الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

يؤدى الدين وظائف عديدة للفرد والجماعة من حيث أن الإنسان سيد هذا الكون وهذه الوظائف تقدم للإنسان ما يساعده على القيام بمهنة التكليف وهذه الوظائف منها ما يتصل بالفرد ومنها ما يتصل بالجماعة ويمكن تحديد بعض معالم هذه الوظائف على النحو التالي:

وظائف الدين الإسلامي بالنسبة للفرد:

رغم أن الإنسان كل لا يتجزأ أو وحدة جسمية عقلية وجدانية لا تنقسم فإنه يمكن «لأغراض الدراسة» أن ننظر إلى هذا الإنسان من ثلاث زوايا:

- الجانب الانفعالي: ويشمل عواطف المرء ومشاعره ووجدانياته من؛ حب وكره وميل ونفور وغضب.. ... الخ.

- الجانب العقلي: ويشمل المعلومات والأفكار وما يقوم به المرء من عمليات عقلية كالإدراك والتذكر والحفظ والتخيل والتحليل والتركيب.. . وما إلى ذلك مما يدخل في نطاق النشاط العقلي.

- الجانب السلوكي أو العملي أو كما يسمى أحياناً الجانب النفس حركي، ويشمل ما يقوم به المرء من أعمال كالأكل والشرب والضحك والمشي والسفر والبيع والشراء.. ... الخ.

ولإدراكنا أن هذه الجوانب الثلاثة مترابطة في شخصية الإنسان فسوف يتم تناول هذه الجوانب كل على حدة بشيء من التفصيل يعرض الباحث مع الحرص على تحقيق ما هدف إليه الإسلام بالنسبة لتماسك شخصية المسلم ووحداتها وانسجامها وتكاملها بالإضافة إلى ما فعله لكل جانب من هذه الجوانب على حدة.

وظائف الدين الإسلامي للجانب الوجداني في شخصية المسلم:

1- الحاجة إلى الشعور بالأمن: إن أهم وظائف الدين في حياة الفرد إحداث نوع من الاطمئنان والراحة والسلام، وتكريس كل طاقة هذا الفرد في البناء وخلافة الأرض.

والإنسان ينشد الأمن والطمأنينة في كل ما يحيط به، ومن أهم ما يثير قلق الإنسان أمور الغيب، والدين هو الذي يشيع في جوانب النفس. والاطمئنان بإجابته عن كثير من أمور الغيب ويعمر القلب بيقين يقي عنه ما يساور النفوس غير المستقرة من القلق والاضطراب.

2- الحاجة إلى الانتماء: فالإنسان لديه حاجة ملحة إلى أن ينتمي إلى جهة أقوى منه وأعظم يكتسب منها الحماية، ويلتمس لديها التوجيه والإرشاد ويلوذ إليها بالشكر والاعتراف بالفضل في حالات السراء وبالندم والتوبة في حالات الضراء.

3- الحاجة إلى التدين: والمقصود منها هو اعتقاد الإنسان بوجود قوة كبرى هي المسئولة عن كل ما يحدث في هذا الكون، وإلى الشعور نحو هذه القوة بالفضل، والإحساس أمامها بالعجز وإلى الميل إلى التقرب إليها بالعبادة، وهذه الحاجة مستمرة مع الإنسان طوال تاريخه وستظل معه إلى ما شاء الله بدليل أننا نجد لكل جماعة بشرية دينا من أي نوع وقلما نجد جماعة ليس لها إله. ولعل من أسباب وجودها وتأصلها لدى الإنسان في كل عصر شعوره بالعجز أمام مظاهر الكون ورغبته في السيطرة عليها وقد أشبع الدين الإسلامي كل هذه الحاجات لدى الإنسان المسلم.

4- تنمية المشاعر النبيلة والعواطف الكريمة: حيث تتنوع كل العواطف ما بين التوقير للكبير والعطف على الضعيف، ورحمة العاجز وأخوة ومساواة وكرم ومساعدة وتعاون، والإسلام له دور فعال في إشباع تلك العواطف لدى الإنسان.

5- تربية الوازع الديني: إن الضمير أو الوازع الديني يتكون لدى المسلم نتيجة تمكن العقيدة من نفسه، ونتيجة التزامه المستمر بتعاليم الدين وللممارسة الدائمة لشعائره.

6- تحقيق الاستقرار النفسي: تميل النفس البشرية إلى أن تتميز في جوانب الحياة المختلفة فتحب الصحة وتميل إلى التفوق وترغب في الغنى وتهوى الجاه وتعشق السلطة وتجرى وراء الشهوة. ولا يتحقق كل ذلك مع كل الناس فيرى بعضهم أن حظه قليل في الدنيا وأن الحياة لم تواته بكل ما يطلب فيصاب بالتمزق النفسي والصراعات الداخلية.

والدين الإسلامي في كل هذه المواقف يحقق للإنسان توازناً نفسياً عن طريق ما يسوقه من علاج نفسي وتوجيه إلهي.

وظيفة الدين الإسلامي بالنسبة للجانب المعرفي من الإنسان:

 أما بالنسبة للجانب المعرفي أو الإدراكي من الإنسان فيؤدى الدين الإسلامي الوظائف المهمة التالية:

- يشجع الدين الإسلامي لدى الإنسان خاصة الشباب حب الاستطلاع، والرغبة في المعرفة إذ يزوده بكثير من الحقائق والمعلومات عن جوانب كثيرة من الحياة ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

- يمد الإسلام المرء بحقائق ومعلومات لا يستطيع عقله أن يصل إلى معرفتها خارجة عن نطاقه وفوق إمكانياته وهى أمور الغيبيات.

- تشجيع الإنسان على اكتساب المعرفة وتحصيل العلم، كما أن الدين يربى عقل الإنسان ويحرره من التقيد بقوالب جامدة بل يأمره بالدراسة والبحث للوصول إلى الصواب.

 وظيفة الدين الإسلامي بالنسبة للجانب السلوكي من الإنسان:

 نظراً لأن المسلم صاحب عقيدة وملتزم بدين فهو يريد أن يعرف باستمرار ما الذي يتفق من العمل والسلوك مع هذه العقيدة فيأتيه، وما الذي لا يتفق فينصرف عنه، ولقد أشبع الإسلام في الإنسان حاجته إلى الهداية في السلوك وإلى التوجيه في العمل ولم يتركه حائراً لا يدرى ماذا يفعل أو يتخبط في دروب الحياة ومسالكها. وليس هناك أدل على عناية الإسلام بالعمل والسلوك بأن جعله ركناً أساسياً في الإيمان  لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ) محمد 19، فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ، وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ - وَرَّثُوا الْعِلْمَ - مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ بِهِ عِلْماً سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) فاطر 28، وَقَالَ ( وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ ) العنكبوت 43 ( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ ). وَقَالَ ( هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) الزمر 9. وَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ ». وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ - ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّى أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النبي صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَىَّ لأَنْفَذْتُهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ( كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ) حُكَمَاءَ فُقَهَاءَ. وَيُقَالُ الرباني الذي يُرَبِّى النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ. رواه الإمام البخاري.

وظيفة الدين الإسلامي بالنسبة لتكامل شخصية المسلم:

اعتنى الإسلام بجوانب شخصية المسلم الثلاثة، فهي متكاملة ومرتبطة بعضها ببعض، ففي الوقت الذي يشبع فيه الدين الإسلامي الجانب العاطفي أو العقلي أو السلوكي من شخصية الإنسان حتى يُخيل إلينا أنه لم ينظر إلى ما سواه من جوانب أخرى، نجده على العكس من ذلك لاحظ هذه الجوانب الأخرى وأشبعها.

 ومن أمثلة ذلك الصلاة باعتبارها شعيرة من شعائره، فإشباع الجانب السلوكي فيها قد يكون أوضح من غيره ولكنها لم تخل من إشباع قوى العواطف، ففيها التقرب إلى الله والخضوع له بالسجود على الأرض والتذلل إليه بالدعاء له وغير ذلك من العواطف التي تشبعها الصلاة والوجدانيات التي تنميها لدى المسلم ففيها يقرأ القرآن ويتدبرها ويعي مراميه ومقاصده، والصوم والحج يؤديان كذلك إلى تكامل الشخصية المسلمة بإشباع جوانبها الثلاثة في تناسق وتكامل.

 

وظائف الدين في حياة المجتمع:

الإنسان مدني بطبيعته، فهو يولد في مجتمع ويعيش ويموت فيه وهذا العيش المشترك مع بني الإنسان لابد أن تنشأ عنه علاقات ومعاملات وما يتولد عن ذلك من حقوق وواجبات كما أن الإنسان لا يمكنه أن يتمتع بحرية مطلقة داخل المجتمع، ولا أن يتصرف كما يشاء لأن ذلك يصطدم بحريات الآخرين ورغباتهم  فيتعرض المجتمع للخلل، ويكثر الفساد والظلم ولذلك فقد سن للمجتمع قواعد وأحكاما تنظم هذه الأمور جميعاً، فلا يطغى أحد على وحتى يعرف كل إنسان ماله وما عليه وحتى تنظم العلاقات على نحو يحقق المصلحة والخير والعدل للجميع لا لفرد ولا طائفة بعينها، ولا يكون الاستقرار المنشود للمجتمعات إلا بأن يكون واضع القانون مستمداً قانونه من وحى الله تعالى مؤيداً بمعجزة تجعل جميع العقول تخضع له وتنقاد، والدين هو الذي يحقق للجميع التنظيم الذي ييسر له العيش الهادئ الكريم والسعادة للجميع.

 · تمسك الفرد بمبادئ الدين يحقق سلامة المجتمع، ويحفظ للأفراد حقوقهم ويمكنهم من العيش الكريم. الطاعة الاختيارية التي تتضمنها قواعد الدين تجعل الفرد يخضع للدين بدافع الطاعة لله، فيقف عند حدود ما وضعه الله.

 · تقترن الأخلاق بالتقدم العلمي في المجتمع السليم، فلا يكفى أن يتوافر في المجتمع حسن الأخلاق مع مستوى علمي منخفض كما لا يكفى أن يأخذ المجتمع بأسباب التقدم ولا يبالى بعد ذلك بمستوى مبادئه الخلقية.

 · تعمل القيم الدينية على تحقيق المجتمع المتعاون على البر والتقوى، فهي تجعل المسئولية بين الفرد والمجتمع تبادلية وتضامنية، تحفظ للمجتمع توازنه ومصالحه وللفرد حريته، كما أن لهذه القيم أثر كبير في حياة الجماعة فبدونها تنحط الجماعة البشرية إلى مرتبة الحيوانية البغيضة، ويكفى أن نتصور مجتمعاً قد خلا من الصدق والأمانة والإخلاص في العمل في التدليل على ذلك.

 ·  أرسى الدين الإسلامي مبدأ العدل المطلق بين البشر حتى مع الأعداء لأن ذلك يتفق مع إنسانية الإنسان ومع كرامته.

 ·  كما تعدى الدين إلى تنظيم العلاقة بين الدولة المسلمة والدول الأخرى (فقد صالح النبي -r- أهل مكة في صلح الحديبية وصالح أهل نجران على أموال يؤدونها وصالح أهل البحرين على أن يدفعوا له جزية معينة.

 ·   يقي الدين العالم شر كوارث التقدم العلمي، فهو حمام الأمان للبشرية فالعلم كما يكون وسيلة إنشاء فهو وسيلة تدمير وفناء، وكلما ازداد العالم من آثار ربه معرفة ازداد منه خشية  )وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ( فاطر( 28 ).

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 1629 مشاهدة
نشرت فى 28 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,660,622