من أهم ما أسفرت عنه بحوث القراءة: أن القراءة ليست مهارة واحدة ولكنها عمليات مرتبطة بعديد من المهارات وتختلف باختلاف المواقف والظروف، وان القراءة عملية نامية؛ بمعنى أن مهاراتها تنمو كلما زاد نضج المتعلم واتسعت دائرة خبرته، وتعد هذه من الأمور التي استقر العرف عليها في مجال تعليم القراءة، ومن ثم فقد ذهبت الأدبيات والدراسات إلي تفسير القراءة في ضوء عمليتين أساسيتين: إحداهما حاسية، وتفسر عمل الحواس المشاركة في القراءة، وهي: العين، وأعضاء النطق، والأخرى عقلية تفسر عمل العقل في القراءة .
وترتبط كل عملية من هاتين العمليتين بعديد من المهارات اللازمة لممارستها أثناء القراءة ؛ فالعملية الأولى ( الحاسية ) تقتضي تمكن القارئ من عدة مهارات مثل: تحريك العين من اليمين إلي اليسار وتعويد العين الوقفات التي تدرك فيها أشياء كلية، وتقليل عدد الوقفات في السطر الواحد ، وتقليل زمن الوقفة الواحدة، وتقليل الحركات الرجعية، وإخراج الأصوات اللغوية من مخارجها. أما العملية الثانية ( العقلية )، فتقتضي التعرف على الرموز المكتوبة، وفهمها، وربطها بالخبرة الشخصية، والاستنتاج والموازنة، وتذوق المقروء، والتفاعل معه ، ونقده.
والملاحظ أن ما يدور في كل من العمليتين إنما يحدث لمعالجة المقروء سواء أكان ذلك على مستوى الحاسة أم على مستوى العقل، وهذه المعالجة لا يمكن الفصل فيها بين عمل الحاسة وعمل العقل إلا للدراسة، فضلا على أن هذه المعالجة تسعى إلي الهدف الأسمى للقراءة ، وهو فهم المقروء واستيعابه.
وفي سبيل ذلك يعالج القارئ رموزا لغوية هي أصوات وحروف تمثلها خطيا، وكلمات، وجمل ونصوص كاملة في سياقات متنوعة؛ بغرض استيعابها.
الوعي الصوتي وعلاقته بعملية التعرف على الكلمات:
من أهم التطورات التي شهدها البحث في سيكولوجية القراءة في العقدين الآخرين الاتفاق على أهمية قدرات التجهيز الصوتي في الاكتساب المبكر للقراءة. ويقصد بقدرات التجهيز الصوتي العمليات العقلية التي تستفيد من التركيب الصوتي للغة الحديث في معالجة اللغة المكتوبة، وتشمل قدرات التجهيز الصوتي ، قدرات الوعي الصوتي (Phonological awareness )، والذاكرة الصوتيةmemory) Phonological ) ، ومعدل التوصل للمعلومات الصوتية في الذاكرة( rate of access for phonological ).
وأهم هذه القدرات قدرات الوعي الصوتي، أو ما يعرف أحيانا بالحساسية الصوتية للغة المسموعة، حيث أن لهذه القدرات مقدرة على التنبؤ بالأداء في مهام القراءة أكثر من كثير من العوامل المعرفية الأخرى، التي توصلت الدراسات إلي أنها ترتبط بالقراءة مثل الذكاء ، والمعرفة بالألفاظ والاستيعاب السماعي، والقدرات الإدراكية. وهذا يؤدي إلي ضرورة دراسة قدرات الوعي الصوتي لدى الأطفال، وعلاقتها بعملية التعرف على الكلمات، ويستوجب ذلك فهم طبيعة الوعي الصوتي، ومستوياتها المختلفة .
و يمثل الوعي الصوتي Phonological Awareness جانبا من الجوانب التي تساعد في فهم طبيعة العلاقة بين اللغة والقراءة ، خاصة وأنه طرأ في العقدين الماضيين تقدم ملحوظ في فهم هذه العلاقة، وربما كان أكثر مجالات البحث غنى في هذا المجال تلك المتصلة بالعلاقة بين القراءة والمهارات المرتبطة باللغة في المجال الصوتي، وتنبع هذه العلاقة من متطلبات نظام الكتابة الذي نريد أن يقرأ به الأطفال، ففي نظام اللغة العربية الهجائي تكون المهام الأساسية التي تواجه القارئ المبتدئ تكوين الرابطة بين الرموز المكتوبة وأصوات الكلام، ودمج الرموز الصوتية في مقاطع، ودمج المقاطع في كلمات، ونطق السلسلة الصوتية ، وتكوين هذه الرابطة يستلزم من القارئ إدراك أن الكلمة تجزأ إلي وحدات أصغر تمثل في حقيقتها صورة كتابة هجائية، ومن ناحية ثانية فإن التلفظ بالكلمة ينضوي علي تجميع معلومات صوتية حول كل وحدة صوتية، ويساعد إدراك أصوات الوحدات التي تتشكل منها الكلمة في فهم سبب كتابتها بهذه الصورة.
ومن زاوية ثانية فإن العلاقة بين القراءة والمهارات المرتبطة باللغة في المجال الصوتي تتضح في مجالات عدة كالمعالجات الصوتية والتعامل معها في مستوى الكلمة ومكوناتها من مقاطع ووحدات أصغر، كما تظهر في استدعاء المعلومات الصوتية كالتسمية والتلفظ والتعرف، وتتصل بإعادة الترميز الصوتي في الذاكرة العاملة، وهي تيسر-في الوقت ذاته- معالجة المعلومات في الذاكرة قصيرة المدى وتساعد في استيعاب الجمل.
ومن المسلم به أن تعلم القراءة في اللغات التي تتبع النظام الألفبائي Alphabetic system في الكتابة تحتاج نضجا في قدرات الوعي الصوتي لدى التلاميذ، وذلك راجع إلي أن الرموز المكتوبة تمثل الوحدات الصوتية للكلام.
وتعد هذه الوحدات الصوتية مجموعة من الوحدات المجردة، وبالتالي فإن الأطفال يجب أن يتعاملوا مع الوحدات الصوتية من خلال إدراكهم لها، وقدرتهم على اكتشاف علاقاتها بالرموز المكتوبة. و بمجرد أن يكتشف الأطفال ارتباط بعض الأصوات بالحروف التي تمثلها، يكونون قادرين على تحديد الكلمات غير المألوفة.
ويري البعض أن الوعي الصوتي هو أحد مكونات القدرة الميتالغويةmeta-linguistic ability ، والتي تعني القدرة على استخدام المعالجة بالتحكم control processing، في القيام بعمليات عقلية شعورية على مخرجات ميكانزمات فهم الجمل، مثل ميكاينزم إدراك الكلام، وميكانيزم النمو المعجمي، وميكانيزم تطبيق القواعد الاستدلالية.
وهناك نوعين من المعالجات المعرفية هما:
1- المعالجة بالتحكم وتشير إلي وعي الفرد بالعمليات العقلية التي يقوم بها أثناء أداء المهام المعرفية.
2- المعالج الآلية والتي تشير إلي عدم وعى الفرد بالعمليات العقلية التي يقوم بها أثناء أداء المهام المعرفية. ومثال ذلك ما يحدث أثناء أداء مهام إنتاج وفهم لغة الحديث، فالوعي الصوتي ليس فقط معرفة أصوات الكلمات، والتمييز بينها وإنتاجها، ولكنه الوعي الشعوري بأن لغة الحديث تتكون من وحدات مجردة من الأصوات.
ويجب توخي الحذر عند تعريف الوعي الصوتي، لأنه لا يشير إلي شيء واحد، ولكنه يتضمن الوعي بأي وحدة صوتية في لغة الحديث والتي تحتوى على العديد من الوحدات الصوتية، مثل وحدة المقطع الصوتي syllable ، ووحدة الفونيم الصوتي phoneme، وبالتالي فهي ترى أن هناك مستويات متعددة لوعي الصوتي بقدر ما هناك مستويات صوتية مختلفة للغة الحديث.
وبالرغم من وجود اتفاق بين الباحثين على أن الوعي الصوتي ليس كلا واحدا متجانسا، وأنه يشير إلي العديد من المستويات، إلا أن هناك اختلافا فيما بينهم في تحديد هذه المستويات وفى تسميتها، ويرجع هذا الاختلاف إلي اختلاف أسس تصنيف هذه المستويات، فبعض الباحثين صنفوا مستويات الوعي الصوتي تبعا لدرجة تعقد العمليات المعرفية المتضمنة في أداء المهام التي تقيس المستويات المختلفة، بينما اتخذت مجموعة أخرى من الباحثين درجة تجرد الوحدة الصوتية التي يتم الوعي بها كأساس للتصنيف.
وتاريخيا كان المصطلح المستخدم هو الوعي اللغوي Linguistic Awareness، وكان يقصد به الوعي بالوحدات الصوتية ،والقدرة على التعامل معها في مستوى الكلمة، وبشكل خاص الوعي بالأصوات كما هي ممثلة بالرسم الهجائي ولعل تطورا طرأ على المصطلح فيما يتصل بالتركيز على الاستماع، والتعامل مع وحدات أكبر كالقصة والنشيد والجملة وصولا إلي الفونيم.
وتتعلق بالوعي الصوتي القدرة على إنتاج أشكال مختلفة من الخطاب الشفهي، كما يتصل بوصف كيف تتماثل الكلمات نطقا بالرغم من اختلافها معنى ، أي معرفة الأصوات وعلاقتها بالرموز المكتوبة، ومن الواضح أن الوعي الصوتي يتعلق بتركيب الكلمة أكثر من معناها دون إهمال لجانب المعني .
ويمثل الوعي الصوتي، والقدرة على التعامل مع الوحدات الصوتية كما هي ممثلة بالرسم الهجائي، ومعالجتها - عدا وحذفا وتلاعبا بالأصوات أي عكس الفونيمات، وتصنيفا للأصوات بحسب موضع الصوت في الكلمة في بدايتها أو وسطها أو نهايتها – جوهر الوعي الصوتي، ويستعمل الوعي الصوتي للإشارة إلي قدرة المتعلم على استيعاب أن الكلمات تتكون من مقاطع ، وفونيمات.
وتظهر قضية الخلط بين مفهومي الوعي الصوتي Phonological Awareness والوعي الفونيمي Phonemic Awareness فالثاني يتضمن الفهم بأن الكلام المنطوق يتشكل من مقاطع، وهي بدورها تتشكل من سلسلة معينة من الأصوات الفردية، وهو شرط لتعلم الأصوات، أي النظام الذي يمثل الأصوات ويوضحها في الأبجدية الصوتية. وتعلم المقاطع ومكوناتها ضروري لتعلم القراءة في اللغة الأبجدية الصوتية ، لأن هذه الأصوات الفردية ( الفونيمات ) تقابل الرموز المكتوبة ، وبدون الوعي الفونيمي، والأصوات لن تتكون لدى المتعلم الحساسية لتعرف الكلمات وتهجئتها، وسيعتمد بصورة كلية على حفظ أشكال الكلمات.
ويتضمن الوعي الفونيمي تحليل الوحدات الأصغر للصوت وتعرف صوره المختلفة وصولا للرمز الذي يمثلها في كلمات وجمل، كما أنه يتضمن مساعدة المتعلم على اكتشاف أن إنتاج الكلمة يتطلب دمج فونيمات معينة معا، و تنضوي مهارات الوعي الفونيمي على مزج الفونيمات لتكوين مقاطع أو كلمات، وتبديل فونيم في كلمة أو مقطع ، وتعرف الفونيم في بداية الكلمة أو وسطها أو آخرها، وتقسيم الكلمات والمقاطع إلي مكوناتها من الفونيمات، والتلاعب بالفونيم إضافة أوحذفا.
ويحدد البعض أنشطة الوعي الفونيمي تحديدا يعكس مفهومه متمثلة في حذف الفونيم ( ما الكلمة التي تنتج بعد حذف الميم من مكتب؟)، وتحديد الكلمات التي تبدأ بالصوت نفسه ( هل تبدأ مكتب ومسجد بالصوت نفسه؟)، ومزج الفونيمات لتكوين كلمة ( ما الكلمة المتكونة من ف ت ح ؟)، وتحديد الفونيم الأول في الكلمة ( بم تبدأ كلمة زار؟) ، وعد الفونيمات في الكلمة ( ما أصوات كلمة عمل ؟) ، وتحديد الفونيم المحذوف من الكلمة ( ما الفرق بين أب و أبي ؟) ، وتحديد الكلمة الشاذة (ما الكلمة التي لا تتفق مع بقية الكلمات ( صام - قام – نام- عام- دام -ألم )، وأخيرا تحديد الكلمة التي تبدأ بصوت معين ( هل تبدأ مسلم بالميم ؟) (.
كما أن مستويات الوعي الفونيمي لا تتضمن التدريب على كتابة الرموز أو الكلمات، ويجب أن تتكامل ممارسات التدريب عليه مع التدريب على الأصوات، ويدمجان في عملية واحدة، حيث يعزز كل منهما الآخر، ومن زاوية ثانية فالوعي الفونيمي مهارة شفهية سمعية لا تقترب من الصورة المكتوبة للرمز، ودوره تطوير المبدأ الأبجدي الذي يسمح بالتحرك إلي مرحلة ما بعد التعامل مع الرموز Logographic Stage أي أن لكل كلمة شكل فريد يتعرفه المتعلم، ويختزنه في الذاكرة البصرية مرتبطا بمعناه بعيدا عن الحفظ والاستظهار.
أولها: الاستماع إلي بدايات الكلمات ونهاياتها ، ويطلق عليها القوافي والجناس الاستهلالي.
- ثانيها: الانغماس في مهام مقارنة وتغاير أصوات بداية الكلمات ونهاياتها.
- ثالثها : القدرة على مزج المقاطع الصوتية، وتقسيم الكلمات إلي مكوناتها من مقاطع.
- رابعها : القدرة على عد الوحدات الصوتية الأصغر( الفونيمات ) التي تتكون منها الكلمة.
- خامسها: القدرة على أداء مهام إضافة الفونيم وحذفه، وتحديد الكلمات الناشئة عن الإضافة أو الحذف.
وترتبط بمستويات الوعي الفونيمي مستويات الوعي الصوتي فهي تتضمن الاستماع للكلمات في جملة ، وللمقاطع في الكلمات، وتعرف التشابهات والاختلافات في الكلمات وإنتاجها.
وتقود هذه المناقشات إلي استخلاص أن الوعي الفونيمي يمثل إحدي المعالجات التي يشملها الوعي الصوتي، وهذا بدوره يوجب عرض المفاهيم الأساسية في الوعي الفونيمي ونقطة البداية هي الإشارة إلي أن الكلام الإنساني عند الأداء النطقي مكون من سلسلة من الأحداث النطقية ( الأصوات المنطوقة ) المتداخلة المتشابكة التي يصعب التفريق بينها، أو وضع حدود تفصل بينها فصلا حاسما، وهي كثيرة كثرة السياقات الصوتية التي تقع فيها، وتتعدد صور التداخل والتشابك، ويظهر أثرها في تعدد أمثلة الصوت الواحد التي تتفق في شيء وتختلف في آخر، وهذه الصورة ليست مقصورة على الصوامت بل إن الحركات لها نصيب من تعدد الصور بحسب السياق، وهو الذي يضمن تحديد الخواص الأساسية للصوت المعين.
وتتكون الوحدات الصوتية أو وحدات التعبير الأساسية تدرجا من البسيط إلي المركب من الفونيم، والمقطع، ومجموعة النبر، والمجموعة النغمية، والمجموعة النفسية، وفوق المجموعة النفسية ، والدارسة الحالية معنية بالمكونين الأول والثاني لارتباطهما بأغراض الدراسة من ناحية، وبالجانب التطبيقي من ناحية أخرى، كما أن بعض الباحثين يرى أن الوحدة الصوتية المتماسكة تتمثل في الفونيم والمقطع .
بالنسبة للفونيم انبثقت فكرته من ملاحظة كيفيات النطق المختلفة ، ووظائف الأصوات المتنوعة، ومن محاولة وضع ألفبائيات للغات المختلفة، واستقى العلماء من ملاحظاتهم أنه بالرغم من أن الأصوات المستخدمة في الكلام تعد ذات تنوع غير محدود، فإن المتكلم والمستمع يكون عادة واعيا بعدد صغير فقط من الأنماط الصوتية المستقلة، كما لا حظوا أن مستقبل اللغة يستقبل أشياء مختلفة على أنها شيء واحد بالرغم من الاختلافات النطقية والإدراكية، ويرجع هذا إلي أن هذه الأصوات – رغم اختلافها – تؤدي الوظيفة نفسها في النظام اللغوي، وهي الوظيفة التمييزية، وذلك هو الدور الذي تؤديه العناصر المتنوعة للغة في تمييز تتابع صوتي من آخر يحمل معنى مختلفا. وارتبطت فكرة الفونيم في نشأتها باختراع الكتابة الألفبائية، ويرجع البعض انتشاره نتيجة للبحث عن طريقة واسعة وملائمة، كما أن أنظمة الكتابة تتطلب لتركيبها نظرية الفونيمات.
ويقسم النظام الصوتي للغة الأصوات اللغوية إلي فونيمات بواسطة اعتبار القيم الخلافية للوظائف أي المعاني التي ترصد للأصوات في استعمالها في الألفاظ التي تتحقق بها الكلمات، وبواسطة التقسيمات العضوية والصوتية، فمعطيات علم الأصوات والقيم الخلافية هي العناصر التي يتكون منها النظام الصوتي للغة.
ويمكن تعريف الفونيم من أكثر من منظور فالفونيم من الناحية التجريدية هو النوع أو الأسرة لا الأفراد والأمثلة الجزئية والنوعية ، فالنون مثلا وحدة صوتية ذات كيان خاص وإن تعددت أفراده وأعضاؤه في حالات معينة فيطلق على الصوت أيضا معنى خاص هو الصوت المفرد أو المثال النوعي، مع مراعاة صفاته النطقية والسمعية، وذلك كأنواع النون وأعضائها المختلفة التي تلاحظ في النطق في السياقات الصوتية المتنوعة والتي تتنوع بتنوع المقطع فهذا الصوت العام الذي يجمع جملة من التنوعات والأفراد اصطلح على أن يسمى الفونيم.
أما من الناحية العقلية فالفونيم صوت نموذجي يهدف المتكلم إلي نطقه، ولكنه ينحرف عن النموذج إما لأنه من الصعب أن ينتج صوتين مكررين متطابقين ، أو لنفوذ الأصوات المتجاورة، وعرف على أنه الصورة العقلية للصوت، أو صوت مثالي نحاول تقليده في النطق، وهو من زاوية ثانية يشكل فئة من العناصر اللغوية المتمثلة في عقل كل أعضاء المجتمع الكلامي.
ومن الناحية المادية يعرف على أنه أسرة من الأصوات – في لغة معينة – متشابهة الخصائص ، ومستعملة بطريقة لا تسمح لأحد أعضائها أن يقع في كلمة في نفس السياق الصوتي الذي يقع فيه الآخر، وأساس التعريف التشابه الصوتي بين أصوات الفونيم، ووقوع هذه الأفراد في توزيع تكاملي.
ومن الناحية الوظيفية تتعدد وظائفه فيشار للفونيم على أنه وحدة مناسبة للتعبير الألفبائي، كما ينظر إليه على أن وظيفته الأساسية متمثلة في التفريق بين المعاني من منطلق أن كل صوت قادر على إيجاد تغيير دلالي، ومن هنا يعرف على أنه أصغر وحدة صوتية عن طريقها يمكن التفريق بين المعاني، أو أنه يمثل النماذج الصوتية التي لها القدرة على تمييز الكلمات وأشكالها.
وكل فونيم له وظيفتان أساسيتان: الأولى المساعدة على تحديد معنى الكلمة التي تحتوي عليه . والثانية الاحتفاظ بالفروق بين هذه الكلمة وغيرها، ويلعب الفونيم دورا في تغيير معنى الكلمة عند حذفه أو تبديله
أما من الناحية التجريدية فالفونيمات تعد مستقلة تماما عن الخصائص الصوتية المرتبطة بها، أي أن الفونيمات وحدات افتراضية تجريدية ليس لها وجود حقيقي.
وإذا كان الفونيم تجمعا من الملامح التمييزية مثل الوقف والجهر والأنفية والاحتكاك ، أو حزمة من الملامح تتميز عن الحزم الأخرى أو تجمعات الملامح الأخرى ، فهو يميز كلمة عن أخرى من الناحية الصوتية مثل ( قام و قال)، ومن الناحية النحوية والصرفية مثل ( مِنْ ومَنْ ) والفارق في المعنى قاسم مشترك بين كل هذه الاختلافات، وله دور مهم في ابتكار الألفبائيات أو نظم الكتابة بطريقة ميسرة واللغة العربية " راعت بكل دقة ووضوح مبدأ الأخذ بفكرة الفونيم، والتعبير عن هذا الفونيم بصوره المتعددة برمز واحد ، فللباء رمز واحد مهما تعددت صور الفونيمات في اللغة المنطوقة ، وحدث هذا بكل دقة في الأصوات الصامتة ، ومثله الأصوات الصائتة.
ومن زاوية ثانية يمكن النظر إلي الفونيم على أنه الخصائص الصوتية للغة، حيث توجد مجاميع من الأصوات المتشابهة ، مما يجعل إمكانية أن يشتمل الفونيم على صوت واحد أو صوت موضوعي محتملة، وأن يشتمل على مجموعة من التنوعات الصوتية - واردة بقوة – ويتوقف استعمالها على موقعه في الكلمة ، وعلى الأصوات المجاورة ، وهو ما يطلق عليه التنوعات الموقعية للفونيم، وهو ما يجعل الفونيم شيء تجريدي أو نظري لا يتحقق وجوده الموضوعي في الخارج ، وإنما يوجد في شكل واحد من أصواته ( ألفون Allophone )، أي أن الفونيمات لا يتحقق وجودها الموضوعي إلا عن طريق الألفونات ، وتتسق هذه المعطيات مع ما أورده تمام 1998 من أن الفونيم وحدة ذهنية تقسيميه لا حقيقة مادية، وأنه عنوان على عدد من التباينات الصوتية تربط بينها علاقة ما وهي الارتباط بفونيم معين، والفونيم وفقا للعرض السابق وحدة صوتية تجمع تحتها متعددات إما أن تكون نوع تحته أفراده، أو ملامح صوتية مميزة، أو تجمعات من الخصائص النطقية ، وله من الصفات العامة المشتركة ما يضمه إلي شكله ويكون الناتج في هذه الحالة شيئا ماديا أو صوتا قابلا للتحليل، ومن الخصائص الفردية ما يميزه ويكون الناتج ملمحا أو كيفية نطقية لا وجود لها بمفردها، وإنما بانضمامها إلي غيرها من الملامح يتشكل الصوت اللغوي.
ويوضح المثال التالي مسألة التباينات الصوتية – التي يجب مراعاتها عند التخطيط لأنشطة الوعي الصوتي - فالفاء في أول الكلمة مثلا هي فاء في الكلمات الآتية بالرغم من اختلافها صفاته( فَارس- فُؤاد- فِئران )، و كذا النون في وسط الكلمة في ( ينجح – ينكر – ينفع – ينظر – ينتج )، وهذه الفاءات والنونات المختلفة صوتيا لا تعارض بينها أو تقابل، وبالرغم من اختلافها تكوينا فهي متطابقة من حيث الوظيفة اللغوية التي تؤديها.
أما عن المقطع - وهو يشكل المكون الثاني من مكونات الوعي الفونيمي الذي يعد جزءا من مكونات الوعي الصوتي- فهو من حيث البناء أكبر من الصوت وأصغر من الكلمة، وهناك كلمات تتكون من مقطع واحد مثل مِنْ.
ويرتبط المقطع بالنطق، ويغيب عن الصورة الكتابية، والتركيب المقطعي في اللغة العربية يعتمد على النظر في تتابعات الوحدات الصوتية وكيفية تكوينها في صورة حزم أو عناقيد مميزة في سلسلة الكلام ، ويمتاز المقطع في اللغة العربية بمجموعة من الخصائص:
- أنه يتكون من وحدتين صوتيتين أو أكثر فلا مقطع من صوت واحد، أو مقطع خال من الحركة. لا يبدأ المقطع بصوتين صامتين كما لا يبدأ بحركة.
- لاينتهي المقطع بصوتين صامتين إلا في سياقات معينة كالوقف أو إهمال الإعراب. غاية تشكيل المقطع أربع وحدات صوتية، وعليه أمكن تعيين ستة أبنية أو لأنماط للمقطع في اللغة العربية صنفت في ثلاث طوائف: المقطع القصير من صامت وحركة مثل المقاطع الثلاثة في ( ك ت ب ).
- المقطع المتوسط من صامت زائد حركة قصيرة زائد صامت مثل المقطع الأول في ( يك ت ب ) أو صامت زائد حركة طويلة مثل المقطع الأول في ( كا تب ) .
- المقطع الطويل ومنه نوعان مشروطان بالوقف أو عدم الإعراب مثل ( بر – مهام ) والثالث مشروط بإدغام الصوت الأخير في مثله، فالمقطع إذا تتابع من الأصوات الكلامية ، يمثل أصغر وحدة في تركيب الكلمة ،و يتكون من عنصر أو أكثر، ويعد المقطع الوحدة الأساسية التي يؤدي الفونيم وظيفة داخلها.
واستنادا إلي العرض السابق لمفهومي الفونيم والمقطع ووظائفهما نستخلص مجموعة من الأسس التي يجب مراعاتها عند التخطيط لتضمين أنشطة الوعي الفونيمي في إطار أنشطة الوعي الصوتي:
1: تعويد المتعلم على الاستماع لكلمات تراعي فيها هذه التنوعات الصوتية لكل فونيم، مع التأكيد على تقديمها بصورة صحيحة، مع مراعاة التنوعات الصوتية للفونيم الواحد ، ووروده في مواضع مختلفة من الكلمة، فالفونيم ذو طبيعة صوتية ، وتقعيد التركيب الصوتي من أهم عوامل اكتساب المتعلم نطقا جيدا.
2: الاهتمام بالسياق بمعنى ورود الكلمة في جملة، أو بيت شعري ، أو قصة فلا تعالج الفونيمات منعزلة، ولا يكتفى بالكلمات.
3: ربط الفونيم بالرمز الذي يشير إليه في مرحلة تالية لتوثيق العلاقة بين الفونيم والرمز من منطلق التأكيد على المبدأ الأبجدي، حيث إن الفونيم وحدة مناسبة للتعبير عنها برمز مكتوب، فالفونيم يعد تطبيقا عمليا هاما يتصل بتشكيل أنظمة الكتابة.
4: تجنب مسألة تجريد الفونيم أو الرمز لأن خصائصه ليست ملازمة له، وإنما هي مكتسبة من خلال موقعه في الكلمة، وعلاقاته التجاورية، وإن حدث فيجب أن تحدث عملية التجريد من خلال أمثلة متنوعة للفونيم الواحد.
5 : الاهتمام بقضية المعنى وكيف أن تبديل موقع الفونيم، أو حذفه ، أو إضافة فونيم، أو استبدال فونيم بآخر يغير معنى الكلمة، وهذا الأساس يستند إلي أن كل صوت قادر على إيجاد تغيير دلالي فالفونيم وحدة صوتية عن طريقها يمكن التفريق بين المعاني.
6 : تدريب المتعلم على نطق المقطع واعتماده كأساس لتحليل الكلمة ، والتعامل معها، وربطها بغيرها، وهذا يعالج بعض مشكلات القراءة الجهرية عند المتعلم كتقطيع الكلمة.
ساحة النقاش