توجد لدراسة علم التوحيد أهمية كبيرة لكل مسلم؛ باعتبار أن العقيدة من الدين هى أساسه وركيزته التي يبنى عليها ويدونها لا يكون فهي أساس العبادات والمعاملات والأخلاق ومن أجلها أرسل الله – تعالى – الرسل وأنزل الكتب؛ قال تعالى: ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )، وبدون العقيدة لا تقام أركان الإسلام ولا يستوي نظامه ولا تقبل أعماله؛ إذ أن قبولها مرهون بصوابها مع سلامة التصور وصحة الاعتقاد؛ قال تعالى: ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ).
وتتجلى فائدة دراسته بالنسبة لفروع الدين الأخرى، في إقامة العلوم الشرعية عليه؛ فإذا لم يثبت وجود إله عالم مرسل ومنزل للكتب، لم يتصور وجود علوم الإسلام من تفسير وحديث وفقه وأصول؛ وعلى الإجمال فهو يحقق لدارسه سعادة الدنيا والآخرة إذا صلح النقل واتبعت الشريعة.
ويدل على تلك المكانة أو المنزلة الكبرى لعلم التوحيد؛ قول الإمام أبى حنيفة النعمان ( أعلم أن التوحيد هو أساس بناء التأييد هو أشرف العلوم، لكن بشرط أن لا يخرج عن مدلول الكتاب والسنة، وكما وقع فيه أهل البدعة ).
هذا ويمكن إيجاز تلك الأهمية لعلم التوحيد في النقاط التالية:
· أنه العلم الذي يمكن به معرفة الخالق – عز وجل – بالبراهين القطعية، والفوز بالسعادة الأبدية فهو من أفضل العلوم متعلقا بالله تعالى – وبرسله- عليهم السلام.
· أنه يعصم الإنسان من الزلل ويحدد له المعروف من المنكر، ويبين له الحق المبين من الضلال البعيد، وهو الأصل الذي يقوم عليه بنيان الإسلام، وبه يعرف الحد الفاصل بين الكفر والإيمان، فواجب كل مسلم أن يتعلمه جمله، ليكون إيمانه عن معرفة ويقين؛ لأن إيمان المقلد عرضة للزوال بتشكيك مشكك أو تضليل مضلل، والمسلم في حجة إلى تثبيت عقيدته ولا يكون ذلك إلا بالعلم.
· دفع شبه المعارضين للعقيدة، والرد عليهم لئلا يدخلوا الشك في قلوب المؤمنين.
· تحرير العقيدة من كل دخيل أو زيف أو ضلال، مما يبلبل أفكار المؤمنين ويشككهم في عقيدتهم.
· الترقي من أدنى مراتب التقليد إلى ذروة التيقن والفكر والإيمان؛ قال تعالى: ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ).
· إرشاد المسترشدين بإيضاح الحجج وإلزام المعاندين بإقامة الحجة.
· أن أصول الدين يعتبر الجهل بها مسقطا للعقاب الأخروي، بل لابد من معرفة العقيدة بوسائل العلم والسؤال، فإن قصر كان آثما؛ لأن إصابة الحق في العقيدة أمر لابد منه عن طريق دلائل وحدانية الله – تعالى – لمعرفة دقائق أصول الدين.
· إن علم التوحيد علم جليل الشأن عظيم القدر؛ فهو العلم الذي يمكن به معرفة ما يجب وما يجوز وما يستحيل في حق الله – تعالى – وذلك بإثبات ما أثبته – تعالى – لنفسه، وما أثبته له رسوله – صلى الله عليه وسلم – من صفات الكمال ونعوت الجلال، وتنزيهه من كل عيب ونقص، وعن مشابهة المخلوقين، وتفريع هذا الأصل العظيم وتقريره والتنبيه على أصول العقائد كلها، وعلى أدلة ذلك من الكتاب والسنة والعقل والفطرة، وتقرير توحيد العبادة ودفع ما يعارض هذه الأصول، وذم الغافلين المعارضين، وكذلك معرفة ما يجب وما يجوز وما يستحيل في حق الأنبياء والرسل – عليهم الصلاة والسلام – كما يمكن به معرفة ما يتصل بالسمعيات والحياة الآخرة من حقائق وأمور ذكرت في الكتاب والسنة.
ساحة النقاش