الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

تجعل العلاقة الوثيقة بين التعبيروالتكفير التعبير- بشقيه- جزءا قيما فى تعلم أى مقرر فى اللغة، حيث يري بيلو Bello,1997)) أن تعلم الكتابة يسمح للطلاب أن يدونوا أفكارهم على الورق ، ويروا أفكارهم مطبوعة أمامهم، ويشاركوا الآخرين فيها كما تعزز الكتابة أيضا اكتساب اللغة لدى المتعلمين ، فعلى سبيل المثال يمكن من خلالها أن يختبر الطلاب الكلمات التى تعلموها، وكذلك الجمل والوحدات اللغوية الأكبر من ذلك، والتى تستخدم لتوصيل الأفكار بفاعلية، وأيضا تساعدهم على أن يدعموا القواعد والمفردات التى تعلموها داخل حجرة الدراسة.

ويرى أنصار هذا الاتجاه أن السبيل لتحسين مستوى الطلاب فى عملية التعلم هو تنمية قدرتهم على استخلاص استراتيجيات مناسبة للتعلم ، ومعرفة كيفية تنشيط وتوظيف المعرفة السابقة فى مواقف التعلم الحالية ، وتركيز الانتباه على النقاط والعناصر البارزة فى المحتوى ، وممارسة أساليب التقويم الذاتى والناقد للأفكار والمعانى ، ومراقبة النشاطات الذهنية واللغوية المستخدمة للتحقق من مدى بلوغ الطالب لمستوى الفهم المطلوب .

 وتعد البنائية من أهم تطبيقات الاتجاه المعرفي في مجال طرق  تدريس التعبير، حيث ينطلق أصحاب الاتجاه البنائي من أن سلوك الفرد يكون محكوما ببنائه المعرفى ويصبح ما لدى الفرد من معرفة مؤثرا بدرجة كبيرة على ما يمكن أن يضيفه المتعلم إلى بنيته المعرفية ، وبالتالى على ما يمكن أن يكتسبه أو يتعلمه ، أى أن ما يتعلمه الفرد يعتمد على ما يعرفه فعلا ، والطريقة الرئيسة للحصول على معلومات جديدة تضاف إلى البناء المعرفى هى أن يقوم الفرد بتمثيل واستيعاب هذه المعلومات على أنها جزء من بنائه المعرفى فى عملية احتواء أو دمج ينشأ عنها ما يمكن تسميته بالبناء الثانوى الذى يهتم بعملية ربط الفكرة الجديدة أو المعلومة الجديدة بما هو موجود لدى الفرد من معلومات وأفكار.

وتؤكد الفلسفة البنائية على التعلم ذى المعنى القائم على الفهم ، ومنها انبثقت عدة نماذج واستراتيجيات تعليمية مثل التعلم المتمركز حول المشكلة،ودورة التعلم،والتعلم البنائى،وغير ذلك .

ويسعى أصحاب الاتجاه البنائى إلى أن يتعلم الطلاب المعرفة الجديدة من خلال بنائها بأنفسهم ،ويكون هذا التعليم ذا معنى بالنسبة لهم ،ووثيق الصلة بحياتهم العملية ،كما أنه يسعى إلى تنمية قدرات الطلاب على التعلم الذاتي من خلال تنمية عمليات البحث العلمي لديهم ومنها : عمليات الملاحظة، والمقارنة، والتعميم، والاستنتاج، ويتم التدريس بهذه الإستراتيجية، من خلال المرور بأربعة مراحل : التنشيط , والاستكشاف, والمشاركة ، والتوسيع .

وترجع الأصول النظرية للتعلم البنائي إلي كل من (بياجيه) رائد البنائية، وجانييه، وبرونر وأوزوبل،ونوفاك ،وجلاسر فيلد، وليس نييف، وجودمان. وتعتبر نظرية التعلم البنائية من أهم النظريات التي أحدثت ثورة عميقة في الأدبيات التربوية الحديثة خصوصا مع جان بياجيه ، الذي حاول انطلاقا من دراساته المتميزة في علم نفس الطفل النمائي أن يمدنا بعدة مبادئ ومفاهيم معرفية علمية وحديثة طورت الممارسة التربوية . كما أنه طبق النتائج المعرفية لعلم النفس النمائي على مشروعه .

ولقد ازداد الاهتمام في السنوات الأخيرة بالبنية المعرفية للفرد المتعلم وما تتضمنه هذه البنية من تصورات أو مفاهيم خطأ أو مفاهيم بديلة عن بعض المفاهيم قبل تعلمه لها، إذ إن المعرفة الموجودة مسبقاً لدى التلاميذ قبل التعلم تعد من العوامل المؤثرة في تعلمهم لهذه المفاهيم الجديدة بصورة فعالة .

وتعلم التلاميذ للمفاهيم يصحبه بعض الصعوبات وهي غالباً ناتجة من تجاهل  المعلمين للمفاهيم الخطأ أو المفاهيم البديلة التي يمتلكها التلاميذ قبل دراستهم لهذه المفاهيم ، ولقد أصبح هناك تحدي يواجه معلمي العلوم وهو ليس مساعدة التلاميذ في تعلم المفاهيم بصورة سليمة فقط ولكن أيضاً في تصويب المفاهيم الخطأ الموجودة في بنيتهم المعرفية. ولذلك يجب أن يكون المعلم على وعى بالتصورات أو المفاهيم الخطأ لدى تلاميذه حتى لا يتجاهلها في السياق التدريسي، وقد أوضحت العديد من الأدبيات التربوية أنه يوجد بعض التصورات لدى الطلاب عن بعض المفاهيم مخالفة للتصورات والأفكار الدقيقة والتى تعيق الطلاب عن تعلم المفاهيم الصواب،وفي ضوء ذلك فإن المتخصصين قد أصبحوا أكثر إدراكا لدور التصورات المسبقة في إعاقة اكتساب الطلاب للمفاهيم.

ويرى البعض أن البنائية هي نظرية تعلم وليست أسلوب تدريس أو توجيه. يمكن أن يدرّس المدرسون بطرق تعرف "بالبنائية" عندما يكونوا مدركين لها ويدرسون بطريقة تتوافق مع كيفية تعلم الطلاب.

وقد حددت بعض الدراسات مزايا التعلم البنائي فيما يلى :

·         يجعل المتعلم محور العملية التعليمية من خلال تفعيل دوره، فالمتعلم يكتشف ويبحث وينفذ الأنشطة.

·   يعطي للمتعلم فرصة تمثيل دور العلماء؛ وهذا ينمي لديه الاتجاه الإيجابي نحو العلم والعلماء ونحو المجتمع ومختلفة قضاياه ومشكلاته.

·         يوفر للمتعلم الفرصة لممارسة عمليات العلم الأساسية والمتكاملة.

·   يتيح للمتعلم فرصة المناقشة والحوار مع زملائه المتعلمين أو مع المعلم؛ مما يساعد على نمو لغة الحوار السليمة لديه وجعله نشطاً.

·   يربط نموذج التعلم البنائي بين العلم والتكنولوجيا، مما يعطي المتعلمين فرصة لرؤية أهمية العلم بالنسبة للمجتمع ودور العلم في حل مشكلات المجتمع.

·         يجعل المتعلمين يفكرون بطريقة علمية؛ وهذا يساعد على تنمية التفكير العلمي لديهم.

·   يتيح للمتعلمين الفرصة للتفكير في أكبر عدد ممكن من الحلول للمشكلة الواحدة؛ مما يشجع على استخدام التفكير الإبداعي، وبالتالي تنميته لدى التلاميذ.

·   يشجع نموذج التعلم البنائي على العمل في مجموعات والتعلم التعاوني؛ مما يساعد على تنمية روح التعاون لدى المتعلمين والعمل كفريق واحد .

وهناك العديد من الدراسات التى أفادت من النظرية البنائية ووضعت وسعت لتجريب طرق تدريس قائمة حولهاومن هذه الدراسات: دراسة) كارول Carol , 1998 )التى أكدت على فاعلية المنظم المتقدم فى تدريس اللغة الأجنبية وذلك بمساعدة شرائط الفيديو مما كان له أثر كبير فى تنمية المهارات اللغوية لدى طلاب الجامعة .

أما دراسة  هيرون( Heron, 1994) فقد هدفت الدراسة إلى فحص مدى فاعلية استخدم المنظمات المتقدمة من قبل المعلمين فى تدريس اللغة الفرنسية ،حيث أكدت نتائج هذه الدراسة أن التحدث والاستماع كمهارات هامة لاكتساب اللغة الفرنسية كلغة ثانية تم تطويرها وتنميتها لدى أفراد العينة خلال استخدام المنظمات المتقدمة المبنية على استخدام الفيديو التعليمى باستخدام جمل قصيرة متعددة وأيضا كان ذلك فى مهارة الكتابة والتلخيص.

وقد قام العديد من الباحثين ببناء برامج لتنمية التواصل اللغوى أو مهارات التعبير فى ضوء البنائية، كما قام البعض بتجريب إحدى الاستراتيجيات التى تعتمد على فكرة الاتجاه البنائى ومنها المنظمات المتقدمة أو دورة التعلم ومن هذه الدراسات ؛ دراسة نبيلة التونسى( ٢٠٠١ م) والتى هدفت تعرف فعالية برنامج مقترح فى ضوء البنائية في تنمية بعض مهارات الاتصال الشفهي في اللغة العربية لدى تلميذات المرحلة الابتدائية .

ودراسة كريمة العجمى( 2005 م )والتى سعت لتعرف فاعلية برنامج مقترح وفق خطوات المنظمات المتقدمة فى تنمية بعض مهارات اللغة العربية ومنها التحدث والقراءة لدى التلاميذ ذوى العمى اللفظى بالمرحلة الابتدائية .

لقد اهتمت البنائية Constructvism بدور الخبرة السابقة فى الكتابة  إذ يشكل الكاتب المعاني فى ضوء هذه الخبرة ، حيث يقدم الكاتب مسودة تعكس ما أجراه من موازنات بين معارفه بين معارفه وخبراته السابقة ، وأغراضه ومراميه من الكتابة، فضلاً عن خبراته اللغوية واتجاهاته.

ويتضح أثر البنائية Constructivism فى التحول من الاستراتيجيات القائمة على النقل Transmission-based Strategies فى تدريس التعبير إلى تلك القائمة على المعنى أو التأويل " Interpretation-based " or " Meaning- based " وقد كان مؤتمر دار تموز نقطة البدء فى هذا التحول ، حيث قدمت فيه أعمال ديكسون وبيرنس وبريتون ، الذين أعادوا تعريف المفاهيم المرتبطة بالنمو فى الكتابة ، وأساليب تدريسها ، حيث حدد بيرنس (Bernes, 1976) مفهومين للتدريس ، أولهما النقل Transmission ، حيث يشكل المعلمون تصوراً عن دورهم باعتبارهم خبراء يقدون المعارف للتلاميذ ، أما ثانيهما فهو التأويل أو التفسير " Interpretation " وفيه يسلك المعلمون باعتبارهم يسيرون النمو المعرفى لدى التلاميذ عن طريق اكتشاف المعرفة من خلال التعلم الإيجابى والتفاعل الاجتماعى ، وفقاً لما ذكره بيرنس ، فإن المعلمين الذين رأوا أنفسهم ميسرين لتعلم التلاميذ فحسب ، قد اهتموا بالعلمية التى عن طريقها ينتج التلاميذ المعنى ، بينما قل اهتمامهم بالناتج .

وانطلاقاً من المدخل التركيبى، فقد أشار ويتروك (Wittrock, 1984) إلى أن القراءة والكتابة عمليات معرفية توليدية ، حيث يبتكر القراء والكتاب المعانى من خلال إنشاء علاقات بين الموضوع الذى يقرأونه ، أو يكتبون فيه ، وبين ما ليدهم من معارف ومعتقدات وخبرات.

ويشير سكوير (Squire, 1984,) بشكل مماثل إلى أن كلاً من الفهم والتعبير انعكاسات لعمليات معرفية متماثلة .

وقد اقترح تيرنى وبيرسون (Tierney & Pearson, 1983) نموذجاً تعبيرياً للقراءة أوضحا من خلاله أن القراءة والكتابة تجمعهما عمليات داخلية متماثلة.

وقد أكد الباحثون دور الخبرة السابقة فى كل من القراءة والكتابة ، حيث يتشابه القارئ والكتاب فى أنهما يهتمان بتكوين المعاني أو تشكيلها ، إذ يستحضر القارئ أهدافه من القراءة، مصحوبة بمعارفه وخبراته السابقة ، وخلفيته اللغوية؛ وذلك ليتفاعل بإيجابية مع كل من الأفكار أو المعاني التى يتضمنها المقروء ثم التراكيب اللغوية ، والخصائص الأسلوبية التى يقدم من خلالها ، ويشبهه الكاتب فى ذلك حيث إنه ينشئ موضوعاً جديداً من خلال مواءمته بين كل من الخبرة السابقة والخلفية المعرفية عن الموضوع الذى يكتب فيه ، بالإضافة إلى الجوانب اللغوية التى تعد وسيلة للتعبير عن ذلك .

ويجب أن تنطلق البحوث المهتمة بالمعرفة السابقة في الكتابة من تصور واضح لدور المعرفة فى التعبير . فمثل هذا التصور يمكن أن يحمل بين طياته تضمينات فى انتقاء الأدوات البحثية ، وتفسير النتائج .

ولم تحتل طبيعة المعرفة السابقة ودورها لدى الكاتب إلا اهتماماً ضئيلاً ؛ ويرجع ذلك إلى أن الدراسات المهتمة بالكتابة قد ركزت على المنتج الكتابة فحسب (Witte & Cherry, 1986) .كما يعزى ذلك أيضاً إلى أن تطور نظريات التعبير وبحوثه التى اهتمت بالمواءمة بين الأفكار والجواب البلاغية ، وبين المقاصد والأغراض قد تأخرت نسبياً ، وعلى الرغم مما قدم من نماذج عديدة لربط المعرفة السابقة لدى الكاتب كل من عمليات الكتابة والظروف البيئة وأغراض الكتابة أو مراميها ، والنمو المفاهيمى والاعتبارات اللغوية ، فإن عدداً قليلاً من بين هذه البحوث قد سعى لاكتشاف دور المعرفة وطبيعتها لدى الكاتب أو وظيفتها فى عملية الكتابة.

ويفترض سكارداماليا وبريتر (Scardamalia & Bereiter, 1985) وهيلوكس (Hillocks,1986) أن الكتاب ذوى الخبرة يعتمدون على معرفتهم الأشكال التصريحية والإجرائية (Decalrative and Procedural Knowledge فى كل من الموضوع الذى يكتبون فيه ، والأبعاد البلاغية واللغوية . وعن طريق دمج ما يعرفه الكتاب ، وكيف يعرفونه، فإن أفكار الكتاب ومهاراتهم البلاغية واللغوية تصور على أنها مترابطة تفاعلياً ، ونمائياً عند ممارسة عمليات الكتابة .

وهناك أربع استراتيجيات للكتابة يمكن من خلالها أن يحقق الكتاب أهدافهم، وهى تتمثل فى الوصف Description والسرد أو القص Narration والإيضاح Exposition ، والحجاج Argument ويقدم الوصف صوراً من خلال الكلمات، وهو يمكن أن يكون موضوعياً، حيث يقدم صورة حقيقة عن شىء ما ، أو ذاتياً حيث يقدم انطباعات أو مشاعر ذاتية ، وذلك فى الكتابة التعبيرية ، وإذا ما استهدف الكاتب وصف إحدى المناطق الجغرافية، بهدف تقديم صور عن المعالم التضاريسية والمناخية ، فإنه فى تلك الحالة يقدم وصفاً موضوعياً Objective Description. أما إذا ما رغب فى إشراك الآخرين من أصدقائه فى بعض مشاعره الخاصة ، فإنه فى تلك الحالة يقدم وصفاً ذاتياً Subjective Description ، أما السرد Narration فهو أن تحكى قصة أو تسرد سلسلة من الأحداث المترابطة ، وتقدم عادة فى تتابع زمنى . فضلاً عن أن السرد فى المقالات المختلفة يقدم أموراً واضحة ومحددة ، وهو يعتمد بشكل كبير على ذكر التفاصيل والوصف فى تقديم أحداث واضحة . وفى الوقت ذاته نجد أن استراتيجيات الإيضاح Exposition أكثر الاستراتيجيات شيوعاً ، وهى تعتمد على الوصف ، وأحياناً على السرد ، إلا أنها تقدم أكثر مما يستهدف  فيهما، حيث لا يقتصر الكاتب على تقديم الصور أو رسمها ، أو حكاية القصص وسرد الأحداث، وغنما يقدن تفسيره لذلك ، ويمكن تقسيم الاستراتيجيات الإيضاحية إلى مجموعة من المخططات الأكثر تحديداً، ومن بينها العرض Illustration ، والتصنيف Classification، وتحليل السبب والنتيجة Cause-Effect Analysis ، والمقارنة/المقابلة Comparison/Contrast، وأخيراً التعريف . وعلى الرغم من أن المقال الواحد غالباً ما يتضمن مجموعة من هذه الاستراتيجيات ، إلا أنه عادة ما يكون له استراتيجية واحدة أساسية أو مركزية. وأخيراً استراتيجية الحجاج ، وهى تهدف إلى إقناع القارئ بأن وجهة نظر الكاتب صحيحة ، وبينما يتم تقديم أفكا ثابتة أو حقيقة فى الإيضاح Exposition ، فإن الأفكار التى تقدم فى الكتابة الحجاجية ، أو الحجاج بوجه عام ، هى مجرد آراء أو أفكار جدلية ، قابلة للمناقشة وتبادل الآراء . وعلى الرغم من أن الحجاج يتبع أنماطاً خاصة به فى عمليات الاستدلال والبرهنة ، فإنه يعتمد بالإضافة إلى ذلك ، وفى أحيان كثيرة على الوصف أو السرد أو الإيضاح .

وتندرج الكتابة الحجاجية ضمن مجالات الكتابة الوظيفية التى لم تنل اهتماماً فى الدراسات العربية . إلا أنه فى ضوء ما تفرضه العصر من توجهات ديمقراطية، تدعم التعبير عن الرأى، وما يتطلبه ذلك من قدرة على الإقناع ، تبرز ضرورة الاهتمام بهذا النوع من الكتابة. وقد فطنت الدراسات الأجنبية لذلك منذ فترة كبيرة، حيث اهتمت بهذا النوع من الكتابة، وحاولت توصيفه ، هن طريق تحديد ماهية الحجاج ، وأسسه ، وذلك انطلاقاً من رؤى متعددة.

كما حاولت بعض الدراسات التى أجريت فى هذا المجال الربط بين هذا النوع من الكتابة ، وبين عمليات التفكير العليا ، كالتفكير الناقد ، والقدرة على الاستدلال .

وبينما نجد أن هناك العديد من مجالات الكتابة التى تعد ضرورة لدى جميع أفراد المجتمع، وذلك كالسرد ، والوصف ، وكتابة الرسائل ، والتلخيص ، وكتابة التقارير ، وغيرها، فإنه من الملاحظ أن بعض هذه المجالات لم تنل إلا قدراً ضئيلاً من الاهتمام فى مراحل التعليم بتعليم اللغات أن تدريس مثل هذه المجالات بشكل مباشر ليس أمراً ضرورياً ، اعتقاداً منهم أن إجادة الكتابة فى مثل هذه المجالات لا يمكن أن يكتسب من خلال الاستعمال اليومى للغة ، أو أنه يمكن أن ينتقل من اللغة الشفوية إلى المكتوبة بشكل تلقائى ، إلا أننا فى الوقت ذاته نجد أن غالبية التلاميذ فى مراحل التعليم العام ، بل وفى مستوى التعليم الجامعى لا يجيدون الكتابة فى هذا المجال  .

  وكثيراً ما يصم المعلمون تلاميذهم بأنهم لا يجدون تنظم ما كتبوا ، أو أنهم تعوزهم القدرة على العرض المنطقى ، وربما لا يستطيع هؤلاء التلاميذ إجادة مثل هذه المهارات دون تدريب مقصود . فبينما نجد قليلاً منهم يجيدون هذه المهارات دون تدريس مقصود ، إلا أنه يحتمل أن يكون هناك من بين من أتيحت لهم فرض التحدث فى مثل هذه المجالات ، أو استخدام اللغة المنطوقة خارج المدرسة على نحو يدعم اكتساب هذه المهارات (Knudson,1992,p.169) حيث يعتقد بعض الباحثين أن التباين بين التلاميذ فى استعمال اللغة المنطوقة خارج المدرسة يؤدى إلى تباينهم فى اكتساب الخبرات داخلها .

وقد تزايد الاهتمام بالكتابة الحجاجية نتيجة قناعة التربوين بأهميتها ، حيث أشاروا إلى أن هذا النوع من الكتابة فى مجالات متعددة ، كالمجالات المهنية ، والأخلاقية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والدينية ، والتى تعد بدورها محوراً للاهتمام فى سائر المجتمعات الديمقراطية (Hays & Brandt, 1992,p54) .بينما ينظر إليها البعض على أنها ممارسة لعمليات التفكير الاستدلالى أو أداة من أدوات تنمية الفكر الناقد والتحليلى ، فضلاً عن أنها كغيرها من أنواع الكتاب الأخرى تتطلب إنتاج المعانى والأفكار .

وإذا كانت الدراسات قد انتهت إلى أن هناك فروقاً فى مجال حكاية القصص لدى التلاميذ فى شكله الشفوى والمكتوب ؛ فقد توصل سكارداماليا وبريتر (Scardamalia & Bereiter, 1986) إلى أن هناك فروقاً أكبر بين قدرة التلاميذ على إنتاج الحجاج الشفوى ، وإنتاج الحجاج المكتوب . حيث أرجعا هذه الفروق إلى الطبيعة المغلقة للمخططات السردية ، والطبيعة المفتوحة للمخططات الحجاجية ، إذ ينظر إلى مخطط الخطاب على أنه مفتوح Open أو مغلق Closed ، وذلك بناء على المدى الذى تتيحه فرص تبادل الأدوار الاجتماعية Social Turn Taking من تدخلات . ونظراً لأنه ليس هناك مداخلات اجتماعية أثناء الكتابة ، فإن كتابة التلاميذ تعتمد بالضرورة على المخططات المغلقة فحسب (Berieter & Scardamalia, 1982) وتعد مخططات السرد مغلقة نسبياً ، وذلك على الرغم من أن المداخلات المقدمة من المشاركين فى السرد الشفوى يمكن أن تؤثر فى مقدار التفاصيل ، أو أسلوب الإلقاء ، إلا أنها تتضمن مجموعة من المتطلبات التى يجب أن يواجهها المتحدث . فالنظر إلى الخطاب الإقناعى أو الحجاجى على أنه مغلق أو مفتوح لا يعنى أن أحدهما يفوق الأخر ، حيث يكون الحجاج الشفوى مفتوحاً إلى درجة تجعل المتحدث يستفيد من مداخلات المشاركين ، بينما تكون الكتابة الحجاجية مغلقة ، حيث لا توجد مثل هذه المداخلات ، ويرجع ذلك إلى عدم وجود مشاركة حوارية أثناءها .

وقد استكشف ندسون في دراسته (Knudson, 1992) فعالية أربع استراتيجيات تدريسية فى تنمية مهارات الكتابة الحجاجية ، والكتابة السردية، وقد تمثلت هذه الاستراتيجيات فيما أسماه بالنمذجة ، أو نماذج القطع المكتوبة Model Pieces of Writing ، واستخدام المقاييس المتدرجة والأسئلة المعيارية لتوجيه الكتابة Scales/questions/Criteria to guide Writing ، ثم المراجعة Revision ، وأخيراً الكتابة الحرة Free Writing ، وقد تم تحديد هذه الاستراتيجيات فى ضوء ما تتطلبه الكتابة السردية ، أو حكاية القصص ، وليس فى ضوء ما تتطلبه الكتابة فى مجال الحجاج .

فى الوقت الذى اهتمت فيه بعض الدراسات باستقصاء فعالية بعض المعالجات التجريبية ، والاستراتيجيات التدريسية فى تنمية بعض مهارات الكتابة الحجاجية لدى التلاميذ فى المرحلة الإعدادية والثانوية ، وطلاب الجامعة .

وقد اتبعت الدراسات التى اهتمت بوصف الكتابة الحجاجية وتقويمها أسلوب تحليل موضوعات التلاميذ فى ضوء عدد من المتغيرات من بينها تصنيفات أدوات الربط التى قدمها هاليداى وحسن (Halliday & Hassanm 1976) وأنماط تحسن الموضوعات المكتوبة (Lautamatti, 1987) والملامح أو الخصائص النحوية (Conner, 1991) ونماذج الاستدلال أو الاحتجاج ، وذلك فى ضوء ما قدمه تولمن فى نموذجه ، وما أجراه كل كم فوس وجرين وبوست وبنر من تعديل له (Voss, Greene, Post & Penner, 1983) ويضاف إلى ما سبق ما اهتمت به بعض الدراسات من استقصاء بعض المتغيرات الاجتماعية ، المرتبطة بإدراك طبيعة القراء ، وفقاً لما قدمه هيز وآخرون من توجهات اجتماعية فى دراسة الكتابة .

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 672 مشاهدة
نشرت فى 29 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,662,201