.. بصلْعَتِهِ اللامعةِ، وسوادِ بشْرَتِه كما لون مِعْطفِهِ البالي؛ يُطِلُ علينا “على الله” ـ وهذا اسمُه ـ كل ليلةٍ بالمقهى .. يعرفُنا ونعْرِفُه، وكذا أهلُ مدينتنا الصغيرة .. أصحابُ المتاجرِ.. المطاعم .. الباعةُ الجائلون، ومُفْترشو الأرصفةِ .. حتى الصِغار الذين لايتورعونَ عن مضايقتِهِ؛ لينتَزِعوا منه طَلَقاتِ سِبابه التى تثير ضحكَهم .. نحن أيضًا.. كثيرًا مانشاكسُهُ .. نسأله عن رجولته، ومتى يتزوج؛ فيرد خَجِلاً:ــ يوم الخميس يا عيال ..لم نعرفه طمَّاعًا، ولالَحُوحًا ـ وكذا أهلُ مدينتنا الصغيرةِ ـ يقفُ صامتًا؛ إذا أعطاهُ الناسُ أخذ، وإذا أحْجَموا مشيَ إلى حالِ سبيلِه .. يجمعُ عطايا أهل الخير من باعةٍ، ومطاعمٍ ومحلاتٍ .. يدُسُّها في الجيبِ المُتَعَمِّقِ في ثنايا مِعْطَفِه..يظلُّ على دأبِهِ هذا طوالَ النَّهارِ وشطرٍ من الليل، حتى إذا مابسط السكون رداءَه؛ يأوي إلى منامته بجوار استراحة محطة القِطار..قبل أن يتوسَّدَ ذراعَهُ وينام ؛ يُفْرِغُ مابقِيَ بجيبِه لصُحْبَتِهِ الطوَّافة من حوله.. قططًا وكِلابًا، وربما جُرْذانًا.. كثيرًا ماتابع عِراكَهم حول الوليمةِ .. يهدأون حين يشْبَعون؛ فيذهبُ في سُباتٍ عميق ..أوشكت السهرةُ أن تنقضي ولم يهِلّ علينا بطلعته كما اعتادَ وعتدْنا .. ساورنا القلق .. العيون تدُورُ في محاجرِها مُتوجِّسةً، تتلاقى وتفترق ..ــ أين الولد “على الله” .. لم نره الليلة ..ليست عادته..تساءلَ كُلُّ من بالمقهى ..في الصباح.. سرَى الخبرُ في أرجاءِ المدينةِ، يُردِّدُهُ الناسُ ويتناقلونه في ذهول :ــ يقولون .. وجدوه مُلْقىً بجوار الاستراحةِ ميِّتًا، وأسمالُهُ مُشبَّعَةٌ بدمِه؛ إثر نزع كِلْيَتَهُ اليُمْنَى؛ كما جاءَ بتقرير طبيب الصحةِ، ومحضرِالبحث الجنائي..
.. كان اليومُ خميس ..!!
ساحة النقاش