الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

تستمد التربية الإسلامية خصائصها ومميزاتها من خصائص الإسلام ومميزاته (1) ذلك لأن العلاقة بين الإسلام والتربية الإسلامية علاقة وثيقة، فالإسلام دين يقوم على العقيدة الراسخة وعلى العبادة الخالصة لله وهو دين يدعو إلى الأخلاق الكريمة ويجعلها دعامة التعامل بين أفراد المجتمع الواحد، وهو دين يحث على التفكير والنظر ويدعو إلى العلم والعمل وأثنى على الذين يعملون بما يعلمون في مواطن كثيرة من القرآن وتتلخص خصائص التربية الإسلامية فيما يلي:

1- ربانية المصدر والمنهج:

الربانية هي أول خصائص التصور الإسلامي، ومصدر هذه الخصائص كذلك فهو تصور اعتقادي موحى به من الله - سبحانه وتعالى- ومحصور في هذا المصدر لا يستمد من غيره وذلك تميزاً عن التصورات الفلسفية التي ينشئها الفكر البشرى حول الإلهية أو الحقيقة الكونية أو الحقيقة الإنسانية، وكذلك التصورات وينفى المصدر الإلهي الذي  جاءنا بهذه التربية وهو القرآن الكريم على أنه كله من عند الله، هبة للإنسان من لدنه، ورحمة له من عنده أن الرسول ( r ) تلقاه ليهتدي به ويهدى، ولا تعنى الربابنة إلغاء العقل البشرى بل تدع للعقل البشرى وللعلم البشرى ميداناً واسعاً كاملاً، ولا تقف دون العقل قصده عن البحث في الكون، بل إن التربية الإسلامية تدعوه إلى البحث وتدفعه إليه دفعاً ولا تقف دون العلم البشرى في المجال الكوني، بل هو يكل أمر الخلافة كله في حدود التصور الرباني للعقل البشرى وللعلم البشرى.

2- الثبـــات:

ينبثق عن خاصية الربانية سائر الخصائص الأخرى وبما أنه رباني صادر من الله، وظيفة البشر فيه هي التلقي والاستجابة والتكيف والتطبيق في واقع الحياة وبارتباطها بالقرآن والسنة مما يترتب وعليه أنها تربية ثابتة المبادئ والحقائق غير قابلة للتغيير، بخلاف أي تربية يضعها البشر، وحتى لا يفهم من هذا الثبات الجمود وعدم التطور، فإن المقصود به تلك الأحكام القرآنية والمبادئ السماوية الراسخة التي نص القرآن الكريم على ثباتها حتى تقوم الساعة.

ولا يمكن أن تتصف التربية الدينية الإسلامية بالجمود، وهى تستمد خصائصها من الإسلام دين المرونة والتطور. يقول الدكتور يوسف القرضاوي: وهذه الحقيقة البارزة لرسالة الإسلام لا توجد في شريعة سماوية ولا وضعية فالسماوية -عادة- تمثل الثبات بل الجمود أحياناً، حتى سجل التاريخ على كثير من رجالاتهم وقوفهم في وجه الحركات العلمية، والتحريرية الكبرى، ورفعتهم لكل جديد في ميدان الفكر أو التشريع أو التنظيم وأما الشرائع الوضعية فهي تمثل عادة المرونة المطلقة، ولهذا نراها في تغير دائم ولا تكاد تستقر على حال، حتى الدساتير التي هي أم القوانين كثيراً ما تلغى بجرة قلم ولكن الإسلام الذي ختم الله به الشرائع والرسالات السماوية أودع الله فيه عناصر الثبات والخلود، وعنصر التطور والمرونة معاً، وهـذا من روائع الإعجاز في هذا الدين وآية من آيات عمومة وخلوده وصلاحيته لكل زمان ومكان، ونستطيع تحديد مجال الثبات، ومجال المرونة في شريعة الإسلام، ورسالته الشاملة الخالدة. فنقول: إنه الثبات على الأهداف والغايات والمرونة في الوسائل والأساليب، الثبات على الأصول والكليات، والمرونة في الفروع والجزيئات، الثبات على القيم الدينية والأخلاقية في الشئون الدنيوية والعلمية.

3- الشمول والتوازن:

حيث يتولى الله سبحانه وتعالى إنشاء منهج للحياة الواقعية فإن ذلك يأتي برئ من كل ما يعتور الصنعة البشرية من القصور والنقص والضعف والتفاوت، وتتمثل خاصية الشمول التي تتسم بها هذه التربية الدينية الإسلامية في صور شتى:

v  رد هذا الوجود كله بنشأته وحركته وتصريفه وتنسيقه إرادة الذات الإلهية إلى شمول النظرة إلى الكون والإنسان والحياة، والربط بين مجموع تلك الحقائق وربطها بالخالق عز وجل.

v  مخاطبة النفس الإنسانية بكل جوانبها من روح وجسد وعقل ووجدان، بكل أشواقها وحاجاتها واتجاهاتها فتجمع شعورياً وسلوكياً، وتصوراً واستجابة شأن العقيدة والمنهج وشأن الاستمرار والتلقي، وشأن الحياة والموت، وشأن السعي والحركة، وشأن الدنيا، والآخرة فلا تتفرق تمزقاً، ولا تتجه إلى شتى السبل والآفاق ولا تسلك شتى الطرق على غير اتفاق.

تلبية حاجات المسلم الروحية والمادية والاجتماعية ليبقى على عوامل التوازن النفسي والعقلي والجسدي فهو يحارب الانقطاع عن المجتمع والزهد في الحياة، ويشيد بالإنسان الذي يتبادل المسئولية مع مجتمعه وهو لا يقتصر على جانب واحد من جوانب الشخصية وإنما يقوم على النظرية التكاملية الشاملة للروح والجسد والعقل.

4- الإيجابية:

ليست التربية الدينية الإسلامية تربية نظرية وإنما تتعدى ذلك إلى التطبيق العملي وتتحول إلى سلوك يمارسه الإنسان فيما بينه وبين الله وفيما بينه وبين الناس وفيما بينه وبين نفسه، إن هذه الخاصية ما تكاد تستقر في الضمير، حتى يتحرك ليحقق مدلولها في صورة عملية والمؤمن بهذا الدين ما يكاد الإيمان يستقر في ضميره حتى يحس أنه قوة فاعلة ومؤثرة، فاعله في ذات نفسه وفى الكون من حوله وحيثما ذكر الإيمان في القرآن أو ذكر المؤمنون ذكر العمل الذي هو الترجمة الواقعية للإيمان، فليس الأمر مجرد مشاعر إنمـا هـو مشاعر تفرغ في حركة لإنشاء واقع وفق التصور الإسلامي للحياة بهذا يستشعر الفرد أن وجوده على الأرض يقتضيه حركة وعملاً إيجابياً في ذات نفسه وفى الآخرين من حوله، وفى هذه الأرض هو مستخلف فيها وفى هذا الكون وأنه لن يبلغ شكر نعمة الله عليه بالوجود ولا يطمع في النجاة من حساب الله وعذابه، إلا بأن يؤدى دوره الإيجابي في خلافة الأرض.

5- الواقعية:

يقصد بالواقعية التحقق في عالم الواقع، فالتربية الدينية الإسلامية تربية للحياة وتربية للعمل والإنتاج والنماء، ودينها تطابق تكاليفه فطرة الإنسان، بحيث تعمل جميع الطاقات الإنسانية عملها الذي  خلقت من أجله فينطلق يعمر في الأرض ويغير وينمى في موجوداتها ويطور، لا يقف في وجهه حاجز من التصور الاعتقادي، ولا من المنهج العلمي فكلاهما (واقعي) مطابق لواقعية الطبيعة البشرية وللظروف المحيطة بها في الكون من حولها ومن ثم يتسنى للإنسان أن ينشئ من الآثار الواقعية في هذه الأرض وأن يحقق من الإبداع المادي وفق ما ينشئه من الصلاح الأخلاقي وكفاءة ما يحققه من الرفعة والتطهر.

إن من أهم خصائص الإسلام واقعيته فيما شرع من أنظمة وقوانين في مجال التكليف وفى مجال التحليل والتحريم والاستطاعة والضرورة، وجعل التكليف الملزم في حدود الطاقة الممكنة.

6- التدرج والاستمرار:

لم تنزل أحكام الدين وتشريعاته جملة واحدة وإنما تدرجت لفترة لم تزيد عن ثلاث وعشرين سنة فقد كان التدرج في تحريم الخمر والميسر والربا وفى فرض الصلاة والصيام فالتشريع الإسلامي قد تدرج مع قابلية المكلفين دون أن يرهقهم حتى تكتمل الواجبات وتتم المحرمات وقد تدرج حتى بلغ الغاية.

وهى تربية مستمرة، ذلك لأن الدين الإسلامي مستمر ولن تكون له نهاية إلا بنهاية حياة البشر. كما أنها تربية مستمرة لأنها لم تجعل حداً لطلب العلم، سئل حكيم: ما حد التعلم ؟ فأجاب: حد الحياة. ويرى (ابن قتيبة) أنه: " لا يزال المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، فالحكمة ضالة المؤمن ينشدها حيث كانت ما دامت في الحياة".

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 19/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 5641 مشاهدة
نشرت فى 28 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,660,565