يقع على عاتق المبتكرين عبء تطوير مجتمعاتهم ؛متحملين فى سبيل ذلك الكثير من المصاعب النفسية والاجتماعية ، وإذا كان للابتكار مثل هذه الأهمية بالنسبة للمجتمعات لأن العناية به تكون ذات أهمية أكبر بالنسبة للأفراد ،فالعناية بما لدى الأفراد من قدرات ابتكارية تساعدهم فى التعبير عن مشكلاتهم ومشكلات مجتمعاتهم، والمشاركة فى حلها.
1- مفهوم التفكير الابتكارى :
تتعددُ تعريفات مفهومِ التفكير الابتكارى بتعدد الدراسات وتعدد الدارسين، والأطر الثقافية ، والاتجاهات الفكرية التى ينتمون إليها ، كما ساعدَ على هذا التعدد والاختلاف النظر إلى الابتكار من زوايا مختلفة إذ يتوقف اختيار الباحث للجانب الذى يدرسه على منحاه الفكرى ، ذلك الذى يحدد بصفة رئيسة نوع البيانات التى يجمعها، والهدف من الحديث عن تلك الظاهرة .(67 :120 (
ويتضح من ذلك أن اهتمام الأفراد ذوى التخصصات، والأطر الثقافية المختلفة بالتفكير الابتكارى، يؤدى إلى كثرة هذه التعريفات وتعددها، فالقدرة الابتكارية مركبة وظاهرة إنسانية معقدة.
· ويمكن تصنيف هذه التعريفات المختلفة للابتكار إلى الفئات الآتية :
أ : التعريفات التى تركز على الإنتاج الابتكارى : product Creative as a
يتحدد الإنتاج الابتكارى الحقيقى فى إطار محددات أساسية وهى أن هذا الإنتاج الابتكارى يجب أن:
(1) يتضمن استجابة أو فكرة جديدة بمنظور عدم التكرار الإحصائى .
(2) تكون هذه الفكرة الجديدة ملائمة للواقع ، فالأصالة أو الجدة فى التفكير والفعل ، على الرغم من ضرورتها لعملية الابتكار ، ليست كافية بذاتها ، فلابد لهذه الفكرة من أن تسهم فى حل مشكلة معينة ، أو تتلاءم مع موقف معين، أو تحقق هدفا بذاته .
(3) يتضمن الابتكار الحقيقى استبصارا أصيلا ( كما يتضح فى الاستجابات غير المباشرة ) بالإضافة إلى تقييم وتفضيل ما يتمخض عن هذا الاستفسار . (125: 3)
ويقدم (عبد السلام عبدالغفار1977) ثلاث صفات للناتج الابتكارى هى الجدة والمغزى واستمرارية الأثر،والجدة أمر نسبى ، تنسب إلى ما هو معروف ومتداول بين العاملين فى مجال معين ، ومغزى الناتج الابتكارى أى معناه وقيمته ، فالناتج الابتكارى يرتبط بالحقائق الموضوعية التى تحيط بالمبتكر وله معناه وأهميته ، وكلما زادت أهميته ودلالته، كان ذلك مؤشرا لمدى ارتباطه بحياة الفرد والجماعة،ويرتبط مغزى الناتج باستمرارية أثاره فى مجاله.(67 :330-335)
و من أهم الأسس التى تعد جزءا من الابتكار، أن يكون هناك شيئا ملموسا وملحوظا وهو ما يعرف بالإنتاج الابتكارى ، بينـما يوضـح ( ما كنيون و روجز) ضرورة أن يكون هذا الناتج الابتكارى ملموسا ومحسوسا.(63: 99)
ويعرف (سيد خير الله1974) الابتكار بأنه، الذى يتميز بأكبر قدر من الطلاقة الفكرية، والمرونة التلقائية،والأصالة ،والتداعيات البعيدة ،وكذلك كاستجابة لمشكلة ،أو لموقف مثير.(57: 5) ويوضح ( يونج Young,1976) أن الابتكارية كمنتج تتضمن ثلاث مكونات هى: تحديد المهارات المستخدمة فى إيجــاد المنتج ، وأن يكـون المنتج جديدا وحديثا،وأن يكون المنتج ذا قيمة. ( 307: 175)
كما قام كـل مــن ( بسمر و تريفنجر ) بتصميم نموذجا ثلاثيا لتحليل النــاتج الابتكارى (The creative product analysis matrix ) وقد قام بتحديد خصائص المنتج الابتكارى وهى: أن يكون المنتج الابتكارى حديثا وجديدا فى نوعه وأن يكون منطقيا ويتمشيا مع الواقع، ومحكم Adequate التصميم بحيث يكون الاستفادة منه، ومناسبًا لاستخدامه اجتماعيا ،ومفيداً فى الغرض الوظيفى وفى الأداء ، وجذابا ومعقدا فى التركيب أو الشكل أو الأداء وبه لمسة جمال وحيويا ومعبرا،ووظيفيا وذو قيمة، وأصيل . (307:178)
فالابتكار كما تكشف عنه وجهة النظر هذه هو:" قدرة الفرد على تجنب الروتين العادى، والطرق التقليدية فى التفكير مع إنتاج أصيل، وجديد أو غير شائع يمكن، تنفيذه أو تحقيقه أو هو إنتاج جديد مقبول، ونافع يحقق إرضاء مجموعة كبيرة فى فترة زمنية معينة" .
والابتكار كناتج يتوقف على المعايير التالية :
1) أن يكون الناتج جديدا :والمقصود بالجدة New هى حداثة المنتج الناتج ، أى يجب تقييم الشىء بقيمة حداثته . فالناتج الابتكارى ينشأ من إعادة التكامل للمواد المتاحة أو للمعارف الحالية ، ومثل هذا الناتج يحتوى على العناصر التى لم توجد من قبل، ولكن الأهم هو أن درجة الحداثة تعتمد على المسافة ( البعد ) ما بين الناتج الجديد، والشىء الذى ابتكر منه من خلال البيئة المحيطة
2) أن يكون الناتج ذو قيمة :فقيمة النتائج الابتكارية تمكننا من حل المشكلات التى ابتكرت من أجلها ، ويفتح الناتج الابتكارى ذو القيمة العالية مجالا لمشكلات أخرى ذات علاقة، كما يعمل على توسيع آفاق التفكير . مع أن البعض لا يعترف بتعدد مستويات الناتج الابتكارى ويرى أن الطفل الذى يبتكر لعبة جديدة ليس أقل ابتكارا من أينشتين الذى توصل إلى النظرية النسبية .
ويتضح مما سبق أن التعريفات التى ترتكز على الإنتاج الابتكارى تتفق جميعها فى إن الابتكار هو طريقة للتفكير والعمل لإنتاج منتج جديد وأصيل ذو قيمة ودقيق وغير شائع ومعقد وملائم من حيث التركيب والأداء والاستخدام ، وأن يتصف هذا الناتج الابتكارى بالغرابة وعدم الألفة .
ب - التعريفات التى تركز على الابتكار كعملية ( العملية الابتكارية ) :
تهتمُ هذه التعريفات بالتفاعل الحادث بين الشخص وبيئته، والعمليات التى تتم داخل الفرد ذاته، حيث يبدأ الفرد بالإحساس بعدم التوازن المعرفى عندما يواجه مشكلة معينة. وهذا الإحساس يدفعه إلى إيجاد حل لهذه المشكلة، وبالتالى إلى إعادة التوازن إلى نفسه .
ويرى ( أسبورن Osborn 1963) أن العملية الابتكارية تمر بثلاث مراحل هى:
1- اكتشاف الحقيقة، حيث تتضمن تحديد المشكلة والإعداد.
2- اكتشاف الفكرة، وتشمل إنتاج الأفكار ،وتنمية وتطوير هذه الأفكار .
3- اكتشاف الحل ،وتتضمن التقويم للتحقق من صحة هذه الحلول ،ثم تبنى الحل وإقراره(258:17)
بينما أوضحَ ( فيشرFisher1970) أن العملية الابتكارية تمر بخمسة مراحل تتداخل مع بعضها ، أولها مرحلة التعرض للمثير ، حيث أن هذه العملية لا تتم فى فراغ ومن ثم لمحتوى يعمل من خلاله الفرد ، ثم مرحلة الاستكشاف بمعنى تنظيم وإعادة تنظيم ما يعرفه الفرد من معلومات وخبرات سابقة، لكى يكتشف من خلالها ما هو غير معلوم له ، والمرحلة الثالثة هى مرحلة التخطيط ،وتتضمن تحديد المشكلة، وجمع المعلومات، وجعل التفكير ملموسا ومحسوسًا ، أما المرحلة الرابعة فهى مرحلة النشاط والفاعلية، على أساس أن العملية الابتكارية تبدأ بفكرة أو مجموعة أفكار ، ومن ثم يجب إتاحة الفرصة للإفراد ،للتحقق من تفكيرهم الابتكارى بالفعل ، وأخيرا مرحلة المراجعة والمتابعة ،وذلك للتحقق مما تم التوصل إليه .(192:34-44)
وقد حدد ( والاس Wallas 1972 ) أربعة مراحل تمر بها العملية الابتكارية وهى:
1- مرحلة الإعداد والتحضير، ويعنى بها قيام الفرد بجمع البيانات، والمعلومات، وكل ما يقوم به من ملاحظات واستطلاعات.
2- التحضين، أو الحضانة وهى المرحلة التى تختمر فيها الآراء، والأفكار، وتنصهر الخبرات السابقة معها لدى الفرد المبتكر .
3- بروز الفكرة، حيث تظهر الأفكار الابتكارية ،أو الحلول الإبداعية للمشكلة .
4- مرحلة التحقق ،وهى المرحلة التى يتم فيها التقويم، واختبار مدى صدق هذه الأفكار الجديدة، ومدى صلاحيتها وغالبا ما تؤدى هذه الأفكار الابتكارية إلى مزيد من الابتكار . (301:91)
ويضيف ( تايلورTylor 1974 ) خمس مراحل ابتكارية فرعية متدرجة لحدوث العملية الابتكارية تبدأ بالابتكارية التعبيرية( Expressive creativity ) حيث تتصف بالحرية التلقائية ، ثم الابتكارية الفنية( Technical creativity ) وهى تتصف بالكفاءة والمهارة، فالمستوى الثالث وهو الابتكارية الاختراعية Inventive creativity وتتصف بالبراعة فى ربط وتوحيد الأدوات معا بصورة مفيدة ، ثم الابتكارية التجددية و تتصف بتطوير وتعديل الأفكار ، وأخيرا الابتكارية الانبثاقية والتى تتضمن أصل ونشأة الفكرة الجديدة ( 299:114-115 ) .
ويقترح ( عبد السلام عبدالغفار1975) أربع مراحل للعملية الابتكارية :
اكتشاف المشكلة وتحديدها،ثم جمع البيانات والمعلومات المتصلة بها وتحليلها،ثم مرحلة المحاولات حيث يقوم المبتكر بوضع أفكاره وصياغة فروضه ،وتقديم مقترحاته ،وأخيرًا مرحلة التقويم والتحقق من صحة الحلول . ( 67 :276 ) ويؤيد ذلك ( ممدوح الكنانى1984 ) (124:17)
وقد عرف ( تورانس Torrance, 1977,) الابتكار بأنه: عملية الإحساس بالمشكلة والثغرات فى المعلومات ،وإنتاج الأفكار والفروض، واختبار وتعديل هذه الفروض، والتوصل إلى النتائج، وهذه العملية تقود إلى الكثير من الإنتاجان المتنوعة لفظية، أوغير لفظية وحسية أومجردة .(97:6)
ويتفـق ( باجانو Pagano,1979) أيضا مــع ( تورانس Torrance 1977 ) حول مراحل العملية الابتكارية ، حيـث يـذكر أنها تتضمن مراحل أربعة هى: تصور وإدراك الفرد للمشكلة ، وتركيز الفرد علـى جوانب المشكلة ، وقيام الفرد بعملية التخطيط والتنظيم ، وقيام الفرد بالتفكير خارج نطاق المعلومات المعطاة ،ثم تأتى مرحلة الانتهاء والوصول إلى الحل. (261 :129)
أما بخصوص الفرق بين الابتكار وحل المشكلة فقد أوضح فإن ما يميز العملية الابتكارية عن عملية حل المشكلة إنما يتوقف على نوع المشكلة نفسها ، فعندما توجد مشكلة جديدة فإن هناك سلوكا جديدا من جانب من يقوم بحل المشكلة ، وهناك درجة من الابتكارية . (200:312)
وتوصل ( مايسكى Mayesky, 1990) إلى كيفية حدوث الابتكار ومراحله، حيث يشير إلى أن الشخص عندما يبتكر أى شىء فإنه يوجد عادة جزأين لنشاط هذا الشخص ، الجزء الأول هو اكتشاف فكرة أو وظيفة أو إجابة معينة ، والجزء الثانى هو العمل على إنتاج وإثبات والتأكد من أن الفكرة صالحة للتطبيق أو ممكنة ، والجزء الأول وهو " الاكتشاف "، يشمل استعمال الخيال، واللعب بالأفكار، والاستكشاف ، أما الجزء الثانى وهو " التحقق "و يشمل استعمال مهارات التعلم واختبار الحلول، والتقويم.(137 :87)
الجزء الثانى Part 2 تقويم الأفكار Evaluating ides اختبار الحلول Testing solutions الحكم على الإجابات Judging answers تحليل النتائج Analyzing results
أفكار مقبولة Acceptable ideas إجابات مرضية Satisfactory حلول عملية Workable solutions |
الجزء الأول Part 1 استخدام الخيال Using the imagination اللعب بالأفكار Playing with Ideas اكتشاف البدائل Exploring alternative تأمل ( تمعن ) الاحتمالات الممكنة Speculating with possibilities
الأفكار Ideas الإجابات Answers الحلول Solutions |
شكل ( 4 )نموذج عملية الابتكار (137:88)
يتضح مما سبق أن العملية الابتكارية تمر بعدد من المراحل أو الخطوات، وذلك للوصول إلى الناتج الابتكارى ، ولكن اختلفت الآراء حول عدد تلك المراحل والخطوات ومدى أهميتها فى عملية الابتكار ، ويتضح أيضا أن العملية الابتكارية تتضمن العديد من الإجراءات التى يقوم بها الفرد ويتفاعل فيها تفكيره ومعارفه مع ما تحتويه البيئة المحيطة به من مثيرات مختلفة .
جـ :التعريفات التى ترتكز على خصائص الشخصية لدى المبتكرين Personal Traits
يلجأ أنصار هذا الاتجاه عند تحديد مفهوم الابتكار إلى سرد بعض خصائص وسمات هؤلاء الأفراد المبتكرين التى كشفت البحوث المختلفة عن تميزهم بها بدرجة أكبـر مـن الأفراد العاديين الذين لا يظهرون مثل هذه القدرات الابتكارية .
و لعـل مـن أوائل الأسباب التى تدفع الباحثين إلى الاهتمـام بدراسة شخصية المبتكر هو إدراك المهتمين بهذه الظاهرة بأن الإنتاج الابتكارى أمـر لا يتوقـف فقط علــى عملية التفكير الابتكارى ، بل هو عمل معقد له متطلبات أخرى فهو يحتـاج إلـى أسلوب معين فى الإدراك، وحساسية خاصة لنواحى القصور والضعف فيما يوجد لدينا مــن ثقافة ويحتاج أيضا لعمل شاق ومستمر، ويحتاج إلى أسلوب معين فى التعبير عما ينتهى إليه المفكر بالإضافة إلى القـدرة على التفكير بأسلوب معين . (125: 19-38)
ومـن السمات والخصائص الشخصيـة المميزة للمبتكـرين ، دوافعهم ، وحاجاتهم وقدراتهم ومشاعرهم ، فنجـد ( باتشتولدBachtold1974) يصف الفرد المبتكر مـن وجهة نظــر المدرسين والأباء بأنه، الفرد الحذر الذى يراعى مشـاعر الآخرين، ولديه إحساس بالجمال، وتذوق الفكاهة، مع الدعابة المقبولة ، والإخـلاص والفضولية وحب الاستطلاع بالإضافة إلى تقبل أفكار الآخرين ، واحترامها ، وأنه الشخص المستقل فى تفكيره ولـديه دافعية وثقة فى نفسـه بدون تكبر أو تعالى . (150:47-54 )
وقد ذكر ( ماكينونmachinon,1962 ) أهم السمات للمبتكرين ، وهى :الاستقلال فى الفكر والعمل ، والانفتاح على الخبرة الداخلية والخارجية ، والميل إلى استخدام الحدس فى التفكير والإدراك ، وارتفاع فى القيم النظرية والجمالية ، والشجاعة فى تحمل المتناقضات الطبيعية، واختبارها، ومحاولة التوفيق بينها بتعبيرات مبتكرة ذاتيا . ( 246:61)
ويرى ( تورانسTorance:1965 ) أن الشخص المبتكر يميل إلى السيطرة ، كما أنه تلقائى فى تفاعله الشخصى والاجتماعى وفى نفس الوقت لا يميل إلى المشاركة، وهو متكلم بارع لاذع فى كتاباته ، عدوانى ، قادر على الإقناع ، واثق من نفسه مؤكد لذاته ، متحرر من القيود التقليدية ، قادر على الإدلاء بآراء غير عادية، وغير متمشية مع المألوف ، كما أنه أكثر مرونة من الناحية السيكولوجية ، واكثر دقة ونعومة فيما يتعلق باهتماماته الخاصة إذا قورن بغيره ، كما أنه يفضل الأمور المعقدة من الناحية الإدراكية ، وإنه غير منظم ويميل إلى الانطواء أكثر من الانبساط ولا يهتم كثيرا بعضويته فى الجماعة ويفضل أن يترك وشأنه. ( 296 :56 ) وقد لخص ( سيد خير الله ،1974 ) أهم السمات الخاصة بالمبتكـرين مـن خـلال استعراض للدراسات والأبحاث المختلفة التى تمت فـى البيئة الأجنبية، والتى تناولت الخصائص النفسية للمبتكرين ، ومن هذه السمات :
* يبدو عليه الثقة فى قدرته على تنفيذ ما يريد.
* يتقبل قدرا من عد اليقين فى النتائج .
* لا يتبع الأساليب الروتينية فى أعماله .
* مثابر لا يستسلم بسهولة ، يمتلك قدرة كبيرة على تحمل المسئولية .
* يبادر للعمل ويستعد لبذل الجهد ، قادر على فهم دوافع الآخرين .
* واسع الأفق فهو غير تقليدى ، ومتحرر ودائم التساؤل ، ومتعدد الاهتمامات ولايميل إلى التعصب
* يفضل التنافس على التعاون ، يتمعن الأفكار الجديدة، يقاوم تدخل الآخرين فى شئونه. (57: 4-7)
كما كشف عدد كبير من الباحثين عن تميز الأشخاص الابتكاريين ببعض الاهتمامات الخاصة التى تميزهم عن الأشخاص الأقل ابتكارا، ومعظم اهتماماتهم الخاصة تتسم بطابع النشاط الفردى والرغبة فى اكتشاف الأشياء بأنفسـهم ، والاستغراق فى التفكير التأملى واقتناء الأشياء الغريبة؛ حيث يعرض ( دافزDavis 982) عددا من الصفات التى يجب توافرها فى الشخص المبتكر مثل الاستقلالية ، والثقة فى النفس وحب المغامرة ، وحب الاستطلاع، والانجذاب نحو الأفكار الجديدة، وتذوق الفكاهة ، الانجذاب نحو التعقيدات .178:50-57) )
ويرى ( بايرBayer1988, ) أن الأطفـال النابغين يتصفون بسمات منها : التفكير الإنتاجى وهـى قدرة الطفل النابغ عـلى إنتاج الأفكـار ، والمرونـة ، والأصالة فى التفكير، وتصميم الأفكار المختلفة وغير المألوفة ، كما أن مهارات الاتصال لديهم واضـحة، وتتضمن الوصف والمقارنة والتنبؤ ،وإيجاد النهايات المختلفـة للفكرة ، ويمتلكون القدرة على التنبؤ وتوقع ما يمكن أن يحدث ، والقدرة على إجراء المناقشة والحوار ، وإيجاد النهايات لمسارات وعمليات التفكير ، وإيجاد العديد من الاحتمالات لحل المشكلة ، مع توفير بيئة تعليمية ، مرنة وتوفير الظروف والعوامل التى تؤدى إلى النبوغ . ( 151: 36-46)
ويؤكد كل من ( كارين (Carin et,S.,1989أن الموهوبين الابتكارين يتميـزون بخصـائص كثيرة منها أنهم يملكون مكونات عقلية متعـددة ، واتجاهات إيجابية ومهارات غير عادية ، ويشعرون بالمتعة فى أداء العمل ويتميزون أيضا بحـب الاستطلاع والفضول والاهتمام بالهوايات وبغير المألـوف ويستمتعون بالمشكلات،والألعاب مفتوحة النهايات ، وهم أكثر ميلا للاستقلالية، ويميلون للعمل فى الأنشطة المختلفة فى كثير من المجالات. 163:263) )
ويتميز الشخص الابتكارى أيضا بامتلاك قدرة كبيرة على التحكـم ، وترتيب التخـيلات العقلية ولديه القدرة على إيجاد علاقات أو تكامل ما بين الأشكـال و الأشيـاء المتضادة، وليس من الضرورى أن نجد كل هذه السمات فى شخصية ابتكارية واحدة وغالبا ما تكون صفتين أو أكثر تتوافران فى شخصية واحدة 0 (150:47-54)
و مـن خـلال العرض السابق يمكن إجمال الصفات التى تميز الشخصية المبتكرة فى الصفات الآتية :استقلالية التفكير ، وحب الاستطلاع ، ودافعية الإنجاز المرتفعة ، الإحساس بالمشكلات ، والقدرة على التنبؤ القدرة على اتخاذ القرار ، والدافع المرتفع للمعرفة والفهم ، والمرونة فى التفكير ، والتلقائية فى التعامل مع الآخرين ، والطموح ، والثقة فى النفس ، القدرة على تحمل المسئولية .ولديه القدرة على إدراك الثغرات واستغلالها، والاهتمام بالأشياء غير المألوفة.
د : التعريفات التى ترتكز على البيئة الابتكارية :
هناك من ينظر إلى الابتكار باعتباره مناخا بيئيا ييسر ويشجع على حدوثه، حيث يؤكد الكثير من العلماء أنـه لكى يحدث الابتكار يجب أن تسمح الظروف البيئية بشىء مــن الحرية والأمن النفسى .فالأشخاص الابتكارين من الممكن أن يصيبهم اليأس من عـــدم توافر البيئة التى تساعد على الابتكار ، ولكن بإعطاء هؤلاء الأشخاص جوا من الحرية والتشجيع الدراسى يؤدى إلى بيئة صالحة للابتكار ، وتزداد الابتكارية فى المناخ الاستقلالى الذى يسمح للطلاب بالعمل فيه بطريقة استقلالية ويتحملون فيه مسئولية تعليمهم.
ويشير ( وينجرWeininger,1977 ) أن الابتكار يمكـن تنــميته وتحسينه ، وأن البيئة الخارجية المرنة الملائمة للتعلم من الممكن أن توفر مناخا أفضل للعمليات الداخلية المعقدة .بما يساعد الفرد فى التعرف علـــى قدراته الخاصة وتشكيلها للتعبير ابتكاريا صورة أفضل تتفق مع هذه القدرات . 303:10))
وينشأ المناخ الابتكارى داخل الفصل الدراسى من خلال علاقات الـمدرس بالطلاب ، ومن خلال علاقات الطلاب بعضهـم البعض ، ومــن ثم فإن بعض الفصول تعكس جوا ديمقراطيا حراً مرحــاً ، بينما يوجد فى بعض الفصول الأخرى جو مـن التوتر والقيود والجمود والشكلية ، ويرجــع ذلك إلـى العوامل المؤثرة فى هـذا المنـاخ مثل طـرق التدريس المستخدمة ، وطبيعة المحتوى الدراسى ، والأنشطة والوسائل والمواد التعليمية المتاحة والتخصص الأكاديمى ، واختلاف الميول الاتجاهـات وتباين حاجات التلميذ واتجاهات المدرس نحو مهنة التدريس نحو الطلاب ، كل هذه العوامل الأساسية تؤثر فى المناخ الابتكارى داخل الفصل الدراسى . ( 125: 121)
والمناخ يعبر عن نوع من العلاقات الإنسـانية السائدة ،والتى من شأنهـا أن تسهم فى تحقيق الأهداف معتمدة على الجهد البشرى والموارد المتاحة، كما يؤكد على أن أفضل المناخات اللازمة لعملية الابتكار والمبادرة هو المناخ المفتوح ،والذى يتمـيز بتوفير الظروف المنـاسبة ، و الاتصالات التى تسهل إعطاء البيانات والمعلومات، والاشتراك فى رسم وتخطيط العمل وتنظيمه ، والتدريب العملى المستمر ، وتحديد العلاقات التنظيمية، حتى لا يحدث الإزدواج والتضارب فى الآراء . (نادية شريف ،553:1985) (128)
وقد أثبتت الدراسات أن بيئة الفصل الدراسى لها دور كبير وهام فى تنمية الابتكـارية ، فيرى ( هيك Hech1978 ) أن مسئولية المعلم فى توفير المناخ الابتكارى هو خلق بيئة تشجع على الاكتشاف، والبحث ،وتتحدى قرارات الطلاب لكى يصبحوا قادرين على الحل النقدى للمشكلات واتخاذ القرارات ، ويضيف أن البيئة الابتكارية داخل الفصل لا تعلم التلميذ بالضرورة ما يفكر فيه ولكنها تساعده على كيفية التفكير ،وتزود الطالب بالدافع لكى يصبح باحثا صغيرا من خلال عمليات القراءة وخبرات الحياة ، كما تثير انتباهه ولا تعرقل اكتشافاته. 204:24-25) )
ويعرف ( سيجل كاميرير Siegel,Kaammerer1978) الجماعة التـى توفـر مناخا ابتكاريًا بأنها الجماعة التى ترعى وتعزز وتشجع الوظيفة الابتكارية لدى أعضـائها ، وأن الأبعاد التى تميز هذه الجماعة الابتكارية هى : القيادة Leadership حيث تقوم القيادة فى الجماعة الابتكارية بتدعيم المبادرة، وتطوير الأفكار الجديدة وتنميتها من خلال النظـام السائد ، والملكية وهى شعور أعضـاء الجماعة بأصالتهم وقدرتهم على تطوير الأفكار والعمليات والإجراءات المرتبطة بعملهم ، والمعايير التى تشجع البعد عن المألوف Norms of diversity ، حيث تعطى الجماعة الابتكارية قيمة مرتفعة للمداخل والحلول الابتكارية لمشكلاتها ، كما يوجد لـدى أعضائها اتجاه موجب نــحو الانحراف المألوف ، وكذلك التطور المستمر Captious development حـيث يتم تعديل أهداف الجماعة وتغييرها بصفة مستمرة ، كما تقوم بتجارب واختبـارات للبحث عـن حلول لمشكلاتهـا وأعمالها . ( 284:553)
ويشير ( محمد حمزة وأمير خان 1989 ) إلى أن المبتكر يحتاج إلى جماعة يقدم إليها عمله، تلتف حو له تشد من أزره، وتخفف من عزلته، لذلك فهو يحتاج إلى الأمان النفسى الذى يساعده على اكتشاف المزيد من ابتكاراته. (102: 98-99)
ومن هنا يتضح مدى أهمية الأمان النفسى ،والقبول الاجتماعى، وتوفير الحرية لكى يقوم الفرد بإنتاج الأفكار والأعمال الابتكارية المفيدة ، أى أن الـبيئة التى تتسم بالحرية والمرونة والاستقلالية والتوجيه الذاتى وغياب التقويم والنقد الخارجى تعتبر شروطا أساسية للابتكار ، هذا إلى جانب تأثر الابتكار بالعلاقات بين المدرس والطالب من ناحية، وبين الطلاب بعضهم البعض من ناحية أخرى ، وطرق وأساليب التدريس ومحتوى التعلم وأساليب التشجيع داخل بيئة الفصل المدرسى ، أى أنه يمكن تنمية القدرات الابتكارية عن طريق توفير بيئات تدريسية مناسبة ، وتوفير طرق تدريس فعالة .
وقد أشار ( باجانو Pagano 1979 ) إلى مواصفات طرق التدريس التى تشجع على الابتكار من خلال الاندماج الفعال النشط للمتعلم فى المواقف التعليمية ، وتـوفير البيئة الديمقراطية الحرة المرنة ، وتشجيع التعلم الذاتى ، وتوفير بيئة التعلم الحرة المفتوحة ، وإتاحة الفرص أمام الطلاب لممارسة وإجراء التجارب،وتشجيع حب الاستطلاع، وتقديم المكافآت والحوافز، إلى جانب استخدام المدرسين المبتكرين للمداخل الابتكارية فى التدريس. (261:127-137 )
وقد قدم ( تورانسTorrance,1977 ) عددا من المقترحات لتيسير التعلم الابتكارى منها :
1- أن يتعرف المعلم على بعض الإمكانات غير المستخدمة والمجهولة سابقا ، وأن يحترم المعلم حاجة الطالب للعمل بمفرده، وأن يشجع لديه المبادأة.
2- أن يشجع الطلاب على أن ينجح فى مجال ، ومسار محتمل وممكن بالنسبة له .
3- أن يسمح بأن يكون المنهج متنوعا للطلاب المختلفين، حتى يعبر عن أهمية الفروق الفردية .
4- أن يوفر بيئة خالية من العقاب تتسم بالحرية والأمن لإطلاق طاقات التفكير الاستكشافى. .
5- أن يستخدم النقد بجرعات صغيرة.297:18-31) )
ويمكن عمل قائمة بالحالات التى تثير السلوك الابتكارى لدى الطلاب ، وهى :
- توفير جو من الحرية .
- تشجيع التعبير الحر المفتوح .
- السماح للطلاب أن يشاركوا بأفكارهم ويثيروا تفكير بعضهم البعض .
- توفير بيئة مثيرة تتضمن مواد كثيرة ومتعددة يحتاجها الطلاب ليقوموا بمعالجتها بطريقة طبيعية.
مما سبق يمكن استنتاج أن تنمية الــقدرة الابتكارية بجانبيها ؛المعرفى والوجدانى تستلزم بيئة تدريسية حرة مفتوحة يحترم فيها المعلم أسئلة الطالب وخيالاته التى يصدرها دون تهديد أو نقد خارجى ، كما يتطلب ذلك أيضا معلما واسع الأفق يسمح بالتجريب مع احتمالات الخطأ والصواب، يعمل على إشباع حاجات الطالب الابتكارية مثل حاجتهم إلى المعرفة وإلى توجيه العديد من الأسئلة الغربية، وحاجتهم إلى ممارسة الأعمال الضعيفة ومواجهتها وتحديها ، وحاجتهم إلى الانغماس فى الأعمال التى يقومون بها .
كما نستنتجُ أيضا أنَّ عناصرَ البيئة التعليمية الفعالة التى تتمثل فى المعلم والطالب وحجرة الدراسة والمحتوى والأنشطة والتدريبات واستراتيجيات التدريس وطرق التقويم لابد أن تعمل جميعها كنسيج واحد لا يجب عزل أحد مكوناتها عن باقى المكونات .
2- قدرات التفكير الابتكارى :
لا يمكن تنمية التفكير الابتكارى لدى الطلاب دون تنمية قدرات التفكير الابتكارى لديهم ، كما ذكر( جليفورد Guilford,1970) أن الابتكار ليس بالعامل الواحد ؟، ولكنه مجموعة من القدرات ،أو المهارات ،وإذا ما استطعنا تنمية هذه القدرات لدى الطلاب،وتدريبهم على استخدامهـا ، لأمكننـا تنمية التفكير الابتكـارى لديهم؛لذلك فإن معرفة القدرات الأساسية للتفكير الابتكارى هام جـدا ، وذلك حتى يمكـن توظيفها بصورة عملية فى التدريس ،و لقد ميز ( جليفوردGuilford,1970) الخصائص المرتبطة بالابتكار ، على أساس التحليل العامـلى وهى ( الطلاقة ، والمرونة ، والأصالة ، والحساسية للمشكلات ، وإعادة بناء المشكلات"التفاصيل والإكمال") .(201 )
أ – الطلاقة : Fluency
ويقصد بقدرة الطلاقة:"القدرة على استدعاء أكبر عدد ممكن من الاستجابات المناسبة تجاه مشكلة أو مثير معين،وذلك فى فترة زمنية محددة. (296)
ويقصد بها أيضا “ تعدد الأفكار التى يمكن أن يستدعيها الفرد ، أو السرعة أو السهولة التى يتم بها استدعاء استعمالات ومرادفات وفوائد لأشياء محددة “.(56: 45)
ويعرفها (مصرى حنورة1997)بأنها القدرة على إنتاج أكبر قدر من الأفكار والصور والتعبيرات الملائمة فى وحدة زمنية محددة.( 119 :21)
المبتكر متفوق من حيث عدد الأفكار ، وكميتها فى موضوع معين ، وفـى وحـدة زمنية ثابتة بالمقارنة بغيره، أى أن المبتكر يمتلك درجة عالية من القـدرة علـى سيولة الأفكار وتولدها .
أنواع الطلاقة :
أمكن عن طريق التحليل العاملى ، التوصل إلى عدة أنواع من الطلاقة هى :
1 - طلاقة الأشكال : وهذا النوع من الطلاقة ، هى التى أسماها ( جيلفورد ) بالإنتاج التباعدى لوحدات الأشكال ، ويمكن أن تقاس بأن يعطى المفحوص شكلاً على هيئة خطوط أو كرة ، ثم يطلب منه إجراء إضافة بسيطة ، بحيث يصل إلى أشكال متعددة وحقيقية .
2 - طلاقة الرموز : ويطلق على هذا النوع من الطلاقة اسم " الإنتاج التبـاعدى لوحـدات الرموز" وهذه القدرة تتضمن طلاقة الكلمات ، أو طلاقة الأعداد ، ويطلق عليهـا أيضا الطلاقة اللفظية Verbal Fluency ، ويقصد بها قدرة الفرد على إنتاج أكبر عدد ممكن من الألفاظ ، أو المعانى شريطة توافر خصائص معينة فى تركيب اللفظ (65: 22)
كما تشير هذه الطلاقة إلى مدى توافر الحصيلة اللغوية عند الفرد .
3 - الطلاقة الفكرية : Ideational fluency : ويقصد بهذا النوع من الطلاقة “ قدرة الفرد على إنتاج أكبر عدد ممكن من الأفكار ذات العلاقة بموقف معين يكون الفرد قادرا على إدراكه .
4 - الطلاقة اللفظية : وتتضمـن التفكيـر السريـع فى الكلمات المرتبطة بموقف معين ، وصياغة الأفكار السليمة ،كما تتضمن إصدار أفكار متعددة فى موقف محدد، وتتصف هذه الأفكار بالوفرة والتنوع .
ب - المرونة Flexibility :
ويقصد بها الإشارة إلى القدرة على تغيير الحالـة الذهنية بتغيير الموقف ، فالفـرد الأكثر إبداعا يكون أكثر مرونة ، وذلك لأنه يتمتع بدرجة عالية مـن القدرة على تغييـر حالته الذهنية التى توافق تعقد الموقف ، وتتطلب القدرة عـلى المرونة مقدار كبير مـن المعلومات ، أو استخراج هذه المعلومات من ا�
ساحة النقاش