يتميز هذا العصر بالعديد من السمات منها الانفجار المعرفي والتقدم التكنولوجي في كافة النواحي، كما تتضاعف فيه المعرفة في أوقات متلاحقة , وتتعاظم قيمة العقل الإنساني يتعاظم نواتجه ولاشك أن الاستفادة من هذا التقدم التكنولوجي في جال الوسائل التعليمية يؤدى إلى نواتج تعليمية إيجابية.
وتكسب العملية التربوية الإنسان إنسانيته بمقدار ما وهبه الله له من إمكانات تربوية تتمثل في قدرته الهائلة على التعلم، واكتساب كم هائل من المعارف والمعلومات والحقائق والاتجاهات والميول والقيم والعادات والمهارات وبفعل هذه " الإنسانية " يستطيع الإنسان أن يتواصل مع غيره من أبناء البشر أفقيا عبر المكان ورأسيا عبر الزمان فتتراكم الخبرة وينمو العلم وتتقدم البشرية وتتلاقح المجتمعات الإنسانية فكريا وتطبيقيا.
ونتيجة لهذه الأهمية وتلك القيمة للعملية التربوية للإنسان كان طبيعيا أن يخضعها هي نفسها لتأملاته لينتهي نتيجة هذه التأملات بكم من المعرفة التربوية تتناول تصورا للأسس التي ينبغي أن تقوم عليها التربية والطريقة المثلى للتعليم والعلوم التي يصح للإنسان أن يتعلمها وأولويات التعليم بالنسبة لهذه العلوم من حيث مرحلة النمو ومن حيث الحاجة الاجتماعية والتصور الخاص المتعلم إلى غير ذلك.
والتقدم العلمي في أي مجتمع من المجتمعات متوقف على تقدم المتعلمين في التعلم وهذا يتوقف على مدى توجيههم إلى أفضل الطرق في التعليم وتوجيه طاقاتهم واستخدامها وتسخيرها في عملية التعلم الجيد ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بالبحث الجيد المستمر عن أفضل الطرق في تحصيل أكبر قدر من المعلومات في أفضل وقت وبأقل مجهود ويتحقق ذلك عن طريق استخدام وسائل التعليم في العملية التربوية.
ووسائل التعليم في العملية التعليمية استخدمت منذ زمن بعيد فقد كان معلمو الأطفال يكتبون لأطفالهم نماذج يحاكونها فيأخذ كل طفل قلمه ولوحه الخشبي ويجتهد في محاكاة النموذج الذي وضع له، كما استخدم المصريون القدماء أوراق البردي، واستخدم الإغريق الوسيلة التعليمية في القراءة والكتابة لأطفالهم وهى رسم الحروف بالتخطيط في الرمال أما الرومان فاستخدموا الحروف المنقوشة في ألواح الشمع كما استخدم العرب في الجاهلية – خاصة الأماكن الحضرية – الوسائل التعليمية في معاهد التعليم وكانت لهم دور كتب يتردد عليها طلاب، وقد عثر الباحثون في آثار مدائنهم على أنقاض مدرسة للأطفال منها قرامية عليها دروس للأحداث في الحساب والهجاء وكتبا للمطالعة وقواعد اللغة.
واستخدام وسائل التعليم وأجهزتها في مواقف التعلم ضرورة تربوية نتيجة للانفجار السكاني والتكنولوجي والتغير السريع في نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية حيث أنها تتيح الفرصة لخبرات متنوعة ومواقف مختلفة ينتقل فيها المتعلم من نشاط لآخر ومن سلبية إلى إيجابية ومن إدراك وصلة بين شيئين إلى المرور بموقف يجد فيه محلا لهذه الصلة التي أدركها ولو أمكن تقديم تلك المواقف والموارد التعليمية بواسطة عدة أشكال – منها ضرب الأمثال، عروض عملية، ورسوم أو تخطيطات توضيحية وغيرها – فسوف تقوم بعملية تعويض للمتعلم حيث أنه يمر بخبرات لم يمر بها من قبل بسبب حدوثها في الماضي أو صعوبة إعاداتها أو أنها موسيمة فصيلة. ..الخ لذلك من الضروري على مؤسساتنا التعليمية أن تأخذ بوسائل التعليم لتحقيق أهدافها، وتطوير التعليم يتجه إلى الوسائل التعليمية باعتبارها عنصرا مهما لا غنى عنه في عملية التعليم والتعلم، كما تعد نظاما من الأنظمة التي تستخدم في حل بعض المشكلات التربوية المعاصرة وزيادة فعالية المنهج ومساعدة المتعلمين على تغيير سلوكهم وزيادة تحصيلهم للمعارف والمهارات بما يؤدى إلى التكامل وتطوير نموهم.
ولا يعنى أن الوسيلة التعليمية وسيلة تدريسية رئيسية أو كاملة تستخدم بشكل مستقل لأحداث عملية التعلم وذلك لعدم كفايتها منفردة لأداء هذه المهمة الإنسانية المعقدة والمتداخلة والمعلم هو العامل الرئيسي في العملية التربوية وبدونه لا يتم تعين واختيار الوسيلة المناسبة للتعليم؛ مما يستدعى ضرورة أخذ المعلم بمختلف أنواع وسائل التعليم التي تخدم المادة التي يدرسها وبمصادر هذه الوسائل، وبطرق الحصول عليها وكيفية استخدامها. ..وغير ذلك لتنفيذ عملية التعلم بأسلوب مشوق ومتنوع لذلك ليس هناك وسائل تعليم تعتبر أفضل الوسائل ويمكنها تحقيق الأغراض التعليمية كلها ولكن لكل وسيط يرتبط بالغرض من الدرس، ففي موقف تعليمي معين تكون الصورة – مثلا – أفضل الوسائل جميعها، وفى موقف أخر قد يكون النموذج أفضلها وهكذا.
وقد أهتم الإسلام منذ نزوله بوسائل التعليم، كما استخدمها في العملية التعليمية لبناء الشخصية المسلمة المتكاملة معرفيا ومهاريا ووجدانيا وغيرها قال تعالى:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ {} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )[ العلق 1-5] فالقراءة والقلم وسائل تعليم، وهناك كثير من الآيات والأحاديث النبوية التي توجه المعلم والمتعلم إلى استخدام الوسائل في التعليم يمكن من خلالها توضيح وتسهيل المادة العلمية أو المقررات الدراسية والتبصرة على وجود الله ونعمه من خلال النظر في ملكوت السماوات والأرض وما فيها من أسرار.
ومنهج الإسلام يستوعب كل وسيلة من وسائل التعليم المعينة على التعليم والتعلم وجدت أم ستوجد طالما أنها تسهل عليه التعلم وتساعده على تنفيذ المنهج قال تعالى: ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) [ الحج 78].
كما اهتم الإسلام بأدوات الإنسان لاكتساب المعرفة – الحواس، العقل، القلب – لتناسب وسائل التعليم المختلفة، وهناك أدوات لاكتساب المعرفة عنى بها بعض المسلمين صوفية وفلاسفة – وهى الكشف والإلهام والحدث، والمعرفة التي تحصل بهذه الطرق – الكشف الإلهام الحدث – ليست من قبيل المعرفة الاستدلالية أو المعرفة الحسية العقلية لأنها لا تعتمد على المشاهدة الحسية ولا على استدلالات العقل وإنما هي من قبيل العرفان المباشر، ويمكن تسميتها بالمعرفة الوجدانية.
وتعد الحواس أدوات هامة للمعرفة الحسية حيث إنها بمثابة النوافذ التي يطل الإنسان على ما يحيط به كما أنها تقوم بدور هام في العملية التربوية، وتعطيل الحواس عن المعرفة يلحق الإنسان بالحيوانات وقد يكون شرا منها قال تعالى: ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) [ الأعراف 179].
ساحة النقاش