هناك عدد من الضغوط الهامة التي تواجه الجامعات المعاصرة، والتي تعطى قوة للدعوة بضرورة فرض أساليب جودة على الجامعات من أجل إرشادها، وتقديم طرق ونصائح عن كيفية أداءها لوظائفها.
1- التنوع والتعدد في مقدمي التعليم العالي : إذا كانت الزيادة الهائلة في المشاركة والانضمام للتعليم العالي تعد ظاهرة عالمية، إلا أنها قد أدت إلى تغيير كبير في مفهوم الجامعة. وإذا كان أيضا التعليم العالي يتضمن وبوضوح الجامعات، إلا أن الكثير من موفري التعليم العالي الآن ليسوا في مستوى الجامعة. الأمر الذي ترتب عليه اختلافات في مستوى الدرجات العليا التى يقدمها التعليم العالي في الوقت الحالي، كما أدت إلى الحاجة إلى التقييم للعديد من الأنواع الجديدة من هذه المعاهد.
2- الدور المتزايد للحكومة والصناعة :
أولا : دور الحكومة : طالما تحصل الجامعات على تمويل حكومي حتى لو كان قليل، فإن الحكومة تتوقع أن يكون لها بعض درجات من التأثير على سياسات الجامعة. حيث لم يعد من المقبول توقع أن تمارس الجامعات عملها في استقلالية، في حين تمول في نفس الوقت من أموال دافعي الضرائب.
وقد تمثل ذلك التأثير في ظهور متطلبات من جانب الحكومة لمخرجات قابلة للقياس مقابل الأموال التي استثمرتها. الأمر الذي تطلب من الجامعات إعادة تقييم أداءها لوظائفها بناء على معايير جديدة.
الأمر الذي مثل علامة تحول هام. وخاصة عند الأخذ في الاعتبار أن مثل هذه المعاهد تاريخيا كانت ترى نفسها بأنها ـ وفعلا كانت كذلك ـ تتجاوز ذلك بشكل كبير، وربما في الحقيقة والواقع فهي فعلا تتجاوز بشكل كبير مثل هذا الاعتبار المقلل من شأنها.
ثانيا : دور الصناعة : وبالإضافة لما سبق فهناك مظهر آخر للتدخل في أداء الجامعة لوظائفها، ويتمثل في التأثير الذي يمارسه إتحاد منظمات الأعمال على أداء الحكومات في أوقات مختلفة.
حيث، وبناء على ما تتميز به ابتكارات الصناعة وتطورها من أهمية، أصبح هناك مطلب هام من جانب جهات التوظف، و موجها نحو معاهد التعليم العالي والجامعات بشأن تحقيق تعليم ملائم للخريجين، لغرض تكوين هيكل كاف من العمالة في تلك المنظمات.
وتزداد أهمية هذا العامل، وبشكل خاص، عندما يهدف وكلاء تطوير الصناعة الحكوميين إلى جذب المنظمات العالمية لكي تبدأ العمل لديهم. حيث تطلب العديد من تلك المنظمات توفر إمداد معد بشكل سابق من الأشخاص المتعلمين والمدربين، وذلك قبل أن تعتزم ممارسة أي نشاط في هذا البلد.
وقد وصف بعض الباحثين(,pp; 59-75 Elwood,1999)هذه الحركة بأنها التهديد الذي سوف يبتلع ويفترس المعاهد العلمية. وبناء عليه قام هؤلاء الباحثون بإعادة تعريف أهداف التعليم الجامعي ومكوناته في بنود احتياجات الصناعة.
وهكذا أصبح على الجامعات المعاصرة للتوافق مع ضغوط الحكومة والصناعة، أن تعمل جاهدة لمواجهة التهديد المصاحب للمنظمات متعددة الجنسيات. و التي بدأت تهدد بأنه إذا لم تقم الجامعات بتوفير المخرجات التعليمية المرغوبة، عندئذ فإن هذه المنظمات سوف تنشئ معاهد خاصة بها، منافسة للتعليم العالي في تلك البلاد، وذلك لتوفير احتياجاتها المطلوبة من العاملين(مثال شركات : موتورولا، ومستشاري أندرسون، وغيرهم ممن أقاموا جامعاتهم الخاصة في بعض البلدان).
وقد ترتب على ملاحقة الحكومة لجعل وظائف الجامعة قابلة للقياس وأيضا الاعتراف الداخلي لدى الجامعات بالحاجة إلى التقييم الذاتي لوظائفها أن أصبح توفيق نموذج الجودة منتشر في القطاع الجامعي في السنوات الأخيرة(Yorke,1999,pp14- 24).
وقد تنوع ـ بشكل كبير ـ النموذج الفعلي الذي طبق، وتراوح بين منشورات نموذج الأيزو، إلى إدارة الجودة الشاملة، وإعادة هندسة عمليات المنظمات و ما ظهر حاليا وأطلق عليه نموذج تميز الأعمال Business Excellence Model.
وإذا كانت التفاصيل تختلف في هذه المداخل، إلا أن الشائع بينها هو السعي نحو هياكل، وأداءات، تكون قائمة على الجودة وقد لاقى توفيق الجامعات لتلك النماذج للجودة، اتجاهات إيجابية من جانب الحكومة والصناعات أيضا وتنبع عقلانية ذلك من القول بأن تطبيق الجامعات لمثل تلك النماذج يؤدى بها لأن تصبح أكثر شفافية، وأكثر قابلية للقياس، وأكثر وضوحا في وضع وتنفيذ الأهداف.
كما وأن التزام الجامعة بمثل هذا النموذج يكون جذابا لكل من هذين القطاعين ـ الحكومة والصناعة ـ حيث يعنى ضمنا أن كل المعاهد العلمية المشاركة تصبح بطريقة ما قابلة للتنافس، وتقدم وحدات قياس يمكن بها تحديد الكفاءة والفاعلية للمخرجات، ثم تقيمها، وإدارتها.
ساحة النقاش