ظهر هذا المنهج نتيجة للانتقادات العديدة التى وجهت لمنهج المواد المنفصلة بقصد تحسينه ، والفكرة التى بنى عليها المنهج هى الربط بين بعض المواد التى يتضمنها المنهج ، ويقصد بالربط إظهار العلاقات التى تتوافر بين مادتين أو أكثر من المواد الدراسية ؛ سواء أكانت هذه المواد تنتمى إلى مجال دراسى واحد أو إلى عدة مجالات أخرى .
وهناك عدة أشكال للربط نذكرها على النحو التالى :
1- الربط العرضى:وهو ربط عشوائى وغير منظم تقدم كل مادة قائمة بذاتها ومطبوعة فى كتاب خاص بها ، ومعنى ذلك أن هناك فصلا بين المواد التى تدرس للتلميذ فى الصف الدراسى نفسه ، ثم تترك للمعلمين الحرية الكاملة لربط بعض أجزاء المادة الدراسية بأجزاء مادة أخرى مشابهة لها أو مختلفة عنها .ويتأثر هذا النوع من الربط بعدة عوامل ، من أهمها :
· طبيعة وخصائص المواد التى بينها الربط .
· حجم المادة الدراسية التى يقوم المعلم بتدريسها .
· رغبة المعلم أو عدم رغبته فى ربط المواد .
· نوعية وحجم المعلومات التى يلم بها المعلم .
· الوقت المتاح للمعلم ومدى كفاية هذا الوقت أو عدم كفايته .
وقد فشل هذا الربط فى تحقيق الهدف المنشود منه ، ولم يهتم به عدد كبير من المعلمين فأفقده فعاليته و تأثيره للأسباب الآتية :
(أ) قصر كل معلم إطلاعه على المادة التى يقوم بتدريسها فقط ،ومن ثم أصبحت معلوماته عن المواد التى تبعد عن تخصصه الدقيق ضحلة وغير كافية ، مما جعله غير قادر على القيام بعملية الربط بالصورة المطلوبة .
(ب) تضخمت المواد الدراسية تدريجيا ، وذلك لتضخم التراث الثقافى من ناحية وكثرة عمليات الإضافة على المقررات الدراسية من جهة أخرى ، وفى الوقت نفسه لم تحدث أى زيادة فى عدد الساعات المخصصة لكل مادة دراسية ، مما جعل الوقت المخصص لها غير كاف . وبالتالى ليس هناك أمام المعلم متسع من الوقت لكى يقوم بعملية الربط المطلوبة .
2- الربط المنظم :يختلف هذا الربط عن سابقة فى أنه أكثر تخطيطا وتنظيما وفقا لتخطيط جماعي يشترك فيه الموجه الفنى والمعلمون ، وكانت تصل إلى المدارس فى بداية العام الدراسى مجموعة من النشرات تبين أجزاء بعض المواد الدراسية التى يمكن ربطها ، وكانت الاجتماعات تعقد من وقت لأخر بين الموجه والمعلمين لدراسة أنسب الطرق والأساليب للقيام بعملية الربط .ويعتبر هذا النوع من الربط أفضل من النوع السابق .
ويمكن أن يتم الربط المنظم من خلال وسيلتين هما :
هناك مجالات متعددة للربط :
1- الربط بين بعض أجزاء المواد المتشابهة التى تدرس فى العام نفسه مثل اللغة العربية والعلوم الشرعية والجغرافيا والتاريخ ، الطبيعة ، والكيمياء ، والاقتصاد والاجتماع ، والجبر والهندسة .
وعلى سبيل المثال يمكن تدريس قناة السويس وفكرة حفرها وموقعها الجغرافي والبحار التى تربط بينها الواقعة على ضفافها ( جغرافيا ) وفى الوقت نفسه يدرس التلميذ الحمالات العسكرية التى حاولت غزو مصر عن طريق السويس ( تاريخ ) .
2- الربط بين أجزاء مواد غير متشابهة مثل ربط الأدب بالتاريخ أو علم النفس بالتاريخ أو الشعر بالموسيقى أو الجغرافيا بالجيولوجيا .
على سبيل المثال يمكن دراسة فترة من فترات التاريخ لبد من البلدان ولتكن مصر فى عهد الاحتلال الانجليزى ، وفى الفترة نفسها تدرس الحركات الأدبية والإنتاج الأدبى لبعض الأدباء والشعراء الذين عاشوا فيها مثل محمود سامى البارودى وحافظ إبراهيم وأحمد شوقى .
ويمكننا القول أن الربط الذى كان يهدف إليه هذا المنهج لك يتم بالشكل المطلوب ، إذ خرج إلى حيز الوجود هشا ضعيفا ، فلم ينجح فى سداد الثغرات فى تحقيق الهدف المنشود منه .
نقد منهج المواد المترابطة :
يختلف منهج المواد المترابطة عن منهج المواد المنفصلة فى نقطة واحدة ، وهى أنه يحاول الربط بين بعض المواد أو بالأحرى بين أجزاء بعض المواد التى يدرسها التلاميذ فى العام الدراسة نفسه ، ولكن عملية الربط هذه لم يكتب لها النجاح المطلوب ؛ لأن إعداد المعلم لم يسمح له بالقيام بالربط الذى تكلمنا عنه .
ويتفق منهج المواد المترابطة مع منهج المواد المنفصلة فى بقية الخصائص ، وبالتالى فإن العيوب التى ذكرناها لمنهج المواد المنفصلة هى العيوب نفسها التى يمكن ذكرها لمنهج المواد المترابطة باستثناء نقطة الفصل بين المواد ، وتتلخص هذه العيوب فى تركيز هذا المنهج على الجانب المعرفى وإهمال جوانب النمو الأخرى ، وكذلك إهماله للتلميذ والبيئة والمجتمع ، كما أنه لم يهتم بالأنشطة ولم يراعى الفروق الفردية بين التلاميذ .
منهج المجالات الواسعة
مفهوم منهج المجالات الواسعة :
ظهر هذا المنهج كخطوة متقدمة أو أكثر تقدما من منهج المواد الدراسية المترابطة نحو تحقيق مبدأ تكامل المعرفة ،وهو محاولة من المحاولات المتعددة التى بذلت لتطوير منهج المواد الدراسية المترابطة .حيث لم تنجح فكرة الربط التى قام عليها منهج المواد المترابطة على النحو المقصود كما رأينا ، وبالتالى فقد ظل منهج المواد يتلقى الانتقادات العنيفة التى كان لها أثر كبير فى ظهور منهج المجالات الواسعة .
ويقصد بمنهج المجالات الواسعة تجميع تجميع المواد الدراسية المتشابهة ومزجها فى مجال واحد ، بحيث تزول الحواجز بينها تماما وبهذا يمثل هذا المنهج محاولة لتكامل المواد الدراسية . وعلى هذا الأساس يتكون المنهج من عدة مجالات ، ومن هنا اشتق اسمه المعروف بمنهج المجالات الواسعة ، وأهم المجالات التى يتكون منها ما يلى :
- مجال اللغات ويشمل : جميع فروع اللغة من تعبير وقواعد وأدب ونصوص ومطالعة ونقد وبلاغة وإملاء , خط .
- مجال (العلوم الشرعية )التربية الدينية الإسلامية ويشمل : القرآن والفقه والحديث والسيرة والتوحيد .
- مجال العلوم ويشمل : والفيزياء ، والكيمياء ، والأحياء ، والجيولوجيا .
- مجال الرياضيات ويشمل : الحساب ، والجبر ، والهندسة .
- مجال المواد الاجتماعية ويشمل : التاريخ والجغرافيا و الاجتماع .
- مجال التربية الفنية ويشمل : الرسم والتصوير والأشغال والموسيقى .
وقد استخدم منهج المجالات الواسعة فى نطاق كبير فى الصفوف الأخيرة من المرحلة الابتدائية و الإعدادية ، وذلك لأن هاتين المرحلتين لا تحتاجان إلى تعمق كبير فى المواد الدراسية ، أما فى المرحلة الثانوية فقد نظم النهج فى صورة مشكلات ، وسوف نتكلم عنها بالتفصيل عند التعرض لدراسة الوحدات الدراسية .
والمفروض أن يحدث دمج مواد المجال الواحد وتزول الحواجز بينها نهائيا ، ولكن عند تطبيق هذا المنهج ظهرت مجموعة من المشكلات والعقوبات ، جعلت من الصعب على التخصصين فى المناهج القيام بعملية الدمج بالصورة المطلوبة ، ولذلك لم تنجح الجهود التى بذلت لإزالة الحواجز بين مواد المجال الواحد إزالة تامة ، فظهرت مجموعة من المجالات خاصة بالعلوم والمواد الاجتماعية ... ولو فحصنا محتويات كل مجال منها لوجدناه يتكون بطريقة مناقصة للفلسفة التى بنى عليها منهج المجالات إذ إن مجال منها ظهر فى صورة إطار يجمع اجزاء مختلفة من المواد التى يتضمنها هذا المجال ولكل جزء صفاته الخاصة التى هى فى حقيقة الأمر صفات المادة المقتطف منها ، وهذه الصفات تميزه تمييزا قاطعا عن صفات الأجزاء الأخرى المقتطفة من مواد أخرى وهكذا .
وحيث إن كل جزء من هذه الأجزاء منفصل تماما عن الأجزاء الأخرى ، فمعنى ذلك أنه لم يحث مطلقا أى نوع من أنواع الدمج بين مواد المجال الواحد ، وكل الذى حدث هو تغيير فى علاف الكتاب فأصبح يحمل اسم ، العلوم العامة ، أما ما يحتويه هذا الكتاب فهو تجميع لأربعة أجزاء من أربع مواد منفصلة عن بعضها تمام الانفصال .
كل ذلك يدل على أن المجالات الواسعة لم يحدث سوى تغيير شكلى فى عناوين الكتاب والمقرات . أما الدمج الحقيقى المنشود فلم يظهر فى ظل منهج المجالات،إنما ظهر فى ظل تنظيم منهجى أخر يطلق عليه ، والوحدات الدراسية ، سوف نتعرض له فيما بعد .
نقد منهج المجالات الواسعة :
يمثل هذا المنهج فى الواقع حلقة من حلقات تطوير منهج المواد الدراسية ، الذى ظهر فى بادئ الأمر فى صورة مواد منفصلة ، ثم جاءت فكرة الربط بين بعض هذه المواد ، ونالت هذه الفكرة تأييد وتدعيم الكثير من رجال التربية ، ومن بعض هذه المواد المترابطة ، وبمرور الزمن اتضح أن الربط فى حد ذاته غير كاف ، فظهرت فكرة دمج المواد مع بعض وإزالة الحواجز التى تفصل بينها إزالة تامة . وقد أدى ذلك إلى ظهور منهج المجالات الواسعة ، ولهذا كغيره من التنظيمات المنهجية مزايا وعيوب نوجزها فيما يلى :
أولا : مزايا المجالات الواسعة .
· يؤدى منهج المجالات الواسعة إلى تكامل المواد الدراسية إلى حد ما بمواد أخرى الى التكامل بين جوانب المعروفة المختلفة . والمعروف أن مفهوم التكامل له دور بالغ الأهمية ليس فقط فى مجال المناهج وإنما أيضا فى كافة مجالات الحياة مثل المجال الاقتصادي والاجتماعي والصحي ... الخ.
· تقديم المواد فى صورة مجالات تذوب فيها الفواصل نهائيا بين مواد المجال الواحد يتشابه إلى حد كبير مع الصورة ، التى تظهر بها المشكلات التى تواجه الفرد والمجتمع ، وبالتالى فإن تقديم المواد فى صورة مجالات يساعد على فهم طبيعة المشكلات ودراستها ، كما يساعد أيضا على إتاحة الفرص أمام التلاميذ ورجال التربية فى إيجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلات .
· دمج بعض المواد فى مجال واحد يساعد على إظهار العلاقات بين جوانب المعرفة المختلفة ويعمل على ربطها بالحياة ، وهذا يساعد بدوره على إظهار الدور الوظيفى للمعرفة .
· يعمل هذا المنهج على إيجاد نوع من الربط بين المدرسة والمجتمع ، وذلك من خلال التعرض لدراسة المشكلات ، وقد سبق أن ذكرنا أن منهج المواد المنفصلة وكذلك منهج المترابطة لم يهتما بالمرة بربط المدرسة بالمجتمع ، مع أن المدرسة مؤسسة اجتماعية من الطراز الأول ، وعلى هذا الأساس فإن منهج المجالات الواسعة يعتبر أول منهج من التنظيمات المنهجية يحاول ربط المدرسة بالمجتمع ... بدأت فكرة ربط المدرسة بالمجتمع تظهر إلى حيز الوجود .
· تتنظيم المناه تنظيما وظيفيا يساعد على مواجهة المشكلات التى تظهر فى حياة الفرد والمجتمع ؛مما يساعد التلميذ على فهم طبيعة المشكلات ومحاولة حلها من خلال بحثه عن الحلول السليمة والمناسبة .
ثانيا : عيوب المجالات الواسعة .
1- صعوبة دمج بعض المواد فى مجال واحد :إن عملية دمج بعض المواد فى مجال واحد ليست عملية سهلة كما يتصورها البعض ، وإنما هى عملية فى منتهى الصعوبة والتعقيد وتحتاج إلى الخبراء والمتخصصين ، وهم مازلوا قلة الآن ، ولهذا السبب فإن عملية دمج المواد ظهرت فى معظم الدول النامية بطريقة سطحية صورية لا تحقق الهدف المنشود منها . وقد سبق أن ذكرنا بأن الدمج الذى تم لم يظهر إلا فى غلاف الكتب فقط ، أما المحتويات فبقيت كما كانت عليه من قبل ، كل جزء منها يمثل مادة دراسية وكل مادة منفصلة عن بقية المواد الأخرى .ولكى ينجح هذا المنهج فى تحقيق رسالته فلابد من توافر عاملين أساسين .
· العدد الكافى من الخبراء القادرين على صياغة المقررات الدراسية فى صورة مجالات تذوب الفروق تماما بين مواد المجال الواحد .
· العدد الكافى من المعلمين المؤهلين والمدربين على تنفيذ هذا النوع من المناهج على النحو المطلوب وبالطريقة السليمة .
2- مازال هذا المنهج يركز على المعرفة أكثر من تكيزه على الجوانب الأخرى ، ومعنى ذلك أن هناك أهدافا تربوية فى منتهى الأهمية لا تحظى من جانب هذا المنهج بالقسط الوافر من العناية مثل التنمية الشاملة للتلميذ ، وتكوين العادات والاتجاهات .
3- أن هذا التنظيم المنهجى يصلح فقط للإلمام بأساسيات المعرفة ، ولا يسمح بالدخول فى التفصيلات ، وبالتالى فهو يناسب فقط المرحلتين الابتدائية والمتوسطة ، بينما لا يناسب المرحلة الثانوية ، لأنها تحتاج إلى نوع من التخصص العميق فى المواد الدراسية .
وخلاصة القول أن هذا المنهج يسمح للتلميذ بالتزويد بأساسيات المعرفة ، دون الدخول فى التفصيلات .
4- لا يتيح الفرصة أمام التلاميذ للقيام بالأنشطة التربوية اللازمة ؛ مما يؤدى إلى سلبيتهم فى معظم المواقف ، ولهذا أثره السئ على العملية التعليمية والتربوية .
5- قد يفصل المدرس مادة دراسية عن غيرها من المواد المتضمنة فى منهج المجالات الواسعة مما يجعل باقى المواد تبدو ثانوية عنده وعند التلاميذ .
ساحة النقاش