1– التراث فى العربية أصله ورث ووراث وأبدلت الواو تاء فصارت تراثاً ، والتراث ما يخلفه الرجل لورثته من مال أو مجد. والتراث والإرث والميراث مترادفة ، وإن كان بعض اللغويين يرى أن الميراث فى المال والإرث فى الحسب بدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث ابن مربع الأنصارى إلى أهل عرفة فقال اثبتوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم ، وإرث إبراهيم ليس مالاً ولكنه دين وعلم وهداية .
(ابن منظور د. ت 201)
وقد وردت كلمة التراث فى القرآن مرة واحدة بمعنى الميراث فى الآية الكريمة:(وتأكلون التراث أكلاً لما )" الفجر آية 19" أى تأكلون الميراث لا تسألون أمن حلال هو أم من حرام ؟ وهكذا فإن كلمة التراث فى العربية تعنى الميراث وهو يشمل المال كما فى الآية السابقة ، كما يشمل الدين والعلم والهداية – كما فى قول النبى صلى الله عليه وسلم السابق ، ويتضح أيضاً فى قول الله تعالى فى دعاء زكريا :( يرثنى ويرث من آل يعقوب ) "مريم آية 6" فالمراد هنا " وراثة العلم والدين " وكذلك فى قوله تعالى : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) "فاطر آية 32" فالمقصود هنا وراثة الاعتقاد والإيمان بالكتب المنزلة من قبل القرآن .(الطبرى د.ت :467)
وقد أطلق الصحابى أبو هريرة كلمة الميراث على التراث العقائدى والثقافى عندما خاطب الصحابة " أنتم هنا وميراث محمد يوزع فى المسجد ... " فلما انطلقوا إلى المسجد اندهشوا إذ لم يجدوا سوى حلق الذكر وتلاوة القرآن فأوح لهم أبو هريرة : إن هذا هو ميراث محمد صلى الله عليه وسلم .وهكذا نخلص إلى أن التراث فى لغة العرب بمعنى الميراث ويطلق على وراثة المال والعقيدة والدين والمجد والحسب.(محمد سليمان 1990: 21)
2-التراث اصطلاحاً :ثمة تعريفات عديدة لتراث نذكر منها على سبيل المثال:
· التراث هو : مجموع الماديات والروحيات التى تصاحب الأمة على مدار تاريخها.(عبد الحليم عويس1987: 278)
· التراث هو " تلك الحصيلة من المعارف والعلوم والعادات والفنون والآداب والمنجزات المادية التى تراكمت عبر التاريخ . وهو نتاج جهد إنسانى متواصل قامت به جموع الأمة عبر التاريخ ، وعبر التعاقب الزمنى أصبحت هذه الحصيلة المسماة التراث تشكل مظاهر مادية ونفسية ونمطاً فى السلوك والعلاقات وطريقة فى التعامل والنظر إلى الأشياء " .
(محمد محفوظ 1998: 108)
· التراث هو كل ما خلفه السلف – أى سلف – للخلف – أى خلف – فى مجال العقائد والفلسفة ، والعلوم ، والآداب ، والسلوك ، واللغة ، والفن ، والعمران . والتراث مكتوب ومفعول ، يشمل المخطوطات ، والذخائر العلمية الأدبية التى تحتاج إلى نشر وتحقيق ودراسة،ويشمل الحدث التاريخى الذى يحتاج إلى فقه تاريخى".( ميمون النكار 1986: 57)
وإذا تأملنا التعريفات السابقة يتبين لنا ان التراث – بإيجاز – هو ما خلفه السلف للخلف من عقيدة وحضارة مادية ومعنوية . ويتصف التراث بما يلى:
1. يعد التراث ركناً أساسياً من أركان الهوية الثقافية للأمة .
2. يمثل التراث للأمة خزانة الخبرات والعبر التى يجب عليها الاستبصار بها فى تعاملها مع حاضرها ومستقبلها.
3. التراث يتضمن جانبين : معنوى ( عقائد ، علوم ، أدب ، قيم ... الخ ) ومادى ( أشياء ، مبانى ، آثار ، وقائع وأحداث ... الخ ) .
4. التراث ( فيما عدا العقيدة السماوية ) نتاج بشرى ، ويحمله بشر( السلف ) إلى بشر ( الخلف ) .
5. إذا كان التراث ( فيما عدا العقيدة السماوية ) نتاج بشرى ، فإنه يتضمن فى داخله ن الأفكار والأفعال الصحيح والخطأ ، السلبيات والايجابيات .
6. التراث حاضر فينا بمعنى أنه يعد مكوناً من مكونات فكرنا ووجداننا وسلوكنا ، وله فعله وتأثيره فى الحاضر. وهذا ما دعا البعض إلى وصف التراث بـ " المتصل " الحى الذى ينحدر مع الأجيال الماضى إلى الحاضر ويتجه صوب المستقبل فى تدفق مستمر .
التراث الإسلامى :
عند الحديث عن التراث الإسلامى يثار دائماً السؤال التالى : ما موقع الإسلام ( قرآناً وسنة ) من التراث الإسلامى ؟ هناك مواقف ثلاثة تجيب عن هذا السؤال إجابات مختلفة :
1- فهناك من يخلط بينه وبين الدين ، ومن ثم يخلع على التراث صفة القداسة التى هى للدين ؛ إذ " لا يزال بعضنا يصر حتى اليوم على نقل القدسية من الكتاب والسنة المعصومين إلى أقوال واجتهادات البشر الفقهية، والفكرية وفعلهم التاريخى " وهؤلاء " يدافعون عن التراث كله على أنه دين " .(طه العلوانى 1991 :28)
2- وهناك – فى المقابل – من ينادى بالفصل التام بين الدين والتراث الإسلامى بدعوى أن " الدين إلهى ، والتراث بشرى ، ولا ينبغى أن نخلط بين البشرى والإلهى " إلا أن البعض يحذر من هذا الرأى ويراه " حيلة خبيثة أو قوله حق يراد بها باطل ، تسعى إلى وضع القرآن والسنة موضع النصوص المقدسة البعيدة عن البشر بما يعنى جمودها " فضلاً عن أن " إخراج الإسلام من التراث يحول التراث إلى لا شىء" .
(محمد محفوظ 1998: 109)
3- وهناك رأى ثالث يرى أصحابه أن التراث " لا يقتصر على المنجزات الحضارية بل أنه يشتمل أيضاً على الوحى الإلهى ( القرآن والسنة ) الذى ورثناه عن أسلافنا ". (محى الدين عطية 1995: 27)
وعلى ذلك يصبح فى التراث جانبان :
الأول :إلهى مقدس يتمثل فى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة .
والثانى : بشرى لا قداسة له يتمثل فى إبداعات الإنسان الحضارة فى المجالات المعنوية والمادية ، ويجوز عليها – بحكم بشريتها – الصواب والخطأ .
والنظر إلى التراث والتعامل مع وفق هذا الموقف الأخير " لن يكون واحداً، إذ أن الوحى الإلهى لا يقبل الانتقاء والاختيار منه ، أو محاولة تطويعه للواقع ، أو التفكير فى توظيفه لتحقيق مصالح خاصة أو عامة ، بل هو إطار يحكم الحياة ولكنه يدعها تتطور داخله ، فإذا انفلتت خارجة عنه ، فقد وقع انحراف لا بد من تقويمه ، وأما المنجزات البشرية الحضارية ، فإنها قابلة للانتخاب والتوظيف وفق الرؤية المعاصرة.
وهكذا فالقرآن والسنة النبوية الشريفة إن أدخلا فى التراث فإنهما " يسموان عليه ، فالتراث ينطلق منهما وينضبط بهما. فالقرآن الكريم قوام على التراث وحفيظ على ما فيه من القيم، كما أنه – أى القرآن– قوام على السنة الصحيحة التى هى تطبيق له،وهما الإطار الذى يجب أن نرجع إليه ونحتكم فى كل قضايا التراث" .
ومن ثم ، يصبح التراث الإسلامى عند أصحاب هذا الموقف الأخير هو " ما ورثناه عن آياتنا من عقيدة ، وثقافة ، وقيم ، وآداب ، وفنون وصناعات وسائر المنجزات الحضارية الأخرى المعنوية والمادية " .
(محى الدين عطية 1995: 27)
وتأسيساً على ما سبق ، واستناداً إلى هذا الموقف الأخير ، الذى تتبناه الدراسة الحالة ، يمكن أن نعرف التراث الإسلامى – بإيجاز – بأنه كل ما خلفه لنا أسلافنا المسلمون من عقيدة دينية ( القرآن والسنة ) وعطاءات حضارية(مادية ومعنوية ).
تعاملنا الراهن مع التراث الإسلامى :
فى لحظات التحول الحضارى عندما تنهض الأمة لإقامة حضارة فى أعقاب دورة حضارية سابقة لها – كأمتنا – " تجد نفسها أمام تراث فكرى قد تخلف لديها من أيام الصعود والثبوت والانحطاط الحضارى ، مضافاً إلى هذا الفكر المتسرب من الحضارات المحيطة بها . وهنا تبدأ فى الأمة معارك وصراعات بين ألوان الفكر المختلفة ... الفكر المتسرب من الحضارات المعاصرة ، وقد تمثل فى أنظمة متقدمة عصرية حية ، بينما فكر التراث قد تمثل فى أنظمة من الماضى أصبحت تاريخاً وآثاراً ، وكلاهما بالنسبة للأمة لا يمثل الذاتية ، الأول يمثل تغايراً فى المكان ، والثانى يمثل تغايراً فى الزمان " .(سيد دسوقى ومحمود سفر 1981:38-39)
ومن الطبيعى أن " الحيرة الفكرية التى تتولد فى عقل الأمة وتترسب فى ضميرها نتيجة لهذا التغاير وذلك التباين تكون أشد تأثيراً عليها فى لحظات الإعداد الحضارى ، خاصة عندما لا يكون لهذه الحيرة عمق علمى أو سبب جوهرى ، بل يكون الأمر كله حيرة بين شعارات مختلفة تبدو متناقضة " . (محمد سفر 1990: 58 )
وفى إطار هذه الحيرة ، كلما طرحت مسألة التراث نجد الناس – بعامة – حيالها فريقين: فريق مع التراث، وفريق ضده ، وداخل كل فريق يتوزع الناس جبهات تتقارب أحياناً وتتباعد أحياناً كثيرة ،وربما يكون التحزب إلى جانب أحد هذين الفريقين تحزب ضد الآخر . وإن كان هناك فريق ثالث بازغ لا يحظى باتساع وانتشار الفريقين السابقين ينأى أصحابه عن التعصب مع أو ضده التراث ، ويؤكدون ضرورة إخضاع تراثنا للفرز والتمحيص بغرض استثمار إيجابياته فى تحقيق نهضتنا المنشودة . وعلى ذلك يمكن أن نحدد أبرز المواقف التى تعكس تعاملنا الراهن مع التراث الإسلامى إما بالعودة إلى التراث والاكتفاء به ؛ حيث يرى أصحاب هذا الموقف أن السبيل إلى تجاوز وهننا وتحقيق نهوضنا الحضارى هو العودة إلى تراثنا ، و " التزام حرفية الأقوال والأعمال والتصرفات والعادات التى كان السلف يلتزمونها ويمارسونها دون زيادة عليها ولا نقصان منها ولا تغيير لها " لأن أية مخالفة لما تركه لنا السابقون تنال حتماً من شخصية الأمة وتشوه هويتها.
وينطلق أصحاب هذا الموقف من رؤية تقوم على تقديس التراث استناداً إلى نظرة مثالية لا ترى فى الإمكان إبداع ما هو أحسن مما كان . ومن ثم ، فإن المطلوب هو أخذ التراث كما هو ، والنسج على منواله ، واستعادة نماذجه بحذافيرها إلى واقع اليوم ، لأن السلف لم يتركوا مجالاً إلى طرقوه ، وليس بعد ذلك من مجال لإبداع أو تقدم .(إسماعيل الملحم1987: 9)
وتتعدد العوامل التى تقف وراء هذه الدعوة إلى العودة إلى التراث ، فالبعض يرى أن هذه الدعوة تعبر عن حالة التخلف التى يعيشها أصحابها ، " فالمتخلف بطبعه يركن دوماً إلى تقليد نموذج جاهز ، فهو غارق فى التقليد لا يستطيع أن يمارس غير عملية النقل ، فيركن إلى نموذج سلفى يحتمى به ويفر إليه من واقعه " .
وهناك من يرجع هذه الدعوة إلى الثورة الراهنة فى مجال الانتقال والاتصال ، والتى تهاوت على أثرها الحواجز والحدود الجغرافية ، فإذا بثقافات الآخرين تحل بدارنا عبر وسائل لإعلام المتعددة ، وإذا بملايين المسلمين يوشكون أن يفقدوا معالمهم وسط طوفان الأفكار والنظم الوافدة إلينا. واستتبع ذلك أن استولى الخوف من الضياع على الكثيرين ، وأصبحت تطاردهم أشباح غزو جديد يقضى على ما بقى على للمسلمين من فرص الإفاقة والانبعاث ، ويسلبهم معالمهم ، ويجعل منهم موالى تابعين لحضارة أخرى . ونتيجة لذلك كله برزت الدعوة إلى العودة إلى التراث والاعتصام به باعتباره المنفذ من الضياع الوسيلة الآمنة لانبعاثنا الحضارى من جديد.
وهناك من ينظر نظرة الأحادية للتراث ، أو يبالغ فى الافتخار بالتراث ،
أو ينظر نظرة غير فاقهة للتراث ، بل نجد من يرفض التراث ، وهناك أيضا من يستثمر النافع من التراث فى إنهاض الأمة.(أحمد كمال 1988: 197)
أنواع التراث :
التراث تركة الأجيال الماضية ، وهو يتنوع فى عناصره المادية والمعنوية والحضارية لدرجة أنه يصعب حصر أنواعه وأشكاله ، فمنه ما يتصل بالعلم والمعرفة ، ومنه ما يتصل بالمعتقدات والفن والأخلاق والصناعات والحرف، ويدخل فى التراث كل ما يكتسبه المجتمع من سلوكيات وخبرات وأفكار متراكمة عبر العصور ، وهى تنتقل من جيل إلى جيل عن طريق اللغة والتقليد والمحاكاة والتعليم والتعلم.(مبارك الهاشمى 2002 : 146 )
ويعد التراث الدينى بتنوعه وتعدد أشكاله من أهم أنواع التراث ، وإذا كان من الصعب حصر أنواع التراث الدينى ، إلا أنه يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالى:
§ الوثائق والمخطوطات المحفوظة فى المتاحف والمكتبات العالمية .
§ القيم والعادات والتقاليد التى تميز الشعوب المسلمة عن غيرها من الشعوب الأخرى .
ساحة النقاش