الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

لكي نحقق هذه الأهداف ينبغي أن نعتمد على الوسائل الآتية : ـ

اشتقاق الأمثلة البلاغية من داخل قطع النصوص الأدبية و أن تكون أمثلة المناقشة غير مبتورة ، بل تعتمد على النصوص الأدبية الجيدة ، وأن يهتم أولا بفهم هذه النصوص فهما دقيقا بهدف توضيح ألوان الجمال الفنى وأثره فى روعة الأسلوب ، وإمتاع القارىء ، فالرابطة بين البلاغة والأدب رابطة وثيقة ، وهذا ما يجب أن يضعها مدرس البلاغة نصب عينه تحقيقا للغاية من تدريسها ، فعليه أن يجعل الدراسة البلاغية جزءا متصلا بالدراسة الأدبية أشد الاتصال ، فيناقش النصوص التى يختارها للدرس مناقشة بلاغية تروقيه ويتجه فى شرح اتجاها أدبيا خالصا .

أما الاقتصار على المناقشة النظرية لاستنباط التعاريف وذكر المصطلحات ، والإشارة إلي النوع البلاغي ، فهذا كله لا يجدي في تكوين الذوق الأدبي ، بل يؤدى إلي نقل البلاغة من دائرتها الفنية ومنهجها الأدبي إلي دائرة القواعد العلمية والمنهج العقلي الفلسفي وهذا ما تأباه طبيعة البلاغة .

البلاغة فطرية تشيع على ألسنة المتكلمين متعلمين وغير متعلمين ، ففي حياتنا اليومية نسمع كثيرا من الأحاديث العامة العادية التي تحمل فى ثناياها ألوانا من البلاغة ، كالجناس فى قولهم " اللي من نصيبك يصيبك " والطباق فى قولهم " القرش الأبيض ينفع فى اليوم الأسود " والتشبيهات فى قولهم " زى الورد يا طماطم "، " بطاطا زى العسل"، " لوز يا ترمس " ،" ترمى الأبرة ترن " " ترش الملح ما ينزلش " ، بنت فلان ما بتدخلش المطبخ " ، "ومن الاستعارات " مات من الجوع " ، غرقان فى الكتب " .

إن هذه الألوان البلاغية في اللغة العامية ينبغي ألا يغفلها مدرس البلاغة ، وعليه أن يتخذها تمهيدا لدرس البلاغة في الكلام الفصيح ، وعلى المعلم أن يربط بين العصور البلاغية فى اللغة العربية ونظائرها في اللغة العامية .

 إن الدراسة البلاغية تعتمد على الحس والذوق ، ولذلك كانت الأحكام الأدبية في الغالب مما يختلف عليها الناس ، لأن الأذواق تختلف باختلاف البيئات ودرجة الثقافة ، لكي تكون هذه الأحكام أدنى إلي الصواب ، يجب أن يعتمد مدرسي البلاغة على طريقة الموازنات .

مثال على ذلك:

إذا أراد المدرس أن يوضح القيمة الفنية للسجع ، عرض لطلابه نصا مسجوعا ، ثم نصا آخر يؤدى معناه خاليا من السجع ، ومن الموازنة بين النوعين يدرك الطلاب ما للسجع من حظ في المجال الفني ، إذا جاء في غير تكلف ، وينبغي أن تتجاوز الموازنات الكلمة والجملة إلي المعنى الكامل وطريق الموازنات من أحسن الأساليب الأدبية فى تكوين الذوق الأدبي .

ينبغي الخروج من الدائرة الضيقة ، التي دارت حولها البلاغة القديمة ، وهى دائرة اللفظ والجملة ، التي دائرة أفسح وأرحب وهى دائرة الصور والفقرة ، والقصة ، والخطبة ، والمقالة والقصيدة ، فهذه الدائرة الفصيحة تنشىء مع طبيعة البلاغة وتطورها في عصرنا الحديث ، ولذلك ينبغي على المعلم ان يدرب طلابه على النظر إلي النص ، كما ينظرون إلي صورة رائعة  وقد يكون مبعث الجمال فى الصورة الفنية جمال اللون أو قوة الإيحاء ، أو دقة الرسم ، أو قوة التعبير ، أو عمق الإشارة ، إذا فالبلاغة الحديثة لا تقف عند عنصر واحد من هذه العناصر ولكنها تنظر إليها مجتمعة متكاملة في إبرازها في الصورة من جمال .

ربط دروس البلاغة والنقد الأدبي بغيرها:

ليست البلاغة قواعد جافة تدرس من خلال الأمثلة المبتورة أو الجمل المصنوعة ، ولكن الهدف الأسمى لدراسة البلاغة هو : تكوين الذوق الأدبي لدى الطلاب ، وتنمية حسهم اللغوي ، ولتحقيق هذا الهدف ينبغي أن تكون دراسة البلاغة من خلال الأدب نفسه ، فالأدب والبلاغة لهما غايات مشتركة ، ومن ثم ينبغي أن نعلم البلاغة مرتبطة بالأدب ، ومن خلال نصوصه ، ليتبين منزلتها الرفيعة فى الدراسات الأدبية ، ومن ثم تظهر العلاقة الوثيقة بين البلاغة والأدب.

وللبلاغة صلة قوية بالقراءة ، فالذوق الأدبي أساسه القراءة الجيدة الكثيرة ، والإطلاع على كلام البلغاء شعرا ونثرا ، والأدباء فى كل عمر يكتسبون ذوقهم الأدبي عن هذا الطريق لا من طريق سواه .

وقد تكون النصوص التي تدرس فى ظلالها الألوان البلاغية مطولة وحينئذ يكلف المدرس طلابه بقراءتها قبل الحصة " في البيت " ليتسع الوقت في الحصة للشرح والفهم والتحليل والتذوق ، وزيادة على هذا يمكن اتخاذ بعض الموضوعات التي عولجت في أحد دروس المطالعة مادة لدراسة البلاغة .

كما يستطيع مدرس البلاغة في حصة التعبير نفسها أن يمرن طلابه على الإيجاز ، بتكليفهم كتابة بعض الرسائل ، أو تلخيص موضوعات معينة ، كما يستطيع أن يمرنهم على الإطناب في الكتابة في موضوعات يفضلونها ، أو يطلب منهم أن يتحدثوا في الموضوع المختار بأسلوب علمي تارة ،أو أسلوب أدبي تارة أخرى .

كذلك يمكن الربط بين البلاغة والتعبير ، ولذلك فمن العيوب التي تشوه إنشاء الطلاب أننا نجد كثيرا منها يجافى الذوق البلاغي ، كالسجع المتكلف أو التشبيهات الرديئة ، ومن هنا يعرض المدرس لذلك عن طريق إرشادهم ، ومعالجة هذه العيوب الإنشائية فى ضوء الحقائق والصور البلاغية، ومن هنا تظهر مدى ارتباط التعبير بالبلاغة ومدى ارتباطها بالقراءة والنصوص .

البلاغة وتنمية الحصيلة اللغوية :

هناك عوامل بلاغية متعددة تؤثر في نمو الحصيلة اللغوية يمكن إيجازها في الآتي :-

1- استخدام المجاز : إن الأديب المبدع يضع الكلمات فى إطار شعوري جمالي خاص ويلبسها حللاً جديدة من الدلالات ويشحنها بطاقات هائلة من المعاني عن طريق المجاز ، ومن هنا كان استعمال البلاغة عموماً من مجاز وبديع وغيرها عاملاً قوياً في إثراء الحصيلة اللغوية لدى المتعلمين ، فالكاتب يختار للكلمة التي يستخدمها إطاراً فيناً منغماً يجعل لها أولا أصواتها وتراكيبها إيحاءات وإيماءات لغوية مختلفة ويبعث فيها حياة أرقى وأسمى من حياتها المألوفة شكلاً ومضموناً وهكذا تصبح الكلمات في نتاجه الإبداعي أكثر تبلوراً وجلاء في أشكالها وأكثر إشعاعاً وثراء فى معانيها وأوسع مدى فى إيحاءاتها وأبعد أثراً فى استعمالاتها . ومن هنا كان استخدام الدراسة الحالية لبعض الأساليب البلاغية فى تنمية الحصيلة اللغوية لدى التلاميذ . 

2- استخدام البديع :البديع لغة : المخترع ، الموجد على غير مثال سابق . وهو من بدع الشىء إذ أنشأه وبدأه . ويأتى بمعنى مبدع كما فى قوله سبحانه (بديع السماوات والأرض فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) أي منشئهما على غير مثال سابق . ويلمح فى هذا الاستخدام القرآني معنى الإعجاب والإدهاش والإبهاج (القاموس المحيط ، د.ت) وفى الاصطلاح البلاغي يعرف البديع بأنه " علم يعرف فيه وجود تحسين الكلام ، وبعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال ووضوح الدلالة على المعنى المراد ، ويتولى دراسة المعنى أو اللفظ من حيث صياغتها على أنحاء خاصة تبهج العقل وتنعش النفس وتثير الحس الجمالي عند الإنسان ، فهو يدرس جماليات الأداء أو الصياغة أو وجوه تحسين الكلام " ، ومعنى ذلك أن استخدام البديع في تنمية الثروة اللغوية يحقق أكثر كم هدف أولها البهجة أو المتعة التي تصاحب اللفظ وهذا ما يتفق مع آراء علماء النفس من ضرورة أن يكون التعلم مصحوباً باللذة مما يؤدى إلي جعل المتعلم يميل إلي تكرار السلوك . والثاني اليقظة والاندماج في العملية التعليمية والتركيز ، وهو ما أشار إليه العاكوب بإنعاش النفس وهذا يساعد على تثبي اللفظ في الذاكرة وعدم نسيانه . والثالث هو إثارة الإحساس الإجمالي باللغة وهو يمس الوجدان والشعور ويكون الاتجاهات الإيجابية نحو اللغة والإحساس بجمالها . فالإتيان بمثل هذه الجماليات ليس هدفاً ترمى إليه الدراسة فى حد ذاته ولكنه وسيلة لتحقيق غاية وهى تنمية الثروة اللغوية . وقد حدد عبد القاهر الجرجاني الكيفية المثلى لاستثمار هذه الجماليات وتحقيـق الغاية المنشودة منها إذا قال " ولعمر ، لن تجد أيمن طائراُ ، وأحسن أولا ، وأخراً ، وأهدى إلي الإحسان وأجلب للاستحسان من أن ترسل المعاني على سجيها ، وتدعها تطلب لأنفسها الألفاظ ، فإنها إذا تركت وما تريد لم إلا ما يليق بها ، ولم تلبس من المعارض إلا ما يزينها ".

ومن أنواع البديع التي لها أثر فى تنمية الثروة اللغوية الجاني . والجناس مصدر جانس الشىء الشىء : شاكله وطابقه في الجنس ، ويعنى في الاصطلاح البلاغي أن يتفق اللفظان فى وجه من الوجوه مع اختلاف في المعنى . ويكون الجناس غير تام عندما يختلف اللفظان المتجانسان في واحد من أربعة وهى نوع الحروف وعددها وهيئتها وترتيبها .

إن جماليات الجناس راجعة مقل كل شيء إلي أنه يعيد على ذهن المتلقي الصورة اللفظية نفسها مع اختلاف الدلالة ، وهكذا تحصل الفائدة من حيث لا تتوقع ويعيش المتلقي لحظة اندهاش واستغراب . هذا من جهة المتلفة ولكن الأمر يختلف في الدراسة الحالية حيث إن المتعلم هو المنتج وليس المتلقي أو هو المنتج والمتلقي في نفس الوقت ، فإذا ما استطاع إنتاج بعض الكلمات بنفسه على منوال الكلمة المقدمة إليه أدى ذلك إلي نوع من التدعيم المعنوي مما يزيد من فرض التعلم الذاتي والإقبال عليه طبقاً لنظريات التعلم . وهذا الإنتاج اللغوي لا يكلف المتعلم كثيراً إذا المطلوب منه فقط زيادة حرف أو حرفين على الأصل الذي أعطى له مما ييسر عملية التعلم أيضا .

أما السجع لغة فهو :ترديد الصوت من قولهم : سجعت الحمامة إذ رددت صوتها ، أو سجعت الناقة إذا أطربت فى حنينها وفى الاصطلاح البلاغي هو توافق الفاصلتين من النثر على حرف واحد في الآخر . والفاصلة آخر كلمة من جملة المقارنة لجملة أخرى . وتسمي كل من هاتين الجملتين " قرينة " لمقارنتها الأخري ، وقد تسمى " فقرة.

وترجع جماليات السجع أساساً إلي التوافق والتوقع ؛ فمجئ الفواصل أو الألفاظ متفقة وزناً وتقفية فإن ذلك ينشط المتعلم ويبهجه ، وينعش آلية الإدراك لديه فيتلقى المعنى وهو يقظ نشط واع . وشتان بين متلق منصرف تماماً عن موضوعه منشغل بغيره ومتلق شُد انتباهه وأوقظ إدراكه وازداد وعيه لموضوعه . وقد أسهم ذلك  كما يرى العاكوب فى تحريك النفوس الغافلة العاتية ، وهز الطباع الأدبية ، وانتزاع الغشاوة عن قلوب من أعرضوا عن ذكر الله . فكان أن رقت هذه القلوب وانصقلت تلك الوجدانات وصارت تربة كريمة أنغرس فيها هدى الله سبحانه وشرعه (r) .

 ويقرر مارتينيه أن الإسجاع التي زخرت بها الرسائل الديوانية والإخوانية والمقامات التي ورثها العرب لجزء مهم من تراثهم الأدبي وكثرة فنية ولغوية راقية شكلت ظاهرة بلاغية كانت لها أهميتها ، وكان لهـا دورها في إبراز جانب من الترف الفكري والترف الفني واللغوي ، فقد أرتنا هذه الظاهرة ما بلغه العقل العربي في هذه الفترة من قدرة على التفنن في استخدام اللغة بنبرات حروفها وإيقاعات كلماتها وأنغام تراكيبها وجميع إمكاناتها المعنوية وطاقاتها الصوتية والإيجابية كأدوات للتعبير عن الفكر وعن الإحساس معاً . وكما اشترك فن السجع في هذه الرسائل وغيرها مع الشعر في إظهار شاعرية اللغة وحيويتها وثرائها ، كذلك اشترك معه في إبراز شاعرية الإحساس العربي والطبيعة الموسيقية التي تميز بها هذا الإحساس.

ومن هنا فإن استخدام السجع في الدراسة الحالية لتنمية الثروة اللغوية يعد عاملاً مهماً في جذب التلاميذ نحو اللغة واكتسابهم لألفاظها فى سهولة وسرعة لما تتضمنه هذه المفردات من جمال ونغم في الإيقاع والمعنى أيضا .ويضيف القرطاجني فيؤكد أنه إذا كان الأدب نوعه الراقي المتمثل في الشعر والرسائل الأدبية الفنية المؤثرة على الأخص ثرى اللغة في ذاته فإنه شديد الفعلية في نقله لهذه اللغة وفى تمكينها من النفوس وترسيخها فى الأذهان ، فلجمال العبارة ، وفنية الصياغة اللفظية ، وإيقاع اللفظ ، وحلاوة جرسه فى الأشكال أو الصور الأدبية الراقية كالشعر والأسجاع العفوية الجملية مثلاً أثر ظاهر متميز في الإيحاء بمعاني التراكيب اللفظية ، فاللفظ المستعذب مستحسن لأنه مع استعذابه قد يفسر معناه.

والقافية تجعل اللغة تصويرية موسيقية ، وكل كلمة فيها نغمة ملحنة تشع صوتاً موسيقياً بجانب معناهاً أو مدلولها اللغوي يساعد على تعميق المعاني ويجسدها فيجعل المتعلم يرتبط بها ارتباطاً محكماً ويشده إلي كل كلمة احتوتها اللغة حيث تتوالي الكلمات في وحدات موسيقية إيقاعية تحرك في المتعلم الشجن والطرب فيحس بها وتعلق في ذهنه بإيقاعاتها الجملية وجرسها المؤثر وتلمس أحاسيسه بأصواتها الموحية .

وعلى الجانب الآخر يؤدى استخدام ألفاظ خشنة خالية من الإيقاع والنغم إلي عدم إلتفات المتعلم لتلك الألفاظ وشكلها وعدم تذوقه لها وصياغتها وإيقاعات أصواتها وتجعل نسبة العالق منها فى ذهنه والمستقر منها فى ذاكرته قليلاً . ومن هنا فقد نادى القائمون على أمور اللغة العربية بضرورة أن تتضمن برامج تعليم اللغة على كل ما يحفز الناشئ أو يدفعه إلي ممارسة اللغة لروح العصر وكل ما يتيح له الفرص المتعددة للحوار والمناقشة والخطابة والكتابة ، ويقوده إلي استغلال ما من شأنه أن يمرن لسانه وينمى طلاقته اللغوية والفكرية ويرتقى بقدراته على الإنشاء والإبداع الفكري والفني ، ويشعره بضرورة التمكن من لغته وضرورة التنافس على إظهار البراعة فيها واتخاذ الوسائل المتاحة لتحقيق ذلك .

فالتمارين النمطية والموضوعات التقريرية السردية التي تتضمن مواقف مصطنعة لا صلة لها بواقع التلميذ وتجاربه المحسوس واللغة الاتصالية الفعلية ، كل هذه لا تطور لغته وغنما تبلد ذهنه وتحد من طلاقته اللفظية ومن قدرته على الإبداع الفكري واللغوي ، وتشعره بشكل أو بآخر بجهود اللغة وبمحدودية فاعليتها وضآلة أثرها في حياته ، وقد توحي له بعدم الجدوى من الاهتمام بها .

كما ينبغي أن تتضمن برامج التنمية اللغوية موضوعات ومفردات تشجع الناشىء على التعلم الذاتي ، وتنمى لديه حب الاستطلاع والفضول العلمي ، وتربى لديه الطموح والتطلع إلي آفاق فكرية وثقافية رحبة يتسع فيها مجال استخدام اللغة وتتنوع مستوياتها ليضاعف محصوله من مفردات هذه اللغة وتراكيبها .

فالاقتصار على الصيغ والمفردات المألوفة أو المبتذلة بحجة تقديم المعارف بأسلوب مألوف مبسط يسهل فهمه من شأنه أن يؤدى إلي عجز في الحصيلة اللغوية للتلميذ ، كما أنه قد يؤدى إلي ملل التلميذ وقلة انجذابه لقراءة ما تحتويه كتبة الدراسية من موضوعات ، هذا بالإضافة إلي أن ذلك قد يمنعه من تجاوز حدود المفردات الدراسية ، ومن قراءة ما يتصل بهذه الموضوعات من كتابات خارجية ، لعدم فهمه لما يرد فيها من ألفاظ ومصطلحات غير مألوفة لديه ، وبالتالي ، فإن ذلك يمكن أن يحد من قدرته على الاستفادة من القراءة الحرة ، مما يؤثر سلباً في إمكاناته واستعداداته في التعبير اللفظي.

وبذلك فنبغي ألا يقتصر استعمال التلاميذ للغة في المدرسة على إعادة ما يتعلمونه من مدرسيهم أو ما يقرأونه من كتبهم الدراسة ، فمدرس اللغة الذي يدرس بطريقة معينة وبطلب من طلابه إتباع أنماط معينة فى استجابتهم لا يحيدون عنها لا يوفر لهم حرية الاكتشاف ، ولا الفرض الكافية لمعالجة المشاكل التي قد تواجههم عن طريق استخدام لغتهم . وبذلك يشعرهم بمحدودية اللغة وعدم حيويتها كما يعمل على طمس واختفاء مجموعة كبيرة من المفردات والصيغ اللغوية التي يكتسبونها من مصادر أخرى لعدم أو قلة استعمالها وإنعاشها في الذاكرة عن طريق هذا الاستعمال . فمن المفروض أن تصبح العناصر اللغوية التي يكتسبها التلاميذ عن طريق التعلم منطلقات وبواعث لاكتساب أو اكتشاف عناصر أخرى أو إحياء عناصر مماثلة مختبئة في طيات الذاكرة ، وهذا يمكن أن يتحقق عن طريق إثارة الحوافز لممارسة النشاط اللغوي أو إثارة غريزة اللغة في التلميذ  .

واستخدام السجع والجناس والقافية وغيرها من الإجراءات من شأنها أن تسهم في تحقيق الأهداف السابقة الذكر وتؤدى إلي ممارسة التعبير اللفظي بأشكاله المختلفة ، وتعد إثارات حيوية للغة ، أو وسائل لاجتذاب الطالب إلي اللغة أو اجتذاب اللغة إليه ، وكلها تعمل بلا شكل على إنعاش وتطوير ما لديه من محصول لفظي ، هذا بالإضافة إلي أن استخدام هذه الوسائل يعمل على تثبي الألفاظ التي يكتسبها التلميذ في ذاكرته وتقيه من النسيان السريع أو التشويش والاختلاط بغيرها من الألفاظ استعمال ، كما أنها تقلل من ظاهرة اللفظية Verbalism وتعنى هذه اللفظة استعمال أو ترديد الكلمات دون معرفة معانيها أو دون إدراك وثيق لهذه المعاني ، فهناك عدد كبير من الناشئة في جميع مراحل التعليم ، ومن ضمنها التعليم الجامعي يرددون كلمات قرأوها أو سمعوها أو حفظوها فى النصوص المفروضة عليهم دون أن يدركوا معانيها. 

ولطريقة تقديم المفردات اللغوية للتلميذ أثر كبير في استيعابهم لها وإقبالهم عليها فكما يقرر معتوق أن من بين ما تشكو منه بعض المناهج التعليمية العربية طغيان الماضي على الحاضر في تدريس كثير من مفردات الأدب والبلاغة وغلبة التركيز على النصوص القديمة التي تزخر بالكلمات الغامضة والتراكيب اللغوية التي عفت معانيها وندر أو انقطع استعمالها مثل القصائد المعلقات والمقامات والنماذج البلاغية التقليدية القديمة . فلمثل هذه النصوص أو النماذج سلبيات عديدة ؛ فهى تربك أو ترهق أذهان التلاميذ أو تشعرهم بالإحباط أو الملل لتزاحم معانيها وتداخلها وصعوبة تصورها ، وقد تقضى إلي تنفيرهم من دروس الأدب والبلاغة عامة لأنها تشعرهم بعدم فاعلية هذه الدروس ، وبُعد التجارب غيها عن روح العصر وعن مستجدات الحياة وتطوراتها وحقائقها وأحداثها الملموسة ولانفصال لغتها عن الواقع المعيش ، وبذلك نقل دوافعهم الذاتية اكتساب اللغة من هذه الدروس من الموضوعات المقررة فيها.

يضاف إلي ما سبق من سلبيات أن كثرة المفردات وتزاحم التراكيب اللغوية الغامضة فى النماذج المذكورة يؤدى إلي صعوبة تعلم هذه المفردات لأن عبء تعلم اللغة يصبح أكبر كلما كان عدد الرموز أكثر . ولأن كثرة هذه الكلمات قد تؤدى إلي صعوبة تمييز التراكيب والأنماط الصوتية التي تتألف منها ، وبناء على ذلك فإن العائد اللغوي الذي يكتسبه التلاميذ من هذه النصوص يتوقع في غالب الأحوال أن يكون يسيراً.

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 25/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
9 تصويتات / 681 مشاهدة
نشرت فى 29 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,675,973