تكرر اسم سليمان عليه السّلام، في القرآن الكريم (17) مرّة ، واللافت للانتباه أنّ القرآن الكريم لم ينص على أية علاقة لسليمان عليه السلام ببني إسرائيل ، ولا بد من دلالة لهذا السكوت، فالقرآن الكريم قد نصّ على نبوة سليمان عليه السلام وكونه ملكاً ، ولكنه لم يذكر شيئاً عن قومه ، ولا عن الأقوام والأمم التي تبعته وآمنت به عليه السلام، وانضوت تحت لوائه ، فكانت من رعاياه. بل إنّ في قصة ملكة سبأ لدلالة واضحة على اتساع ملكه، وعلى تعدد الأمم التي استجابت لدعوته. فلم يكن عليه السلام ملكاً لليهود كما يعتقد الكثير من الناس ، متأثرين في ذلك بكتب العهد القديم .
ورد ذكر سليمان عليه السلام باستفاضة في سفر الملوك الأول، والذي يقال إنه قد دوّن في القرن السادس قبل الميلاد ،في حين يقال إن سليمان عليه السلام قد مات في القرن العاشر قبل الميلاد . ووردت قصته مفصلة أيضاً في سفر أخبار الأيام الثاني ، والذي يقال إنّه قد دوّن في القرن الخامس قبل الميلاد . ولا يستطيع المسلم أن يصدق الكثير مما ورد في هذه الأسفار ، فصورة سليمان عليه السلام في القرآن في غاية السمو والجمال ، أمّا هذه الأسفار فتزعم أنه - والعياذ بالله- قد عبد الأصنام إرضاءً لزوجاته الوثنيّات ، انظر إلى هذا النص من سفر الملوك الأول :" فغضب الربُّ على سليمان ، لأن قلبه ضلّ عنه ، مع أنّه تجلى له مرتين ، ونهاه عن الغواية وراء آلهة أخرى ، فلم يطع وصيته ، لهذا قال الله لسليمان : لأنّّك انحرفت عني ونكثت عهدي ، ولم تطع فرائضي التي أوصيتك بها ، فإني حتماً أمزق أوصال مملكتك ، وأعطيها لأحد عبيدك إلا أنني لا أفعل هذا في أيّامك …" أمّا صورته عليه السلام في القرآن الكريم فيكفيك ما جاء في سورة ص :" ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنّه أوّاب " .
يبدو أنّ ملك سليمان عليه السلام كان شاملاً لعدد من الأمم التي اتبعت دينه الحق ، وانضوت تحت لوائه ، وهذا ما جعل المنحرفين من بني إسرائيل يحقدون على هذا النبي الصالح ، لأنهم يريدونها مملكة عنصرية ، تجعل من اليهود سادة يسخّرون الشعوب لخدمتهم ، ثم هم يريدونها يهوديّة تتناقض مع نبوة سليمان وإسلامه لله : " وأسلمت مع سليمان لرب العالمين " . فليس غريباً إذاً أن يشوّه اليهود سيرة هذا النبي الصالح ، ويصبّوا عليه جام غضبهم ، حتى عندما كتبوا قصّته بعد وفاته بخمسمائة سنة. ومن يتدبر النص الذي اقتبسناه من سفر الملوك الأول يلاحظ أنّهم يحقدون على فترة ملكه ، ويجعلون الرّب غاضباً منه ، ومقرراً أن يدمّر هذا الملك ، وهذا يعني أنه ملك لا يعنيهم ، بل يغيظهم !!
وإن صحّ ما ورد في أخبار الملوك الثاني فإن الأمر يصبح أكثر وضوحاً فهذا سليمان عليه السلام يذلهم ، وكذلك ابنه رحبعام من بعده ، ويصبح الأمر أكثر وضوحاً عندما تعلم أنهم شقّوا الدولة بعد وفاة سليمان عليه السلام بأيّام . تدبّر هذا النص الوارد في أخبار الملوك الثاني والذي إن صحّ يكون عند المسلمين دليلاً آخر على أنّ سليمان عليه السلام لم يكن ملكاً لليهود، بل هو نبي صالح وملك عادل ، يرفض العنصريّة ويقمع المنحرفين . هذا هو النص : " فجاء يربعام وكل جماعة إسرائيل وقالوا لرحبعام بن سليمان عليه السلام : إنّ أباك قد أثقل النّير علينا ، فخفف أنت الآن من عبء عبودية أبيك وثقل نيره الذي وضعه علينا فنخدمك . فأجابهم بعد أيّام قائلاً : أبي أثقل عليكم النير وأنا أزيد عليه . أبي أدّبكم بالسياط وأنا أؤدبكم بالعقارب فكان أن تمرّدوا ، وشقّوا عصا الطاعة، وشقّوا الدولة، فكان ذلك بداية فسادهم وعلوهم المنصوص عليه في التوراة والقرآن الكريم . فقد أرادوها عنصرية غاشمة ، ويهوديّة متسلطة ، فكان لهم ما أرادوا حتى لاقوا حتفهم، وتحقق فيهم وعد الله الأول . وفي القرن العشرين كان لهم ما أرادوا ، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله .