الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

authentication required

يمكن أن نحدد للفلسفة التربوية الإسلامية مجموعة من المقومات والشروط منها: -

-      أن تتمشى مبادئها ومعتقداتها ومحتويتها مع روح الإسلام والفهم الواعي السليم بعقائده وتعاليمه وتشريعاته.

-  أن ترتبط بواقع المجتمع وثقافته ونظمه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومطامع الناس وآمالهم واحتياجاتهم ومشكلاتهم.

-  أن تنفتح على جميع التجارب الإنسانية الصالحة من خلال هذه التجارب والاستفادة بالممارسات التربوية الصحيحة والمناسبة لمجتمعنا ووقعنا.

-  أن يأتي بناؤها نتيجة لتجربة طويلة ناجحة، ولدراسة عميقة واسعة لمختلف العوامل والجوانب في الحياة، ولمختلف العلوم وفروع المعرفة والخبرة الإنسانية، وأن تتفق مع سائر نتائج الأبحاث والدراسات الصحيحة في داخل المجتمع وخارجه، على أن يستفاد مما يناسب الواقع وإمكانياته وظروفه.

-  أن تشمل جميع العوامل الروحية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية والنفسية التي من شأنها أن تؤثر في العملية وفى المجهود التربوي، وأن تحتوى على مقدار واسع من المبادئ والمعتقدات الكافية التي لتوجيه كافة جوانب العملية التربوية من تحديد الأهداف التربوية ووضع المناهج الدراسية، واختيار طرق ووسائل التدريس والتوجيه والتقويم التربوي وأساليب الإدارة التربوية، وتوفير المناخ النفسي والجو التعليمي المناسب وإعداد المدرسين، واستمرار تدريبهم إلى غير ذلك من الجوانب التربوية التي ينبغي أن تشملها مبادئ الفلسفة التربوية.

- ينبغي أن تكون هذه الفلسفة التربوية انتقائية، تختار الضروري والمهم وبما يتفق مع روح الدين، ولا تقيد نفسها بوجهة نظر تربوية معينة أو اتجاه تربوي معين، بل تأخذ الصالح والمناسب من وجهات النظر والفلسفات والاتجاهات التربوية المختلفة وتهتم بالحقائق الكبرى في المجال التربوي، بحيث تكون كلا متكاملا متناسقا خاليا من التناقض والتنافر والصراع الشديد بين أجزائه.

- أن تخلو من التناقض والتضارب بين المبادئ والمعتقدات التي بُنيت عليها، بالإضافة إلى حدوث توافق بين أطرها النظرية وما تحويه من قيم ومبادئ بنيت عليها هذه الفلسفة  وبين التطبيق العملي لهذه الفلسفة.

- عدم التنافر بين المبادئ والمعتقدات وبين المناهج والبرامج والطرق والأساليب التعليمية المطبقة فعلا في مؤسساتها التعليمة.

- سلامة فروضها ومسلماتها وأفكارها التي أقيمت عليها، وعمق جذورها مع تقسيمها بدقة ووضوح وأن تكون محاولة جادة للتفكير التربوي السليم العميق الواضح. فبقدر سلامة وصحة وعمق ووضوح فلسفتنا وأهدافنا التربوية وبقدر إيماننا بهذه الفلسفة والأهداف تتسق مجهوداتنا التربوية وتنطلق طاقاتنا دون قيد أو تشتت.

- يجب أن تتسم الفلسفة التربوية الصالحة بالواقعية وعدم الغلو في المثالية أو اللفظية، إذ يجب أن تنتقل من مجرد تشخيص الواقع إلى تغير وإعادة تشكيله.

- أن يتم تحديدها بصورتها النهائية عن طريق العمل التعاوني الجماعي والذي  يشترك فيه أكبر عدد من المتخصصين والمشتغلين في مجال التربية من خبراء وأساتذة جامعة ومستشارين ومعلمين وطلاب إلى غير ذلك، بل وفى جميع المجالات من أباء ورجال دين ورجال أعمال وفنانين.. .إلخ، وأن يواكب العمل الجماعي أحدث ما يتم من خلاله الاجتماعات ومنها المؤتمرات القومية والندوات العملية وورش العمل والحلقات الدراسية التي تعقد عادة لفترة محدودة من الزمان وذلك للنظر في مراجعة بعض الكتب المقروءة أو لوضع النشطة التعليمية المناسبة لتلك المناهج أو غير ذلك من الأعمال التربوية.

- أن تتصف بالدنياميكية " وأن تكون مرنه قابلة للتعديل والتغير والتطوير في ضوء ما يَجِدُّ من أبحاث ودراسات في المجالات التربوية المختلفة، وما يَجِدُّ في الدين من اجتهادات صائبة، وفى ضوء النتائج التي تسفر عنها التجربة العملية في حقل التعليم داخل القطر وخارجه.

هذا وترتبط التربية بكافة محاورها: فلسفة، أهدافا ومناهج، ووسائل  تعليمية، واستراتيجيات تدريس، وتقويما بالكون وبكل ما فيه من مظاهر. والفيلسوف التربوي له نظرة خاصة لهذا الوجود هذه النظرة ذات تأثير في سائر أفكاره وتطبيقاته التربوية.

والتربية السليمة تعد المبادئ والمعتقدات الخاصة بمفهوم الكون وطبيعته وعلاقة جوانبه بعضها العض جزءا من محتويات فلسفتها التي تسترشد بها، وهى تقيم عليها غاياتها وأهدافها ومناهجها وخططها وطرقها وأساليب ممارستها، لتنمى لدى الأفراد الإيمان بالوجود الإلهي وما يرتبط به من عقائد إيمانية أخرى، وهى تزيد الوجود من جهة أخرى وضوحا لكثير من العلوم الإنسانية والطبيعية التي تتضمنها مناهجها الدراسية في مختلف مراحل التعليم، وهى تأخذ من السنن الكونية والقوانين الطبيعية خير موجه لها في عمليات تخطيطها لمناهجها، وفى اختيار وسائلها التعليمية التدريس وطرق واستراتيجيات التعامل مع المتعلمين في ميادينها المختلفة ولأن الاهتمام الأساسي للتربية هو الوجود البشرى في شكل الفردي و الاجتماعي وفى مظاهره المختلفة، فإنها تسعى جاهدة لنموه وترقيته وتطويره إلى ما هو خير وأفضل، أما الوجود الإلهي فاهتمام التربية يكاد ينحصر في محاولة بناء الإيمان الصادق الصحيح بالله تعالى باعتباره مصدر الوجود لكافة المخلوقات و هناك بعض المبادئ والمعتقدات التي يجب أن نعرضها وهى ذات صلة بالوجود البشرى وطبيعة الكون وهى: -

1-  التربية تتحقق عن طريق تفاعل الفرد مع الكائنات والأشياء المحيطة به ومع البيئة المحيطة به والتي يعيش فيها وتربية البشر وأخلاقهم لا تتأثر فقط بعوامل البيئة الاجتماعية والطبيعة، ويؤكد هذا اختلاف طباع وأخلاق وعادات وتقاليد وأساليب حياة السكان في البيئات الطبيعية المختلفة، وما نلاحظه أيضا من اختلاف بين المجتمعات الحضرية والريفية والبدوية، وأيضا بين المجتمعات الصناعية والمجتمعات الزراعية.

2-  الإنسان يعد أحد عناصر الكون بل له مرتبة عالية وخاصة وهى أنه "خليفة الله " إذ انه أحدثها وجودا وأعظمها قوة وفاعلية في عمارة الكون وازدهاره المستديم، لأن خواص الإنسان الكامنة في طبيعة خلقه تنطوي على حقيقة الكون بأسره، فتكوينه مركب من جميع عناصر الكون، وهو بذلك عالم في ذاته.

3-  الوجود الممكن مادة وروح لا كما يقول الوجوديين مادة فقط، ولا الروحيون المتطرفون روحا فقط، ومن ثم فإن العالم نوعان الأول: عالم إعادة والواقع المادي المحسوس الذي  يمكن إخضاعه حاضرا أو مستقبلا للملاحظة والتجربة الحسية، والعالم الثاني وهو: عالم الروح الذي  هو عالم الخير والجمال والمثل العليا الذي  يلوذ به الإنسان من وطأة الواقع المادي ليجد فيه راحته النفسية، وعالم الروح هو العالم الذي  يدعو إليه الدين ويصوره عالما خيرا أسمى من الدنيا الواقعة، وفى نفس الوقت لا يطلب من الأفراد إهمال الدنيا بل يدعوه إلى الاهتمام بالنوعين معا لأن الحياة الكاملة لا تتحقق إلا من خلال الاثنين معا.

4-  الكون بجميع مظاهره ومحتوياته متغير وفى حركة دائبة مستمرة حسب السنن ا: " الجهد المبذول في سبيل مساعدة الكائن البشرى على كشف وتفتيح والغاية المرسومة من خالقه، ولا يشترط أن تكون الحركة دائما من سيئ إلى حسن ومن حسن إلى أحسن بل هو تغير ليس غير، ومن ثم فإن فكرة التطور ينبغي أن يسلم بها في حدود معينة وبدون إطلاق.

5-  العالم من حولنا يسير وفق سنن ونواميس معينه ودقيقه، وحسب علاقات منتظمة وحدة التدبير والنظام، وهذه دعوة الإسلام للمسلمين للاهتداء بقلوبهم وعقلهم معا لا بمجرد عقلهم فقط ليعرفوا أن حركة الحياة متسقة في كل شيء وتعبر عن كون واحد وإن لم يكن مرئيا ولا محسوسا ومن هذه السنن سنن كونية }  وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {( يسن 38 )وسنن إدارية  } إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن    {(الرعد 11).

6-  وجود علاقة ثابتة بين الأسباب ومسببتها، وهذا هو قانون من قوانين الطبيعة، وأن السبب المادي المباشر إنما يرجع إلى الله تعالى } وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا { (مريم 25 ).

  الطبيعة ليست عدوا للإنسان، ولا هي عقبه في سبيل تقدمه، بل هى خير معين لتقدمه ونفعه وخدمته إذا ما استطاع اكتشاف نواميسه وكنوزها والانتفاع بذلك } يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ {(الرحمن  33).

7-  العالم من حولنا محدث غير قديم بكل ما فيه من عناصر وأجسام ولا يوجد دليل يكفى للبرهان على قدم العالم وأزليته.

9- لابد لهذا العالم من موجد خارجا عنه مستقلا عنه وأن يكون كاملا مطلقا كمالا مطلقا }  قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد   ~اللَّهُ الصَّمَدُ ~ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ~ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ  { ( الإخلاص).

10-أن الله تعالى الذي  يرجع إليه وحده خلق هذا العالم ويتفرد بالإلوهية، وبكل خصائص الإلوهية، وهو متصف بصفات الكمال ومنزه عن كل نقص }   أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) { الزمر 3 ).

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 1629 مشاهدة
نشرت فى 28 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,643,559