الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

إن تقسيم النشاط الإنساني إلى عبادات ومعاملات – الذي  قصد به في أول الأمر مجرد التقسيم الفني الذي  هو طابع التأليف العلمي – قد انحرف لدى البعض – وخاصة في مجال المعاملات – انحرافا ترده طبيعة التصور الإسلامي، إذ جعل يترسب في تصوراتهم أن صفة " العبادة" إنما هي خاصة بالنشاط الذي  يتناول " فقه العبادات " دون النشاط الذي  يتناوله " فقه المعاملات " وهو انحراف بالتصور الإسلامي لا شك فيه.

كما أن الجو الثقافي الذي  نشأ فيه نفر من المسلمين لم يتح لهم التعرف على كثير من الحقائق في التشريع الإسلامي، إذ رأوا عدم إمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية في العصر الحاضر، لأنه ثمة مشكلات لا تتسع الشريعة – في نظرهم – لحلها.

ولما كانت مساحة هذه الوحدة في المقرر لا تتسع سوى لعرض بعض هذه الشبهات كما هي في ذهن أصحابها، فإننا ندعوك – وفاء لهذا الدين – أن تبين للناس حقيقة التصور الإسلامي إزاءها، مما يتبين معه شمول الشريعة الإسلامية وتكاملها مع كل أقضية الحياة.. . ونقترح لذلك: أن يتم تنسيق ما بينك وبين زملائك ومشرفك الأكاديمي، بحيث تتقاسمون دفع هذه الشبهات؛ فيتولى واحد أو أكثر إحداها والرد عليها، ثم تتبادلون نتائج ذلك فيما بينكم. وفيما يلي بعض هذه الشبهات:

شبهة أن الدين صلة روحية، وليس له علاقة بأمور الدنيا:

وفيها يقال: الدين شيء والدنيا شيء آخر، فالإسلام مجرد دعوة دينية، وصلة روحية بين الفرد وربه، ولا تعلق له بالدنيا ولا بالسياسة ولا بالاجتماع، ويذهب أصحاب هذه الشبهة إلى أن الدنيا من أولها لآخرها، وجميع ما فيها من أغراض وغايات أهون عند الله تعالى من أن يقيم على تدبيرها غير ما ركب فينا من عقول، وحبانا من عواطف وشهوات.. هي أهون عند الله تعالى من أن يبعث لها رسولا، وأهون عند رسول الله من أن يشتغلوا بها، وينصبوا لتدبيرها.. إن محمدا صلى الله عليه وسلم ما كان إلا رسولا بدعوة دينية خالصة للدين لا تشوبها نزعة ملك، ولا دعوة لدولة.. وأنه صلى الله عليه وسلم لم يقم بتأسيس مملكة.. وما كان ملكا، ولا مؤسس دولة.

شبهة حول الشريعة الإسلامية بين الجمود والتطور:

يرى أصحاب هذه الشبهة أن الشريعة الإسلامية تتسم في مجموعها بالجمود الذي  يتعارض وحاجات المجتمع المتطورة، ومن ثم فهي غير صالحة لكل زمان ومكان، ذلك أن العقل البسيط المباشر يأبى أن يكون هناك في المجال البشرى ما يصلح لكل زمان ومكان.. بل إنه بقدر ما تزداد المسافة اتساعا – زمانيا وحضاريا – بيننا وبين عصر نزول الوحي فإن دور عقل الإنسان واجتهاده يتزايد، ودور المبدأ العام – الحكم الشرعي العام – يتناقض.

شبهة تتعلق بنظام الحكم: وفيها يقال: إن الحكم عملية بشرية – أولا وأخيرا – حتى ولو كانت الأحكام التي يرجع إليها إلهية.. وأرفع التشريعات السماوية لا تمنع ولم تمنع طوال التاريخ من وجود حكام مستبدين، يتلاعبون بها كما يشاءون، ويفسرونها على هواهم، ومن ثم فإن تطبيق أحكام الشريعة ليس في ذاته ضمانا لأي حكم أفضل من تلك الأنظمة المستبدة.

مقولة قسوة الحدود في الشريعة الإسلامية لا تساير روح العصر: وأنها لا تواكب النظرية الجديدة في تحليل نفسية المجرم، كما أن الحدود لا يمكن تطبيقها إلا في مجتمعات على مستوى اقتصادي معين.

مقولة تطبيق الشريعة الإسلامية يثير مشاعر الأقليات الكتابية: وأن ذلك يهدد الأمة في وحدتها وتآلفها.

شبهة تحريم الربا يتناقض مع ضرورات النظم الاقتصادية المعاصرة: وأن ذلك ويتنافى مع نظام الفائدة.

مقولة حجاب المرأة عائق لها عن مشاركتها الرجل في نهضته: وتتمثل هذه النهضة في النواحي الفكرية والثقافية والاجتماعية التي اقتضتها ضرورات الحياة اليومية، كما أن موضوع الحجاب يتجاهل مسار التاريخ واتجاه التطور الاجتماعي، بل إن زى المرأة ليس من أساسيات العقيدة على الإطلاق، وأنه من القشور الإسلامية.

ونتيجة لذلك يجب أن تفسخ مناهج تدريس التربية الإسلامية مجالا لمناقشة مثل هذه القضايا، وغيرها، ذلك أن معيار اتساق المحتوى مع الواقع الاجتماعي يقتضى النظر إلى قضايا المجتمع – وهى قضايا – الحياة وتزويد المتعلمين – من خلال مناهج التعليم الديني – برأي الدين تجاهها، وموقفه منها حتى يتبين لهم مدى ملاءمة منهج الإسلام للحياة المعاصرة؛ وأن التكامل في التشريع الإسلامي قائم ما ضره أن رماه البعض بظن، فإن الظن لا يغنى من الحق شيئا.

وأن الزمان لو استقبل من أمره ما استدبر لوجدنا الشريعة الإسلامية محجة بيضاء كيوم تركها الرسول صلى الله عليه وسلم شاملة، متكاملة، منطبقة على القرن الخامس عشر الهجري انطباقها على القرن الأول، وستبقى هكذا تجمع بين الثبات والمرونة، والأصالة والمعاصرة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وستبقى هذه الآية تتردد مع كل يوم وقرن، وفى كل عصر ومصر.

أخطاء شائعة ومفاهيم خطأ:  

يشيع بين كثير من الناس فهم خطأ لبعض المفاهيم الدينية، وكذا أخطاء في أداء بعض العبادات والمعاملات – قد يكون مرد ذلك إلى روايات مكذوبة على المعصوم صلى الله عليه وسلم أو إلى أعراف الناس وعاداتهم، أو إلى الجهل بأحكام الدين، أو العلم الناقص به، أو إلى عوامل أخرى – وهذه وتلك تمثل صورا من الأمية الدينية، الأمر الذي  يتطلب جهودا جماعية وفردية – خالصة – لمواجهتها.

أما الجهود الجماعية فتتمثل في قيام المؤسسات الدينية بتبصير الناس بأحكام الشرع وأدلته، وتعهد ذلك في سلوكهم، وأن تتآزر كل مؤسسات المجتمع الأخرى لتحقيق هذا الدور؛ وأما المجهود الفردي فيتمثل في قيام كل فرد باختبار ما يتردد في المجتمع من مفاهيم دينية فما قام الدليل على صحته قبله، ووجه إليه، وما لم يقم عليه دليل رده، ونهى عنه – أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر – كما أن كل مكلف مطالب بأن يتوخى الفهم الصحيح وكذا الأداء الصحيح، وأن يهرع إلى " أهل الذكر" ليتبين الحق في الفهم والأداء.

وسوف نكتفي هنا بعرض أمثلة من هذه المفاهيم والأخطاء الشائعة في العبادات والمعاملات، والمرجو منك – وفاء لهذا الدين – أن تتفقد ما يكون في أعمال الناس مما يخالف الشرع الحنيف، وأن توجه إلى الحق والخير ما استطعت، أو تستعين بمن يقدر على ذلك، " فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته " (البخاري، برقم: 844).

ومن المفاهيم والأخطاء الشائعة في العبادات والمعاملات مايلي:

·  جهر بعض المصلين بالنية وبأشياء أخرى ليست لها سند من الشرع الحنيف: فقد ورد في زاد المعاد – ( 1390هـ: 96) – كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: " الله أكبر" ولم يقل شيئا قبلها، ولا يلفظ بالنية البتة، ولا قال: أصلى لله صلاة كذا، مستقبل القبلة، أربع ركعات، إماما أو مأموما، ولا قال:  أداء ولا قضاء، ولا فرض الوقت، وهذه بدع لم ينقل عنه أحد قط  - بأي سند – واحدة منها البتة، بل ولا عن أحد من الصحابة، ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة الأربعة.

·  الاعتقاد – لدى البعض – أن إمامة العازب غير جائزة؛ ولعلهم أخذوا هذا الحكم من رواية: شرار أمتي عزابها؛ وهى ليست صيحة، وكل الروايات التي وردت بهذا الشأن إما موضوعة، أو ضعيفة، أو مضطربة، لا يمكن الاستدلال بها على عدم جواز إمامة العازب. وقد رتب الشارع الأولويات في الإمامة، ففي حديث أبى مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سنا " ( مسلم، برقم: 1078) كما رتب الفقهاء أولويات أخرى إذا ما تساووا فيما ذكر، وخرج أمر المتزوج والعازب من هذه الأولويات جميعها.

·  تحرج بعض السيدات من الفطر في رمضان إذا فاجأها الحيض آخر النهار وتكتفي بتناول بعض الماء قبل أذان المغرب – تجرح صيامها كما تقول – وقد تحرص على الصوم في مدة الحيض زعما منها أن يوم رمضان لا يعوض؛ ومنهن من تقضى، ومنهن من لا تقضى اكتفاء بصومها في أيام حيضها. وكل هذا مخالف لما ورد في الشرع الحنيف، وأجمع العلماء عليه، فإن الحيض والنفاس يبطل الصوم ولو في اللحظة الأخيرة قبل غروب الشمس وعن معاذة قالت: " سألت عائشة رضى الله عنها فقلت: ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة ؟.. قالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " ( مسلم، برقم: 508)

·  اعتياد بعض الشباب حلق بعض الرأس دون بعض، وقد ورد النهى عن ذلك، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع " ( البخاري، برقم: 5465) ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيا قد حلق بعض شعره وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك، وقال: "احلقوه كله أو اتركوه كله " ( أبو داود، برقم: 3663)

·  الذبح للميت عند خروجه من البيت أو عند القبر، وتقديم أهل الميت الطعام لمن يعزهم، وكذا ما يسمى: بالخميس الصغير والكبير، والأربعين ( التأبين )، والذكرى السنوية الأولى، والثانية.. . وهكذا. وتلك مخالفات شرعية، لأصل لها في الدين؛ فالذي  ينفع الميت في قبره هو عمله الصالح، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " لا عقر في الإسلام " ( أبو داود، برقم: 2805)، والعقر: الذبح عند القبر، وقال صلى الله عليه وسلم: " اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد أتاهم ما يشغلهم " ( مسند أحمد، برقم: 1660). والتعزية التي ندب إليها الشرع تكون منحين الموت إلى ثلاثة أيام، وتكره بعد ذلك إلا إذا كان المعزى غائبا، وإذا عزى أهل الميت مرة كره تعزيتهم مرة أخرى عند الجمهور الفقهاء.

·  الاعتقاد الخطأ بأن المرأة لا يجوز لها أن تلى الذبح، وأن ذبيحتها لا يحل أكلها. وهذا مخالف لما جاء به الدين، من ذلك أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما، فأصيبت شاة منها، فأدركتها فذبحتها بحجر – فسئل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كلوها" وقد أورد البخاري  هذا الحديث – برقم 5081- في باب ذبيحة المرأة والأمة، مستدلا على جواز أكل ما ذبحته المرأة، سواء كانت حرة أم أمة، كبيرة أو صغيرة، مسلمة أو كتابية، طاهرا أو غير طاهر، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بأكل ما ذبحته ولم يستفصل.

·  الفهم الخطأ – لدى البعض – أن العوض الذي  يأخذه الشخص بدلا عن الضرر الذي  لحق به حرام، بل منهم من يذهب إلى أن من يتقاضاه يصاب ببلاء في نفسه أو أهله أو ماله نتيجة ذلك. وهذا مخالف لما قصدت إليه الشريعة السمحة؛ من ذلك قوله تعالى: ( ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا ) " النساء: 92" فهذه الآية تقرر أن لأولياء الدم أخذ العوض عما أصابهم من فقد وليهم، أو العفو، وهكذا حفظ الإسلام حقوق الناس ممن اعتدى عليهم، وجعل هذا الحفظ من المقاصد الضرورية في الشريعة؛ والقاعدة تقول: من أتلف شيئا فعليه إصلاحه.

·  تحرج البعض من رؤية الخاطب للمخطوبة قبل العقد، واستبدالها بالصورة الشمسية أو وصف إحدى النساء.. وفاتهم أن المستحب أن يراها، حتى تطمئن نفسه قبل النكاح فيكون ذلك أعون على داوم المودة والألفة بينهما، كما ثبت عن المغيرة رضى الله عنه أنه خطب امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " ( الترمذي، برقم: 1007)

·     تساهل بعض القائمين بحرفة المحاماة، بحيث يقبلون الوكالة في القضايا التي يعلمون أن الموكل ليس له الحق فيها، فينتصرون بالباطل على الحق، ويعينون الظالم على ظلمه بل قد يعتبر بعض المدعين أن حكم القاضي لهم يحل ما ادعوه بالباطل، وفى الحديث " إنكم تختصمون إلى، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها " ( البخاري، برقم: 2483) وقوله صلى الله عليه وسلم " من أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله عز وجل " ( أبو داود برقم: 3123)

·  بعض ذوى اليسار يقرضون الناس بالربا، فيعطونهم مبلغا من المال على أن يردوه بزيادة، وحتى لا يكونوا في حرج نفسي يأخذون على أموالهم زيادة تعادل ما يعطيه البنك لعملائه، بل منهم من يحدد وقتا للمدين يرد فيه ما أخذه دون زيادة، فإذا تأخر اشترط عليه زيادة يقوم المقرض بتوجيهها إلى المساجد على سبيل الصدقة. ونسى هؤلاء وأولئك فضل القرض الحسن، وقوله صلى الله عليه وسلم " رأيت ليلة أسرى بى على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر.. " ( ابن ماجه، برقم: 2422) وقوله صلى الله عليه وسلم " من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كربات يوم القيامة " الحديث ( الترمذي، برقم: 1853)؛

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 317 مشاهدة
نشرت فى 28 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,659,416