هناك عدد من مقومات التذوق الأدبي التي ينبغي توافرها في النصوص الأدبية:
أولاً: المقومات الفكرية:
هي العنصر العقلي في النص، ومظهر فكر الشاعر وثقافته، وإليه يستند في إظهار ما يريد أن يقوله نحو التجربة الشعرية التي مرَّ بها. وتحليل الفكرة ، وتذوقها في النص الأدبي يكون بالبحث عن مدى صحتها، ومدى تأثيرها في المتلقي، ويكون بدراسة نوعها من حيث كونها عصرية مبتكرة، أو قديمة، أو رمزية، وتحديد الفكرة المحورية والأفكار الجزئية، والمعاني الضمنية، والقيم التي يتناولها النص. ومقياس نقدها يكون بالبحث عن المثالية والواقعية، التجديد والابتكار، العمق، شرف المعنى، عدم التناقض.
والفكرة أساس العمل الأدبي، وهي مادته ، ولا يمكن أن يقوم إلا بها وتعرف هذه المقومات بالعنصر العقلي وهو يمثل الفكرة التي يأتي بها الكاتب ليبني منها موضوعه، والتي يعبر عنها في عمله الأدبي .وتعد الفكرة أساساً في جميع الآثار الأدبية القيمة، فالأدب عاطفة وخيال وفكرة وعبارة، وأن منه نوعاً خالصاً كالشعر والنثر الفني تكون العاطفة غايته الأولى والفكرة سنداً وعوناً وهناك النوع العام الذي تتقدم فيه الفكرة فتأخذ مكان العاطفة؛ لأن الفكرة غايته الأولى، والعاطفة وسيلة تبعث في الحقيقة روعة وتكسب الإنشاء صفة أدبية محبوبة.
ولا يمكن أن يتصور نص أدبي بدون تلك المقومات الفكرية، فإذا كان النص الأدبي بلا معنى أو فكرة راقية فيصبح ضرباً من الهذيان وعلى الرغم من أهمية الفكرة في العمل الأدبي إلا أن تلك الأهمية تتفاوت بين الأجناس الأدبية ، فهي في الشعر ليست حاسمة لأن الشعر تعبير عن تجربة شعورية ، فالعنصر العاطفي أكثر أهمية في الشعر من العنصر العقلي ( الأفكار ) ، قال ابن رشيق منكراً طغيان الفكر على الشعر " والفلسفة " وحجر الأخبار باب آخر غير الشعر...)
ولكن المعاني والأفكار في النثر أكثر أهمية، وهي ذات خطٍ أكبر في أشكال الأدب الموضوعي، كالمسرح ، والقصة، الرواية ، لأنـها تأخذ في هذا الضرب من الأدب شكل القضية أو الموقف ، حيث يكون الفكر مرتكزاً أساسياً مهماً عند ذاك .
وللمقومات الفكرية معايير عديدة ، وهي:
أ- سمو الأفكار :والمقصود بسمو الأفكار هنا : هي الأفكار الرفيعة التي تسهم في رفع قدر الإنسان، ودفعه إلى تجاوز أوضاعه الراهنة والتطلع إلى أوضاع أفضل .
والأدب الرفيع شرطه أن تكون فكرته سامية جديرة بأن تثار العواطف لأجلها، وأن ترسخ في الذهن، ويشتغل بها العقل ليزداد بها تمسكاً ويعتصم بنفعها ، ولا تكون الفكرة كذلك إلا إذا تجنبت الابتذال والسخافة ومسايرة القراء والإفساد.
ب- جدة الأفكار وابتكارها :والمقصود بجدة الأفكار: أن تكون الأفكار التي يتناولها النص الأدبي جديدة مبتكرة، وليس المقصود هنا بالجدة إبداع أفكار لم تعرف من قبل بل المقصود الأفكار القديمة التي يصوغها الأديب على غير مثال سابق، بحيث يخلع عليها من عاطفته وخياله وشخصيته حتى تخرج في ثوب جديد.
ج - ترابط الأفكار :والمقصود بترابط الأفكار: هو الانتقال من فكرة إلى أخرى تشرحها وتدعمها، وتزيدها وضوحا، مع حسن الوصل بين الأفكار وربط بعضها ببعض، فتتابع منسقة حسنة التنسيق لا يزعجها انتقال مفاجئ أو استطراد يعكر على القارئ صفاء الاستمرار، فتشكل نسيجاً متجانساً وكلاً متكاملاً يوضح الفكرة العامة للنص الأدبي .
د - عمق الأفكار :والمقصود بها: تلك الأفكار التي لا تدرك للوهلة الأولى، والتي يتولد عنها أفكار ومعاني أخرى عند إمعان النظر فيها.والحق أنه لا يحق أن يسمى الأدب أدباً إلا إذا كان له حظ من أفكار راقية ومعان سامية، وأن قيمة الأثر الأدبي تكبر بما فيه من عمق وغزارة في المعاني.
هـ- صدق الأفكار :والمقصود بصدق الأفكار: تلك التي تحمل معان نرتضيها ونقبلها في إطار العمل الأدبي بشرط أن تكون تلك الأفكار صادقة في الإحساس والشعور.
فليس المقصود هنا بالصدق الصدق العلمي إنـما المقصود هو الصدق الفني الأدبي، بمعنى أن يكون الأديب مخالفاً للحقيقة والواقع لكنه صادق في نقل خلجات وجدانه إلينا، بشرط ألا تكون تلك الأفكار منافية للحقائق الكونية أو الآراء الفلسفية. فإن كان كذلك فهو ناقص ؛ لأنه لو كانت فكرته مؤسسة على حقيقة ثابتة، لا تقبل المراء لكان أقرب إلى الكمال ، و أوفر حظاً لارتقاء المرتبة العليا في الأدب .
ثانياً : المقومات العاطفية :
وهي محور ارتكاز النص الأدبي، وهي جملة من الانفعالات المجتمعة نحو شيء واحد، أو موضوع ما سلباً وإيجاباً، والشاعر بدوره ينقلها للمتلقي بنفس الدرجة، ليثير فيه ما أثارته في نفسه. وتحليل العاطفة وتذوقها في النص يكون بالبحث عن مدى تأثيرها في نفس المتلقي، وما تحدثه من مشاركة الحب أو البغض أو الرضا أو الحزن أو السرور أو غير ذلك من سائر الانفعالات، التي تستجيب لها النفس. ومقياس نقدها يكون بالبحث عن: نوع العاطفة الغالبة على النص، صدق العاطفة وصحتها، قوتها وحيويتها، ثباتها واستمرارها، تنوعها، سموها ، علاقتها بالأفكار.
والعاطفة عنصر مهم في الأدب، فالأدب ذاتي، ومعنى ذلك أن الأديب لا ينقل لنا حقائق الحياة كما هي، ولكنه ينقلها كما يحسها، ينقلها ممتزجة بشخصيته، وطبيعته النفسية ، وقيمه المختلفة التي يحملها .
والمقصود بها: هي مجموعة الأحاسيس والمشاعر التي تنتاب الأديب عندما يمر بتجربة ما، وهو يحاول أن يعبر عنها في صورة لفظية معينة بغية إيصالها إلى القارئ لمشاركته في تجربته والتفاعل معه فيما أحس.
ولاشك أن للعاطفة مقاييس نستعين بها في نقد العاطفة الأدبية ونذكر منها :
1- صدق العاطفة أو صحتها :المقصود هنا : أي قدرة العاطفة أن تجعل العمل الأولى يشق طريقه وسط زحمة الموجودات ليبرز بدلالة ويلوح برسالة ( أي ما تنبعث عن سبب صحيح غير زائف ولا مصطنع حتى تكون عميقة تهب للأدب قيمة خالدة .
2- سمو العاطفة أو درجتها :يقصد بها: العاطفة النبيلة الراقية التي ترقى بالوجدان وتثير في المتلقي انفعالاً قوياً يدفعه لحب الحياة والحق والخير والجمال، فالأدب تبعاً لعاطفته – إما أن يكون رخيصاً ضعيفاًً، وإما أن يكون عالياً جليلاً راقياً سامياً ،فقد يثير النص فنياً ميلاً إلى السكر، أو تعلقاً شديداً باللذة الجنسية، وعبودية للذات الحسية على الإجمال، فندعوه مع ذلك أدباً ولكنه من النوع الهدّام الذي يقوض أركان المجتمع، وقد يحي ضمائرنا، وينمي فنياً الميل إلى الحياة السامية والمبادئ السليمة ويبعث على ترقية المشاعر؛ وهو مع ذلك أدب ، ولكنه راق يبني المجتمع النقي، ويساعد على تطهير الحياة.فالعواطف في نصوص المديح مثلاً ، قد تكون حقيرة يبيعها الأديب بأرخص الأثمان أو أغلاها . وقد تكون راقية ، صادرة عن إعجاب ببطولة أو كرم، أو إحدى صفات الرجولة والنبل .
3- قوة العاطفة أو روعتها :قوة العاطفة: هي الخاصية التي يجب أن تلازم العاطفة وكلما كانت العاطفة قوية كانت الكتابة أعمق إمعاناً في الأدب، وأوفر نصيباً للثبات . والحقيقة أن العاطفة هي أقوى عنصر يهب الخلود للقطعة الأدبية.ولعل سؤالنا أنفسنا : هل النص الأدبي أثار شعورنا؟ هل بعث فينا شعوراً قوياً حياً؟ هل أيقظ أنفسنا؟ هل أعطانا أعينا جديدة نرى بها، وقلوباً جديدة نحس به؟ إذا كان كل ذلك متوفراً كان النص أدباً قوياً ، وكلما تقدم الأدب في هذه السبيل كان أقرب إلى الكمال .
ثالثاً: المقومات الخيالية :
ويمثل الخيال عنصرا مهما من عناصر الأدب، ويقصد به : قدرة الأديب التأليفية والتركيبية على التأليف بين الصور والمشاهد والمواقف المختلفة وصهرها في بوتقة العمل الأدبي؛ لتعطي صورة جديدة مبتكرة مخالفة للواقع لتؤثر في وجدان الملتقى وتجعله قادراً على تمثل الجمال في العمل الأدبي وتذوقه .
وهو وسيلة إبراز العاطفة، وهو أكثر العناصر قدرة على التعبير عن العاطفة، وهو القوة التي تنفث في الشعر الحركة، وتمده بالصور الوفيرة المجسمة لإحساس الشاعر، وهو عامل مهم من عوامل الإثارة الفنية، التي تظهر في صورة خيالية، وهو الذي يركب الصور تركيباً جديداً. وتحليل الخيال وتذوقه، يكون بالبحث عن نوع الخيال (بسيط، موحي ، مبدع) وعن علاقته بالعاطفة، وقدرته على التعبير عنها، وعن قوة التصوير المجسمة في النص. ومقياس نقد الخيال يتمثل في: قوة الشخصيات المبتكرة، والجدة في التصوير البياني، وقدرته على إبراز المعاني، والتميز.
وتتعدد أنواع الخيال إلى ثلاثة أنواع وهي:
1- الخيال الابتكاري:هو الذي يؤلف صوراً حسية جديدة، عناصرها موجودة في ذاكرة الأديب، وهي لا تقدم الواقع الخارجي كما هو في حدود المادية، وإنما تقدمه على شكل جديد ، ولكن في حدود ما يمكن أن يوجد في العالم الخارجي والحياة المعقولة فإن كانت هذه الصورة تنافي الحياة المعقولة كانت وهماً ، وأكثر ما يوجد هذا النوع من الخيال في الشعر و القصص والروايات والمسرحيات .
2- الخيال التأليفي أو المؤلف :هو خيال يوجد بين الأشياء المتشابهة إذا كان يضمها إطار عاطفي واحد، أو حالة نفسية متماثلة ، كأن تستدعي إحدى صور الطبيعة لنفس الأديب صورة مشابهة، مثل أن يرى الشمس تشرق في الصباح وتغرب في المساء ، ويمضي يوم ويولد يوم آخر فيستدعي ذلك إلى نفسه صورة انقضاء العمر، فالصورة الحسية للشمس وتداول الأيام هي التي استدعت في النفس صورة جديدة لتشابههما في الحالة الشعورية والعكس أن تستدعي حالة شعورية معينة في النفس صورة حسية من الطبيعة لتشابههما في الموقف العاطفي، فليس في هذا النوع ابتداع صور جديدة، وإنـما فيه تأليف بين متشابهات .
3- الخيال البياني أو التفسيري :وهذا الخيال لا يعني بوصف الأشياء الخارجية، إنـما يحاول تفسيرها، كأن يجسد الشاعر الطبيعة إنساناً ، أو يتمثلها فتاة حسناء بغية تفسير جمالها.وهذا النوع هو الغالب في أدبنا العربي ، وهو خير وسيلة لوصف الطبيعة وصفاً أديباً رائعاً، لأنه قائم على إدراك جمال الأشياء وأسرارها؛ ثم اختيار العناصر التي تمثل هذا الجمال تمثيلاً قوياً ، والغريب أن وصف الطبيعة أحياناً يكون أروع وأجمل من الطبيعة نفسها وذلك لأن الأديب يختار أجمل ما في الطبيعة من عناصر ويفسر لنا ما فيها من أسباب الجمال التي لا يمكن أن ندركها وحدنا حين نشهد الطبيعة.
رابعاً : المقومات الفنية :
المقومات الفنية : هي العنصر الرابع الذي يقوم عليه العمل الأدبي، ويعرف هذا العنصر بعنصر التأليف والأسلوب ، وهذا معناه أن الأدب يقوم على عناصر بمثابة " المادة والحياة " ( الفكرة ، والخيال ، والعاطفة ) وبعضها يتحقق في عملية " التكوين " أي في بناء العمل الأدبي من هذه المادة .
يقصد بها الجانب المادي في النص، والقالب الذي يحتوي الأفكار والعواطف والخيالات وتتمثل في الألفاظ والتراكيب والموسيقى، والأساليب اللغوية، و المحسنات البديعية ، وحدة الجو النفسي، وحدة الموضوع ، الخصائص البنائية لبعض الفنون الأدبية ، وتفصيل ذلك فيما يلي :
الألفاظ:
وهي رموز المعاني، ومادة التصوير، وهي أساس بنية النص، وتكمن قيمتها الحقيقية والجمالية في مدى قوتها، وتذوقها يكون بالبحث عن قوتها الأدبية، ودلالاتها المستمدة من السياق، ومدى تفردها، ومدى انتقائها ووضعها في مكانها من العبارة. ومقياس نقدها يكون بدراسة شروط فصاحتها، مثل: تآلفها، وصياغتها، ومخارجها، وألفتها، وعذوبتها، وبعدها عن الابتذال، ودقتها، وإيحاءاتها، وجدتها،ومطابقتها للمعاني.
والألفاظ: هي الترجمة اللغوية للمعنى ، والمادة الأولية للتعبير ، والجزء الأصغر الذي يتألف منه الأسلوب ، ولا شك أن الألفاظ في العمل الأدبي تختلف عن الألفاظ في الحياة اليومية بمعنى أن الألفاظ في العمل الأدبي يعنى الأديب باختيارها لتصور المعنى، وتجسد الخيال، وتبرز العاطفة، وتسعى إلى إثارة الحس الجمالي في المتلقي؛ فهي ليست وعاء للتعبير عن المعاني والأفكار، أو أداة لتوصيلها فحسب، وإنـما هي تسعى إلى الإيصال والتأثير، إلى الإفهام والإقناع .
التراكيب :وهي اجتماع الألفاظ لإفادة المعنى وتعبير ظاهر عن حالة باطنه، ويجب أن تكون الألفاظ سليمة من العيوب وقد تكون مفرداتها خالية من العيوب وهي مستقلة – فإذا تزاوجت باءت بعدم الانسجام ، فلم تأتلف ، وتبدل حسنها قبحاً ، واستبد بها التنافر.فمن العيوب في التركيب :التعقيد المعنوي واللفظي و المعاضلة ، والحشو اللفظي والابتذال، والخطأ النحوي .
الأساليب اللغوية :هي الطريقة أو المذهب أو الوجه الذي يعبر به الأديب عن المعاني التي تجول في خاطره.والأسلوب ليس هو طريقة التعبير فحسب، ولكنه طريقة التعبير والتفكير ، بكل ما يتكون منه هذا التفكير أو يدل عليه، وبكل ما ينهض عليه التعبير من استعمال لغوي، وتكوين للصور، وتشكيل للمادة من البداية إلى النهاية.
المحسنات البديعية:لا يكتفي الأسلوب الأدبي بالدقة والوضوح، فهما مقياس للكتابة العقلية الخالصة القائمة على الإفهام المجرد الذي لا تخالطه العاطفة.ولا يكتفي بمعاني الكلمات الحرفية ، فالكلمات تعبير طبيعي عن الأفكار ، ورموز للأغراض لا للمشاعر لأن عماد الأديب العاطفة – وغايته الفضلى تصوير الإحساس الراقي وبعثه، لذلك يستعين الأديب فيه بحسن التأليف والموسيقى ليبلغ به أوجاً من القوة والجمال ، ويحقق ما يرمي إليه من إثارة العاطفة في نفوس القراء ، مع ما يعرضه من المعاني.
وتنقسم المحسنات إلى قسمين :
أ- المحسنات المعنوية : وهي التي يكون التحسين فيها راجعاً إلى المعنى أولاً وبالذات ، ويتبعه تحسين اللفظ ثانياً وبالعرض .ومن أمثلة المحسنات المعنوية :الطباق والمقابلة، والتورية ، وحسن التعليل وغيرها.
ب- المحسنات اللفظية : وهي التي يكون التحسين فيها راجعاً إلى اللفظ أولاً بالذات ، ويتبعه تحسين المعنى ثانياً و بالعرض.ومن أمثلة المحسنات اللفظية: الجناس والسجع ، ورد الأعجاز على الصدور وغيرها.
- الموسيقا : وهي ما تميز لغة الشعر؛ فالإيقاع شرط مهم في الشعر، سواء أكان ذلك يتمثل في الموسيقى الداخلية أم الخارجية، والموسيقى الشعرية لا تنفصم عن المعنى، فالوزن الشعري هو وعاء المعنى، وبعد من أبعاد الحركة التعبيرية الشعرية، والقافية هي أساس التوازن في لغة الشعر، ولها قيمتها في موضوع القصيدة. وتحليل الموسيقى يكون باستكشافها داخل النص، ودراسة نوعيتها، ومدى تأثيرها لدى المتلقي، ودراسة العلاقة بين الوزن والتجربة. ومقياس نقدها يتمثل في البحث عن مدى انسيابها، وتوافقها مع التجربة، ودقتها في الموسيقى الخارجية، وعن مدى تناسقها، وتلاؤمها وانسجامها في الموسيقى الداخلية.
والموسيقى عنصر رئيس من عناصر التشكل الشعري ،وهي ليس مجرد وسيلة من وسائل التطريب ، بل ركن من أركان الرؤية الشعرية ،لذلك فإن العديد من النقاد يربطون بين الوزن الشعري ممثلا في البحر وبين الموضوع والعاطفة .
- وحدة الموضوع :والمقصود بالوحدة هنا أن القصيدة تدور حول موضوع واحد فحسب إذا كان محورها محدداً ويكون لها عنوان يدل على هذا الموضوع ، ويستلزم ذلك ترتيب الأفكار ترتيباً به تتقدم القصيدة شيئاً فشيئاً حتى تنتهي إلى خاتمة يستلزمها لترتيب الأفكار والصور، على أن تكون أجزاء القصيدة كالبنية الحية لكل جزء وظيفته فيها ويؤدي بعضها إلى بعض عن طريق تسلسل في التفكير والمشاعر.
- وحدة الجو النفسي:ويقصد فيها وحدة الشعور والإحساس الذي يسري في جنبات النص الأدبي فيلون جميع عناصره من أفكار وألفاظ وصور بلون واحد تابع من موقف نفسي يعانيه الأديب أو الشاعر " فالمقصود هنا أيضاً وحدة الشعور ووحدة المشاعر التي يثيرها الموضوع، فالقصائد في العصر الجاهلي مثلاً قد تتراءى به وحدة نفسية أو شعورية لكن وحدة الموضوع غائبة لأنه لا صلة فكرية بين أجزائها . فالوحدة فيها خارجية لا رباط فيها إلا من ناحية خيال الجاهلي وحالته النفسية في وصفه الرحلة ومدح الممدوح .
8- البنـــاء :ويقصد به النظام الذي سيكون عليه الأثر الأدبي أو الشكل الهندسي الذي ستكون عليه التجربة، وهو يختلف من فن إلى فن ، فبناء القصيدة يختلف عن بناء المقالة والقصة والرواية والخطابة، والرسالة وهكذا .
إن تقسيم مقومات التذوق الأدبي السابقة لا يعني أنها منفصلة ،أو أن كلا منها يمثل وحدة مستقلة بنفسها.إن العمل الأدبي كل لا ينفصم،وعناصره متداخلة في تصميم لا يتجزأ، وذلك أن القيم التعبيرية التي يربى عليها العمل الأدبي هي ثمرة للانفعال بالتجربة الشعورية التي عاشها الأديب،فالشعور يؤثر في التعبير،والعاطفة تحور الأسلوب وتشكله على نحو معين ،والتعبير هو الذي يبرز الانفعال ويصوره، فمقومات التذوق الأدبي جميعها كل متداخل ،وأي منها لا يتحقق وجودها إلا بمصاحبة المقومات الأخرى ،وتضافرها التام على بناء العمل الأدبي.
ساحة النقاش