"وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس،والشجرة الملعونة في القرآن"
( الإسراء (60)
يرى جماهير المفسرين أنّ الشجرة الملعونة هنا هي شجرة "الزقوم ". أما الشيعة فإنهم يذهبون إلى أن الشجرة الملعونة هم "بنو أمية" ويستندون في هذا إلى حديث شريف أن الرسول r رأى في المنام بني الحكم أو بني العاص ينزون على منبره كما تنزو القرود فأصبح كالمتغيظ. فما رؤي بعدها r ضاحكاً حتى مات. والتشيع واضح في هذا التفسير على الرغم من استناده إلى روايات موجودة أيضاً عند أهل السنة. وفي الوقت الذي تجد فيه مفسراً كالطباطبائي، صاحب تفسير الميزان يقوّي هذا التفسير - والطباطبائي مفسر شيعي معاصر - نجد أن الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان وهو من كبار علماء الشيعة في القرن السادس الهجري يجعل هذا التفسير وجهاً ثالثاً عندما يتعرض إلى تفسير الآية.
الملاحظ أن القرآن الكريم لم يلعن شجرة الزقوم، وبالتالي كيف يمكننا أن نقول إنها الشجرة الملعونة ؟ لذلك قال بعض المفسرين إن المقصود " بالملعونة " أي الشجرة الملعون آكلها. وهذا تقدير تأباه اللغة العربية، ثم إن اللعن الذي هو الطرد من الرحمة لا يكون إلا للمكلفين، والشجرة كما هو معلوم غير مكلفة ولم ترتكب جُرماً حتى تُلعن، وقال البعض إن الشجرة هي وسيلة لتعذيب الكفار ومن هنا جاء اللعن، وهذا المعنى تأباه اللغة، ويأباه العقل أيضاً، ويأباه النص القرآني، لأن هناك ملائكة هم خزنة جهنم ولا يتصور لعنهم لمجرد أنهم يشرفون على تعذيب الكفار. وعليه نرى أن آراء جماهير المفسرين مضطربة في توجيه أن تكون الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم المذكورة في القرآن الكريم. وما نجده اليوم في كتب التفسير هو نوع من المتابعة لما جاء في كتب التفسير القديمة.
الماوردي من أشهر علماء القرن الخامس الهجري، وله تفسير "النكت والعيون " ويقع في ستة مجلدات من القطع المتوسط، ويتميز بجمعه لآراء المفسرين على صورة سهلة ومختصرة. وهو يورد في الشجرة الملعونة أربعة أقوال، ويجعل القول الرابع في القوم الذين يصعدون منبر الرسول r أما القول الثالث فيقول فيه : " أنهم اليهود تظاهروا على رسول الله r مع الأحزاب، قاله ابن بحر ". أما كيف يمكن أن يكون النسل شجرة ؟ فنجد الماوردي يقول :" والشجرة كناية عن المرأة، والجماعة أولاد المرأة، كالأغصان للشجرة " فالنسل هو في حقيقته شجرة نامية ومتفرعة. إن كل ما يقوم على أصل اعتقادي ويتفرع عن هذا الأصل هو في حقيقته شجرة. والقرآن الكريم مثّل الكلمة الطيبة والتي هي الإسلام بالشجرة الطيبة، والكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة. وإذا كان اليهود هم الشجرة الملعونة في القرآن، فهذا يكون على اعتبار انهم يلتقون في أصل اعتقادي، ولا يصح أن تكون اليهودية قائمة على النسل، لأن اليهودي في الحقيقة هو الذي يؤمن بالأصول اليهودية في الاعتقاد والتشريع والأخلاق. والعدل يقتضي أن يكون اللعن نتيجة لممارسة الفرد أو الأمة لأمر اختياري.
الذي يرجح لدينا أن المقصود بـ " الشجرة الملعونة " هم اليهود أمور منها :
أولاً : أن الآية التي نحن بصددها هي الآية "60" من سورة الإسراء والتي تسمى أيضاً "سورة بني إسرائيل" وهي تتحدث عن إفساد اليهود في الأرض المباركة. وتُسْتَهل سورة الإسراء بنبوءة مستقبلية تتحدث عن إفساد اليهود في الأرض المباركة، ويرد الكلام عن هذا الإفساد في خواتيم السورة أيضاً مما يشير إلى مركزية هذا الحدث في السورة التي تسمى "الإسراء " وهذه التسمية تشير إلى المسجد الأقصى. وتسمى سورة " بني إسرائيل " وهذه التسمية تشير إلى الإفساد. ولا يبعد أن تكون الرؤيا تتعلق بهذه القضية المحورية في السورة.
ثانياّ : واضح من طريقة كتابة كلمة "رؤيا" في قوله تعالى : " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة …" أنها رؤيا منامية، ولو كانت رؤية بصرية لكتبت "رؤية ". وقد نقل عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد : أن ما رآه الرسول r ليلة الإسراء والمعراج هو الرؤيا المذكورة هنا. وبما أنها تمت ليلاً وتحدث عنها الرسول r عندما أصبح فقد سمّاها "رؤيا " وهي أيضاً فتنة للناس الذين كذبوا خبر الرسول عليه السلام. والذي نراه أن المسألة لا تتعلق بالرؤية البصرية أو المنامية، وإنما تتعلق بالأمر الذي رآه الرسول عليه السلام. فإذا كان قد رأى ببصره أموراً واقعة فهي "رؤية " وإذا كان قد رأى أموراً ستقع في المستقبل فهي على أية حال "رؤيا" لأنها غير موجودة في الحال وإنما في الاستقبال. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا في سورة الإسراء : " لنريه من آياتنا..." وفي سورة النجم :" لقد رأى من آيات ربه الكبرى …". وإذا كانت هذه الرؤية على خلاف القانون البصري المعتاد فهي أيضاً "رؤيا". على ضوء هذا لا يمنع أن يكون ما رآه الرسول عليه السلام من أمور مستقبلية يتعلق بسيطرة اليهود على المسجد الأقصى وعلى الأرض المباركة، والتي هي عقر دار الإسلام. ثم سيطرة هذه الشجرة الخبيثة على المستوى العالمي في مرحلة سيطرتهم على الأرض المباركة، ولا شك أن هذا يحزن الرسول r ، فتكون التعزية له عليه السلام أن يقال له :" وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس " فمقاليد الأمور هي بيد الله، أما ما رأيته يا محمد من سيطرة هؤلاء فهو نوع من الفتنة للبشر، وما رأيته فهو في حقيقته " الشجرة الملعونة " وبالتالي لن تكون لها ثمار ممتدة بل إن السيطرة محكومة بالإخفاق المستمر، وهي مطاردة باللعن الإلهي، وهذا يعني أن سيطرة اليهود في أيامنا هذه تنحصر في كونها فتنة أرادها الله. وهي سيطرة الشجرة الملعونة التي هي شجرة خبيثة، جذورها واهية، وثمارها غير مباركة. ومن هنا يسهل على أهل الحق أن يقتلعوا هذه الشجرة وأن يحموا الناس من آثارها المفسدة.
ثالثاً :حتى نرجّح القول بأن الشجرة الملعونة هم اليهود، لا بد أن نرجع إلى ألفاظ اللعن في القرآن الكريم،لأن الله تعالى يقول:"الشجرة الملعونة في القرآن" أي الشجرة التي لا بد أن نجد لعنها في القرآن. وبالرجوع إلى ألفاظ اللعن في القرآن الكريم نجد أن "لعن " ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم (41) مرة. ولوحظ أن (18) مرة لعن فيها اليهود على وجه الخصوص ولا يشترك معهم في هذه اللعنات غيرهم. أمّا باقي اللعنات، فإنها كانت للكافرين، أو الظالمين، أو الكاذبين …فإن اليهود لا شك مشتركون في ذلك. وعليه ألا تكون هذه الملاحظة الإحصائية مؤشراً على أن اليهود هم الشجرة الملعونة في القرآن. ولا ننسى أن الكثير من الأفكار والمذاهب والمدارس المنحرفة هي من صنع اليهود بل هي منبثقة من عقائدهم، كالماركسية، والوجودية، والماسونية …والمستهدف في النهاية هم البشر، الذين نزلت رسالات السماء رحمة بهم. أفلا يستحق اللعنة من نصّبوا أنفسهم أعداء للبشرية، ولرسالات السماء والحق والعدل ؟ ألم يخبرنا الواقع أن هذا مسلكهم عبر العصور المختلفة إلى يومنا هذا بل إلى يوم القيامة كما نص القرآن الكريم.
" وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس، والشجرة الملعونة في القرآن …" فسر العلماء الآية على أساس أن الرؤيا شيء والشجرة الملعونة شيء آخر. والمعنى :وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس، وكذلك الشجرة الملعونة فتنة أيضاً. وهذا الوجه تحتمله اللغة، والذي نراه أقرب إلى ظاهر النص أن يكون المعنى : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس، وجعلنا ما رأيته الشجرة التي لعنها القرآن. وهذا يعني أن "الرؤيا" هنا هي الشيء المرئي أي موضوع الرؤيا. وعلى هذا يكون ما رآه الرسول r من أمر هو في واقعه فتنة للناس وابتلاء، وهو عند الله شجرة ملعونة في القرآن الكريم. وفي رأينا أن اليهود هم فتنة للناس على مر العصور وهم أيضاً شجرة ملعونة محكوم أن لا تثمر جهودهم ثمراً يدوم ويستمر. وهذا من رحمة الله بعباده. وحتى يتضح المعنى بشكل أفضل نقول : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس وشجرة ملعونة في القرآن الكريم. أما إضافة "ال" إلى "شجرة وملعونة " فإن ذلك يعني أنها هي الشجرة الملعونة الوحيدة في القرآن الكريم. أما لعن باقي الظالمين أو الكافرين أو الكاذبين، فقد ورد دون نسبتهم إلى شجرة.
بالرجوع إلى واقعنا المعاصر يمكن أن نستفيد من هذه الآية الأمور الآتية :
أولاً : أن سيطرة اليهود في فلسطين وعلى مستوى العالم هي فتنة وابتلاء. ومعلوم أن الفتن يقصد منها أن يتميّز الناس في مواقفهم. ولا بد أن ينتج عن هذا واقع أفضل، فالفتن هي قانون في التغيير.
ثانياً :إن المذاهب المنبثقة عن اليهودية والتي تحاول أن تفسد المجتمعات البشرية، لا بد أن تتلاشى. والماركسية من أوضح الأمثلة على ذلك.
ثالثاً : إذا كان الإسلام شجرة مباركة وكانت اليهودية شجرة ملعونة، فإن هذا يعني أن العقبات التي يقيمها اليهود في طريق المسلمين هي من ضرورات الطريق، ولكن لا بد في النهاية من ثمار طيبة يطرحها الإسلام ويقبلها الناس أما الثمار الخبيثة فإن الفطرة البشرية ترفضها وتلقيها بعيداً.
رابعاً : تتجلى حكمة الخالق في أنه سبحانه يجعل الفتن والابتلاءات غير قابلة لأن تكون القانون الذي يسير عليه البشر، لأنها تحمل في طياتها بذور فنائها.