الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

authentication required

يقصد بالتجويد القول معناه تحسين القراءة وإخراج كل حرف من مخرجه مع إعطائه حقه ومستحقه على حسب ما قرره علماء هذا الفن. وتعلُّمه ضروري ومحتم لصحة الصلاة، يقول الإمام الشاطبي:  

     والأخذ بالتجويد ختم لازم             من لم يجود القرآن آثـم

     لأنه به الإله أنــــزلا             وهكذا منه إلينا وصـلا

وتقع المسئولية أكبر على معلم التربية الدينية الإسلامية، وهو يقوم بتلاوة القرآن الكريم وتعليم أحكامها للتلاميذ، خصوصا وأنها تحقق فوائد عديدة لهم، فهي تساعدهم على تطويع ألسنتهم بالفصاحة والطلاقة والبيان، وتزودهم بثروة عظيمة من الألفاظ والعبارات والمعاني السامية، وفهم نصوص الآيات القرآنية والوقوف على ما فيها من عقائد وأحكام وتشريعات0

ونظرا لأهمية هذا العلم فقد اهتم به المسئولون في التعليم، وخصصوا له مادة مستقلة يدرس بها في المرحلة الإعدادية الأزهرية، وخصصوا معاهد للقراءات يتخرج منها المعلمون الذين يقومون بتدريس هذه المادة للطلاب، كما اهتم به القائمون على مناهج التربية الدينية الإسلامية بمراحل التعليم العام، فضمنوا بعض أحكامه في مناهجها0

ويدعو هذا الوضع إلى إعداد خاص لمعلم التربية الدينية الإسلامية - خاصة في ظل قلة أعداد الخريجين من معاهد القراءات - ولأن هذا العلم يقتضى تدريسه الوقوف على الجانب النظري والتطبيقي لأداء هذه الأحكام والتدريب عيها أثناء التلاوة وهو الأمر الذي لم يتحقق في تدريسه حاليا، ويحتاج إلى إعادة نظر واهتمام من المسئولين بالمعاهد الأزهرية ومدارس التعليم العام على حد سواء0

أما علم القراءات فله طبيعة تميزه عن غيره من العلوم، فهو أشرف العلوم وأعظمها، لأنه يعصم الإنسان من الخطأ في النطق بكلمات الله تعالي المنزلة علي عبده محمد صلي الله عليه وسلم، ويصون هذه الكلمات من التحريف أو التغيير، ولذلك فإنه سيتم تناول  تعريفها، والعلاقة بينها وبين القرآن، وخصائصها فيما يلي:

أ- تعريف القراءات في اللغة:

القراءات جمع قراءة، وهي في الأصل مصدر للفعل قرأ، وقرأ الكتاب قراءة وقرآنا: تتبع كلماته نظرا ونطق بها، . .... وقرأ الشيء قرءا وقرآنا جمعه وضم بعضه إلى بعض.

والقرآن والقراءات كلاهما من مادة واحدة، وهي مادة (قرأ)، وهي تدور في كلام العرب حول الجمع والضم.

ب- تعريف القراءات في الاصطلاح:

عرفها ابن الجزري وأبو شامة في الاصطلاح بأنها "علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزو لناقلها " .

وعرفه البعض بأنه " علم يعلم منه اتفاق الناقلين لكتاب الله تعالي، واختلافهم في الحذف والإثبات والتحريك والتسكين والفصل والوصل، وغير ذلك من هيئة النطق والإبدال وغيره من حيث السماع ".

ومن الملاحظ أن التعريفين متقاربان، إلا أن الأول أجمل في اللفظ، فقال: إنه علم بكيفية الأداء، ونسبة هذا الأداء لقائله، والثاني فصل في كيفية الأداء من حيث التحريك والتسكين والحذف والإثبات. ... 

ج- العلاقة بين القرآن والقراءات:

للعلماء في العلاقة بين القرآن والقراءات أقوال عدة كالتالي:

 (1) القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل علي محمد صلي الله عليه وسلم للبيان والإعجاز، والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكورة في الحروف وكيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما. 

وتبع الزركشي في ذلك بعض العلماء كالقسطلاني في لطائف الإشارات، وشهاب الدين الدمياطي في إتحاف فضلاء البشر، وذهب إلى هذا من المعاصرين صبحي الصالح وغيره.

(2) رأي محمد سالم محيسن: أن كلا من القرآن والقراءات حقيقتان بمعني واحد، مستندا إلى أن تعريف القرآن مصدر مرادف للقراءة، والقراءات جمع قراءة، فهما عنده بمعني واحد، كما استند إلى بعض الأحاديث التي يأمر فيها الرسول صلي الله عليه وسلم بأن يقرأ أمته علي سبعة أحرف.

(3) رأي جمهور العلماء المقرئين: التفرقة بين ما توافرت فيه شروط القراءة الصحيحة (صحة السند، موافقة العربية، مطابقة الرسم) فيعتبر قرآنا، وبين ما تختلف فيه ولو شرط منها فيعتبر قراءة.  

(4) اعتبار كل قراءة قرآنا حتى القراءة الشاذة، وهو رأي بن دقيق العيد.

 فوائد تعدد القراءات:         

لتعدد القراءات فوائد سوف يتم ذكرها فيما يلي:

أ- التيسير علي الأمة الإسلامية في قراءتها للقرآن، فمن المعروف أن القرآن نزل علي أمة عربية لها لهجات متعددة، لهجة قريش وتميم والأزد وربيعة وهوازن. ....، فلو ألزم الله هذه الأمة بقراءة واحدة لصعب عليها الأمر، ولصار الأمر عسيرا، فكان من رحمة الله تعالي عليهم أنه أنزل القرآن علي حروف كثيرة، وقراءات متعددة، حتى تسهل قراءة القرآن، والدليل علي هذا حديث أبي بن كعب، قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلي، فقرآ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل رجل آخر، فقرا قراءة سوي قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا علي رسول الله، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ قراءة سوى صاحبه، فأمرهما رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقرآ، فحسن النبي صلي الله عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب، ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأي رسول الله صلي الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقا، وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا، فقال لي: يا أبي أرسل إلى أن اقرأ القرآن علي حرف، فرددت إليه أن هون علي أمتي، فرد إلى الثانية اقرأه علي حرفين، فرددت إليه أن هون علي أمتي، فرد إلى الثالثة، اقرأه علي سبعة أحرف، فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها، فقلت: "اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم، حتى إبراهيم عليه السلام "  (مسلم، د-ت، : 561).

 ب- الدلالة العظمى على نهاية البلاغة، وكمال الإعجاز، وغاية الاختصار، وجمال الإيجاز، إذ كل قراءة بمنزلة الآية، إذ كان تنوع اللفظ بكلمة تقوم مقام آية، ولو جعلت دلالة كل لفظ آية على حدتها لم يخفَ ما كان ذلك من التطويل.

جـ- بيان حكم من الأحكام المجمع عليها، كقراءة سعد بن أبى وقاص -رضي الله عنه- في قوله تعالي:  "وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ " النساء (12)، قرأ سعد بن أبي وقاص "وله أخ أو أخت من أم"، فتبين أن المراد بالأخوة في هذا الحكم الإخوة للأم دون الأشقاء ومن كانوا لأب، وهذا أمر مجمع عليه.

د- الدلالة على حكمين شرعيين مختلفين، كما في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ " (المائدة:6) قرأ نافع وابن عامر ويعقوب والكسائي وحفص بالنصب في أرجلكم، والباقون بالجر .

فمن أخذ بقراءة النصب اعتبر غسل الرجل فرضا من فرائض الوضوء، ومن أخذ بقراءة الجر اعتبر مسح الرجل فرضا من فرائض الوضوء.

هـ- في تنوع القراءات ما يدل دلالة قاطعة على أنه من عند الله تعالى، "إذ هو مع كثرة هذا الاختلاف وتنوعه، لم يتطرق إليه تضاد ولا تناقض ولا تخالف، بل كله يصدق بعضه بعضا، ويبين بعضه بعضا، ويشهد بعضه لبعض على نمط واحد، وأسلوب واحد، وما ذاك إلا أية بالغة وبرهان قاطع على صدق ما جاء به صلى الله عليه وسلم.

و- البحث في مخارج الحروف، والاهتمام بضبطها علي وجوهها الصحيحة، لتيسير تلاوة كلمات القرآن علي أفصح وجه وأبينه كان من أبلغ العوامل في عناية الأمة بدقائق اللغة العربية الفصحى وأسرارها، وكانت ثمرة هذا الاهتمام والجهد أن القراء تشربوا بمزايا اللغة العربية وقواعدها ودقائقها، ومما يؤيد ذلك أن كثيرا من قدماء النحويين كالفراء كانوا مبرزين في علم القراءات، كما كان الكثيرون من أئمة القراء كأبي عمرو والكسائي بارعين في علم النحو.

ز- أفاد علم القراءات علوما كثيرة، مثل: علوم اللغة العربية، وعلم التفسير، وعلم الفقه.  

ح- فتح أبواب الخير لكل مشتغل بهذا العلم، لأن تعلم القراءات يحتاج إلى قراءة القرآن بأكثر من رواية، وأكثر من مرة حتى يتقنها، وفي هذا نفع وثواب عظيم.

ط- بيان ما هو مبهم أو مجمل من الأحكام، فقد قرأ أبي بن كعب وابن مسعود: "فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ متتابعات"   (المائدة: 89) بزيادة لفظ متتابعات، فهذه القراءة قد بينت أن كفارة اليمين يجب أن تكون ثلاثة أيام متوالية، وليست متفرقة، ولم يخالف في وجوب التتابع سوي عطاء ومالك والشافعي والمحاملي.      

وقرأ ابن مسعود " فاقطعوا أيمانهما" (المائدة: 38)، وهذه القراءة دلت علي أن الواجب قطع اليمين في السرقة الأولي.

ي_ دفع توهم ما ليس مرادا، قال تعالي: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (الجمعة: 9)، فقد يظن البعض أن "فاسعوا" تعني الإسراع في المشي إلى الصلاة، وهذا يخالف قول الرسول صلي الله عليه وسلم: "إذا نودي للصلاة فأتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " (مسلم، د-ت: 420، 421)، (ابن ماجه، د-ت، : 255)، ولكن قرأ عمر بن الخطاب "فامضوا إلى ذكر الله " (الإمام مالك، 1990: 109) فأزالت هذا التوهم وبينت أن المراد من قوله "فاسعوا" هو المشي، وليس الإسراع.

وقوله تعالي: "وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ " (القارعة:5) قرئ " وتكون الجبال كالصوف المنفوش" فهذه القراءة بينت أن المراد بالعهن هو الصوف.

ما سبق من فوائد لعلم القراءات يدل دلالة قاطعة علي الصلة الوثيقة بينها وبين التفسير والفقه، والتي ينبغي علي طالب معهد القراءات أن يدرسها حتى يقف علي أهمية هذا العلم.   

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 198 مشاهدة
نشرت فى 28 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,643,739