انبثق منهج التفكيكية النقدي من داخل البنيوية نفسها كنقد لها، وانصب على مشكلات المعنى وتناقضاته ليزعزع فكرة البنية الثابتة.
فالبنيوية لم تلب حاجة القراء في فتح النص على مصراعيه بالصورة المأمولة لديهم؛ فظهر البنيويون الجدد أو التفكيكيون ليحدثوا انقلاباً مضاداً، ويؤصلوا لاتجاه آخر معاكس هو التفكيكية. التي تعود في نشأتها إلى الفرنسي جاك دريدا، حيث استحدث ديريدا منذ العام 1966م مفهوماً جديداً في قراءة النصوص الأدبية وغير الأدبية، وهو التقويض أو التفكيك، أي أن كل تحليل للنص يتضمن تفسيرين، أحدهما يقودنا إلى الوراء حيث التصور الأصلي للمعنى، والثاني يقودنا إلى الأمام حيث الإشارة صريحة واضحة لانعدام المعنى، وقد تخير ديريدا المسار الثاني الذي يقول بأن المعاني ليست ثابتة في النصوص، وأن كل نص مكتوب فيه شيء ما حاضر وآخر غائب، وهذا الغائب هو الناتج الإجمالي الإيجابي أو السلبي للمسافات المبثوثة (الفجوات) بين ثنايا الكلام التي بغيرها لا يمكن أن تدل على شيء.
إن التفكيكية تؤكد على الطبيعة النصية غير المتناهية للفهم، حيث المعاني تختلف وتتضاعف حالما يبدأ التفسير، كما أن ما يفهم من المعنى الخفي في النص قد يتعارض مع المعنى الظاهر، وهذا لا يفسد صواب التفسير وحسن التأويل.
وقد وجد هذا التيار أنصاراً له في الفكر العربي، يمارسونه في الفكر الفلسفي والأدبي بغية خلخلة المفاهيم المستقرة، ووضعها موضع التساؤل تنشيطاً لحركة التحولات في الفكر الحديث وإثارة التساؤلات حول ما يطفح فيه من يقينيات جاهزة، ومن أهم هؤلاء اللبناني علي حرب و السعودي عبد الله الغذامي و المصري مصطفى ناصف، وكما أن مشهد التفكيك في الغرب يجعل القواسم المشتركة ضعيفة ،فإن مشهد التفكيك العربي يظل بدوره مفككاً. (فضل،1426هـ،96)ويؤخذ على التفكيكية مآخذ كثيرة تزيد على تلك التي أخذت على غيره، مثل:
· إن معظم التعبيرات والمقولات الأساسية للمنهج التفكيكي كانت متداولة عند النقاد الجدد، ومن ذلك مقولة إحالة المعنى التي ظهرت عند ديريدا بتعبير مختلف آخر هو ميتافيزيقيا الحضور.
· إن إنكار ديريدا لثبوت المعنى في القراءة الأولى للنص تحوير لمقولة المغالطة القصدية التي تم التكلم عنها منذ العام 1954م.
· إن التفكيكية شغوفة باستخدام كلمات ومصطلحات غير واضحة سعياً منها لإبهار القارئ وإقناعه بأن ما يقال له استثنائي وغير عادي.
· أنها أعادت لبعض المقولات الفلسفية المعاصرة تحكمها بالدرس الأدبي، وهو شيء لطالما سعى النقد عموماً، والبنيوية خصوصاً للتحرر منه.
ساحة النقاش