الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

تتعدد اتجاهات تدريس التعبير وفق الرؤى المختلفة لعملية التعبير ذاتها، وطبيعته، وأنواعه، وأهداف تعليمه؛ فمنهم من ينظر إليه على أنه منتج يقوم به الطالب، ومنهم من يرى أن التعبير عمليات عقلية وذهنية يقوم بها الطالب، ومنهم من ربط بين هذين العنصرين وهدف القارئ، وأخيراً يأتى التفسير التفاعلى للتعبير، وذلك علي النحو التالي:

أولاً – النماذج التى ركزت على جانب التعبير كمنتج: Expression As a Product

ركزت هذه النماذج على المنتج النهائى للتعبير، ورأت أن تدريس التعبير يجب أن يتم التركيز فيه على هذا المنتج، أياً كان نوعه مقالاً أم تقريراً، أم قصة وكل يمكن إنتاجه تحدثا أو كتابةً، وقد كان التركيز على هذا المنهج من حيث: مقابلة النموذج الأصيل للغة، وانعكاس القواعد فى موضوع التعبير، وتوافقاً مع بصيرة المستمعين والقراء.

كما تركز هذه النماذج فى تدريسها للكتابة على القواعد الإملائية، وجمال الخط ، وصحة العبارات النحوية والصرفية، بشكل أكبر، وأهملت جوانب العمليات العقلية للكتابة .

وقد اهتم أصحاب هذه النماذج بمهارات التحرير وقواعد بناء الجملة والهجاء، ومراعاة الشكل فى الكتابة، حيث قسمت المهارات فى ضوء هذه النظرة إلى مهارات تنظيمية خاصة بشكل الموضوع ، بحيث توضع له مقدمة وخاتمة، ومهارات أسلوبية لغوية، وتتضمن اختيار الكلمة وأدوات الربط المناسبة، والدقة فى استخدام القواعد، والضبط الإملائى ومراعاة مقتضى الحال، والصنف الثالث من المهارات هى المهارات الفكرية، ومنها مراعاة الترتيب المنطقى والتسلسل فى تناول الأفكار، والتماسك والوحدة فى تناول الموضوع.

وقد قسم العديد من المتخصصين فى مجال طرق تدريس اللغة – فى ضوء هذه النظرة – الكتابة إلى أنواع أهمها التعبير التحريرى، والإملاء أو التهجى، وثالثهما الخط؛ حيث يتعمق هذا التقسيم للكتابة مع الاهتمام المنصب على المنتج النهائى لعملية الكتابة.

ولا يقف الباحث إزاء الاهتمام بالمنتج موقف المعارض له، بل يؤكد على أهمية هذا الجانب فى تعلم التعبير، ولكن أيضا لا يقف موقف المؤيد المطلق لهذا الاهتمام بصفة فريدة؛ فالتعبير الكتابي والشفهي له عمليات ومهارات أخرى تتساوي فى الأهمية مع جانب الشكل، أو جانب الإنتاج، كما يؤكد على التأثر والتأثير بين كل من الكاتب والعناصر التى تؤثر فى إنتاجه، كما أن التقسيم الذى نشأ عن الاهتمام بالشكل الكتابى من تقسيم الكتابة إلى إملاء، وخط، وتعبير هو فى الحقيقة تقسيم لوحدة وجوهر متكامل، قد لا يصح الفصل بين عناصره، وإن جاز ذلك فإنه سيكون فى أضيق الحدود وفق معايير محددة، والتدرج فى الارتقاء بالمستوى الكتابى للمتعلمين، ولكن على أن يكون ذلك فى إطار التلاحم والتكامل بين عناصر عملية التعبير.

ويؤكد ذلك ما أثبتته أبحاث التعبير فى مجال علم النفس ؛ حيث أثبتت نتائج هذه الأبحاث أن التعبير يتأثر بالعديد من العوامل متآلفة ومتحدة، منها عامل الذكاء التعبيري (جانب ترتيب الأفكار) وعامل القدرة الكتابية والمثابرة الكتابية، كما أن الكتابة – كما أثبتت هذه الأبحاث – ليست محض سرعة إدراكية، بل هى أيضاً مهارات يدوية وحركية عامة.

ثانياً – النماذج التى ركزت على عمليات التحدث والكتابة:

تنتمى هذه النماذج إلى علماء النفس المعرفيين، وقد ظهرت نتيجة للتطور فى بحوث التحدث والكتابة فى مجال علم النفس، ويركز أصحاب هذه النماذج على المحتوى والرسالة، والدوافع الداخلية للمتحدث وللكتابة، وهو ما يسمى أو ما يصطلح عليه بعمليات التحدث Speaking Processes، وعمليات الكتابةWriting As a Process.

أ-عمليات التحدث Speaking Processes:

تنقسم هذه العمليات إلى نوعين من النشاط: التخطيط والتنفيذ، ورغم ذلك فأن الفصل بين التخطيط والتنفيذ فى هذه العملية ليس فصلاً نقياً تماماً، وذلك لأن المتحدث فى أى لحظة يقوم بالنشاطين معاً، فهو يخطط لما سيقوله، كما أنه يخطط أثناء تنفيذه لما سبق أن خطط له من قبل ومن الصعب تحديد أين ينتهى التخطيط ومتى يبدأ التنفيذ.

ويشمل نوعين رئيسين من العمليات الخاصة بعمليات التحدث هما:

(أ) العمليات العقلية Mental Processes: إن ما يحدث فعلاً داخل العقل البشرى مسألة معقدة لا يمكن الكشف عنها بسهولة، ولكن يمكن وضع تصور لما يحدث داخل هذا العقل يصور كيفية إنتاج اللغة عندما يتعرض الإنسان لموقف يستدعى منه التحدث على النحو التالى:

التخطيط للحديث: وهو الخطوة الأولى بالنسبة للتحدث وفيها يحدد نوع الحديث الذى يرغب فى التحدث عنه، أو فيه، لأن كل نوع (موقف) من هذه الأنواع له بنية مختلفة، وعلى المتحدث أن يخطط لحديثه بما يناسب هذا الموقف0

التخطيط للجملة: وهو الخطوة الثانية، فبعد أن يحدد المتحدث الموضوع أى الرسالة التى يرغب فى نقلها، عليه - إذا - اختيار الجمل التى تقوم بهذه المهمة، وعليه أن يحدد كيف يرغب فى نقل هذه الرسالة، هل ينقلها مباشرة بالمعانى الحرفية للجملة، أم ينقلها بشكل غير مباشر عن طريق الأساليب البلاغية أو غير ذلك0

التخطيط للمكونات: وفيها يخطط المتحدث لعناصر الجملة بعد أن يكون قد حدد الخصائص العامة للجملة، فيلتقط الكلمات والاصطلاحات اللغوية لوضعها فى الترتيب الصحيح، والمتحدث هنا يخطط الشكل العام للجملة، وفى الوقت نفسه يختار الكلمات المحددة0

البرمجة الصوتية: بعد اختيار كلمات محددة يقوم المتحدث بصياغتها فى شكل برنامج صوتى فى الذاكرة، يصلح لكل الكلمات المكونة لعناصر الجملة فى الحال، فهى تشمل تمثيلاً للمقاطع الصوتية والنبرات والتنغيم0

النطق المفصل: وهو الخطوة الأخيرة فى تنفيذ مضمون البرنامج النطقي، ويتم ذلك من خلال الميكانيزمات التى تضيف التتابع والتوقيت للبرنامج النطقى وتخبر العضلات الخاصة بالنطق، متى نفعل ذلك؟وتترجم هذه الخطوة إلى أصوات مسموعة(الكلام).

وعلى الرغم من هذا العرض للعمليات العقلية التى تنتهى باخبار العضلات الخاصة بالنطق فإنه لا يمكن الكشف عن هذه العمليات المعقدة داخل العقل البشرى من خلال هذا التصور البسيط، ولكن يمكن التكهن بأن العمليات تتضمن القدرة على التفكير لتحديد الأفكار وتنظيمها والربط بينها فى نمط معين، والقدرة على صياغة الافكار، وذلك باستحضار لغة (مجموعة من الكلمات والجمل والعبارات) لتعبر عن هذه الأفكار، والقدرة على تنظيم هذه اللغة فى نسق معين وذلك وفق قواعد الاستعمال اللغوى0

(ب) العمليات الأدائية Performance Processes :وهى الخطوة التالية والتى تبدأ من حيث أنتهت العمليات العقلية والتى يعطى خلالها المخ اشارات إلى العضلات الخاصة بالنطق إيذانا بعملها وتأدية وظيفتها الفسيولوجية المنوطة بها0"ويمكن القول بأن عمليات التحدث تتضمن : القدرة على الاداء اللغوى فى الموقف الفعلى، وذلك وفقاً للقواعد المتعارف عليها، والتى يسير الكلام منطوقاً وفقا لها، ويصاحب هذا الأداء إشارات وتلميحات بأعضاء الجسم تساهم فى توضيح المعنى.

وما يعنينا من العرض السابق لعمليات التحدث هو القول : بأن هذه العمليات تتطلب من المتحدث نشاطاً ذهنياً ملحوظاً وتوافر مهارات معينة وذلك حتى يخلو حديثه من الاضطرابات والاخطاء0

وتعلم اللغة شيء يجب على كل إنسان أن يقوم به بنفسه ولا يفيد أن يقوم به شخص نيابة عن آخر، والسبب فى أن كل أنسان قد نجح فى تعلم لغته الأم هو توافر العناصر التالية:

1- الدافعية نتيجة الانغماس فى الموقف Immersion0 فاللغة تكتمل فى عقل الفرد قبل أن ينطق الكلمة الأولى، والتى يتحدد معناها لدى الطفل بمن حوله وبالظروف المحيطة بالكلمة لحظة إستخدامها0 فالطفل لابد أن يستوعب ويمتلك رصيداً ضخماً من اللغة ذات المعانى، حيث إن كثيراً من اللغة التى يسمعها الطفل تحدث فى مواقف مرتبطة بأحداث محلية حاضرة، فينغمس Immersed الطفل فى اللغة حتى يكتشف كيف تقوم اللغة بوظيفة ما0

2- وجود نموذج عملى يجتذى به Demonstration: فالطفل يسعى إلى امتلاك القاعدة أو النموذج اللغوى ثم يبدأ فى أن يضيف اليد المفردات، وبذلك يستطيع توليد لغة أكثر وأوسع ويصبح تعلم اللغه أسهل من خلال الحياة اليومية المتكررة حول الطفل0

3- الاستخدام Use & Practice  :فكلما استخدام الأطفال اللغة تعمقوا فى اكتشاف وفهم ما خفى وراءها من قواعد تركيب وترتيب، وهو ما يتمشى ويتناسب مع معدل نموهم العقلى والمعرفى0

4- توقع الآخرين والتوقع الذاتى Expectation 0

5- المسئولية وتحملها بثقة بالنفس ResPonsibility & Trust 0

6- النموذج الأمثل Approximation0

7- استجابة الآخرين نتيجة المحاولة Response .

ب-عمليات الكتابة:

ظهرت علميات الكتابة كما يراها أصحاب هذا النموذج فى شكلين أحدهما جعل عمليات الكتابة هى البنية، والمحتوى، والهدف أو الغرض، وقد اهتم هذا التقسيم لعمليات الكتابة بدور الكتابة فى حل المشكلات

بينما ظهر الشكل الآخر في صورة ثلاث عمليات أساسية هى التخطيط، والكتابة، وتدوين الجمل وتحريرها، والمراجعة أو النقد والجدير بالذكر أن هذه العمليات – من وجهة نظر أصحابها – ليست منفصلة بل هى متكاملة بين كل منها على الأخرى، وتتداخل فيما بينها.

ويعد الشكل الثانى لعمليات الكتابة هو أقرب ما يكون للتركيب المعرفى لعملياتها، التى يقوم بها الشخص الكاتب، كما أنه يتضمن بشكل ضمنى، جميع عناصر الشكل الأول، ويعبر عنها.

وقد أدى الأخذ بهذا النموذج إلى ظهور بعض الإجراءات التدريسية أو المبادئ الأساسية فى تدريس الكتابة وفق نموذج العمليات وأهم هذه الأسس ما يلى:

أ-   التركيز على عمليات الكتابة بحيث تقود إلى المنتج الكتابى النهائي.

ب-  مساعدة الطلاب على فهم عمليات تحريرهم وكتابتهم الخاصة.

ج-  مساعدة الطلاب على الاستخدام الشامل لاستراتيجيات ما قبل الكتابة، والكتابة المبدئية، والمراجعة وإعادة التحرير.

د-   إعطاء الطلاب الفرصة ليكتبوا أو يعيدوا كتابتهم.

هـ- إعطاء الأهمية الخاصة لعمليات المراجعة.

و-   ترك الطلاب ليكتشفوا ما يريدون قوله وما يريدون كتابته.

ز-  إعطاء الطلاب تغذية راجعة خلال عمليات التحرير، وليس فقط فى المنتج النهائى، ودعوتهم لاستخدام تعبيراتهم وابتكاراتهم.

ح-  تشجيع التغذية المرتجعة من كل من المعلمين والأقران.

ط-  تضمن المشاورات الذاتية بين كل من المعلم والطلاب خلال عمليات التعبير.

ويري الباحث أن الكتابة ليست عمليات عقلية منفصلة عن عناصر التفاعل الاجتماعى، أو التفاعل مع نوع النص المراد كتابته، وليست بمعزل عن ثقافة الفرد وأهدافه وخبراته، ولعل هذا الظن أصبح أقرب لليقين مع رؤى أصحاب النماذج التفاعلية للكتابة.

وفى المقابل تتوافق مكونات عمليات الكتابة ومراحله مع المعطيات الحديثة فى مجال تعليم الكتابة كما أسفرت عن ذلك نتائج دراسة الاستراتيجيات الأكثر فعالية فى تنمية الأداء الكتابى فى المدارس المتوسطة والعليا عن وجود حجم تأثير دال لعمليات الكتابة، عند مقارنته ببقية الاستراتيجيات على نوعية الكتابة، وفى تفسير هذه النتائج ورد أن وضوح خطوات كل استراتيجية وتنظيمها يعد السبب الرئيس فى تحقيق هذه النتائج، واستهدفت الدراسة تعليم الاستراتجيات بشكل مستقل من خلال أنواع معينة من مهام الكتابة.

قد أكدت دراسة كيلى( 1988 Kelley )على أن إعطاء الوقت للتخطيط لترجمة الأفكار إلى نص مكتوب له أثره فى جودة المنتج الكتابى، كما أكدت أيضاً دراسة كل من هايز وفلاورز (1986 Huyes & Flowers ).على أن التعليم الجيد للكتابة ينبغى أن يقوم على فهم جيد لتنظيم العمليات المعرفية التى تقوم عليها الكتابة.

ويوفر اتجاه عمليات الكتابة مجالاً للتعامل مع الأبعاد الثلاثة، فما يحدث فى مرحلة ما قبل الكتابة يساعد فى تمييز المستهدف بالكتابة، وطرق تنظيم المعلومات واللغة والأسلوب، وفقاً لما تقدم فإن هذه الأطر تحدد معالم المدخل واستراتيجياته وأهداف كل استراتيجية، والجوانب النظرية المتصلة بكل منها .ووفقاً للمعطيات السابقة تتحدد المنطلقات والأسس التى تقوم عليها عمليات الكتابة فيما يلي:-

أولاً: الكتابة عملية عقلية تحددها أبعاد ثلاثة: المهمة الكتابية والغرض منها والقارئ الذى ستوجه إليه.

ثانياُ: مناط التركيز فى تعليم الكتابة على كيفية إنتاج النص لا النص نفسه .

ثالثاً: تمر عملية الإنشاء بمراحل– غير خطية – تتضمن كل مرحلة عدداً من الاستراتجيات .

رابعاً: يجب توافر مناخ صفى قوامه الحرية والتشجيع والحفز لممارسة الكتابة .

خامساً: تستمد عمليات الكتابة مادتها من تفاعل مراحل الكتابة وعناصر، ومهامها، وقواعدها وتوظيف تطبيقاتها فى إطار تكاملى .

سادساً: تستهدف عمليات الكتابة إكساب المتعلم وعياً بالكتابة :استراتيجيات ومهارات لتوظف أثناء ممارسة الكتابة فى الحياة.

فالكتابة جزء متكامل من النمو اللغوى والمعرفى، وهى تحدث فى عدد من السياقات الموقفية والاجتماعية لتخدم عدداً من الأغراض، ويرتبط فيها السياق بالهدف فى حالات كثيرة، ويتغير بتغير مظاهر النمو، فالمتعلم يطور رؤى حول الكتابة قبل التعليم الرسمى وأثناءه، لأن طبيعتها الكامنة بجانب ما يتعلمه بشكل صريح يكسب المتعلم عدداً من سماتها المتفردة؛ مما يؤكد الطبيعة المعرفية اللغوية للكتابة من جهة وكونها عملية تكاملية من جهة أخرى، والملاحظ أن النشاطات الكتابية الطارئة أكثر اجتماعية خاصة فى مراحل التعليم الأولى ، أما فى المراحل المتقدمة فتركز الكتابة على الجمهور والوظيفة، وتكون – فى الغالب – على شكل تلخيص أو تحليل أوعمل تقرير، وتكتب للمعلم – بشكل أساسى – كفاحص ، ومصدر المعلومات – فى معظمها – من المعلم أو الكتب المقررة .

والكتابة الجيدة ليست خياراً بل هى ضرورة كالفهم القرائى، وهى متطلب أساسى للنجاح الأكاديمى والاشتراك فى الأنشطة الحياتية بفعالية ، ذلك أن أكثـر سياقات الحياة تتطلب مستوى من المهارة فى الكتابة، وهى طراز تتداخل فيه عوامل مختلفة، وتتأثر فيه عوامل مختلفة، وتتأثر بمؤثرات متباينة ، فالكاتب الماهر هو الذى يكيف كتابته مع السياق الذى يكتب فيه.

وإذا كانت الكتابة والتفكير متشابكين فإن تعليمهما معاً يمكن أن يخلق أنشطة تواصلية تعبر حدود الوقت والثقافة، وتعطى الفكر تركيزاً وامتداداً من خلال عمليات الاختيار والحذف والإضافة (للمفردات والجمل والأفكار)، ومراعاة طبيعة القراءة، وعرض وجهة النظر، وعمليات التقييم والتحليل والمقارنة، ومن منظور آخر فإن الكتابة تفسح للتفكير مجالاً لقلب الفكرة فى أكثر من اتجاه من خلال عمليات الفحص وإعادة النظر، وهى بذلك وسيلة تعبير عن الفكر يمكن أن تنقل إلى القارئ أحاسيس متنوعة، كما أنها تنقل ما تدركه الحواس المختلفة تعبيراً عن هذا الإدراك.

فالكتابة إذا ليست عملاً سهلاً فى أدائه، ولاسيما بسيطاً فى مكوناته، فهى تتفاوت فى الشكل وطريقة الإنتاج طبقاً لطبيعة المكتوب ونوعية المستقبلين، فعمليات الكتابة وطرق التفكير التى تؤدى إلى طل هذه الأغراض متفاوتة فصياغة بريد إلكترونى إلى صديق تختلف عن كتابة رسالة فى المضمون والفكرة والألفاظ. فالأغراض تتشكل وتنمو وتخلق علاقات بين الكاتب والقارئ المحتمل ، وتعكس مستويات فى استعمال اللغة ، وفرضيات حول المعرفة والتجارب المشتركة؛ مما يجعل الكاتب منشغلاً بالتفكير فيما يعتقده القراء، ومركزاً على الأفكار كيف يولدها؟ وعلى المعلومات كيف ينظمها؟ والجوانب الوجدانية وكيفية توظيفها فى خدمة الغرض من الكتابة ، أى أن التفكير والإجراءات والصياغة النهائية تتفاوت بين الكتاب .

ويمكن النظر للكتابة على أنها عملية تكرارية يتحرك فيها الكاتب ضمن مكونات عملية الكتابة حسب بالضرورة إلا أن كل كاتب يستعملها على نحو مختلف، فعندما يقرر الطالب ما سيكتبه محتفظاً بأسبابه الخاصة للكتابة، مختاراً للموضوع من تجاربه الخاصة مثلاً، فإن هذا يدفعه للإحساس بملكية هذه الفكرة، مما يروج لقضية الالتزام والاهتمام المستمرين، وعندما يحدد جمهور الكتابة فهو مطالب بعرض الموضوع بشكل ملائم وعملى.

إن طرفى القضية ملكية الفكرة وارتباطها بأهمية تجويد المنتج الكتابى، وقارئ له أهداف يجب مراعاته، وعليه فإن كل كاتب يخطط لكتابته ويحررها ويراجعها، ويطور عملية كتابة فردية، ويكتسب قدرات الكتابة بالممارسة والتكرار، ويمكن أن يكتسب مهاراتها ضمن سياق الأداء .

وتوجه المعطيات السابقة إلى ضرورة الاهتمام بممارسة الكتابة فى أغراض مختلفة، وأنواع متعددة تتعدد فيها سياقات الاستخدام مستمدة مادتها من الحياة؛ ليتعلم المتعلم كيف تختلف الكتابة باختلاف طبيعة القراء، ومن زاوية ثانية فإن خصائص الكتابة الجيدة تتفاوت بين مجالاتها فالتقرير العلمى يختلف عن التاريخ لموضوع أو ظاهرة. وتزود هذه المعارف مجال تعليم الكتابة بأطر يجب الوعى بها عند تدريس الكتابة :-

· تحديد أنواع مختلفة من القراء وربط هذا باستيعاب أن أغراض الكتابة تنشأ عن اختلافهم.

· إن استراتيجيات الكتابة تهدف إلى جعل المتعلم شريكاً فى المجتمع وليست مجرد عمل مدرسى.

ترتبط الكتابة عن النفس بالنمو الشخصى للمتعلم.

· يجب الاهتمام بأغراض الترفيه والاكتشاف.

· الأشكال الملائمة للمجالات الأكاديمية المختلفة، وأغراضها والعلاقات بينها هى التى تخلق هذه الأشكال .

· على المنهج أن يوفر فرصاً كافية لممارسة الكتابة فى هذه الأغراض.

ويتصل بهذه الجوانب النظر للكتابة على أنها ليست إثباتاً لأن الطالب أدى ما هو مطلوب منه بقدر ما هي عملية تتفاوت خصائصها بتفاوت المجالات مما يقتضى:

أ : فهم أغراض الكتابة والأشكال الناشئة عنها.

ب: التدريب على الاستراتيجيات والمهارات التى تجعل الطالب يشارك بفاعلية فى مجتمع ديمقراطى.

جـ : تشجيع استخدام الكتابة كأداة للنمو الشخصى وانعكاس للتفكير .

د: الأشكال الجمالية والفنية لكتابة النصوص الأدبية .

هـ: تنظيم المناهج الدراسية بالشكل الذى يزود الطلاب بالتعلم الكافى ليكتبوا فى الأغراض المختلفة للكتابة.

و : التدريب على قواعد مراجعة النصوص المكتوبة .

ثالثا:النماذج التفاعلية للتعبير Writing as Interactive Process

ولم تكن التطورات التى طرأت على ميدان تعليم التعبير بمعزل عن التطورات التى حدثت فى ميدان تعليم اللغة العربية ؛ لأن العلاقة جد وثيقة بين التعبير وبين باقى فنون اللغة العربية الأخرى ، ومن ثم فهو يتأثر بما يطرأ على هذه الفنون من تغيرات.

ولقد ظل الاتجاه التقليدى فى تدريس التعبير سائدا إلى أن ظهرت مع الاتجاهات التربوية الحديثة الدعوة إلى العناية بإيجابية المتعلم فى الوقت التعليمى وذاتيته ووعيه بالتفكير وعملياته، فظهر فى تعليم التعبير اتجاه عمليات الكتابة التفاعلى والتعبير الشفهي التفاعلي، وفى ضوء هذا الاتجاه ينظر إلى التعبير على أنه:عملية معقدة دقيقة تتطلب مجموعة تفاعلية مستمع ومتحدث وبين كاتب وقارئ ورسالة لغوية، وهى أضلاع مثلث التواصل اللغوى .

ويذهب أنصار هذا الاتجاه إلي أن اللغة وسيلة لفهم وإدراك العلاقات بين المتعلمين، كما أنها وسيلة لقضاء الحاجات الاجتماعية بين الأفراد. ويركز هذا الاتجاه على ما يدور أثناء التحدث باللغة من تصرفات وتفاعلات وتحركات وغير ذلك. ولذا فإن طرائق التعلم القائمة على هذا الاتجاه تعتمد على أنماط المحادثة وأساليب التفاعل اللفظى بين المتحدثين التي يمكن أن تترك فيها الحرية للمتعلمين إلي حد بعيد حسب رغباتهم واتجاهاتهم .

ويري أصحاب النماذج التي تم تجريبها وفق هذا الاتجاه أيضا أن الكتابة ، كالقراءة فى عملية التفاعل؛ فالكاتب من وجهة نظرهم كالقارئ يحضر ويستحضر قيمه وعلاقاته، وخبراته، ومعرفته المسبقة، وثقافته، وأحلامه وأهدافه وتوقعاته، بالإضافة إلى بعض الجوانب الأخرى للتفاعل قبل اقتراضاته وتوقعاته عن جمهور القراء، ومن جانب آخر فإن الكاتب يحتاج للتفاعل مع الكتاب الآخرين أو القراء سواء فى المنزل أو فى المدرسة والمجتمع؛ فالكاتب الجيد غالباً ما يستشير أو يتبادل الرأى مع الكتاب الآخرين، ليسألهم عن ردود أفعالهم، وتعليقاتهم، واقتراحاتهم، والعنصر الثالث من عناصر التفاعل يكون عنصر النصوص الأخرى المكتوبة أو الشفهية، والتى تشمل القصص والدراما والأغانى الشعبية والمقالات والروايات والقصائد والأحاديث الرسمية، والكتابات الرسمية، وغير الرسمية، والنشرات الدورية، والكتب المتنوعة.

ولأن الكتابة عملية تفاعلية، فإن الشيء الذى ينشأ عنها لا يتنمى إلى الشخص الكاتب الذى أنتجها بمفرده، ولكنها بالأحرى تنتمى إلى الدرجات المتنوعة المختلفة لكل التأثيرات التى تسهم فى تطورها.

وتتمثل العلاقة بين التعبير الشفوي والتعبير الكتابي فى أن كلاً منهما يعتمد على بناء وإنتاج الرسالة أفكاراً ولغة، والمتكلم والكاتب إنما ينقلان رسالة يتطلب تكوينها القدرة على التفكير والربط بين الكلمات والجمل والفقرات ، وإدراك العلاقات بينها وتنظيمها والالمام بقواعد الاستعمال اللغوى"، كل هذا فى ضوء فكر ومعنى مطلوب نقله إلى آخرين، فضلاً عن أن الإرتباط بين شكل الحرف (كتابة) وصوته (تحدث) يمثل أحد جوانب العلاقة بين التحدث والكتابة ، فمعرفة الأصوات وأشكال الحروف يؤدى إلى التمكن من مستوى الأداء الصوتى فى التحدث والرسم والتدريس فى الكتابة .

ويهدف هذا الاتجاه إلى تنمية وعى المتعلم بكيفية استنتاج الأفكار وتحويلها إلى بناء قوى يتناسب مع متطلبات القارئ (الجمهور) أو المستمع وتوقعاته وأهدافه وكذلك مع أهداف الكاتب وتوقعاته، كما يؤكد على أهمية العناية بمهارات الكتابة وعملياتها وكيفية التعلم، وأثر ذلك على نواتج التعلم القريبة والبعيدة، وهو اتجاه أكده عدد من البحوث والأدبيات فى مجال تعليم الكتابة فى اللغة منها :

دراسة باتا بسكو(1986) فى الولايات المتحدة والتي أجريت بهدف تعليم الطلاب مهارات التفكير وعملياته بدلا من تقديم الأفكار بصورة تقليدية؛ حيث تم دمج مهارات التفكير فى البرامج التعليمية، واتبع الطلاب مخططا قوامه تحديد الأهداف والحاجات، ثم تحديد المهارات، ثم خطة طويلة المدى لتعليم المهارات( هذا فى المرحلة الأولى )، أما فى المرحلة الثانية فقد تم إتباع خطوات التنفيذ التى تناولت تحديد المهارة وخطوات تنفيذها وتطبيقها، وفى المرحلة الثالثة يتم التقويم وتقييم مدى التقدم واستخدام نفس الأسلوب فى تدريس اللغة والرياضيات والعلوم. وكان من أهم نتائجها تنمية مهارات التفكير الاستدلالى وتحسين التفكير بوجه عام.  

وقد تبنت كوثر قطب (1992) عمليات الكتابة التفاعلى فى تنمية مهارات كتابة المقال لدى الطالبات بالفرقة الرابعة بكلية التربية جامعة المنيا شعبة اللغة الإنجليزية، وقد أدى ذلك إلى تفوق طالبات المجموعة التجريبية فى مهارات الكتابة على طالبات المجموعة الضابطة فى مرحلة ما قبل الكتابة وما بعد الكتابة فى التطبيق البعدى ( لاختبار كتابة المقال )

كما أكدت دراسة ريتشرتRichert ,1997) ) تفوق المجموعة التجريبية والتي درست وفق عمليات الكتابة التفاعلية على المجموعة الضابطة فى الكتابة الإبداعية التى كان هدفها تنمية المهارات الإبداعية فى اللغة الإنجليزية لدى طلاب الفرقة الأولى بجامعة فلوريدا بالولايات المتحدة، واستخدمت فى التقويم أسلوب الحافظة ((portfolio، وجدير بالذكر أن المعلمة كانت تشارك فى الكتابة الإبداعية فى هذه الدراسة لتقديم دور الكاتب المبدع، وفى ذلك واضح على أهمية دور المعلم الذى يتمتع بمهارات الكتابة فى تنمية مهارات الكتابة التعبيرية .

وتتفق رايميز Raimes  (1987) ، ونيزل وزميلتاها (1989) مع كل من ليكى1991) Lekia )، وتتميز عمليات الكتابة التفاعلى بعدة خصائص تشكل مجموعة من الأسس يمكن إيجازها فيما يلى:

·     أنه يهدف إلى تنمية وعى المتعلمين بكيفية استنتاج الأفكار وتنميتها وتحويلها إلى بناء لغوي.

·     يراعى متطلبات القارئ ( المستقبل ) مما يؤدى إلى تحسين مهارات الكتابة.

·     يدعم تكامل فنون اللغة القراءة والكتابة والتحدث والاستماع خلال عمليات الكتابة.

·  دور المعلم فى عمليات الكتابة التفاعلى يتحدد فى التوجيه والتيسير لعملية تعليم مهارات الكتابة أثناء العملية وليس بعدها.

·     يتيح أمام المتعلمين فرصا لممارسة نماذج وأساليب مختلفة من التعليم مثل تعليم الأقران والتعليم التعاونى والفردى .

·     إيجابية المتعلم هي السمة الواضحة، وهى محور عملية الكتابة التفاعلي .

·  يعنى بمهارات التعلم الذاتى التى تتمثل فى قيام المتعلم بجميع عمليات الكتابة بدءا اختيار الموضوع وتناوله ثم تقويمه ذاتيا والكتابية الاستقلالية بصورة وظيفية .

·     يوفر الفرص أمام المعلم لتقويم التعبير الكتابى بصورة موضوعية .  

·     يؤكد على الاهتمام بالعملية والمنتج معا، أى بالكيفية التى بها تم كتابة الرسالة اللغوية والرسالة كمنتج .

·  يركز على استراتيجيات الابتكار والاكتشاف، حيث يوجه المعلم المتعلمين إلى كيفية إنشاء الموضوع واكتشاف الهدف والأفكار والأساليب .

·     يراعى هذا الاتجاه مبدأ كلية الكتابة كنشاط يجمع بين الثقافة والعقلانية. 

·     الكتابة فى ضوء هذا الاتجاه لا تسير فى اتجاه واحد، وإنما هى عملية تفاعلية بين كاتب وجمهور ورسالة . 

·     يركز هذا الاتجاه على أسس بلاغية؛ حيث يراعى الكتاب الجمهور(مطابقة الكلام لمقتضى الحال). 

·     يعتمد هذا الاتجاه على معلم له دراية بعمليات الكتابة.

·  يؤكد على الخبرة والتدريب ودافعية المتعلم وإيجابيته وتقديم التعزيز المناسب والعناية بالتفكير وتنمية مهاراته( أسس نفسية ).

·  يستمد أسسه من علوم اللغة، بتأكيده على الكفاءة اللغوية للمتعلم والعمل على تحسينها ومراعاة المنتج لكافة المعايير التى ينبغى أن تتوفر فى الرسالة اللغوية .

ومما سبق يتضح أن اتجاه عملية التحدث والكتابة التفاعلي يستمد أسسه من العلوم التربوية بعنايته بالتدرج ودور المعلم والتلميذ وأهمية عمليات التخطيط والتنفيذ والتقويم والاكتشاف التي تتم من خلاله.

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 461 مشاهدة
نشرت فى 29 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,643,527