجهون يوميا من خلال الصحف والمجالات والتلفاز بمواد تحتاج إلى مثل هذه المهارات .(236 :206 )
وعن أساليب التقويم المتبعة فى مدرسنا التى تهمل تقويم تعلم الطلاب مهـارات القـراءة الناقدة ،فإنها تعانى بصورة حادة من فقدان هذه العناصر الأساسية فى التقويم . ولـتوضيح دور المعــلم فى تقويم تقدم الطلاب فى مهــارات القراءة الناقدة، أشارت (كنيدى (Kennedy1981 إلى أن القدرة على القراءة الناقدة يمكن أن تقوم ظاهريا من خلال ممارسة الطلاب بعض المهام الصغيرة تحت أشراف المعلم . وأن ملاحظة الطلاب عندما يقرءون ، ويحللون ، ويتفاعلون مع نص معين يعد ضرورياً للتأكد من مدى تقدمهم فى القراءة الناقدة . ويمكن أن يستدل بطريقة مضمونة على أن الطلاب الذين يعانون من صعوبة فى التدريبات هم فى حاجة إلى تعلم إضافى فى القراءة الناقدة . (234 : 234 )
ويميز الأدب التربوى الحديث بين نوعين رئيسين للتقويم هما : التقويم التشخيصى(Diagnostic)والتقويم النهائى (summative) ، ولكل منهما وظائفه التى يؤديها . ويمكن للمعلم أن يستفيد بهما فى تقويم مهارات القراءة الناقدة . ولقد كشفت البحوث التى أجريت على أساليب التقويم ، أن للتقويم التشخيصى أثراً إيجابياً على تعلم الطلاب ، وهو يشمل نوعين متمايزين: تقويم قبلى ، وتقويم تكوينى ، وهذا الأخير يزود المعلم والمتعلم بتغذية راجعة عن أخطاء الطلاب ، ومعدل تقدمه ، ومستوى تحصيله المقبول ، ومدى تحقيقه الأهداف التعليمية ، كما أنه يوضح للمعلم والطالب ما الذى تعلمه الطالب فعلا ، وما الذى ينبغى عليه تعلمه. وما هى نواحى الضعف فى تحصيله ، وما هى النقاط التى يحتاج لأن يركز عليها الطالب . ( 21 : 397 )
وحيث إن القراءة الناقدة عملية تفاعلية ومستمرة ، فإن هذا يتطلب أن يكون التقويم فيها منتظماً ومستمراً . ولذلك يرى ( بروكفيلد , S., 1987 (Brookfieldأن من الأمور الهامة فى تعليم القراءة الناقدة إعطاء الطلاب فترات لتقويم ردود أفعالهم ، ومراجعة ما توصلوا إليه أثناء التفكير الناقد فى المقروء ؛ كى يتعلموا من أخطائهم ، ويميزوا الاستجابات النمطية ، والسلوكيات التى اعتادوا عليها . وفترات التقويم التى تتخلل عملية التدريس على التفكير الناقد والقراءة الناقدة تسمح لهم بذلك ، وعلى المعلم أن يقنع الطلاب بأهمية ذلك لاستمرار عملية التفكير الناقد (159 : 75 ويمكن القول أن " القدرة على القراءة الناقدة لا تنشأ فقط من مهارة القراء فى التعرف على ملامح الكتابة مثل الأخطاء المنطقية ، أو الصيغة الأدبية ، أو وجهة نظر المؤلف ، بل أيضا من مهارتهم فى التحليل والمقارنة والحكم على الجوانب المتعددة للمادة المكتوبة . وإن بناء أداة تقويم نافعة يتطلب – إذن – ابتكار مواد اختباريه تتطلب من القارئ ليس فقط إدراك التفكير الخطأ ، والمعلومات المتناقضة ، وعناصر أسلوب المؤلف ، بل أيضا الحكم على قيمة المواد المقروءة وصدقها ، ونوعيتها " . ( 235 208 )
والفنون اللغوية تبدو مجالا خصبا من مجالات المنهج التعليمي للقيام بعمليات النقد والتقويم وهى عمليات عقلية عليا ، فالطلاب يقرأون قصائد ، وقصصا ، وكتبا ، ويشاهدون أفلاما وبرامج تليفزيونية ، ومسرحيات ويصغون لقصص يحكيها زملاؤهـم فىالصف ، ويصدرون لا محالة أحكاماً عن جودة هذه وتلك ، وعملية النقد والتقويم تتيح للطلاب الفرص للممارسة ، ولتنمية وصقل قدراتهم ، الناقدة ولرفع معاييرها ولتقدير وتذوق الخبرات اللغوية ذات النوعية العالية.إنها تساعدهم على الفحص الدقيق للمحاكمات التي تتيح لهم أن يصدروا أحكامهم القيمة .
مما سبق يتضح أن التقويم يمثل إحدى الوسائل المهمة فى قياس تقدم الطلاب فى مهارات القراءة الناقدة ، ويتطلب تقويم تعلم الطلاب لمهارات القراءة الناقدة ما يلى :
· التحديد الدقيق لمهارات القراءة الناقدة المراد قياسها لدى الطلاب .
· استخدام المعلم أساليب التقويم التشخيصى( القبلى والتكوينى)،وألا يقتصر على التقويم النهائى.
· استخدام اختبارات تقويمية غير تقليدية ، بحيث تمكن الطلاب من إظهار قدراتهم على التفكير فى المقروء وتحليله وتقويمه .
· استخدام مواد قرائية من مصادر متعددة ؛بحيث تتيح للطلاب تقويم جوانب متعددة فيها ؛ أسلوبا ومضمونا .أما بالنسبة لقياس مهارات القراءة الناقدة فقد أكدت الدراسات المتصلة بالقراءة الناقدة أن القراءة يمكن النظر إليها كعملية تفكير، يمكن تعلمها، والمفروض أن يعيش الطالب ليفكر ويقرأ حتى يتمكن من عملية الاختيار . (275 :292)
وهناك العديد من الدراسات التى استهدفت وضع الخطوات العملية لبـناء مقاييس تحقق هذا الغرض . ومنها دراسة( كارول1977, Caroll ) حيث أوضح أنه يجب أن يميز المقياس بين مهـارات القراءة المختلفة الناقدة وغير الناقدة عند الطلاب ، وأن يشمل المقياس أجزاء وفقـرات متساوية فى الحجم ،والصعوبة،والمفردات، والتركيب؛ لقياس الفهم للغة المكتوبة عنـد قراءتها ونقدها ، وأن تكون القطع المقروءة متدرجة فى الحجم ومستوى الصعوبة حتى نحدد مستويات مهارات وقدرات الطالب فى المادة المقروءة،ويجب مراعاة عناصر تشكيل الصعوبة، أو السهولة مثل المفردات،والتراكيب النحوية والإعرابية،والأسلوب الذى تكتب به ، والمفاهيم التى تحتويها تلك القطع حتى يتحقق التدرج فى مستوى صعوبة القطع ، وأن تبقى المفاهيم فى أبسط صورها ودون تعقيد أو صعوبة ،وعليه كذلك مراعاة خبرات وخلفية الطلاب ، ويجب تحديد نوع وشكل الأسئلة المستخدمة ، هل هى اختيار من متعدد ، أو تكملة عبارات ناقصة ، أو طرق أخرى . (164: 15 )
من خلال العرض السابق يتضح مدى أهمية القراءة فى حيـاة الفرد والمجتمـع ، وكيف تطور مفهومها وتعددت وظائفها ، كما يتضح لنا أن القراءة الناقدة مرحلة مـن مراحل القراءة ، وأن لها مهارتها الضرورية والأساسية اللازمة فى تعليم القراءة فــى المجتمع المعاصر ،وأن قياس هذه المهارات أمر ميسور إذا ما أعدت له الأدوات الموضوعية المناسبة ، وأن تنمية القراءة الناقدة أمر يحتاج منا إلى تغيير وسائل تدريسها ، و كيفيـة تناولها فــى مقررات اللغة العربية ، وهو هدف يسعى البحث إلى تحقيقه .وفى المحور التالى يتناول الباحث متغيرا أخر من متغيرات الدراسة ألا وهو التفكير الابتكارى.
ساحة النقاش