الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

authentication required

مقدمة:

يعرض هذا الفصل لموضوع فلسفة التربية الإسلامية من حيث؛ مفهوم الفلسفة ومكوناتها والفلسفة العامة في الحياة، وخصائص الفيلسوف التربوي. ثم يوضح أهمية وجود فلسفة تربوية ومصادر اشتقاق الفلسفة الإسلامية للتربية ومقومات هذه الفلسفة التربوية. كذلك يوضح خصائص الإنسان حسب المفهوم الإسلامي، كل ذلك كمدخل لدراسة التربية الإسلامية وطرائق تدريسها. 

مفهوم الفلسفة:

يمكن تعريف الفلسفة بأنها "محبة الحكمة" وتعرف أيضا بأنها: "البحث عن الحق والحقيقة، وتعرف أيضا بأنها: "محاولة معرفة الموجودات على ما هي عليه بقدر الإمكان ".وفى تعريف آخر هي: " التساؤل عن قيمة كل ما يحيط بالإنسان في الكون وحياة والإنسان وبوجود خالق الكون والحياة الإنسان وبطبيعة القيم الإنسانية، ويمكن أن نقول بأن الفلسفة هى:  العلم الذي يبحث في ثلاثة مباحث أو مشكلات رئيسية وهى مشكلة الوجود، ومشكلة المعرفة، ومشكلة القيم.

ويذكر قاموس( ويستر Webster)أن مصطلح الفلسفة يستخدم للدلالة على أكثر من معنى من بينها "دراسة الأسباب والعلاقات التي تتصل بالأشياء والأفكار أو النظرية التي يقوم عليها أو ينطلق منها أحد مجالات الفكر البشرى أو النشاط الإنساني.

ولا يقتصر وجود الفلسفة على الفلسفة العامة، بل هي ممكنة الوجود وضرورية أحيانا بالنسبة لكثير من الأشخاص الآخرين غير الفلاسفة بشكل عام. وممن يجب أن تتوفر لديهم تلك الصفات والاهتمامات المربى الصالح والفيلسوف التربوي، الذي يبحث عن الحق والحقيقة في المسائل والمشكلات التي لها صلة بالعملية التربوية، ويسعى جاهدا لتأصيل المفاهيم التربوية ولمعرفة الأسباب الحقيقية للمشكلات التربوية، بالإضافة إلى موجهات العملية التربوية، من قيم وأهداف وغير ذلك.

مكونات الحكمة:

للحكمة مجموعة من المكونات يمكن أن نوجزها في التالي:

-           الشمول: حيث يقدر الفرد كل المعلومات الممكنة ولا يقتنع بميدان واحد للخبرة بل يهتم بجميع الميادين.

-    النظرة الواسعة "اتساع النظرة": وهى تلك النظرة التي تمكن الفرد من أن يرى الأشياء في مجال أوسع ويقدر مغزاها الحقيقي.

-    امتلاك البصيرة: حيث يعرف الإنسان أن الأشياء ليست دائما كما تبدو عليه في الظاهر، وأن ما يبدو تافها في بعض الأحيان قد يكون الحقيقة ذا أهمية عظيمة والعكس صحيح.   

-    النظرة التأملية: وهى تلك النظرة التي ترفع صاحبها فوق مستوى المطالب والاحتياطات العادية العاجلة؛ حيث يبحث عن المفاهيم والمبادئ التي توضح وتفسر تفسيرا له مغزاه

-    تطبيق المعرفة: إن تطبيق ما وصل إليه الإنسان في أرض الواقع مع حسن التصرف في التطبيق، يجعل الإنسان يعرف ما يريد ويؤمن بأداء رسالته إيمانا حارا يدفعه لتأدية رسالته على أكمل وجه.

والحكمة بهذا الوضع يحتاجها كل من كانت له قيادة فكرية أو تربوية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية وعلى رأس هؤلاء المعلم.

-    المعلم الحكيم: هو المعلم الذي يحسن تنمية مواهب طلابه ويوجهها نحو الخير في جو من المحبة الأيوبية والعلاقات الاجتماعية الصحيحة. يحدد ما يريد، ويؤمن بأداء رسالته إيمانا حارا يدفعه إلى تأدية رسالته على الوجه الأكمل.

الفلسفة العامة في الحياة:

 يمكن تعريف الفلسفة العامة في الحياة بأنها وجهة النظر، أو طريقة الحياة أو مجموعة المبادئ التي يدين بها الشخص في حياته ويسترشد بها في تصرفاته واختباراته وأحكامه.

الفيلسوف التربوي:

الفيلسوف التربوي هو ذلك الشخص الذي يحاول البحث عن الحق والحقيقة في المسائل والمشكلات التي لها صلة بالعملية التربوية، ويسعى جاهدا لتأصيل المفاهيم التربوية، ولمعرفة الأسباب الحقيقية للمشكلات التربوية، كما أنه يحاول أن يتساءل عن كل ما يمكن أن يوجه العملية التربوية من قيم وأهداف وما إلى ذلك. والفيلسوف التربوي يخطط بحكمة لجعل العملية التربوية والجهود التربوية في الأمة في المستوى الذي  يعد الأجيال الصاعدة والمواطنين بصورة عامة للإيمان الصحيح بربهم وخالقهم بكل ما أوحى به الخالق من رسالات من تعاليم سامية على رسله الكرام، ويمكنهم من الفهم الصحيح لطبيعة الكون المحيط بالإنسان، وللعلاقة التي تربط هذا الكون بخالقه من جهة والتي تربطه بأخيه الإنسان من جهة أخرى، ويعرفهم بأنفسهم وقيمهم في هذه الحياة، وبالدور الذي  يمكن أن يقوموا به أو الذي يجب أن يقوموا به في هذه الحياة لتطوير حياتهم وتغير أوضاع حياتهم إلى ما هو أفضل، كما أن الفيلسوف التربوي هو ذلك الشخص الذي  يمكن الآخرين من اكتساب المعارف الصحيحة السليمة في كافة مجالات حياتهم، ويهذب أخلاقهم وأذواقهم الفنية والجمالية، وينمى لديهم الاتجاهات نحو احترام الحق، ويعرفهم بخصائصه ومقوماته ومصادره وطرق الوصول إليه.

 

خصائص الفيلسوف التربوي:

لا بد أن تكون لدى الفيلسوف التربوي فكرة صحيحة وشاملة عن الوجود بجوانبه المختلفة الإلهي والإنساني والطبيعي والمادي والاجتماعي، بالإضافة إلى وجود هذه الفكرة عن مبحث المعرفة وقيمة الجـمال وقيمة الحق كما ينبغي أن يتصف بالتالي:

-    أن يكون له وجهة نظر محددة في الحياة يدين بها وترشده في حياته العامة على أن تتضمن مجموعة من المسلمات والفروض والمبادئ والمعتقدات السليمة والصحيحة.

-    أن يمتلك وجهة النظر التربوية ذات المضامين التطبيقية، والتي يسترشد بها في عمله ونشاطه التربوي، وفى مواجهة المشكلات التربوية التي تصادفه.

أهمية وجود فلسفة تربوية.

إن تحديد فلسفة تربوية يعد ذا أهمية بالنسبة لأي نظام تعليمي، فلسفة تربوية تغذى النظام التعليمي بالجدة والابتكار والإبداع في عالم يسابق العلم ومنجزاته. فلسفة تربوية ترشد سير المخططين والعاملين في حقل التربية والتعليم وتعطى أعمالهم صيغة العمل الحكيم الهادف، وتربط جهودهم التربوية بالفلسفة العامة لبلادهم وأوقاتهم، تجنبهم التخبط واللجوء إلى الحلول العاجلة المؤقتة في معالجة المشكلات التعليمية.

الفوائد التي تعود على المجتمع عند تحديد فلسفة تربوية:

إن وجود فلسفة تربوية رشيدة تحكم العملية التعليمية والفكر التربوي يمكن أن يعود بالعديد من الفوائد على الفرد والمجتمع منها أنها:

-    تساعد المخططين للتعليم والقائمين على إدارة دفة العمل التعليمي وفق فكرة سليمة عن طبيعة العملية التربوية وغاياتها ووظائفها، وعلى رفع مستوى معالجتها للمشكلات التربوية ومستوى تصرفاتهم وأحكامهم وقراراتهم وخططهم التربوية، وعلى تحسين مستوى ممارساتهم وأحكامهم التربوية، وتحسين طرقهم وأساليبهم في التدريس والتقويم والتوجيه والإدارة.

-    تعطى هذه الأعمال صيغة العمل الهادف وتجعل لها بعدا فكريا وفلسفيا وتربط بين أوجه النشاط والجهود التي يبذلونها في سبيل تحقيق أهداف التعليم.

-    تساعد على رؤية العملية التربوية في علاقاتها وارتباطاتها بسائر القوى الثقافية والاقتصادية والسياسية وأهدافها في الإطار الثقافي بما فيه من تماسك وتفكك، وما فيه من رواسب "تقليدية" واتجاهات من خلال زاوية عريضة ينظر منها للتربية ويفحص من خلالها المشكلات ويقوم النظريات والمواقف والمجهودات التربوية.

-    تكون الأساس الذي  في ضوئه يمكن تحديد أهداف التعلم العامة والخاصة وتوضع مناهجه وتختار طرق ووسائل التدريس المستخدمة في مدارسه ومعاهده وكلياته ومؤسساته، وتحدد السياسة والاتجاهات والأساليب التربوية، وترسم والخطط التربوية بجميع أنواعها ومستوياتها.

-    تكسب العملية التروية الاحترام والتقدير من قبل الطلاب والمعلمين والعاملين في حقله، وتعطيهم السند العقلي الذي  يعتمد عليه في الدفاع عن أعمالهم وعما يقومون به في المجال التربوي والتعليمي تطبيقا لتلك الفلسفة، وتوجههم وسط هذا الخضم من التيارات الفكرية والفلسفية العامة التي تسود عالمنا المعاصر، ووسط وجهات النظر التربوية المختلفة، ويساعدهم على الإجابة على كثير من الأسئلة التي في أذهانهم.

-    تجعل النظام التعليمي له طابعه الخاص وشخصيته المتميزة المتمشية مع مبادئ وقيم أمتنا العربية الإسلامية، ومع ثقفتنا وظروفنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومع متطلبات العصر الذي  نعيش فيه. فهي تساعد على إعطاء تعليمنا عمقا فكريا، وتربطه بالعوامل الروحية والثقافية والاجتماعية في بلادنا بالسياسات التي رسمناها لأنفسنا في شتى مجالات الحياة.

-    تحقق الفلسفة التربوية مفهوم التقويم التربوي في معناه الشامل، والذي  يتسع ليشمل كل عمل ونشاط تقويم به المدرسة والمؤسسات التعليمية بصورة عامة في سبيل تربية النشء والمواطنين، وكل الجوانب الأخرى. والتقويم يتطلب مقاييس ومعايير علمية، ومن المعروف أن المقاييس الطبيعية لعملية التقويم المدرس والتربوي هي المبادئ العامة التي تتكون منها الفلسفة التربوية، والأهداف التربوية العامة والخاصة فأي برنامج مدرسي، أو طريقة تدريس، أو وسيلة تعليمية أو خدمة مدرسية، أو إجراء إداري أو تخطيط تعليمي يمكن أن تقاس صلاحيته وقيمته بمدى تمشيه مع الفلسفة التربوية المحددة والأهداف التربوية المرسومة، وبمدى نجاحه وفعاليته في تطبيق تلك الفلسفة وتحقيق هذه الأهداف.

ومما لاشك فيه أن وجودنا في مجتمع عربي مسلم يتطلب أن تكون فلسفتنا التربوية التي تقودنا داخل المؤسسات التربوية والتعليمية تنطلق من مجموعة الخصائص والقيم والاتجاهات والمعتقدات وهوية الأمة وتراثها وهذه الفلسفة هي ما يمكن أن نطلق عليها الفلسفة الإسلامية.

مصادر اشتقاق الفلسفة الإسلامية للتربية:

تشتق الفلسفة التربوية الإسلامية من العديد من المصادر وهى:  

1-  خصائص نمو المتعلمين الجسمية والعقلية والمزاجية والانفعالية والروحية وحاجتهم ودوافعهم المختلفة، وطبيعة وخصائص قدراتهم وعملياتهم العقلية المختلفة من إدراك، وتذكر وتصور وتخيل وتعلم وتفكير، ومن معطيات الأبحاث العملية الصحيحة المتعلقة بطبيعة الإنسان وتكوينه وعمليات نموه المختلفة.

2-  القيم والتقاليد الاجتماعية الصالحة التي تجعل للمجتمع طابعة الإسلامي العربي المتميز والتي لا تقف في طريق تقدمه ومسايرته لروح العصر، وحاجاته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع والفروض والمسلمات ونتائج الأبحاث والدراسات المتصلة بطبيعة المجتمع، وبطبيعة الثقافة والحضارة وطبيعة العلاقات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، وبطبيعة التغير الاجتماعي والثقافي والإصلاح الاجتماعي والثورة الثقافية والاجتماعية والدور الذي  يمكن أن تقوم به المؤسسات المختلفة في عمليات التغير الاجتماعي، وفى صنع التقدم وإعادة البناء الاجتماعي.

3-  نتائج الأبحاث والدراسات التربوية والنفسية المتعلقة بطبيعة العملية التربوية وبغايات التربية ووظائفها في عمليات النمو الثقافي والاجتماعي و الاقتصادي و السياسي والروحي للمجتمع، والمبادئ والمعتقدات والفروض التي تقوم عليها الفلسفات التربوية الحديثة، شريطة أن تكون متمشية مع روح الشريعة الإسلامية. بالإضافة إلى تجاربنا وخبراتنا الخاصة في المجال التربوي، لاسيما تلك التجارب التي خاضتها أمم ودول تتشابه في ظروفها وثقافتها وإمكانياتها مع ظروفنا وثقافتنا وإمكانياتنا. ويجب أن نطلع على الثقافات والعلوم والتجارب الإنسانية ونمتص منها كل ما ينفعنا ويتمشى مع قيم ديننا الحنيف وظروفنا وإمكانياتنا ولا يقتلعنا من جذورنا الثقافية أو يشككنا في مقدرتنا وشخصيتنا الإسلامية العربية. والإطلاع على هذه التجارب وعلى النتائج التي أسفرت عنها يمكن أن يتم بواسطة عدة طرق من بينها قراءة ما كتب عنها في الكتب والنشرات والمجلات التربوية والعملية، والزيارة والإطلاع الشخصي على نتائج هذه التجارب وسير العمل بها في مؤسسات هذه الدول.

4-  المبادئ التي تقوم عليها الفلسفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تطبقها البلاد، ومواثيق ومبادئ المنظمات الإقليمية والدولية التي تنضم إليها البلاد وما ينطوى تحت هذه المنظمات من منظمات فرعية لها مبادئ ومواثيقها وأهدافها، وتضمن الصالح من تلك المواثيق والمبادئ في فلسفة تعليمنا وأهدافه وخططه ومناهجه لتحويلها إلى واقع عملي.

هذا ولا بد وأن ترتبط هذه المصادر والعوامل جميعا بمصدر أساسي ألا وهو الإسلام وما يتضمنه من عقائد صحيحة تقبلها العقول السليمة والفطرة البريئة وتطمئن إليها النفوس الصافية من كل دنس، بالإضافة إلى كل ما تشتمل عليه من مبادئ وتشريعات وتنظيم لعلاقات الإنسان بربه وبكل ما في هذا الكون الواسع من عناصر وأجزاء مادية ومعنوية، وما يشمل عليه من قيم روحية وخلقية تشمل الحياة الإنسانية والسلوك الإنساني بكافة جوانبه؛ حيث يشمل خيري الدنيا والآخرة وينظم شئونها، كما وأن في عالميته التي تجعل منه دينا صالحا لكل بني البشر مهما تباعدت مساكنهم واختلفت أجناسهم، واستيعابه جميع متطلبات العصر الحديث المعقولة وعلى مواكبة كل تقدم ثقافي وحضاري واقتصادي حقيقى، وإرضائه وتحقيقه لكافة الاحتياجات والمطالب اللازمة للفرد والمجتمع والأمة، وبالتالي فهو مصدر صالح لاشتقاق فلسفتنا العامة والتطبيقية في مجالات التربية والتنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

إن الرجوع إلى هذه المصادر جميعا يعنى أن عملية بناء الفلسفة التربوية ليس أمرًا سهلا بسيطا، بل يحتاج إلى اطلاع واسع ودراسة متعمقة يمكن أن تتم لإحداث توفيق بين كل هذه المصادر السالفة الذكر وبين تعاليم الإسلام وذلك بغرض بناء فلسفة إسلامية لنظامنا التربوي.

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 5041 مشاهدة
نشرت فى 28 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

omaar

السلام عليكمدكتور
انا اؤيد حضرتك نحن بحاجة الى وجود فلسفة تربوية واضحة لاعداد الانسان في وطننا العربي الكبيروكذلك الى الرجوع الى الى ما ادعا اليه ديننا في الجودة والاتقان في التربية بصورة عامة
تحياتي بارك الله بجهودكم

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,643,475