تقوم العقيدة الإسلامية على أساس الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والبعث والحساب " ولقد أقام الإسلام هذه العقيدة بصورة راسخة في قلوب من أتبعه وقضى على الخرافات التي نسجت حول بعض هذه العقائد وأولها الإيمان بالله وحده وبأنه لا شريك له في صفائه وواحد في ذاته وأنه له حقيقة قائمة في الأعيان وغير مقصور على الأذهان قال تعالى ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ))" الإخلاص " وقال تعالى((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ )) "محمد 19"
وثانيه الإيمان بالملائكة واعتقاد كونها إناثا (( وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ )) " الزخرف 15"
وثالثها تلك الاعتقادات الباطلة عن اليوم الآخر فقال عز وجل ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ )) "الأعراف 178 " لما في الإيمان بهذا اليوم من دليل على قوة يقين الإنسان بالله وتصديقه بالقدرة الإلهية التي صنعت الكون بحساب وأعدت نهايته بحساب وأعدت البعث والحشر بحساب , حيث أن الله عز وجل وعد ببعض العلامات الدالة على هذا اليوم قبل وقوعه قال (( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ ))"الدخان 10-16" وغير ذلك من الآيات والعلامات.
و يقصد بمفهوم التوحيد لغة كما جاء في مختار الصحاح: ( الوحدة ) الإنفراد، تقول رأيته وحده، و(الواحد ) أول العدد، فهو يعنى لغة العلم بأن الشيء واحد، ويدور معناه حول: فقدان النظير والشبيه، ويقول صاحب القاموس المحيط: ( التوحيد ) هو: الإيمان بالله – تعالى وحده، والله الأوحد والتوحد وذو الوحدانية.
أما اصطلاحا فعلى الرغم من تعدد تعريفات العلماء لعلم التوحيد – إلا أننا نجد أن مضمونها واحد وأنها لا تختلف جوهريا فيما بينها، ونكتفي منها بهذا التعريف العام والمحدد له، والذي يشمل المباحث الثلاثة التي يتضمنها هذا العلم؛ حيث يعرفه بأنه: ( العلم الذي يبحث فيه عن الأحكام الشرعية الاعتقادية، التي تتعرض للإلهيات والنبوات والسمعيات؛ من أجل البرهنة عليها أو دفع الشبه عنها؛ باستخدام الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، وكذلك باستخدام الأدلة الكونية والعقلية وغيرها من الأدلة العملية التي تتفق مع العقيدة الإسلامية الصحيحة ).
هذا وقد تعددت تسميات هذا العلم؛ حيث يسمى ب (علم الكلام )؛ وذلك – كما يرى بعض العلماء – تسمية الكل باسم البعض، فليس هناك صفة أثير حولها الجدل والنزاع، وأريقت حولها الدماء كما حدث في صفة الكلام، كما يسمى بأصول الدين )؛ وذلك لأن موضوع هذا العلم هو أصول الدين، وهى: الإيمان بالله – تعالى – ووحدانيته وصفته وأفعاله، ولإرسال الله – تعالى للرسل والإيمان بالبعث والثواب والعقاب في الآخرة وتلك أصول الدين، ويسمى أيضا بـ ( علم الفقه الأكبر )، وقد أطلق هذه التسمية على هذا العلم الإمام أبو حنيفة النعمان – رحمه الله – تعالى – وذلك لأنه يتعلق بالأحكام الاعتقادية والأصلية التي تعد في مقابل علم الفقه، الذي يتعلق بالأحكام الفرعية العملية، ويسمى كذلك ب (علم النظر والاستدلال )، ومرجع هذه التسمية له، لأنه يستخدم العقل كما يستخدم النقل، فهو لا يستخدم النص أو النقل فقط، بل يعتمد على العقل في بحث مشكلاته، بالإضافة إلا أنه يسمى ب (علم العقيدة)؛ وذلك لأن موضوعه يتناول العقيدة الإسلامية، ومن الإيمان بالله – تعالى – وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
والتوحيد كعلم كان ينبغي أن يحدونا إلى توحيد هذه الأسماء، والاتفاق على اسم واحد لهذا العلم، إلا أننا نرى أن تعدد هذه المسميات لهذا العلم، لا يدل على التعارض والافتراق بقدر ما يدل على التنوع والاتفاق بينها، وغزارة مباحث هذا العلم وسعة موضوعاته، كما أن بين بعض هذه الأسماء عموم وخصوص، فالعموم يتصل بكلمة العقيدة، الدالة على كل ما يعتقد المسلم، والخصوص بكلمة التوحيد التي تمثل أهم قضايا العقيدة، والتي سمى بها هذا العلم لهذه الأهمية، وكذلك كلمة (الكلام ) التي سمى بها هذا العلم، والمتعلقة بصفة الكلام الواجبة لله – تعالى – والتي كثر الجدل حولها، وهى من المسائل التي تناولها هذا العلم، وعلى ضوء ما سيق فسوف نقتصر على استخدام مسمى (علم التوحيد ) أو مسمى (علم العقيدة )؛ حيث أنهما هما المستخدمان حاليا.
ساحة النقاش