الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

تعد اللغة من أهم الظواهر الاجتماعية التي تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات, فقد لعبت اللغة دوراً مهماً في تحقيق المنزلة العليا للإنسان بين الكائنات الأخرى, وهي أداة الحضارة الإنسانية , وهي مستودع الخبرات الإنسانية وذاكرتها الحضارية، وللغة وظائف متعددة منها: وظائف اجتماعية, ونفسية, وجمالية. و مهما تعددت وظائف اللغة , فإن الاتصال يعد من أهم وظائفها إن لم يكن أهمها على الإطلاق.

و قد ميز الله سبحانه وتعالى اللغة العربية عن باقي اللغات فجعلها وعاء الدين وكفاها شرفاً أن خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم عربياً، وأن القرآن الكريم الذي تعهده الله بالحفظ نزل بهذه اللغة،   فهي اللغة الخالصة إلى يوم القيامة لأنها محفوظة بحفظ كتابه الكريم. قال الله تعالى:  ) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( سورة الحجر آية (9).    

كما أن  أول آية أنزلها الله تعالى على رسوله الكريم r حملت في ثناياها دعوة وحثاً على القراءة , أساس الدين من جهة وعمادة الحياة من جهة أخرى قال تعالى:  ) اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5( (سورة العلق من( 1-5) فالقراءة هي المحور الأساسي الذي تدور حوله جميع عمليات التعليم والتعلم ( العذيقي، 2009: ص2).

و تعد القراءة من أهم وسائل اكتساب المعلومات, واتساع الخبرات، وزيادة الثروة اللغوية، فكلما زادت قراءة الفرد وتنوعت زادت حصيلته اللغوية , ونمت قدرته التعبيرية لذا فإن القراءة في العصر الحاضر تحظى باهتمام كثير من العلماء والباحثين التربويين وغير التربويين مما لها من أهمية كبرى في بناء الفرد لغوياً وعلمياً وثقافياً.  وخاصةً في عصر الانفجار المعرفي الذي تتراكم فيه المعلومات وتتنوع فيه ميادين المعرفة وتزداد فيه وسائل الاتصال عبر الشبكات العالمية ( يونس,2006:ص23).

وتحتل القراءة مكانة مهمة بين فنون اللغة، فهي المحور الذي يٌجمع حوله كل من التعبير والنصوص، والأدب، والبلاغة، والنحو، والإملاء، وإذا كانت هناك مؤشرات إعلامية تدل على انخفاض أهمية القراءة في الوقت الحالي، إلا أنه يوجد دليل على أن القراءة تحتل مكانا أكبر من ذي قبل؛ وهو تلهف الملايين من الناس على قراءة الصحف رغم متابعتهم للأحداث المختلفة من خلال التلفاز كل يوم؛ لجعل الأحداث التي شاهدوها أحداثا مفصلة وواضحة (عجاج، 1998: 91).

ويرى مصطفى (1998: ص42) أن اكتساب التلميذ للمهارات الأساسية للقراءة,  يمهد له السبيل لكي يستوعب ما يقرؤه ويفهم  ما يقرأ فهماً سليماً" , ويكون له الأثر الإيجابي في تنمية شخصيته وصقلها.

ويعد تدريب الأطفال على المهارات الأساسية في القراءة أمراً حيوياً في اكتساب وتوظيف مهارات القراءة والكتابة في المراحل الدراسية اللاحقة، ولكن قدرات التلاميذ على اكتساب تلك المهارات تتأثر سلباً أو إيجاباً بالقدر الذي يتعرضون فيه إلى إثراء بيئي وتدريسي يلاءم المرحلة العمرية التي يمرون بها، وهذا يعني بالضرورة التركيز على تزويدهم بتلك الخبرات والمهارات وبالتالي فإن التحقق من مدى إتقانها من قبل التلاميذ في الصفوف الابتدائية الثلاثة الأولى يعتبر ضرورة قصوى (الغزو وآخرون، 2005: ص48).

و مع أنه من الأهمية بمكان ضرورة التركيز على نمو المهارات الأساسية للقراءة، إلا أنه من الواجب أن يكون نمواً صحيحاً، يعتمد على أصول صحيحة؛  لأن التلميذ الذي لا يعتمد على أصول صحيحة في اكتساب المهارات الأساسية للقراءة لا يستطيع أن يكون قارئاً جيداً في المستقبل (مصطفى، 1998: ص41).

ومن هنا فإن تحديد المهارات الأساسية للقراءة والعمل على تنميتها يعد هدفا جوهريا للتعليم في الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية. وعلى الرغم من أهمية تملك التلاميذ لمهارات القراءة الأساسية إلا أن العديد من الدراسات السابقة أثبتت فشل الكثير من التلاميذ في تعلم القراءة؛ حيث إن ما نسبته 10-15 % تقريباً من طلبة المدارس عامةً لديهم صعوبات في القراءة, ويجمع الأخصائيون على أن أي فشل مدرسي يرتبط دائماً بالفشل بالقراءة ولكل المدخلات الأكاديمية (اللبودي،  2004:ص137).

ويترتب على فشل التلميذ في القراءة الرغبة في ترك المدرسة، واكتسابه مشاعر عدوانية تجاه كل ما يتعلق بالقراءة،  ويرجع البعض التسرب في المرحلة الإعدادية إلى العديد من الأسباب منها فشل التلاميذ في القراءة (عبد الله، وآخرون 1998: 44).

و قد أثبتت الأبحاث المتعلقة بجدوى القراءة أن التمكن منها، واكتساب مهاراتها, يعد من أهم العناصر التي تؤثر إيجاباً في عملية التعليم ( أبو حجاج،  1996؛ نيفين ممدوح،2004 ).

وقد أجريت العديد من الدراسات السابقة في مجال تحديد مهارات القراءة الأساسية وتنميتها ومن هذه الدراسات:

دراسة فراجاني (1994) التي هدفت إجراء مسح ميداني لمعرفة حال  التلاميذ الالتحاق بالتعليم الابتدائي ومدى اكتسابهم للمهارات الأساسية في القراءة والكتابة والرياضيات, حيث توفر توثيقاً لركود مستوى الالتحاق بالتعليم الابتدائي وتراجع الكفاءة الداخلية، وكذلك تبين أن مستوى الإنجاز في اكتساب المهارات الأساسية منخفض جداً خاصة في الرياضيات بل لا يكفي إتمام التعليم الثانوي في المتوسط للوصول إلى مستوى إتقان المهارات الأساسية التي من المفترض أن ينقلها التعليم الابتدائي.

دراسة أبو زهرة ( 2004) التي هدفت ربط مهارتي القراءة والكتابة لتنمية مهارات الكتابة للتلاميذ باعتبارها أحد أهم أهداف تعليم مناهج اللغة العربية وكذلك تحديد مهارات الكتابة اللازمة لتلاميذ الحلقة الثانية من مرحلة التعليم الأساسي وإعداد برنامج لتنمية مهارات التعبير الكتابي لدى التلاميذ محل الدراسة من خلال التكامل بين مهارتي القراءة والكتابة. وتبين نتائج الدراسة وجود قوة تأثير كبيرة للبرنامج المقترح في تنمية مهارات التعبير الكتابي ويمكن إرجاع فاعلية البرنامج المقترح في هذه الدراسة إلى مجموعة من العوامل منها ربط مهارة الكتابة بالمهارات الأخرى للغة خاصة مهارة القراءة وكذلك توفير الفرص الكافية للتلميذات للتمرين على عملية الكتابة وكذلك التوجيهات التي تحصلت عليها  التلميذات قبل وأثناء وبعد عملية الكتابة.

دراسة الغزو وزملاءه (2005) التي هدفت التعرف على مدى إتقان التلاميذ في الصفوف الابتدائية الأولى للمهارات الأساسية في القراءة والكتابة والصعوبات المرتبطة بها وللتحقق من هذا الهدف،  فقد طورت أداة الدراسة لتشمل ثلاثة اختبارات رئيسية اشتملت على مهارات فرعية محددة ثم طبقت الاختبارات على ( 140) تلميذاً موزعين على مختلف المدارس الابتدائية بمدينة العين وقد أظهرت النتائج وجود فروق دالة إحصائياً في أداء التلاميذ في المستويات الصفية المختلفة على اختبار التسمية وقراءة الكلمات, والوعي الصوتي،  ولم تكن دالة إحصائياً في اختباري التهجئة وقراءة وكتابة الأحرف.

دراسة  مهنا (2006) وهي دراسة نظرية تحليلية هدفت إلى إبراز أهمية القراءة للفرد والمجتمع والتعرف على مهارات القراءة الأساسية، وأهمية إكسابها للأطفال في سن مبكرة  والتعرف على مراحل القراءة وصعوباتها ثم خلصت الدراسة إلى مجموعة من التوصيات لأولياء الأمور ومنفذي القرار والعاملين في مجال التربية ومن ضمنها فتح مدراس أولية متخصصة لتعليم الأطفال مهارات القراءة والكتابة بصورة تلقائية في سن مبكرة تشجيع مدارس رياض الأطفال على تبني الإستراتيجيات التربوية التي تعمل على إكساب الأطفال مهارات القراءة في سن مبكرة، وتدريب المعلمات عليها.

دراسة الروقي (2008) التي هدفت تحديد مستوى تمكن الطلاب المعلمين من مهارات تدريس القراءة في الصفوف الثلاثة العليا للمرحلة الابتدائية،   وكذلك تحديد أهم المهارات اللازمة لتدريس المرحلة الابتدائية (إعدادً،   تنفيذياً، تقويماً)وأتضح من خلال الدراسة حاجة الطلاب المعلمين للإعداد الجيد.

دراسة جاد المولى وآخرون(2009) التي هدفت تحديد المهارات الأساسية للقراءة التي ينبغي أن يمتلكها المعلمون عامة ومعلمو اللغة العربية بشكل خاص وكذلك تشخيص مستوى الطلاب المعلمين تخصص اللغة العربية في المهارات الأساسية للقراءة وتحديد الفروق بين مستواهم ومستوى طلاب التخصصات الأخرى في المهارات الأساسية للقراءة، وتبين النتائج عدم إتقان الطلاب المعلمين تخصص اللغة العربية للمهارات الأساسية في القراءة باستثناء مهارة تفسير دلالة المفردات وكذلك تبين أن أداء الطلاب المعلمين تخصص اللغة العربية جاء عند مستوى مقبول بينما أداء طلاب المعلمين في التخصصات الأخرى جاء عند مستوى ضعيف جداً ويرجع ذلك إلى طبيعة التخصص.

المصدر: دكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 5649 مشاهدة
نشرت فى 29 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,643,459