لقد تعالت صيحات التشكيك بقدرة المنهج التاريخي على تقديم رؤية ثاقبة للأدب، فالبحث عن سيرة الأديب ودراسة نتاجه الأدبي في ضوء ذلك، إنما هو إغفال للأدب وعناية مفرطة بشخصية الأديب، وشكك آخرون بمقدرة علم النفس على تحليل النصوص؛ فعلم النفس لا يحدثنا عن النص الأدبي وإنما عن نفسية صاحبه، وعلم الاجتماع يحدثنا عن انتمائه الاجتماعي، وعن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي أحاطت بالعمل دون أن يقول شيئاً ذا بال في العمل الأدبي ذاته. لكن التحليل النقدي الجيد هو الذي يصب اهتمامه على وضع الإجابات التي أثارها النص الأدبي ، وما فيه من تناسق وألق، وتضاد وتوتر، ووحدة وتنوع، ورموز ولغة موحية دالة، وأساطير، وصور فنية يتشكل منها المعنى، ورافق هذه الأصوات صوت آخر يتساءل : لماذا لا نجعل من اللغة وعلمها منطلقاً لدراسة النص الأدبي؟ أليس النص بما فيه من شكل ومحتوى إنما هو علامات لغوية لا أكثر ولا أقل؟ وإذا كانت اللغة هي مادة الأدب فلماذا لا ننتفع من علم اللغة، ومعطياته في دراسة أدبية الأدب؟
هذه الأسئلة كانت السبب المباشر لظهور مناهج نقدية قائمة على النقد اللغوي هو الذي يحكم فيه على أساس اللغة وقواعدها الأسلوبية واللغوية المقررة، إن موضوع علم الأدب لا يتمثل في معرفة الأدب نفسه، ولكن في معرفة الشيء الذي يجعل من أثر ما عملاً أدبياً، وأولى مهمات الناقد أن يعرف القواعد العامة لاستعمال هذه الكلمات أو تلك، ثم ينظر في مدى استخدام الأديب لهذه الكلمة، وهل انحرف بها عن القاعدة العامة أم لم ينحرف، ومدى تكرار مختلف التراكيب النحوية، أي أن ثمة معياراً متحققاً للأداء اللغوي السليم في اللغة العادية، يقابله عدد من الانحرافات عن هذه القاعدة، وهي التي تتضمن الطابع المميز للأسلوب.
ومن مناهج النقد- التي انطلقت من عباءة المدخل اللغوي الألسني مع التطبيق Practical Criticism الذي يحلل النص الأدبي تحليلاً داخلياً دون النظر في أسباب كتابته أو حياة صاحبه- منهج: النقد الجديد والأسلوبية والبنيوية والسيمائية والتفكيكية ونظرية التلقي، والتأويل، والنقد النسوي، والنقد الثقافي.
ساحة النقاش