الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

عندما ظهرت الحركة التقدمية فى التربية وبخاصة فى مطلع القرن الماضى ركزت هذه الحركة عنايتها على الطفل وخاصة تلميذ المرحلة الابتدائية ،وربما كرد فعل للمنهج التقليدى ، الذى استمر عشرات السنين مركزا كل اهتمامه على المواد الدراسية حتى أصبحت هدفا فى حد ذاتها وقد أدى ذلك إلى إهمال التلميذ ، فلم يكترث بميوله ولم ينظر إلى حاجاته ، ولم يهتم بمشكلاته ، بل وقدم المواد الدراسية إلى التلاميذ دون مراعاة لما بينهم من فروق فردية كما أدى ذلك أيضا إلى إهمال المجتمع فتقوقعت المدرسة داخل أسورها ، وعزلت نفسها عن البيئة والمجتمع وقد أدى ذلك إلى فشلها فى القيام برسالتها الاجتماعية وإخفاقها فى تحقيق الأهداف التى من أجلها ... وتغير هذا الوضع تدريجيا عن طريق تعديلات طرأت على المنهج التقليدى ( منهج المواد المنفصلة ) أدى إلى ظهور منهج المواد المترابطة ثم منهج المجالات الواسعة ولكنها لم تحقق النجاح المطلوب منهج المواد المترابطة ثم منهج المجالات الواسعة ولكنها لم تحقق النجاح المطلوب والهدف المنشود إلى أن ظهرت الوحدات الدراسية مستهدفة إزالة الحواجز بين المواد فى الوقت الذى اتاحت فيه الفرصة أمام التلاميذ للقيام بالأنشطة المختلفة ، ومعنى ذلك أنها قللت من التركيز على المادة ، وزادت من اهتمامها بالتلميذ عن طريق الأنشطة التى تهيؤها له وبذلك أدخلت الوحدات الدراسية النشاط على منهج المدرسة ، واعتبرته جزء لا يتجزء بعد أن كان نوعا من التسلية والترفيه .

ثم ظهر منهج النشاط كرد فعل مباشر للمنهج التقليدى ؛ فنقل مركز الاهتمام من المادة إلى التلميذ وجعله محور العملية التربوية واهتم بميوله ورغباته اهتماما كبيرا وصل إلى حد التطرف لدرجة أن أى نشاط لا بد وأن يتجاوب مع ميول التلاميذ ويتمشى مع رغباتهم ، وأصبح لهذا المنهج الكثير من المؤيدين والنصار ، ووجد فى المدرسة الإبدائية مكانا خصبا لتطبيقه ، وأقبل التلاميذ على الأنشطة والمشروعات إقبال الجائع على الطعام .

وفى الوقت نفسه أقبلت المدارس الابتدائية على الأخذ بنظام الوحدات الدراسية  كما سبق أن أوضحنا ، وبذلك أصبحت المرحلة الابتدائية ميدانا فسيحا لا تجاهين حديثين ، يتمثل أحدهما فى الوحدات ويتمثل الآخر فى المشروعات .

ونجح كل من الاتجاهين فى تثبيت أقدامه ، وكسب عدد كبير من المؤيدين والأنصار ، وأدى هذا النجاح إلى دفع المهتمين بالتعليم الثانوى إلى التفكير جديا فى تغيير مناهج المرحلة ، بحيث يتناسب هذا التغيير مع طبيعة ورسالة المدرسة الثانوية .

وبدأ هذا الاتجاه يتعدل بظهور المدرسة الثانوية التى زادت عدد التلاميذ المقبولين بها وكان السؤال الأول الذى طرح نفسه عليهم هو ( هل نطبق على المدرسة الثانوية الطرق التى اتبعت فى المدرسة الابتدائية ؟  أو بمعنى أخر ( هل تصلح طرق المشروعات والمشكلات والوحدات للمرحلة الثانوية)  ؟

وكانت الإجابة على السؤال بالنفى أى أن هذه الطرق لا تصلح للمدرسة الثانوية للأسباب التالية :

1- إن هذه الطرق مبنية على النشاط الذاتى التام للتلميذ ، فهو يتعلم كل شئ عن طريق النشاط وهذا يناسب خصائص نمو الطفل فى هذه المرحلة أما المرحلة الثانوية فإن التلميذ يكون قد وصل إلى درجة من النمو العقلى تسح له بدراسة الحقائق والمفاهيم والنظريات على مستوى أعلى وبطرق مخالفة عن تلك التى تتبع فى المرحلة الابتدائية .

2- إن هذه الطرق تصلح تماما للمرحلة الابتدائية لأنها لا تتعرض إلا لعموميات الثقافة دون الدخول فى التفصيلات ، أما المدرسة الثانوية فهى بطبيعة كيانها تعد المتعلم للتعلم الجامعى وهذا النوع من العلم قائم على التخصص وبالتالى فإن الطرق المستخدمة فى المدرسة الابتدائية لا تصلح للمرحلة الثانوية .

3- إن هذه الطرق تركز تركيزا كبيرا على ميول التلاميذ ورغباتهم ، ويؤدى ذلك إلى ذلك إلى عدم الاهتمام بالمجتمع بالدرجة الكافية ، وتلميذ المدرسة الثانوية على أبواب فلا بد أن يكون التركيز فى المنهج المقترح للمدرسة الثانوية على المجتمع واتجاهاته ومشكلاته.

كل ذلك أدى إلى التفكير فى منهج يعمل على اشباع حاجات الفرد فى إطار اجتماعى ، مع الاستفادة فى نفس الوقت من النجاح الذى حققته المدرسة الابتدائية عن طريق استخدام منهج النشاط ومنهج الوحدات .

من هذا المنطلق قامت رابطة التربية ، التقدمية بالولايات المتحدة بدراسة بدأتها سنة 1933 ، واستمرت حتى سنة 1941 ، أى أنها استمرت ثمانى سنوات ، وانتهت هذه الدراسة بمجموعة من النتائج مهدت الطريق لظهور المنهج المحورى([1]) .

ماهية المنهج المحورى :

تتشابه كلمة محور فى اللغة إلى حد كبير مع كلمة ( مركز ) ، أى النقطة التى يدور حولها شىء ما ، أو الجزء الرئيسى من الموضوع الذى ترتبط به ، وتدور حوله بقية الجزاء ، وعلى هذا الأساس يكون المنهج المحورى هو المنهج الذى يدور حول محور من المحاور ، ولقد ترك الخبراء والمتخصصون فى المناهج وطرق التدريس تحديد هذا المحور حيث توجد العديد من المحاور المتعددة تدور حولها المناهج والطرق القائمة عليها ، فقد حدث اختلاف كبير بين المتخصصين فى تفسيرهم لمفهوم المنهج المحورى ، فمناهج المواد الدراسية مثلا كانت تدور حول محور واضح ومحدد هو ( المعلومات ) ، حتى أصبحت هذه المعلومات الهدف من الدراسة ، والوسيلة لتحقيق أهداف أخرى .

وكما دارت مناهج المواد حول محور أطلقنا عليها ( المعلومات ) فإن مناهج النشاط قد دارت حول محورا آخر هو التلميذ ، وأصبح كل شىء فيها مسخرا لإرضاء ميوله ورغباته وإشباع حاجاته .. وإذا عدنا مرة ثانية إلى المنهج المحوري لوجدنا أن التعريفات قد اختلفت باختلاف المحاور نفسها وطبقا للاتجاهات التى ظهرت فى هذا المجال ووفقا للطرق التى تم تجربتها فى بعض المدارس ووفقا لبعض النتائج التى توصلت إليها رابطة التربية التقدمية بالولايات المتحدة الأمريكية يمكننا أن نعد المحاور المختلفة على النحو التالى :

1- محور يقوم على بعض المواد العامة التى يجب على جميع التلاميذ دراستها فى مرحلة معينة على أن تعمل هذه المواد على إشباع حاجات التلاميذ بصفة عامة ويطلق عليها البعض ( مواد التربية العامة ) مثل : ( اللغة القومية ، العلوم ، الرياضيات ، المواد الاجتماعية ، بعض الفنون ، ... ) ولا تختلف هذه المواد كثيرا عن وضع المواد فى المنهج التقليدي إلا فى كونها تهدف إلى إشباع الحاجات العامة للتلاميذ .

2-  محور يقوم على ربط بعض المواد المتشابهة تدرس فى نفس الصف .

3- محور يقوم على دمج أكثر من مادة فى مجال واحد ، بحيث تذوب الفوارق نهائيا بين المواد المدمجة ، مثل دمج الجغرافية بالتاريخ ، أو دمج التاريخ بالأدب ، أو دمج الجغرافيا بالجيولوجيا أو دمج الكيمياء بالفيزياء .. إلخ .

4-  محور يقوم على حاجات التلاميذ ومشكلاتهم المشتركة.

5- محور يقوم على موضوع من موضوعات المادة ويتعرض لكافة المعلومات المرتبطة بهذا الموضوع مثل : ( الماء – الهواء – الأمراض – الخ ) .

6-  محور يقوم على ميول التلاميذ المشتركة .

7- محور يقوم على دراسة مادة واحدة تعتبر نقطة الانطلاق وتتجمع حولها بقية المعلومات المختلفة ، ومن أمثله هذه المادة : تاريخنا القومى ، وعاداتنا الاجتماعية – واقتصادية – الدين الاسلامى.

8-  محور يقوم على حاجات التلاميذ ومشكلات التلاميذ فى ضوء حاجات المجتمع ومشكلاته.

9-  محور يقوم على المشكلات الاجتماعية .

10-   محور يقوم على أحد الاتجاهات السائدة فى المجتمع .

11-   محو يقوم على جانب من جوانب الحياة الاجتماعية .

12-   محو يقوم على نشاط موجه لخدمة البيئة.

إن خصوصية المدرسة الثانوية وارتباطها بالجامعة من ناحية ، ومحاولة دفع التربية للقيام بوظيفتها الاجتماعية وخاصة بعد أن ركزت مناهج النشاط على التلميذ أكثر مما ينبغى الأمر الذى دفع الخبراء إلى الاهتمام بالمحاور التى تدور حول حاجات التلاميذ ومشكلاتهم فى إطار حاجات المجتمع ومشكلاته .

ولهذا السبب يرى كثير من رجال التربية أن اصطلاح( المنهج المحورى ) ليس سليما ولا دقيقا لأنه يمثل فى واقع الأمر جزءا من المنهج المدرسى وليس المنهج كله بالإضافة إلى أنه لم يأت بجديد ، وإنما استخلص خطواته العريضة من المناهج والطرق التى كانت سائدة قبل ظهوره ، وعلى هذا الأساس فإن تعتبر ( البرنامج المحورى ) يعتبر أكثر صوبا ودقة وتكون الحاجة إلى استخدام هذا التعبير أكثر عندما نتكلم عن محتويات هذا المنهج وكيفية تنظيم اليوم الدراسى فى ظله .

ومن ثم يمكن تحديد البرنامج المحورى على أنه ذلك الجزء الرئيسى من المنهج الذى يشترك فيه جميع التلاميذ ويهدف هذا الجزء إلى تزويدهم بالحقائق والمفاهيم وإكساب المهارات والاتجاهات اللازمة لهم فى حياتهم كمواطنين ، بما لهم من حقوق وما عليهم من وجبات نحو وطنهم ، ويتكون هذا الجزء من مجموعة من الميادين أو المجالات التى تم تصنيفها وفقا لحاجات التلاميذ ومشكلاتهم العامة ويتكون كل ميدان أو مجال من مجموعة من الوحدات الدراسية يقوم بالتخطيط لها وتنفيذها تحت إشراف المعلم وتوجيهه .

خصائص البرنامج المحورى :

1- يمثل جزءا من المنهج , وليس كله . معنى ذلك أن هناك أجزاء أخرى ويعتبر البرنامج المحورى الجزء الرئيسى من هذه  الأجزاء .

2-يتناول حاجات التلاميذ ومشكلاتهم فى ضوء حاجات المجتمع ومشكلاته ،ومعنى ذلك أنه يربط بين حاجات التلاميذ وحاجات المجتمع وكذلك بين مشكلات المجتمع .

3-يقدم فى صورة وحدات نابعة من الحاجات والمشكلات التى تخص التلاميذ والمجتمع .

4-يقوم الخبراء بوضع إطار عام لهذه الوحدات فى صورة ميادين كبرى ينقسم كل ميدان منها إلى مجموعة من الوحدات , وبقوم التلاميذ بالتخطيط لكل وحدة وتنفبذها تحت اشراف المعلم .

الأسس التى يقوم عليها البرنامج المحورى

1- تحديد حاجات التلاميذ ومشكلاتهم فى ضوء حاجات المجتمع ومشكلاتة . فالتركيز واضح هنا على الحاجات والمشكلات ، وعادة ما يقوم الخبراء بوضع قائمة بالمشكلات موزعة فى المجالات المختلفة , بحيث ستضمن كل مجال مجموعة من المشكلات فهناك مثلا مشكلات خاصة بالأسرة , ومشكلات خاصة بالشباب , وأخرى خاصة بوقت الفراغ ، وأخرى خاصة بالعلاقات بين الجنسين ، مشكلات خاصة بالأخلاق والقيم ومشكلات خاصة بالحالة الاقتصادية وهكذا .

2- تنظيم البرنامج فى صورة وحدات قائمة على مشكلات يتيح الفرصة لإزالة الحواجز بين جوانب المعرفة المختلفة ويقلل من التركيز على المادة الدراسية بحيث لا تكون هدفا فى حد ذاتها وإنما وسيلة لإشباع حاجة ، أو حل مشكلة ، أو تنمية ميل.

3- يشترك كل التلاميذ فى دراسة البرنامج المحورى ، لأنه يتعرض فى جوهره لإشباع الحاجات الرئيسية وتكوين الاتجاهات العامة وتنمية المهارات الأساسية لكل مواطن ، وبصرف النظر عن ميوله أو استعداداته ، أو قدراته الخاصة .

4- يخصص للبرنامج المحورى فترة زمنية فى اليوم الدراسى قد تمتد من ثلثه إلى نصفه للقيام بتنفيذ الوحدة وما يرتبط بذلك من أنشطة متنوعة تتمثل فى جمع بيانات أو تلقى معلومات أو التدريب على مهارات أو الدخول فى جمع بيانات أو تلقى معلومات أو التدريب على مهارات أو الدخول فى مناقشات أو تنظيم ندوة أو كتابة تقرير ، والتخطيط لنشاط معين أو تقويم ما تم عمله .

5- إكساب التلاميذ مهارات التفكير العلمى ؛ وذلك عن طريق التدريب على حل المشكلات وحيث أن البرنامج يتضمن دراسة عدد كبير من الوحدات فى صورة مشكلات وحيث أن التلاميذ مطالبون بتحديد صحة كل فرض ثم استخلاص النتائج ، فإن ذلك كله يؤدى الى تنمية القدرة على التفكير العلمى واكتساب المهارات المطلوبة فى هذا المجال , وذلك بهدف المساهمة فى تكوين المواطن القادر على حل المشكلات مجتمعة بأسلوب علمى و عندما يتحمل الفرد مسئولياته الاجتماعية والمهنية فيما بعد .

6- يستخدم أسلوب حل المشكلات وسيلة للتعلم المثمر ؛حيث يقتصر دور المعلم على إرشاد التلاميذ ثم رسم الخطة المناسبة لكل منها ، وتوجيه التلاميذ عند قيامهم بالأنشطة المختلفة لتنفيذ كل وحدة . كما يعمل المعلم على إتاحة الفرصة أمام التلاميذ لاكتساب مهارات أساسية وتكون اتجاهات للفرد والمجتمع .

هذا ويمكن حصر وتحديد مشكلات التلاميذ وحاجاتهم المشتركة والعمل على مواجهتها من خلال ما يلى :-

1- الاستبيانات : وهى تطبق على التلاميذ وعلى من يتعلمون مع التلاميذ مثل المعلمين وأولياء الأمور والأخصائيين الاجتماعيين ، ومن مزيا هذه الاستبيانات أنها تطبق على أكبر عدد من التلاميذ فى أى مكان من الأماكن ، وبالتالى فإنها تساعد على التوصل إلى أهم المشكلات والحاجات المشتركة بينهم ، كما أنها تساعد أيضا على تصنيف المشكلات وفقا للمناطق المختلفة ، كما أنها تعطينا صورة موضحة عن المشكلات من وجهة نظر التلاميذ وفئات أخرى مثل المعلمين وأولياء الأمور والاخصائيين والاجتماعين .

2-المقابلة الشخصية : وفيها اللقاء بالتلميذ والتحدث معه مباشرة ، وهى تتيح الفرصة للمختص لتتبع التلميذ بمجموعة من الأسئلة ، تساعد على معرفة مشكلاته الحقيقية على واقعها دون تغيير أو تزييف أو تجريف أو تهرب وللمقابلة الشخصية أهمية كبرى ، إلا أنها تستغرق وقتا طويلا ، ومن الممكن أن تتم المقابلة مع تلميذ واحد أو مجموعة من التلاميذ فى وقت واحد .

3-الملاحظة : وتتطلب من المختص الملاحظة وتسجيل سلوك التلاميذ فى كافة الأوقات والأماكن ، حتى يمكن التوصل إلى أهم المشكلات والحاجات .

4-تتبع الاتجاهات والمشكلات الاجتماعية : ويتم ذلك عن طريق الدراسات المسحية ووسائل الإعلام المختلفة من صحف ومجلات وإذاعة وتلفزيون ، ثم القيام بتحليلها ، لمعرفة مدى إرتباط وتأثير التلاميذ بها وتأثيرهم فيها .ويستحسن استعمال هذه الطرق المتنوعة للتوصل إلى حصر دقيق للحاجات والمشكلات ، وبعد أن يتم تطبع هذه المشكلات فى قوائم خاصة بها .

5-تحديد المشكلات والحاجات التى تقوم عليها الدراسة .

ويقوم التلاميذ بالدور الرئيس فى اختيار المشكلات والحاجات التى تبنى عليها الوحدات الدراسية ، ويتم ذلك فى ثلاث خطوات متتالية :

* توزيع قوائم المشكلات والحاجات على كل تلميذ ، ويطلب منه وضع إشارة معينة أمام المشكلات التى يهتم بها أكثر من غيرها ثم وضع رقم أمام كل مشكلة مهمة بحيث يمكن ترتيب المشكلات فى وضع تنازلى ، حسب أهميتها وعن طريق تجميع النتائج يمكن التوصل إلى أهم الحاجات والمشكلات التى تهم التلاميذ .

*تحديد أهم المشكلات وحاجتهم بمناقشة بعضها بعضا ، ليكون موضوع دراستهم فى صورة واحدة .

*تحديد مجالات الوحدة ، ثم التخطيط لها والاستعداد لتنفيذها

المنهج المحورى ونظام الدراسة :

تنقسم الدراسة فى المنهج المحورى إلى قسمين :

* دراسات عامة ويطلق عليها البرنامج التربوي العام .

* دراسات وأنشطة خاصة ، يطلق عليها البرنامج التربوي الخاص لأنها موجهه إلى كل التلاميذ ، بصرف النظر عن اتجاهاتهم وميولهم الخاصة وهى يهدف إلى تزويد التلاميذ بالأساسيات التى يحتاجها كل مواطن.

وعادة ما ينظم هذا القسم فى إطار وحدات قائمة على حاجات التلاميذ ومشكلاتهم العامة والمشتركة ، وتستمر دراسة الوحدة من شهرين إلى ثلاثة شهور ، ويخصص لها يوميا جزء من اليوم الدراسى .

ويقوم التلاميذ بسلسلة من الأنشطة تحت إشراف المعلم وتوجيهه لاختيار الوحدة والتخطيط لها وتنفيذها ، ويستدعى تنفيذ الوحدة تحديد كافة الأنشطة اللازمة ورسم خطة لكل نشاط بحيث نتناول مكان وموعد تنفيذه والوسائل المستخدمة فى هذا التنفيذ ، كما تتناول أيضا الدور الذى يقوم به كل فرد من أفراد المجموعة .

وتستدعى هذه الأنشطة قيام التلاميذ بجمع المعلومات وتسجيلها ثم مناقشتها ، وتستدعى كذلك القيام ببعض التجارب ، كما تستدعى أيضا عمل رسومات وإنتاج وسائل إيضاح وكتابة تقارير وإعداد احصاءات واستبيانات . وتستلزم هذه النشطة خروج التلاميذ من المدرسة من وقت لآخر لكى يقوموا برحلة تعليمية أو بزيارة ميدانية أو بجولة مسحية وفى هذه الحالة يمتد الوقت المخصص للبرنامج العام لكى يشمل اليوم الدراسى بأكمله .

وحيث إن الأنشطة التى يقوم بها التلاميذ لاختيار وتنفيذ الوحدة لا يمكن أن تغطى كل احتياجتهم ، كما أنها لا يمكنها أكسابهم كافة المهارات اللازمة فقد رأى خبراء المناهج تخصيص جزء من الوقت المتاح للبرنامج العام ، يقوم فيه التلاميذ بإكتساب مهارات عامة وضرورية ، تتمثل فى كيفية كتابة تقرير أو استعمال جهاز من الأجهزة أو استخدام رموز معينة .

ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك ، حيث ينادى بضرورة تزويد التلاميذ ببعض المعلومات المهمة التى يحتاجون إليها ، ولا يمكنهم التوصل إليها بجهودهم الذاتية مثل تعلم اللغة الأجنبية، أو تعلم بعض الرموز والمصطلحات أو تفسير بعض القوانين أو المعدلات أو تشغيل جهاز معقد .

مجالات البرنامج التربوى الخاص :

المجال الأول : ويتضمن مجموعة من الدراسات التخصصية ، ويختار التلميذ أحداها ، وفقا لميوله وقدراته واستعداداته ، ومن أهم هذه الدراسات ما يلى ( العلوم ، الرياضيات ، المواد الاجتماعية ، علم النفس والاجتماع ، الاقتصاد ، اللغات ) فالعلوم تعد الطالب للتخصص فى دراسة الطب والصيدلة والزراعة ، والرياضيات تعد الطالب للتخصص فى الهندسة والفلك ، والاقتصاد يعد الطالب للتخصص فى التجارة والمحاسبة ، وعلى ذلك يكون اختيار الطالب بناء على المهنة التى يرغب ممارستها فى المستقبل ويساعد الطالب فى عملية الاختيار مجموعة من الرواد والمشرفين ، وفى بعض النظم يسمح للطالب باختيار تخصص : تخصص أول له عدد من الساعات وتخصص ثانى له عدد أقل من الساعات .

المجال الثانى : ويتضمن مجموعة من الهويات ذات طابع علمى يقوم التلميذ باختيار إحداها ، ومن أهم هذه ألهويات ما يلى : ( الموسيقى ، الرسم ، التصوير ، النجارة ، الديكور ، الطباعة ، الإلة الكاتبة ، الاختزال ) .

ويتم إشباع هذه الهوايات بأسلوب علمى مبنى على الدراسة والممارسة ، فإذا اختار الطالب التصوير مثلا فتتاح له الفرصة لدراسة أنواع آلات التصوير ، والفرق أيضا للتدريب على طبع الصور بالإضافة إلى عمل بعض المعارض لعرض إنتاجهم وبذلك يشبع التلميذ هوايته، ويبنى ميولا جديدة تفيد فى حياته العامة والخاصة .

المجال الثالث : وهو خاص بالتربية الرياضية يقوم التلاميذ بعمل تدريبات رياضية عامة ، بالإضافة إلى تدريبات لياقة ، المقصود منها اكساب التلميذ مهارات عامة أساسية فى الجرى والقفز والتسلق . وهى إجبارية على جميع التلاميذ ، نظرا لفائدتها فى بناء جسمه واكساب المناعة وقوة التحمل ، ونظرا لعدم وجود فرصة لممارستها بطريقة منظمة فى البرنامج العام ، ثم يختار كل تلميذ إحدى الألعاب الرياضية التالية : ( كرة القدم ، كرة السلة ، كرة الطائرة ، تنس الطاولة ، الجمباز ، السباحة ، الملاكمة ، المصارعة ، الجودو ) .

ويعتبر كل قسم من هذين القسمين مكمل للآخر فبينما يركز القسم العام على تزويد التلاميذ بما يحتاجون إليه كمواطنين من عادات واتجاهات وقيم فأننا نجد أن القسم الخاص يركز على ميول الفرد واتجاهاته الخاصة ، ويعمل على مساعدته على الاتجاه للمهنة التى يرغب فى مزاولتها فى المستقبل .وللتلميذ أن يختار ما يناسبه من كل مجال من هذه البرامج الثلاث .

كما أن هذين البرنامجين (العام والخاص) يسمحان معا للتربية كى تقوم بوظيفتها الكبرى نحو الفرد والمجتمع فى آن واحد ، ويمكن وضع صورة لمجالات الدراسة فى المنهج المحورى فى الجدول التالى:

البرنامج العام

البرنامج الخاص

·    يخصص له من ثلث إلى نصف اليوم الدراسى .

·        نشاط متعلق بدراسة واحدة .

·    تدريب على إكتساب مهارات ومعلومات عامة .

·        يخصص له بقية اليوم الدراسى.

·        دراسات تخصصية .

·        هويات وأنشطة رياضية خاصة .

ومن الملاحظ أنه قد يحدث تداخل بين البرنامج العام والبرنامج الخاص فى الزمن المحدد لكل منهما ، وحيث أنه لا توجد اجراس تدق فى المدرسة كما هو متبع فى منهج المواد وحيث أن الأنشطة المرتبطة بالوحدة قد تستمر أطول من اللازم وحيث أن التلاميذ قد يقومون ببعض النشطة خارج المدرسة فى صورة رحلات تعليمية أو زيارات ميدانية ، فإن ذلك كله يودى إلى عدم الالتزام الكامل بالوقت لكل برامج ، وليس فى ذلك عيب أو إخلال بالدراسة .ومن الممكن أيضا أن  يحدث تداخل بين البرنامج العام والبرنامج الخاص فى نوعية المهارات التى يتدرب عليها التلاميذ والمعلومات التى تقدم إليهم .

نقد المنهج المحورى :

 (1) المنهج والخبرة :يعطى هذا المنهج الفرصة لمرور التلاميذ بأكبر قدر من الخبرات المربية نظرا للأنشطة المتنوعة والمستمرة التى يقومون بها عند تخطيط وتنفيذ الوحدات الدراسية المختارة .

ومما لا شك فيه أن تنوع الأنشطة واستمراريتها لها تأثير إيجابى على تنوع الخبرات واستمراريتها . يركز هذا المنهج على التلميذ من ناحية وعلى البيئة والمجتمع الذى يتواجد فيهما التلميذ من ناحية أخرى أى أنه يركز على طرفى الخبرة ، وهما التلميذ والبيئة ، كل ذلك يؤدى إلى القول أن هذا المنهج يهتم كثيرا بالخبرات .

(2) المنهج والتلميذ:يتيح هذا المنهج الفرصة لقيام التلاميذ بالأنشطة المستمرة والمتنوعة والمساهمة الفعالة فى اختيار الوحدات موضوع الدراسة ، وكذلك فى تخطيطها وتنفيذها .

كما يهتم هذا المنهج بحاجات التلاميذ ومشكلاتهم العامة ، وعلى ضوء هذه الحاجات والمشكلات يتم اختيار الوحدات الدراسية التى تقوم عليها معظم الأنشطة ، كما أنه يسمح للمدرسة بتنظيم دراسات وأنشطة أخرى تناسب ميول التلاميذ واتجاهتم وتساعد على توجهيهم مهنيا .

ويراعى المنهج المحورى الفروق الفردية بين التلاميذ ، إذ يتم توزيع وتحديد دور كل تلميذ فيها وفقا لميوله وقدراته واستعداداته .

كما أن البرنامج الخاص لهذا المنهج يعطى الفرص للتلاميذ لاختيار المواد الدراسية والأنشطة والدراسات التى تتفق مع ميولهم وحاجاتهم وقدراتهم وإستعداتهم .

ولو قمنا بتجميع دور المنهج نحو التلميذ لوجدناه يتيح له الفرصة للنشاط والإيجابية ، كما أنه يراعى ميوله وقدراته ، ويهتم اهتماما كبيرا بحاجاته ومشكلاته وبالفروق الفردية بين التلاميذ ... كل ذلك يدفعنا إلى القول بأن المنهج يؤدى رسالته نحو التلميذ على النحو الكامل على شرط تنفيذ هذا المنهج بكل دقة وأمانة .

(3) المنهج والبيئة :لا يهمل المنهج المحورى المجتمع ، مثل المناهج الأخرى كمنهج المواد أو منهج النشاط ، وانما يوجه له من الأهمية مثلما يوجه للتلميذ بل وأكثر ، يتمثل اهتمام هذا المنهج بالبيئة والمجتمع فى النقاط التالية .

·    يكون اتجاهات إيجابية لدى التلاميذ نحو البيئة والمجتمع وتتمثل هذه الاتجاهات فى خدمة البيئة والمحافظة والعمل على حل مشاكلها وتطويرها.

·    يتيح الفرصة للتلاميذ للاحتكاك بالبيئة والتفاعل معها من خلال الأنشطة التى يقومون بها خارج المدرسة مثل ( الرحلات ، المعسكرات الميدانية ، الندوات ، المعارض ) كل ذلك يزيد من قدرة التلاميذ على فهم البيئة التى تحيط بهم ومعرفة مصادرها المختلفة والإلمام بمشكلاتها واتجاهاتها .

·    يركز على حاجات المجتمع ومشكلاته التى تمثل فى نفس الوقت حاجات التلاميذ ومشكلاتهم ، وعلى هذا الأساس يتم اختيار الوحدات موضع الدراسة وما تستلزمه هذه الوحدات من أنشطة  .

·    ينمى لدى التلاميذ مهارات العمل الجماعى والتعاونى ، وذلك من خلال اشتراكهم جميعا فى اختيار الوحدات والتخطيط لها ثم تنفيذها ، كما أنه تتكون لديهم من خلال المناقشات المستمرة مجموعة من القيم الاجتماعية ، تتمثل فى تعلم آداب المناقشة والاستماع واحترام راى الآخرين وحرية الرأى والتعبير والقدرة على إصدار الأحكام .

·    ينمى لدى التلاميذ القدرة على التفكير العلمى ، وذلك من خلال التدريب المستمر على حل المشكلات الكبرى التى تقوم عليها دراسة الوحدة تتفرع إلى مشكلات اقل ، فإن التلاميذ يمضون وقتا طويلا لمواجهة هذه المشكلات والعمل على حلها باسلوب علمى ، وليس عن طريق أو التخطيط الارتحال أو المحاولة والخطأ ، وإذا ما اكتسب التلاميذ القدرة على التفكير العلمى فأنها سرعان ما تستخدم لحل مشكلاتهم الخاصة والعامة والمشاكل التى يصادفونها فى حياتهم العلمية والمهنية فى المستقبل ، بذلك يسهم المنهج فى خدمة المجتمع بطريقة غير مباشرة .

(4) المنهج والتراث الثقافى :يتكون التراث الثقافى لأى مجتمع من جانبين ( معنوى ) ويتمثل فى المعلومات والحقائق والمفاهيم وبعض العادات والاتجاهات السائدة وجانب(مادى )ويتمثل فيما يقوم الإنسان بإنتاجه وصنعه وعمله .

وللمنهج دور هام نحو هذا التراث الثقافى يمكن تحديده فيما يلى :

·     يعمل المنهج على اكساب المعلومات والحقائق والمفاهيم للتلميذ عندما يشعر بأهميتها له وحاجته إليها أى إنها تكتسب فى إطار وظيفى .

·           يسمح بإزالة الحواجز بين جوانب المعرفة المختلفة و يعمل على توكيد وحدة المعرفة .

·     يكسب التلاميذ بعض العادات والاتجاهات الإيجابية التى تعمل على خدمة الفرد والمجتمع فى الوقت نفسه ، وكلما ازدادت مثل هذه الاتجاهات عمقا واتساعا بمرور الزمن كلما تلاشت واندثرت العادات والاتجاهات السيئة المنتشرة بين أفراد المجتمع والتى تعمل على تقويض الحياة الاجتماعية .

أما فيما يتعلق بالجانب المادى من التراث الثقافى فإن احتكاك التلاميذ المستمر بالبيئة واتصالهم المستمر بالمجتمع يجهلهم قادرين على معرفة هذا الجانب وعلى فهم المشكلات المرتبطة به .

مميزات المنهج المحورى:

يحقق المنهج المحورى العديد من الفوائد يمكن تلخيصها فى العناصر التالية :

§   تقوم الدراسة على أساس من حاجات التلاميذ ومشكلاتهم عن طريق الأنشطة المرتبطة بالوحدة ، كما يهتم بميولهم وقدراتهم واستعداداتهم ، عن طريق الدراسات التخصصية، ومما لا شك فيه أن الاهتمام بالميول والحاجات والمشكلات يجعل التلاميذ يقبلون على النشطة بكل اهتمام ويبذلون الجهد المتواصل دون كلل أو ملل ، فيحقق النشاط الأهداف المرجوة منه  .

§   يجعل التلميذ إيجابيا باستمرار ، فهو الذى يخطط وهو الذى ينفذ ، وهو الذى يجمع المعلومات وهو الذى يناقش النتائج ، ويحللها ، ويستخلص منها الحكام والإيجابية التامة هى أساس التعلم المثمر .

§   يتيح الفرصة للتلاميذ فى القيام بسلسلة من الأنشطة المتنوعة ، فهناك أنشطة مبنية على حاجات التلاميذ ومشكلاتهم ، تتم فى صورة وحدات يقوم التلاميذ باختيارها والتخطيط لها ثم تنفيذها . وهناك أنشطة أخرى مرتبطة بميول التلاميذ وهواياتهم ، وهى داخلة فى إطار البرنامج الخاص كما أن هناك أنشطة ذات طابع رياضى . وتعمل كل هذه الأنشطة على تحقيق الهداف التربوية بطريقة فعالة.

§   يراعى الفروق الفردية بين التلاميذ وذلك عن طريق تكليف كل منهم بالعمل الذى يتمشى مع قدراته واستعداداته ، وبذلك يتحقق هدف من الأهداف التربوية الحديثة .

§   يتيح الفرصة ليتحمل التلميذ المسئولية وذلك عند تكليفه بالقيام ببعض الأعمال ، واتخاذ القرارات وإصدار بعض �

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 1344 مشاهدة
نشرت فى 30 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,643,525