تعد التربية في أبسط معانيها تنمية استعداداته ومواهبه وميوله وقدراته وتوجيهه وإلى ما فيه خيره وخير مجتمعه، وإحداث التغير المرغوب فيه اجتماعيا وروحيا وسلوكيا وإعداده للحياة الاجتماعية الناجحة".
ولا بد للمربى أو مخطط المناهج ومن يريد تحديد فلسفة تربوية والقائم على شئون التربية أن يلم بشيء عن طبيعة الإنسان ويحدد المبادئ والمعتقدات التي يؤمن بها بالنسبة لهذه الطبيعة والأهمية في إطار الفلسفة التربوية الشاملة، لتكون موجها ومرشدا له في جهوده وأعماله التربوية على مختلف الأصعدة: تنظيرا وتخطيطا وتدريسا, توجيها وتقويما وإدارة.
وهناك مجموعة من المبادئ التي يجب الإيمان بها والتي توضح أهمية وطبيعة الإنسان، وهى مبادئ تتماشى مع روح الإسلام ومقتضيات نصوصه وتعاليمه ومنها:
- الإنسان هو أفضل ما في الكون من موجودات، حيث ميزه الله عن غيره من المخلوقات بكثير من الخصائص منها أنه محور الرسالات، والمحور الذي ترتكز عليه بكل ما فيها من حركة ونشاط.
- ولقد اهتمت الرسالات السماوية على مر التاريخ بهداية الإنسان وتوجيهه وإصلاح حاله، كما اهتمت بتنمية استعداداته ومواهبه وقدراته مع توجيهها الوجهة الصحيحة نحو الخير والصلاح } الم ~ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ~ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ { ( البقرة 1-3).
لا يرجع تكريم الإنسان وأفضليته إلى جنسه ولونه أو طبقته الاجتماعية أو الاقتصادية، بل إلى تقواه وخلقه وعقله وعمله واستعداده لكسب المعارف والمهارات والإبداع ومواكبة كل ما هو جديد وعلى تسخير معارفه ومهاراته وخبراته في خدمة المجتمع، قال تعالى ) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ( ( التين 4 )) وَلقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (( الإسراء 70)) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( (غافر64 ) إلى غير ذلك من الآيات التي أكدت كرامة الإنسان وتكريمه على سائر المخلوقات، وهذه المبادئ نادت بها الديمقراطية الحديثة بعد أربعة عشر قرنا من مجيء الإسلام تحت شعار حقوق الإنسان.
- الإنسان هو الحيوان الوحيد الناطق القادر على استعمال اللغة كأداة تفكير واتصال والقادر على التعلم و اكتساب المهارات والمعارف والاتجاهات، وهو أيضا القادر على الإيمان بالغيب والتمييز بين الخير والشر وكبح شهواته ونزواته وتحديد الوسائل التي تؤدى إلى هذه الغاية، وهو قادر أيضا على بناء علاقات اجتماعية مع غيره والعيش في جماعة والتكيف مع الظروف الاجتماعية والعمل والإنتاج وبناء الحضارة والتعمير وعلى كشف أستار الظواهر الكونية وتغيرها مجراها وأخضعها لسيطرته } وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ~ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ{ (البلد10).
خصائص الإنسان حسب المفهوم الإسلامي:
1- الإنسان كائن حي ناطق يتعامل برموز وألفاظ ذات دلالات لغوية: ومن خلال اللغة يتمكن الشخص من معرفة أبعاده العميقة مثل "الحرية والقيم والتمليك " ومن المعروف أن اللغة ليست مجرد أداة تعبير ولكنها أداة تفكير وهى عنصرين من عناصر التكوين الفكري للأمة} وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ { ( البقرة 31 ) } قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا {( مريم 30 ).
2- النزعة الدينية: حيث يؤمن بقوة عليا تسيطر على هذا الكون وهذه النزعة الدينية أمر فطرى في الإنسان يولد وهو مزود بالاستعداد له، وهذه النزعة تعد إحدى حاجاته التي تحقق له السعادة، حيث يستمد الهداية والتوجيه في حياته وسلوكه، ومنها يستمد قوته وعونه على معارضة الظلم والطغيان والفساد ويواجه الشدائد التي تحل به ويستعين بها على مواجهة المصير الذي ينتظره بعد الموت } وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ~ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ { ( المؤمنون 97، 98 ) } رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ { ( يوسف 101 ).
3- النزعة الأخلاقية: وهى تعد أثر من آثار مفهوم التدين، فهو يتسم بقدرته على التميز بين الخير والشر، وعلى تصور الوسائل التي تؤدى إلى تحقيق هذه الغاية وعلى مراقبة وضبط دوافعه وعلى إعلائها وإبدالها. وحسب ما يتوفر للإنسان من تربية وبيئة يكتسب صفة الخيرية أو الشر وعلى تصور الوسائل التي تؤدى إلى تحقيق هذه الغاية وعلى مراقبة وضبط دوافعه وعلى إعلائها وإبدالها. وحسب ما يتوفر للإنسان من تربية وبيئة يكتسب صفة الخيرية أو الشر فيها مكتسبان عن طريق التربية مصداقا لقوله تعالى ) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ~ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ( ( البلد 10، 11) و ) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ~ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ( (الشمس 7، 8 ) ولقوله -r"- " عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ » صحيح البخاري. وقوله أيضا عن هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - كَانَ يُحَدِّثُ قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ». ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - ( فِطْرَةَ اللَّهِ التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) الآيَةَ " صحيح البخاري.
4- النزعة الاجتماعية: فهو لا يعيش بمفرده، بل يسعى إلى الاندماج في حياة مجتمعة وبناء علاقات مختلفة مع أفراده هذا المجتمع وجماعاته.
ومن ثم فلديه نزعة نحو البناء والتعمير وتغير الواقع الطبيعي والاجتماعي الثقافي الذي يعيش فيه، وهو حين يسعى لتعمير الكون وبناء الثقافة ليس مدفوعا بميوله ونزعاته الاجتماعية والتعميرية فقط، بل هو منفذ لأوامر خالقه العظيم التي تضمنتها كثير من الآيات الكريمة قال تعالى) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (( لقمان 70)
وكما يغذى الإسلام النزعة الاجتماعية لدى الفرد ويدعو الى تنميتها، فانه يغذى في الوقت نفسه نزعته الفردية إلى تنمية الشخصية المستقلة التي يشعر معها الفرد بفرديته واستقلاليته وحرية إراداته دون أن تصل إلى درجة التسلط والأنانية المفرطة ) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ~لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ~ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ( ( مريم 93: 95 ).
5- الإنسان ذو طبيعة لها أبعاد ثلاثة هي: الجسم، العقل والروح وبقدر ما بين هذه الأبعاد من انسجام وتوافق يكون تكامل الشخصية ويكون التقدم والسعادة، وأي انحراف عن ذلك التوافق والانسجام لن ينشأ عنه إلا الضرر بالنسبة للفرد والمجتمع معا، ويسعى الإسلام إلى تدعيم هذه الأبعاد، فهو لا يرضى عن المادية المجردة من الروح أو الروحية الخالصة من المادة بل يدعو إلى أن تلتقي المادة مع الروح ليحدث الانسجام التام بينهما قال تعالى ) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ~ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ~فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (( الحجر28: 30).
كما يرفض الإسلام طغيان العقل وغروره وميكانيكية العلم المجردة وماديته الطاغية الضيقة، فهو يرى أن الإنسان لا يتقدم إلا بالعقل والروح أو بالعلم والإيمان معا وليس هناك انفصال في شخصية الفرد بل هي شيء واحد يكونه التفاعل بين الجسم والعقل والروح قال تعالى ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (. (الإسراء 85 ).
6-الإنسان نتاج لعاملي الوراثة والبيئة: وهما يبدأن في عملهما وتفاعلهما إلى نهاية حياة الإنسان، فالاستعداد الموروث مثله مثل البذرة إن بذرت في أرض صالحة أتت بالزرع المرجو منها، وإن زرعت في تربة ومناخ غير صالحين فإنها لا تنتج ما هي مستعدة لإنتاجه.
7- الإنسان دوافع وميول ونوازع وحاجات فطرية وراثية وأخرى مكتبة يكتسبها الإنسان عن طريق تفاعله مع عناصر بيئته المادية والبشرية ومع الثقافة التي يعيش فيها: ومما يدخل تحت الصفات الوراثية القدرات العقلية والمواهب العينة والدوافع على اختلاف، ومن الصفات المكتسبة اللغة وما يمتلكه الإنسان من معارف ومهارات واتجاهات وميول وعادات وتقاليد وقيم أخلاقية واجتماعية.
8- وجود فروق فردية بين الأفراد: وإن تشابهوا فيما بينهم في كثير من الخصائص والصفات وذلك بحكم الرابطة الإنسانية التي تربط بينهم وتميزهم عن المخلوقات، حيث تتنوع أنماطهم وسماتهم النفسية.
9- الطبيعة البشرية تتسم بالمرونة والقابلية للتشكيل والتغيير والتعديل ولاكتساب معارف وعادات وقيم واتجاهات جديدة: والتخلي عن عادات وقيم واتجاهات قديمة، عن طريق التفاعل الاجتماعي الذي يتم بين الفرد وبين بيئته وثقافته من خلال عملية التطبيع الاجتماعي.
ومن المعروف أن هذه المرونة تحدث من خلال خلايا وأعصاب الجهاز العصبي، حيث تتأثر هذه الأعصاب بالتكرار والمران وهو ما يولد العادات ومن العادات يتكون السلوك، وبرغم صعوبة تغيير العادات فإن ذلك أمر ممكن من خلال تعديل السلوك وتغيير العادات والمهارات والاتجاهات وذلك ناتج عن التعلم الذي يصحب الإنسان منذ ولادته إلى مماته.
وما إرسال الأنبياء والرسل إلا دليل قوى على إمكانية تغيير عواطف الناس ومعتقداتهم وأخلاقهم وعاداتهم. فقد أحدث الإسلام تغييرا جذريا شاملا في شخصية الفرد العربي قال تعالى: )وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ( ( الأنعام 48 ).
ساحة النقاش