الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

يقصد بالفقه لغة الفقه في اللغة: العلم بشيء، والفهم له، قال تعالى ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة في الدين ) ( التوبة: 122 )، أي ليكونوا علماء به، وقال صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) ( البخاري، برقم: 69) والمقصود بكلمة يفقهه يفهمه. واستعماله في القرآن الكريم والسنة المطهرة يرشد إلى أن المراد منه ليس مطلق العلم بل دقة الفهم، ولطف الإدراك، ومعرفة غرض المتكلم ( زيدان، 1987م: 8 ) ومن ثم يقول أبو زهرة: الفقه لغة هو الفهم العميق النافذ الذي  يتعرف غايات الأقوال والأفعال.

ولقد ظل الفقه – من صدر الإسلام حتى عهد الأئمة – يراد ف الشريعة، إذ كان يطلق على الأحكام الشرعية كلها: اعتقا دية كانت، أو علمية؛ ومن ثم عرفه الإمام أبو حنيفة بأنه " معرفة النفس ما لها وما عليها ".

ولما تمايزت العلوم الشرعية، وشاع التخصص بين العلماء – وكان ذلك في أواخر القرن الثاني الهجري، حيث النهضة الفكرية التي قام بها العلماء في كل ناحية– أصبح الفقه مختصا بنوع واحد من الأحكام، وهى الأحكام الشرعية العملية؛ فقد عرفه ابن خلدون ( د.ت 445) بأنه " معرفة أحكام الله سبحانه وتعالى في أفعال المكلفين بالوجوب، والحرمة، والندب، والكراهة، والإباحة، وهى متلقاه من الكتاب والسنة وما نصبه الشارع لمعرفتها من الأدلة، فإذا استخرجت الأحكام من تلك الأدلة قيل لها فقه ". ويقصد به واصطلاحا: البحث في الأحكام الشرعية وأدلتها؛ سواء منها ما يتعلق بعلاقة الإنسان بربه في أمور العبادات، أو ما يتعلق بعلاقته مع غيره كالمعاملات ونحوها. أما الأحكام العقلية والحسية واللغوية فلا تسمى فقها، لأنها ليست أحكاما شرعية. وكذلك الأحكام الاعتقادية والأخلاقية لا تسمى فقها، لتقييد الأحكام – هنا – بكونها عملية.

وكذلك علم الله سبحانه وتعالى بالأحكام، أو علم الرسول صلى الله عليه وسلم بها لا يعتبر في الاصطلاح فقها؛ فعلم الله سبحانه وتعالى لازم لذاته، وهو يعلم الحكم والدليل، وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم مستفاد من الوحي لا مكتسب من الأدلة.

والعلم بالأمور التي هي من  ضروريات الدين – كوجوب الصلوات الخمس، وشبهها – لا يعد من قبيل الفقه، لأنها ليست مستنبطة. وعلم المقلد بالمسائل الفقيه، لا يعد فقها، لأنه مأخوذ بطريق التقليد لا بطريق النظر والاجتهاد.

2- مفهوم الشريعة لغة واصطلاحا:

 الشريعة في اللغة: تطلق الشريعة عند علماء اللغة على معنيين:

الأول: مورد الماء الجاري.. . فالشريعة، والشراع، والمشروعة:

المواضع التي ينحدر إلى الماء منها؛ والعرب لا تسمى موارد الماء شريعة حتى يكون لا انقطاع له، ويكون ظاهرا معينا لا يسقى بالرشاء.

الثاني: تطلق ويراد بها الدين؛ قال الليث: " و بها سمى ما شرع الله سبحانه وتعالى لعباده شريعة، من الصوم والصلاة والحج والنكاح وغيره ". قال تعالى (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) ( المائدة: 48) والمنهاج الطريقة؛ قال قتادة: " شرعة ومنهاجا الدين واحد والشريعة مختلفة ".

يقول القرطبي: " الشرعة والشريعة الطريقة الظاهرة التي يتوصل بها إلى النجاة، قال تعالى (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) ( الجاثية: 18) أي على منهاج واضح من أمر الدين يشرع بك إلى الحق.

مما سبق نجد أن الشريعة في اللغة تعنى: الملة المستقيمة والطريق الواضح الذي  لا ينقطع خيره.

الشريعة في الاصطلاح: تعنى الشريعة في الاصطلاح: " الأحكام التي سنها الله سبحانه وتعالى لعباده على لسان رسول من رسله ( عليهم السلام ) ليؤمنوا بها، ويعملوا بمقتضاها، حتى يسعدوا في ديناهم وأخراهم.

وهذا يعنى أن الشريعة تنسب إلى الرسول الذي  أرسله الله سبحانه وتعالى بها إلى قومه، فيقال: شريعة موسى، وشريعة محمد؛ مع ملاحظة: أنه لا اختلاف في أصول هذه الشرائع، وإنما الاختلاف في التفاصيل التي تناسب الزمان والمكان، قال تعالى: ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) – الأنبياء: 25-، وقال صلى الله عليه وسلم (.. الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد )( البخاري، برقم 3187).

أما التشريع فهو سن القوانين مطلقا، سواء أكانت هذه القوانين آتية عن طريق الأديان، - وتسمى تشريعا سماويا – أم كانت من وضع البشر – وتسمى تشريعا وضعيا.

وتنقسم الشريعة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام:  

·   ما يتعلق بالعقائد الأساسية؛ كالأحكام التي تتعلق بذات الله تعالى والإيمان به، وبرسله، وملائكته، وكتبه، واليوم الآخر وما فيه، وقد تكفل هذا القسم " علم العقيدة".

·   ما يتعلق بأعمال الناس وتنظيم علاقاتهم بخالقهم؛ كالأحكام المتعلقة بالصلاة والصوم.. وتنظيم علاقاتهم بعضهم البعض؛ كأحكام البيع، والهبة.. .، وقد تكفل بهذا القسم "علم الفقه".

·   ما يتعلق بتهذيب النفوس وإصلاحها؛ كالأحكام المبينة للفضائل التي يجب التحلي بها: كالصدق، والأمانة.. . والأحكام المبينة للرذائل التي يجب التخلي عنها: كالكذب، والغش.. . وقد تكفل بهذا القسم "علم الأخلاق والتهذيب ".

الأمر الذي  يبين معه أن بيان مفهومي الشريعة والفقه عموما وخصوصا، فالشريعة تشمل الفقه باعتباره فرعا من فروعها ومجالا من مجالاتها، حيث يقصد الفقه إلى الأحكام الشرعية المتعلقة بأعمال المكلفين.

وسميت هذه الأحكام الثلاثة شريعة " لأنها مستقيمة، محكمة الوضع، لا ينحرف نظامها، ولا تلتوي عن مقاصدها الجادة المستقيمة، فلا التواء فيها ولا اعوجاج، ولأنها شبيهة بمورد الماء من قبل أنها سبيل إلى حياة النفوس وغذاء العقول، كما أن مورد الماء سبيل إلى حياة الأبدان ".   

وينقسم الفقه إلى فقه عبادات وفقه معاملات وتفصيل ذلك على النحو التالي: 

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 174 مشاهدة
نشرت فى 28 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,643,453