التربية هى وسيلة المجتمع لحل مشكلاته وتحقيق آماله وتفجير طاقته البشرية واستغلال جميع مصادر الطبيعة وإمكانياته،ولما كان المنهج هو المنهج هو وسيلتنا إلى تحقيق أهداف التربية ، فلابد من بذل أقصى ما يمكن من الجهود لبناء المناهج وتطويرها على أفضل صورة ممكنة مع ضرورة الأخذ فى الاعتبار جميع العوامل التى تؤثر فى النهج حيث أن المنهج بتأثير بعوامل متعددة منها العلم والثقافة والتربية والمجتمع والتلميذ والبيئة وسائر جوانب الحياة .
وكل عامل من هذه العوامل يمثل محيطا بعيدا من الأغوار مترامي الأطراف وبالإضافة إلى ذلك فإن كل عامل منها يتطور تطويرا سريعا . فإذا نظرنا إلى دائرة العلم والثقافة على سبيل المثال فاننا نجدها تتضاعف كل عشر سنوات أو أقل من ذلك وتطرأ عليها تغيرات جسيمة ، وكذلك الحال بالنسبة للدراسات التربية والاجتماعية والنفسية وغيرها .
فإذا تذكرنا أن جميع هذه العوامل المتعددة المتطورة فى تفاعل عضوى مستمر مع بعضها البعض ، فإننا نستطيع أن ندرك أن أى منهج نقترحه انما هو مجرد اجتهاد فى سبيل تحقيق الغايات المنشودة .
ومن ذلك تبدو أمامنا أهمية عملية التطوير والعمل الدائم على الوصول بالمناهج إلى أحسن ما يمكن أن تصل إلية حتى لا تتخلف عن ركب الثقافة النامية المتطورة .
إجراءات تطوير المنهج :
يقصد بإجراءات تطوير المنهج تلك الطرق المنظمة المتبعة لمراجعة المنهج وتحسينه وتنقيحه ، ومن ثم الحصول على المنهج المطور المستهدف ؛ أى أنه الأسلوب الإجرائى الذى سيتولى ترجمة كل من تصميم المنهج وتنظيمه ونموذج تطويره إلى منهج دراسى واقع . وبالتالى فإن أى إجراء تطوير للمنهج لابد وأن يتناسب مع كل من :
- الأسلوب التنظيمى للمنهج .
- طبيعة ومعايير عناصر المنهج المقترحة .
- نموذج تطوير المنهج .
- الفترة الزمنية المقترحة للتطوير .
- الإمكانات المادية والبشرية المتوفرة لأعمال التطوير .
- الخصائص الثقافية والحضارية التى يتمتع بها المجتمع المحلى .
ويتوافر فى مجال صناعة المناهج عدد ليس بالقليل لأساليب إجراء تطوير المنهج ، حيث يختار مطور المنهج منها ما يناسب حالته المنهجية ، ومن هذه الأساليب :
أولا : إجراء التطوير بالإدارة المركزية :
تتولى الإدارة المركزية وفقا لهذا الإجراء مسئولية تطوير المنهج الدراسى ، حيث يتم تعيين إداري رئيس يقوم باختيار عدد من الإداريين والمختصين ليشكلوا لجان التطوير التالية :
1- لجنة المنهج العليا ، وتتكون من الإدارى المركزى الرئيسى وعدد مختار من الإداريين والمختصين وبعض المعلمين المؤهلين ، وتقوم هذه اللجنة بوضع الخطط التطويرية العامة وتقترح الأغراض التربوية العامة للمنهج .
2- لجنة بناء المنهج ، وتتكون من عدد من المختصين الأكاديميين والتربويين وكذلك عدد من المعلمين المؤهلين فى أثناء الخدمة ، وتقوم هذه اللجنة بصوغ أهداف المنهج العامة والخاصة ، واختيار المحتوى المعرفى ، وتصميم أنشطة التعليم والتعلم ، وتحديد أساليب وأدوات التقويم .
3- لجنة مراجعة المنهج ، وتتكون من عدد من المختصين فى صناعة المنهج ؛ حيث تقوم هذه اللجنة بالتحقق من تسلسل خبرات المنهج وتتابعها ، وملاءمتها للأهداف المحددة ، وكذا التحقق من ملاءمة المنهج بوجه عام للفئة الطلابية المستهدفة .
4- لجنة تجريب المنهج ، وتتكون من عدد من المعلمين ومديرى المدارس ، وتتولى هذه اللجنة عمليات الإشراف والتوجيه الخاصة بتنفيذ المنهج وتجريبه والرعاية له فى المدارس ، وتدريب المعلمين المعنيين نفسيا وتربويا وأكاديميا على تطبيقه . كما تقترح هذه اللجنة التعديلات النهائية على المنهج ، وتوصى بتبنيه فى التربية المدرسية .
ثانيا : إجراء التطوير بالقاعدة التربوية العريضة :
يسير هذا الإجراء فى طبيعته عكس الإجراء السابق ، حيث يتولى المعلمون والإداريون وعدد من الطلاب وأولياء الأمور مسئولية تطوير المنهج المطلوب ، وبطبيعة الحال تقوم الجهة الإدارية الرسمية بتزويد هؤلاء الأشخاص بكافة المواد والمواصفات والمعايير والبيانات التى تستلزمها عمليات تطوير المنهج .
ثالثا : إجراء التطوير بأسلوب بوشامب :
يتلخص إجراء تطوير المنهج الدراسى بأسلوب بوشامب فى الخطوات التالية :
1- تحديد خصائص الفئة الطلابية المستهدفة .
2- اختيار عمال المنهج( المشتركون فى عملية التطوير) وتنظيمهم فى الفئات التالية :
- مختصون أكاديميون وتربويون وإداريون .
- ممثلون عن المعلمين .
- ممثلون عن أولياء الأمور .
- نخبة من مؤلفى الكتب الدراسية المقررة .
- نخبة من قادة المجتمع السياسين والاقتصاديين والإعلاميين .
3- تخطيط المنهج من خلال مراعاة كافة الإجراءات والتنظيمات والمعايير فى عمليات اختيار عناصر المنهج .
4- تنفيذ المنهج فى المدارس التجريبية .
5- تقويم فعالية وكفاءة المنهج التربوية وصلاحية عمليات تطويره .
رابعا : إجراء التطوير بأسلوب تابا المنعكس :
يتم تطوير معظم المناهج الدراسية من المختصين أولا ، ثم تجربتها مبدئيا فى عدد من المدارس التجريبية لاختيار مدى صلاحيتها والعمل على إجراء التعديلات قبل تعميمها . أما إجراء هيلداتابا الخاص بتطوير المنهج فهو عكس هذا الإجراء ؛ حيث يبدأ بتطوير قطاعات محدودة من المنهج بواسطة المعلمين على شكل وحدات تدريسية ، ثم تجرب هذه الوحدات وتنقح ، حيث تستخدم بعد ذلك من قبل المختصين لتطوير وحدات المنهج الأخرى . ويتلخص إجراء تطوير المنهج بأسلوب تابا المنعكس فى الخطوات التالية :
1- تحديد وحدة المنهج أو الوحدات التجريبية المراد تطويرها فى ضوء صعوبة تعلم المفاهيم المتضمنة فيها أو الحاجة التربوية الملحة لدراستها .
2- تطوير الوحدات التجريبية فى ضوء الخطوات التالية :
- تحليل حاجات المتعلمين .
- تحديد الأهداف التعليمية .
- اختيار المحتوى المعرفى وتنظيمه .
- اختيار خبرات التعلم وتنظيمها .
- تقويم خبرات التعلم لدى المتعلمين .
3- تنقيح الوحدات التجريبية ودمجها معا والتحقق من تمثيلها للأهداف العامة للمنهج ، وتتابع موضوعاتها وأنشطتها التعليمية .
4- تنظيم الوحدات المندمجة من قبل مختصين فى علم المناهج ، والتحقق النهائى من تكامل الوحدات معا واستجابتها للحاجات المتنوعة لنمو المتعلمين ، وبانتهاء هذه الخطوة يكون قد حصلنا على المنهج المطور .
5- تطبيق المنهج المطور فى المدارس المعينة .
خامسا : إجراء التطوير بأسلوب روبرت برانسون :
يقترح روبرت برانسون فى هذا الإجراء الخطوات والمهارات التطويرية التالية :
1- تكوين لجنة عليا تضم مجموعة من :
- مختص تطوير مناهج .
- مختص أكاديمى .
- مختص تكنولوجيا التعليم .
- مختص لغة .
- مختص تربية وعلم نفس .
وتقوم هذه اللجنة بمراجعة ما تنتجه فرق التطوير الفرعية من دروس ووحدات المنهج ، واقتراح التعديلات المناسبة لها .
2- اختيار فرق التطوير الفرعية والتى تقوم بتطوير عناصر المنهج ومواده التعليمية ، وكتابتها حسب المواصفات التخطيطية المقترحة .
3- عقد دورات تدريبية لأعضاء الفرق التطويرية كل حسب اختصاصه ومسئولياته للحصول على منهج ذى فعالية وكفاءة .
4- تعيين عدد من الموجهين للإشراف على جدولة أعمال التطوير ونقدها البناء ومن ثم إجازتها .
5- طبع كل فصل أو وحدة دراسية يتم تطويرها ، ثم توزيعها على أكبر عدد ممكن من المعلمين المعنيين بتدريس المنهج لتجربتها فى غرفهم الصفية ، وتزويد فرق التطوير بعدئذ بتغذية راجعة بخصوص مدى صلاحيتها التربوية .
6- كتابة وثيقة المنهج بعد إجراء التعديلات التى أشار بها المعلمين نتيجة التغذية الراجعة.
سادسا : إجراء التطوير بأسلوب اليوت آيزير :
يتلخص إجراء اليوت آيزير لتطوير المنهج فى الخطوات التالية :
1- تشكيل فريق لتطوير المنهج يضم الفئات التالية :
- قائد متخصص فى تطوير المناهج لتوجيه أعمال التطوير .
- خمسة طلاب دراسات عليا مختصين فى المادة الأكاديمية للمنهج .
- ثلاثة طلاب دراسات عليا مختصين فى المناهج .
- طالب دراسات عليا مختص فى تصميم المنهج وإنتاج مواده التعليمية .
- أربعة معلمين كمستشارين ولاستخدام فصولهم الدراسية لتجريب المنهج المطور .
2- كتابة الفريق لدروس المنهج مع تطوير مواده التعليمية ، ثم مناقشة ذلك مع المعلمين الأربعة المستشارين .
3- تجربة الدروس المكتوبة من قبل المعلمين الأربعة فى فصولهم الدراسية ثم تنقيحها مع الفريق بناء على نتائج التطبيق .
4- وضع الدروس فى تسلسل مناسب ضمن وحداتها المقررة للحصول على المنهج المطلوب .
سابعا : إجراء التطوير بأسلوب ديفيد مارتين :
يتم تطوير المنهج وفقا لأسلوب ديفيد مارتين بواسطة أربعة أنواع من فرق المعلمين كالتالى :
1- فريق اختيار وتحديد المفاهيم والمهارات المتضمنة فى المنهج ، حيث يضم هذا الفريق عددا مناسبا من المعلمين المعنيين بالمنهج الجديد ، وبطيعة الحال يستخدم هذا الفريق المقترحات التخطيطية المقدمة من الجهات المختصة فى إنجاز مهمته .
2- فريق اختيار وتنظيم محتوى المفاهيم والمهارات المنهجية ، حيث يضم هذا الفريق - أيضا – عددا مناسبا من المعلمين ، يتولى اختيار مجموعة الحقائق والمفاهيم والتعميمات والمهارات المراد إكسابها للمتعلمين وتنظيمها مع مراعاة عناصر الاستمرارية والتكامل والتتابع .
3- فريق تجريب المنهج وتنقيحه ، حيث يتولى هذا الفريق تجريب المنهج من خلال تدريسه فى فصولهم الدراسية ، واقتراح التعديلات اللازمة بناء على نتائج التغذية الراجعة ، ثم كتابة الصيغة النهائية للمنهج وطبعه بأعداد كافية استعدادا لتنفيذه فى المدارس المعينة .
ثامنا : الإجراء التطويرى المتبع فى جمهورية مصر العربية :
إدراكا لحقائق العصر الذى نعيشه ... عصر التفجير المعرفى ، وثورة المعلومات ، والثورة التكنولوجية الثالثة ، وعصر الذكاء الإنسانى ، وتحديات القرن الحادى والعشرين ، وما يتطلب توافره فى طفل اليوم ليواجه هذه التحديات ، والتكامل بين جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية .. وضعت مصر قيادة وشعبا ، قضية التعليم على قمة أولوياتها ، واعتبر التعليم ركيزة التقدم ، والشرط الأساسى الذى لا غنى عنه لملاحقة كل تطور ، وأنه العنصر الذى يحكم قدرتنا على مواجهة تحديات العصر بقوة واقتدار ، بل اعتبر التعليم قضية زمن بمعناه الشامل ، وهو طريقنا للمنافسة فى الأسواق ، الداخلية والخارجية ... حيث لم يعد التنافس بين القوى العظمى والكبرى الآن صراعا حول تملك القنابل والصواريخ ، والطائرات ، وأسلحة الحرب .. لقد أصبحت الحرب بين الكبار الآن،منافسة وحرب حول التعليم .
ومن هذا المنطلق تغيرت النظرة إلى التعليم من كونه خدمة من الخدمات ، إلى كونه استثمارا ، ويجب أن تتوافر الاستثمارات اللازمة لتطوير التعليم فى محاورة المختلفة المتعددة ..
فلم يعد تطوير التعليم مسئولية وزير أو وزارة التربية أو التربويين ، وإنما صار عملا قوميا ، تشارك فيه جميع الهيئات والقنوات الشرعية والأفراد ، ويعكس آمال الرأى العام وطموحاته ، ورغباته ، مما يؤكد الأساس الديمقراطى للسياسة التعليمية الجديدة ، وما يتضمنه من جهود لتطوير التعليم ، وهذا بالإضافة إلى الأساس العلمى الذى يضمن اجتهاد المتخصصين والمسئولين .
ساحة النقاش