الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

البنيوية منهج نقدي نشأ في ظل الدراسات اللغوية، ويقوم على رؤية النصوص الأدبية كأبنية كلية ذات نظام، يكشف تحليلها عن علاقاتها الداخلية ودرجة ترابطها والعناصر المنهجية فيها.

ولعل أقرب تعريفات البنيوية إلى الفهم أن لفظ البنيوية جاء من البنية وهي كلمة تعني الكيفية التي شيُد عليها بناء ما، وانطلاقاً من هذا المفهوم أصبحت الكلمة تعني الكيفية التي تنتظم بها عناصر مجموعة ما، أي إنها تعني مجموعة العناصر المتماسكة فيما بينها بحيث يتوقف كل عنصر على باقي العناصر الأخرى، وبحيث تحدد هذا العنصر بعلاقاته بتلك العناصر.

 فالبنية هي مجموع العلاقات الداخلية الثابتة التي تميز مجموعة ما بحيث تكون هناك أسبقية منطقية للكل على الأجزاء، أي إن أي عنصر من البنية لا يتخذ معناه إلا بالوضع الذي يحتله داخل المجموعة، وعلى هذا فالبنيوية توجه اهتمامها بالأساس نحو دراسة العلاقات التي تنظم عناصر أي كل أو بنية، كما تهتم بكشف الارتباطات القائمة بين البنيات المختلفة بعضها ببعض.

وقد انتهج هذا المنهج شتراوس، الذي يرى أن البنيوية تسعى إلى تجريد الأدب من كونه جسماً حياً إلى مجموعة من العلاقات الداخلية (نظام) وهذا النظام قائم على التشاكل المطلق في نماذج أدبية تنتمي إلى نوع واحد من الكتابة كالقصة مثلاً. ويصلح هذا النظام مرجعا للأعمال الفردية، وللتعرف على نظام النص يبدأ الدارس بالأدنى مرتقياً ومتدرجاً نحو الأعلى، وفي أثناء ذلك يتم الكشف عما يجمع هذه المستويات، أو الأركان أو البيانات الموضوعية في النسق.

ولكل جنس من الأجناس الأدبية نظام بنيوي، وعلى الناقد أن ينظر في مدى تطابق هذا النص مع النظام أو ما فيه من انحراف، ونوع هذا الانحراف، فهل يؤدي إلى زيادة في تماسك النص وانسجامه وائتلاف أجزائه أم أنه يؤدي إلى خلل فيه واضطراب؟ وعلى أي حال فإن عبقرية المبدع تقاس بمدى ما في نصه هو من تجاوز لقواعد النص التي يحددها الإرث الأدبي، والعمل الأدبي هو عمل لغوي، واللغة مادة وشكلاً ونظاماً هي إرث جماعي.

وتأسيساً على ما سبق ذهب البنيويون في نقدهم للنصوص الأدبية نحو التركيز على تحليل النصوص تحليلاً شمولياً بمعنى أنه لا يحسن الاكتفاء بتناول جزء أو أكثر من النص الأدبي، كتناول المعنى مثلاً أو الصورة أو الأسلوب أو المجاز أو الألفاظ..، فالصحيح أن النص الأدبي يتكون من مجموع هذه العناصر، لكن هذه العناصر بوجودها فيه فقدت طبيعتها السابقة، وأصبحت شيئاً جديداً يستمد قيمته الأدبية من النص، وهاجس الناقد البنيوي هو البحث فيما يوحد هذه العناصر وما بينها من تناقض واختلاف، ويصهرها في الإطار الذي يمثله النص، ولهذا فإن العناصر غير المتآزرة والمتناقضات التي يتكون منها النص تحتاج إلى محور ينتظمها، وهذا المحور هو هدف الناقد البنيوي، فبكشفه عنه يكون قد قطع شوطاً كبيراً نحو تحقيق الهدف النقدي، ومثل هذا الكشف يتعذر تحقيقه باستخدام وسائل مستعارة من حقل آخر، فلا داعي لاستخدام خبرة عالم النفس أو المؤرخ؛ فالتحليل البنيوي تحليل ينبثق من النص نفسه، والسبيل إلى ذلك تأمل عناصر النص وطرق أدائها لوظائفها وعلاقات بعضها ببعض دون أن تجاوز حدود النص إلى أي موقع آخر.

ومن النقاد العرب السائرين على خطا البنيوية محمد بنيس في كتابه ظاهرة الشعر المعاصر بالمغرب، ومحمد براّدة مؤلف كتاب محمد مندور وتنظير النقد العربي، ويُمنى العيد صاحبة كتاب في معرفة النص.

وقد أثارت البنيوية كثيراً من الاعتراضات والالتباسات بسبب طبيعة اتجاهها، فكثير من النقاد وقفوا منها موقفاً متوجساً بل معادياً، ومن بين البنيويين –انفسهم- الذين تنكروا للبنيوية، بل عجلوا الدعوة إلى هدمها، والتخلي عنها جاك ديريدا وجوليا كرستيفا، ويمكن تلخيص المآخذ التي أخذت على البنيوية في ما يلي:

1 – ألغت البنيوية في أدبياتها كل صلة بالإنسان والذات والوجود والتاريخ لحساب ما تردده عن البنية والنسق والنظام واللغة؛ فهي ترفض أن يكون الإنسان مركز الكون بوصفه كائناً عابراً جاء بعد النظام، وسيمضي ويبقى النظام بعده، ولذا صار الإنسان مهمشاً في البنيوية وكذلك التاريخ.

2 - عملت على أن تكون هناك قطيعة معرفية مع مناهج النقد السابقة، فالمفاهيم غير المفاهيم، والمصطلحات غير المصطلحات والأهداف غير الأهداف، وكذلك القواعد.

3 – اعتبرت أن النصوص الأدبية المنتمية إلى جنس أدبي واحد تخضع وجوباً لأنساق محددة، وهذا ما تصدى له ديريدا الذي استحدث منذ العام 1966م مفهوماً جديداً في قراءة النصوص الأدبية وغير الأدبية، وهو التقويض أو التفكيك econstruction .

4 – أهملت المعنى، وإن كانت تسلم بأن النص متعدد المعاني، وذلك يعني بصورة ما أن البنيوية ليس لديها ما تقدمه.

5 – تميزت البنيوية بأنها شبه علم، فهي تخبر برطانة غريبة، ورسوم بيانية، وجداول معقدة عن أشياء معروفة مسبقاً، ولذلك فهي ليست عديمة القيمة فحسب، وإنما مؤذية لأنها تجرد الأدب ونقده من صفاتهما الإنسانية.

6 – عجزت عن تقديم الجديد، فالبنيوية ليست سوى صورة محرفة لمنهج النقد الجديد.

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 368 مشاهدة
نشرت فى 29 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,661,916