لا يختلف المفهوم الديني كثيرا عما جاء في تعريفات المفهوم إلا بنسبته إلى الدين واتسامه بخصائصه وطبيعته لذلك نرى من يعرفه بأنه " الألفاظ أو العبارات التي استعملها علماء الشريعة لتدل على أمور مشتركة مثل الصلاة، أو خصائص متفقة مثل: المحرمات من النساء، أو تنظيم عالم الأشياء أو الأحداث في قطاعات أصفر مثل: المباحات، أو تدل على فئة من المعلومات مثل: القراءات السبع "أو أنه " ذلك اللفظ الذي يتكون منه حكم شرعي مثل: زكاة الفطر واجبة، أو قاعدة شرعية مثل: إنما الأعمال بالنيات، أو حقيقة دينية مثل: الله واحد، أو مبدأ ديني عام مثل: الشورى أساس العدل أو يثير إحساسات ومشاعر دينية معينة مثل: المسجد والكعبة، وعرفات.. ..
تصنيفات المفاهيم الدينية:
تتنوع المفاهيم الدينية بحسب اعتبارات عديدة، فباعتبار طبيعتها من حيث كونها حسية أو مجردة لها تصنيفاتها، ومن حيث النظر إلى المفاهيم الأولية بها والمفاهيم الثانوية لها تصنيفاتها، ومن حيث المستوى المقدم به المفهوم نجد أيضا تصنيفاتها الخاصة بكونها مفاهيم بسيطة ومفاهيم معقدة، ومن حيث أصالتها وجديتها نجد أنها تتنوع لتشمل مفاهيم أصيلة ومفاهيم مبتكرة، ومن حيث دورها في توجيه سلوك الفرد وتنظيم علاقاته بنفسه وبخالقه وبمن حوله نجد لها تصنيفات أخرى عديدة، ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:
مفاهيم دينية حسية وأخرى مجردة:
ويقوم هذا التصنيف حسب عملية إدراك المفهوم، فالمفاهيم الحسية هي التي يمكن إدراكها عن طريق الحواس، من خلال احتكاك الطفل معها في البيئة، ومن أمثلة هذه المفاهيم، المصحف، الكعبة، المسجد، عرفات، فكلها مفاهيم لها واقع محسوس ومشاهد، أما المفاهيم المجردة فهي التي لا يمكن إدراكها عن طريق الحواس، بل لا بد من قيام الفرد بعمليات عقلية مجردة للوصول إلى دلالاتها اللفظية، ومن أمثلتها في التربية الإسلامية المفاهيم التي ترتبط بعالم الغيب كمفهوم ذات الله تعالى، واليوم الآخر، والجنة والنار، والصراط، والميزان، والبعث، والحشر...فكلها مفاهيم لا يمكن إدراكها بالحواس، وليس لنا من معرفة بها إلا ما أشار به القرآن والسنة.
وينقسم هذا النوع من المفاهيم الدينية إلى:
ـ مفاهيم لها واقع محسوس مشاهد.
ـ مفاهيم لها واقع محسوس غير مشاهد، ولكنها تدرك من خلال الآثار الدالة عليها.
ـ مفاهيم ليس لها واقع مشاهد لكونها متعلقة بعالم الغيب.
مفاهيم دينية أولية وأخرى ثانوية:
وهي تلك المفاهيم الدينية الإسلامية التي لا يمكن اشتقاقها من غيرها، والتي يطلق عليها أيضا مفاهيم رئيسة، كمفهوم الإسلام، والإيمان، والعقيدة، والشريعة، والأخلاق...، أما المفاهيم الثانوية فهي تلك المفاهيم التي تشتق من المفاهيم الأولية، ويطلق عليها أيضا مفاهيم فرعية أو مفاهيم مشتقة، ومن أمثلتها المتعلقة بالعقيدة المفاهيم التالية: مفهوم ذات الله تعالى، وصفاته، والرسل، والوحي، والمعجزة، والكتب السماوية، والملائكة، واليوم الآخر، والجن، والقضاء والقدر، ومن المفاهيم الفرعية التي تندرج تحت الشريعة، وهي تشمل مفاهيم متعلقة بالعبادات، ومنها مفهوم الطهارة، والوضوء، والغسل، والتيمم، والصلاة، والأذان، والإقامة، وصلاة الجمعة، وصلاة العيدين، والصيام، وشهر رمضان، والزكاة، والصدقة، وزكاة الفطر، والحج، والكعبة، والمدينة المنورة، وبيت المقدس، والمسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، ومنى، وعرفات، والمزدلفة، والمشعر الحرام، والصفا والمروة.. . ومفاهيم متعلقة بجانب المعاملات وهي أيضا كثيرة، منها مفهوم البيع، والإجارة، والقراض، والمزارعة والمساقاة، والرهن، والوديعة، والهبة.
أما مفاهيم الأخلاق والآداب فهي أيضا كثيرة، فمن المفاهيم الأخلاقية مفهوم الصدق، والأمانة، والكرم، والتقوى، والحلم، والصفح، والعفو عند المقدرة، والتسامح، والصبر، والإخلاص، والتؤدة، والزهد، والإيثار، والوفاء بالعهد، والشجاعة. ومن المفاهيم المتعلقة بالآداب، مفهوم بر الوالدين، وطاعة الله والرسول وأولي الأمر، والإحسان إلى الجار، والاستئذان، واحترام الكبير، وصلة الأرحام، والرحمة بالصغير، والرحمة بالحيوان والطير، وإلقاء التحية وردها، وتناول الطعام، وغض البصر، وحفظ اللسان والجوارح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
مفاهيم دينية بسيطة وأخرى معقدة:
انطلق المصنفون للمفاهيم الدينية الإسلامية وفق هذا التصنيف من نظرتهم لدرجة تعقيد المفهوم، فالمفاهيم البسيطة عندهم هي تلك المفاهيم التي تتميز بخاصية السهولة عند تعلمها، أو التي يستخدم في تعريفها كلمات مألوفة للمتعلمين، أو هي التي يحصلها الفرد المتعلم عن طريق الخبرات المباشرة أو غير المباشرة من خلال احتكاكه بالظروف المحيطة به، ومن أمثلة هذه المفاهيم: الكعبة، المسجد، المصحف، عرفات، منى، أما المفاهيم المعقدة فهي المفاهيم التي تتميز بصعوبة ما في تعلمها أكثر من المفاهيم البسيطة، ويطلق عليها البعض المفاهيم المجردة، التي يستخدم في تعريفها كلمات غير مألوفة، ومن أمثلتها: الله، الملائكة، القضاء والقدر، اليوم الآخر، الحياة البرزخية، البعث...
ويختلف هذا التصنيف من فرد لآخر بسبب اختلاف خبرات الأفراد المتعلمين وتجاربهم السابقة، فالمفهوم الذي يصنف بأنه معقد لتلميذ الرياض هو بسيط لتلميذ المرحلة الابتدائية، والمفهوم الذي يصنف بأنه معقد لتلميذ المرحلة الابتدائية هو بسيط لتلميذ المرحلة الإعدادية، والمفهوم الذي يوصف بأنه معقد لتلميذ المرحلة الإعدادية هو بسيط لتلميذ المرحلة الثانوية وهكذا، فخبرة الفرد المتعلم يمكن أن تنقل المفهوم من دائرة التعقيد إلى دائرة البساطة في التعلم، فمفهوم عذاب النار يوم القيامة، لا أحد يستطيع أن يعرف كنه هذه النار ولا كنه عذابها إلا ما أخبرنا القرآن الكريم عنه، ومن ثم فهذا المفهوم يعد من المفاهيم المعقدة في الفهم والتعلم بسبب أنه غيب عنا، لكن خبرة الفرد المتعلم بنار الدنيا، ومعرفته لهيئتها، وإحساسه بلسعها، وإدراكه للألم الناتج عنها حين التعرض لها..تنعكس نتائج هذه الخبرة في تحديد معنى مفهوم نار الله يوم القيامة وكيف يكون عذابها ؟ وبذلك ينتقل المفهوم من دائرة التعقيد والتجريد إلى دائرة البساطة بعض الشيء.
مفاهيم دينية أصيلة وأخرى مستحدثة (جديدة):
يقسم البعض المفاهيم إلى قديمة ( أصيلة ) ومبتكرة، حيث يرون أن هناك مفاهيم تعد جزء من ثقافتنا ومن ثم وجب على كل فرد أن يتعلمها ليندمج مع هذه الثقافة، وأن هذه المفاهيم يتعلمها الطفل مبكرًا كجزء من لغته وثقافته، وبالتدريج يستخدمها بصورة مناسبة، ومن أمثلة هذه المفاهيم: الأم، والأب، والأخ، وحقوق الأم، وحقوق الأب، وحقوق الأخوة، والجار...، وهناك مفاهيم أخرى لم تكن موجودة في تراثنا وثقافتنا، إنما استجدت علينا بفعل التطورات المجتمعية المختلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لا يمكن تجاهلها لصلتها بالجانب الديني، وينبغي على الطلاب أن يتعلموها، وأن يقفوا على معرفة حكم الدين فيها، وتتعدد هذه المفاهيم حتى أنها لتشمل الفقه ذاته؛ فبخلاف المسميات التي اصطلح الفقهاء وأهل الاختصاص عليها من تقسيم الفقه إلى فقه عبادات، وفقه معاملات، وفقه الأحوال الشخصية، وفقه السياسة الشرعية.. الخ، ظهرت مسميات أخرى معاصرة للفقه صارت تعرف بين الفقهاء وأصحاب الرأي الفقهي والاجتهاد، انطلقت من النظرة إلى الفقه بحسب الغاية منه، فهناك فقه المقاصد، وهناك فقه المآلات ( النتائج )، وهناك فقه الأولويات، وفقه الأقليات، وهناك فقه النساء، وهناك فقه التغيير، وهناك فقه النوازل والأحداث، وهناك الفقه الحضاري في مقابل الفقه البدوي، وكل مصطلح منها له مفهومه ومدلوله الذي يشير إليه ويعنى به، أما في مجالات الحياة المختلفة فثمة مفاهيم كثيرة استحدثت؛ ففي مجال الطب دخلت مفاهيم كثيرة لها علاقة بالدين وجب بيان رأي الشرع فيها، مثل مفهوم الاستنساخ، مفهوم التلقيح الصناعي، مفهوم الإنجاب بما يسمى أطفال الأنابيب، ومفهوم التشريح للجسد بعد الوفاة؛ من أجل التعلم ومن أجل معرفة سبب الوفاة، ومفهوم نقل الأعضاء الآدمية، ومفهوم بنوك الألبان الآدمية والحيوانات المنوية، ومفهوم البصمة الوراثية، ومفهوم خرطنة الجينات، ومفهوم زرع الخلايا والأعضاء البشرية، ومفهوم جراحات التجميل، وفي مجال السياسة تواترت مفاهيم كثيرة مستحدثة، منها مفهوم المواطنة، ومفهوم الاشتراكية، ومفهوم الديمقراطية، والفرق بينهما وبين مفهوم الشورى، ومفهوم حقوق الإنسان، ومفهوم اللجوء السياسي، ومفهوم الجنسية، ومفهوم الإرهاب، والفرق بينه وبين كل من مفهوم المقاومة ومفهوم الجهاد، ومفهوم حق تقرير المصير، ومفهوم العولمة، ومفهوم حوار الحضارات، ومفهوم حوار الأديان، ومفهوم الحوار الحضاري، ومفهوم الخطاب الديني، ومفهوم التكفير والهجرة.. الخ، وفي المجال الاجتماعي هناك مفاهيم استحدثت، منها مفهوم تنظيم الأسرة، والفرق بينه وبين مفهوم تحديد الأسرة، ومفهوم الزواج الموثق ومفهوم الزواج العرفي ( غير الموثق )، ومفهوم الإدمان، ومفهوم التدخين، ومفهوم القضاء الشرعي، ومفهوم العمالة الوافدة، وفي مجال الاقتصاد برزت أيضا مفاهيم اقتصادية ذات أبعاد دينية كمفهوم الاستثمار والادخار، ومفهوم شهادات الاستثمار، وفوائد البنوك، والقروض البنكية، والمضاربة، والتعامل في الأوراق المالية من خلال البورصة، والسندات والأسهم البنكية، ومختلف صور المعاملات البنكية الأخرى، فكل هذه مفاهيم مستجدة لم يألفها الطلاب من قبل، ومن الواجب معرفتها ومعرفة حكم الدين فيها.
مفاهيم ذات أبعاد دينية:
وإكمالا للموضوع نقول بأن هناك مفاهيم أخرى ذات أبعاد دينية يمكن تقسيمها إلى مفاهيم سياسية ذات أبعاد دينية، مفهوم التطرف، والإرهاب، والحرية الفكرية...، ومفاهيم اقتصادية ذات أبعاد دينية، كمفهوم المعاملات المصرفية، وشهادات الاستثمار، والتأمين، والزكاة والضرائب، وتجارة العملة، والبيع بالتقسيط...، ومفاهيم اجتماعية ذات أبعاد دينية، كمفهوم الإدمان، وتنظيم النسل، وتحديد النسل، والتدخين، ...ومفاهيم علمية ذات أبعاد دينية، كمفهوم التلقيح الصناعي، وأطفال الأنابيب، والتشريح لمعرفة سبب الوفاة، والتشريح لأغراض علمية، ونقل الأعضاء الآدمية، وبيع الأعضاء الآدمية، ونقل الدم، وجراحات التجميل، والإجهاض...
تكوين المفهوم الديني:
لقد وردت في هذا الشأن عدة مصطلحات، نذكر منها على سبيل المثال: "تشكيل المفهوم" و"تكوين المفهوم" و "اكتساب المفهوم" و "تعليم المفهوم" فهل المفاهيم الأربعة بمعنى واحد، أم أن لكل مفهوم دلالته التي تغاير غيره؟ إن الواقع يشير إلى أن البعض من التربويين يفرقون بين عملية تكوين المفهوم واكتسابه، فعملية اكتساب المفهوم لديهم تعني أن المتعلم ليست لديه معرفة بالمفهوم من قبل، أي أنه ليس لديه خبرة سابقة فيه، في حين أن عملية تكوين المفهوم تعني تثبيته لديه باستخدام طرق واستراتيجيات عديدة. أما عملية تشكيل المفهوم فهي كما يرى"أوزابل" "عملية الاكتشاف الاستقرائي للخصائص المحكية أو الصفات المميزة لمجموعة من المثيرات، وتندمج هذه الصفات المميزة في تشكيل الصورة الذهنية للمفهوم، وهي صورة ينميها الطفل من خبرته الفعلية بالمثيرات أو الأمثلة الخاصة، ويمكنه استدعاء هذه الصورة حتى في غياب أمثلة المفهوم، وتعتبر هذه الصورة معنى المفهوم نفسه، إلا أن الطفل في هذه المرحلة قد لا يستطيع تسمية المفهوم، وتعتبر هذه الصورة معنى المفهوم نفسه.
وتجدر الإشارة إلى أن الحواس الخمس تلعب دورا ملحوظا في تكوين المفاهيم الدينية وتشكيلها عند الأفراد خاصة في المراحل الأولى من حياتهم، فعن طريق هذه الحواس يبدأ الطفل في الاحتكاك ببيئته، والتعرف على الأشياء والمواقف بصورة حسية، وهذا الاحتكاك يساعده في تشكيل الصورة الذهنية لكثير من المدركات، وبالتالي تتكون لديه المفاهيم المتعلقة بهذه المدركات.
فالطفل بعد أن يتعرف على الأشياء والمواقف بصورة حسية من خلال احتكاكه بالبيئة، يبدأ في استخدام العمليات العقلية حيث يبدأ عن طريق الإدراك والاختيار والتصنيف في تصنيف الأشياء التي تعرف عليها من قبل في مجموعات أو فئات، حتى يصل إلى المفهوم المراد تكوينه، ثم يأتي دور المؤسسات التعليمية لتخلق مواقف تجريبية يستطيع التلميذ من خلالها التمييز فيها بين المفاهيم الدينية.
وينبغي ألا ننسى أن للغة دور في تكوين المفاهيم الدينية عند الأفراد، يقول "فتحي يونس 1984": "إن اللفظ اللغوي يقوم بدور الوسيلة في تكوين المفهوم أولا، ثم يصير فيما بعد ـ أي اللفظ ـ علامة على المفهوم، ومن المعروف أن المفهوم يتم نتيجة للنشاط العقلي المعقد الذي تتوافر فيه كل الوظائف العقلية الأساسية، أي يحتاج في تكوينه إلى التصور والانتباه والربط والاستنتاج والتجريد، وهذه العمليات كلها مهمة لكنها غير كافية بدون استخدام الكلمة أو الرمز اللغوي، وهذه الوسيلة التي نوجه بها عملياتنا العقلية ونضبط مجراها لحل المشكلات التي تواجهنا.
وتتشكل كثير من المفاهيم الدينية الإسلامية عند الأطفال في السنوات الأولى من حياتهم، أي قبل التحاقهم بالمدرسة، من خلال الخبرات المباشرة وغير المباشرة التي يمرون بها، ومن خلال تقليد الأسرة ومحاكاتها، فالطفل في مرحلة الرياض يمر غالبا بما يعرف بمرحلة التصور الخيالي للمفاهيم الدينية، فهو يسمع عن الله وعن الملائكة وعن الجن وعن النار وعن الجنة... على الرغم من أن هذه المفاهيم وغيرها الكثير لا تقع في دائرة ما يسمعه أو يراه، ومن ثم فهو يتخيل ويتصور هذه المفاهيم بحسب ما يسمعه عنها، فإذا كان ما يلقى إليه عن الله أنه يعذب ويقسو ـ كما يسرف في ذلك كثير من الناس تخويفا للأطفال ـ كانت الصورة مرعبة مخيفة، أما إذا كانت الصورة التي تنقل إليه عن الله أنه الخالق المنعم، وأنه رحيم ويحنو على عباده كانت الصورة الخيالية عند الطفل محبوبة.ويتضح من ذلك أن تكوين المفاهيم الدينية يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها الفرد المتعلم، فكلما كان أفراد بيئة الطفل على علم ودين كلما كانت مفاهيمه ومدركاته عن الدين صحيحة، وكلما كانت أسرة الطفل أو ما يحيطون حوله من أنصاف المتعلمين أو ممن خيم الجهل عليهم كلما كانت مدركات الطفل ومفاهيمه عن دينه غير صحيحة وتحتاج إلى تصويب.
ساحة النقاش