اعتبروا يا أولى الألباب
عماد الدين حسين
إذا صح أن هناك نقاشا جادا بشأن وضع الدستور الدائم قبل انتخابات رئاسة الجمهورية فإن على كل أو غالبية الـ78 % الذين قالوا «نعم» فى الاستفتاء على تعديلات الدستور فى 19 مارس من العام الماضى ــ أن يعتذروا أو يعذروا أو يتفهموا ــ الـ18٪ الذين قالوا «لا» وطالبوا بوضع الدستور قبل الانتخابات النيابية أو الرئاسية.
أعرف أن كثيرين من الذين وقفوا فى طوابير طويلة وقالوا نعم فى الاستفتاء كانوا يريدون استعادة الأمان والعودة السريعة إلى الاستقرار، وللأسف فإن بعضهم وقع فى فخ محكم نصبه كثيرون.
وأعرف أيضا أن قلة ــ سامحها الله ــ لعبت على وتر: الحقونا.. المادة الثانية سوف تتغير وكأن المسيحيين الذين لا يزيدون على 10٪ أو الليبراليين الذين قد لا يزيد ناخبوهم على 25٪ قادرون على إلغاء المادة الثانية.
الكلام فى الماضى ليس مفيدا خصوصا فى العمل السياسى، والأفضل دائما النظر إلى الأمام، لكن استعادة الماضى تبدو مهمة من زواية ألا نكابر ونكرر الأخطاء وكأننا نعيش دائما فى مأساة سيزيف الشهيرة.
سواء وضعنا الدستور أولا أم أجرينا الانتخابات أولا، فعلينا أن نتفق على قواعد وأسس لا تتغير بتغير الأشخاص أو الأحزاب أو الاحجام داخل البرلمان.
فى هذا الإطار يفترض أن يكون التيار الإسلامى وخصوصا الإخوان المسلمين قد أدرك حجم الخطأ الذى وقعت فيه لجنة تشكيل لجنة كتابة الدستور ثم تقديم مرشح للرئاسة.
نحن فى حاجة فعلية لإعادة تشكيل اللجنة بطريقة مختلفة، وإذا كنا قد استنكرنا «تكويش» التيار الإسلامى عليها فى المرة الأولى، فلا يعقل أن نسمح للتيار الليبرالى أو غيره بأن يكوش عليها فى المرة الثانية، وإذا كنا قد رفضنا هيمنة البرلمان عليها فلا يعقل أن نطالب باستبعاده تماما.
النقطة الجوهرية ــ التى ينبغى أن تكون مفتاح الخروج من الأزمة هى أن يقر الجميع أن هذا البلد لكل المصريين، ولن يستطيع فصيل أو تيار أن يقضى على الآخر...العقائد والأفكار لا تنتهى ولا يقضى عليها لمجرد رغبة الخصم فى ذلك، وإلا كانت الأديان والأفكار الكبرى قد تم إلغاؤها بعد ظهورها مباشرة خصوصا أن ملوكا وطغاة جبارين كانوا يحاربونها.
يفترض أن نتعلم من الأخطاء وألا نعاند أو نكابر، لأن الإصرار على هذا المنهج سيكلفنا الكثير فى المستقبل.. وللأسف فمعظم القوى الرئيسية لم تتعلم من دروس الماضى القريب، لم يتعظ أحد من عنجهية وتعنت وصلف مبارك ومساعديه، لا أحد يريد أن يفكر للحظة أن القابعين فى السجون ذهبوا إلى هناك فقط لأنهم عاندوا ولم يؤمنوا أن هناك بلدا كبيرا يصعب أن يحكمه حزب وطنى أو مكتب إرشاد أو ائتلاف ثورة، أو مجلس أعلى بفرده.. هو بلد ينبغى أن يحكمه توافق من بين كل هذه القوى مجتمعة، وقبل ذلك وبعده أن تكون هذه القوى قد اتفقت على آلية تدير بها خلافاتها، بمعنى أنه لا يعقل أن يرحب السلفيون بنتيجة الانتخابات البرلمانية لأنها صادفت هواهم، ثم يرفضون الاحتكام إلى أحكام قضائية أو لجان «28» لم يعترضوا عليها بجدية لأنها اتخذت قرارا ضد حازم صلاح أبوإسماعيل.
مرة أخرى نحتاج إلى بناء نظام سياسى متين وقوى، ولا يعقل فعلا أن نصوغ الدستور على هوى الرئيس المقبل أو التيار الذى يمثله.
ومرة أخيرة: سامح الله الذين أوقعونا فى كل هذه الحفر والمطبات، ولا نريد منهم سوى كلمة اعتذار بسيطة.